جامعة الملك سعود
كلية التربية
قسم التربية
التأصيل الإسلامي للتغير الاجتماعي
أعدها: محمد بن عبدالله الزامل 1423/1424هـ
ضرورة التأصيل الإسلامي يعتبر موضوع التأصيل الإسلامي للعلوم بشكل عام وللعلوم التربوية بشكل خاص ، من المهام العظيمة الملقاة على كواهل الباحثين المتخصصين كل في مجاله ، وقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة دعوات من المتخصصين لتأصيل العلوم تأصيلاً إسلاميا ، وربطها بالجذور الإسلامية المبثوثة في آيات القران الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، بالإضافة إلى ما كتبه علماء المسلمين الأوائل في موضوعات تبين الاستفادة منها في التخصصات المعاصرة .
وليس معنى ذلك أن جميع ما يقع تحت أيدينا من معطيات الفكر الغربي هي أفكار ونظريات باطلة ، ولكنها كغيرها فيها الغث والسمين وفيها الصالح والطالح ، ولكن الى جانب هذه المسلمات مع تصارع الثقافات واختلاف الحضارات نجد أنفسنا ملزمين بأن نحدد معايير تكون منطلقاً لتقييم معطيات أي فكر وضعي حتى من المسلمين أنفسهم لنقبل ما نجده فيه مصلحة الآمة ونرفض ما سواه ، لان الحكمة ضالة المؤمن أينما ما وجدها فهو أحق بها ، ولعلنا من خلال التأصيل نخرج بعده فوائد نلخصها فيما يلي :
الأول : تنقية وتصفية فكرنا التربوي من الشوائب الدخيلة عليه وتطهيره من الأخطاء والخرافات والبدع .
الثاني: النظر للعلوم الحديثة في الإطار الإسلامي ومبادئه وغاياته ، لنخضعها لمبدأ القبول أو الرفض أو التعديل .
الثالث: بيان تميز الفكر الإسلامي بمصادره الربانية من كتاب وسنة ، من خلال تناوله وطرحة لجميع القضايا التي تهم البشرية، مما يعنى صلاحه لكل زمان ومكان .
التغير الاجتماعي في التصور الإسلامي:
يحدث التغير الاجتماعي في التصور الإسلامي من داخل الإنسان وبإرادته ووفق اختياره، والله سبحانه وتعالى يعين الإنسان على أحداث التغير الذي اختار بنفسه وبإرادته الحرة ، قال تعالى (( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم )) وقال تعالى (( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمه أنعمها على قوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم )) وقال تعالى (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))
فالإنسان هو من يحدث التغير وليس مجرد أحد مكونات عجله التطور التاريخي أو التطور المادي ، إنما هو عامل إيجابي نشط في أحداث التغير وتوجيهه .
والتغير الاجتماعي كما أشارت الآيات السابقة يبدأ من داخل الإنسان بتغير الأنماط القيمة والعقائدية والمعيارية ، فإذا تغير ذلك انعكس على السلوك الخارجي للفرد والمجتمع وبالتالي على النظم والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية ، سلباً وإيجاباً .
القران والسنة والتغير الاجتماعي :
أورد القران الكريم والسنة النبوية التغير الاجتماعي بوضوح في آيات وأحاديث كثيرة وردت بمناسبات عدة ونستدل ببعضها :
أ- قال تعالى (( لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )) والآية تدل على أن التغير قانون اجتماعي مبنى على الطرح فمن خلال حركة الوجود والمجتمع يشتد الصراع وتتصادم المفاهيم والقيم ، ويكون البقاء و وراثة الأرض للأصلح قال تعالى (( فأما الربد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض))
ب- قال تعالى (( أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس )) ومداولة الأيام بين الناس لايمكن أن تأتي إلا نتيجة التغير الذي لابد أن يحدث تبعا للصراع الذي يشتد بسبب عوامل التغير الاجتماعي والتي تساعد على التغير الحتمي.
ت- قال تعالى (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )) فالاختلاف والتغير أصل في خلق الإنسان والوجود ، حتى يميز الخبيث من الطيب وقال تعالى (( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شي قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أنكم احسن عملا )) والابتلاء لا يحدث إلا من خلال التغير المستمر ، فالتغير ليس أمراً عرضيا طارئا إنما هو صفة الوجود والحياة .
ث- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده لا تذب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر فيتمرغ عليه فيقول يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدَّين ، وما به إلا البلاء )) متفق عليه.
ج- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحداً يأخذها منه ، ويُرى الرجل الواحد يتبعة أربعون امرأة يلُذن به من قلة الرجال وكثرة النساء )) رواه مسلم .
وبجانب السنن والقوانين التي أودعها الله تعالى في الوجود والتي تحدث التغير فإن إرادة الله تتدخل أحيانا فتحدث التغير الضروري الفوري المطلوب .
دور الإنسان في أحداث التغير الاجتماعي :
خلق الله الوجود بنظام دقيق ، وخلق الأرض خلقا فريدا مميزا في وضعها من المنظومة الشمسية أودع فيها كل ما يساعد المخلوق المميز( الإنسان ) على العيش والحركة. قال تعالى (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور )) فهذا الإنسان جعله الله مكلفا مسؤولا وأعطاه العقل المدرك والشعور الحساس والقوى والطاقات لكي يحقق الخلافة على الوجه الأكمل ، لذا عليه أن يفهم نفسه فهما دقيقا، وينظر لما حوله ويفكر فيه ليجد ايات الله وقوانينه ظاهرة على مختلف وجوه الحياة الطبيعية فيتحرك للاستفادة منها وتسخيرها لإسعاد نفسه وإنشاء الحضارة وبناء الحياة ، فالإنسان عليه ان يغير ويبدل ويتحرك ولا ينتظر المفاجآت الكونية قال تعالى (( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) وقال تعالى (( ضرب الله مثلا قرية آمنه مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس والجوع والخوف بما كانوا يصنعون )) وقوله تعالى (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )).
ومن هنا يدرك الإنسان أن القرآن حدد الأمانة والخلافة الملقاة عليه وعلمه كيف يؤدي مهمته كي يدرك الفرق بينه وبين العوالم الحيوانية ، حتى يُكون مجتمعا إنسانيا تتحقق فيه عبودية الإنسان لخالقة عندما يطيعة ويؤدي حق خلافته.
فدعوة الرسول(صلى الله عليه وسلم) تستعمل كافة الطاقات الإنسانية الكاملة التي زود بها مع اتباع الوسائل والسنن كلها في عالم العمران المادي والبشري لنشر دعوته وتحقيق المجتمع الذي أرسل من اجل بنائه الروحي والمادي .
أن المعجزات الخارقة لم تكن طريقا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان طريق دعوته تحريك العقل ودفع الإنسان إلى فهم نفسة وفهم ما حوله وإدراك ما في الوجود من القوانين والأسرار ومحاولة اكتشافها وتسخيرها لصالحة واقامة مجتمعة العادل فيها.
أن هذا الارتباط أو التلازم بين البناء الروحي والمادي يتضح جليا في حادتين:
الأولى: معركة أحد عندما خالف جمعا من الصحابة(رضوان الله عليهم) أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالمرابطة فوق التلال التي كانوا يستظهرون بها ، ثم استغل خالد بن الوليد الذي لم يكن دخل الإسلام يومئذ فهزم المسلمون ووقع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حفره وانكسرت رباعيته .
الثانية: في معركة حنين عندما قال أحد الصحابة لن تهزم اليوم من قله ، حيث اعتزوا بكثرتهم، وكادوا يلحقون بأنفسهم الهزيمة لولا ثبات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصدقة في الإخلاص لله، قال تعالى (( ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ))
وتلك الحادثتين تؤكدان أهمية الأخذ بالأسباب المادية في إعداد القوة الكاملة والتنظيم الدقيق والأسباب الروحية المتمثلة في التوكل والاعتماد على الله سبحانه وتعالى .
" أن البطل الحقيقي لذلك التغير الذي حدث من الشرك إلى التوحيد ومن البداوة إلى الحضارة ومن القبلية إلى النظرة الإنسانية للإنسان المسلم الذي صاغه الله بالإسلام صياغة جديدة، وان النكسات الحضارية التي تتابعت على الأمة عبر تاريخها في القرون الأخيرة كان سببها انطفاء جذور الحركة التغيرية المستمرة التي ربى الإسلام الإنسان المسلم عليها"
أن الفرق الأساس بين الإسلام وغيره من الفلسفات المادية الحديثة ان الإسلام وضع للإنسان محورا مستنداً إلى قوانين الخليفة والوجود ينطلق منه إلى التفكير والحركة والبناء ، بينما الفلسفات المادية حطمت هذا المحور، لذلك لم يكن انطلاق الانسان في فكرة وحركته وبناء حضارتة سليما من جوانبه كلها ، إنما سيطرت عليه غرائزه وشهواته فأبعدته عن الفطرة السليمة ، والعقل المفكر المتزن، وإنشاء الحضارة الإنسانية المتناسقة .
أن هذه الثغرة الخطيرة في الحضارة التي تقودها تلك الفلسفات المادية هي التي يشكو منها اليوم كثير من المفكرين والفلاسفة في أقطار تلك الحضارة .
يقول الدكتور الكسى كاريل " إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب ، لأنها لا تلائمنا ، فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقة ، إذا أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية وشهوات الناس واوصافهم ونظرياتهم ورغباتهم ، وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا"
أهداف التغيير الاجتماعي في الإسلام:
1. بناء المجتمع المسلم :
الإسلام يدعو إلى تغيير المجتمع لتقوية الصلة بين أفراده وبين خالقهم ، لبناء حياة على أساس العبودية الخالصة له سبحانه وتعالى قال تعالى (( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون )) ، والإسلام في ذلك لا يطلب من الإنسان قتل الغرائز ومقاومة الدوافع والهروب من عالم الواقع المادي ، بدعوى العيش في عبودية ورهبته ، إنما يقوم بعملية تصفية يوجه فيها الغرائز ويهذب في طريقها الدوافع في حدود خلقة ونطاق استعداده وعدم تكليفه فوق ما يطيق .
وبذلك يتحول الإنسان إلى طاقة تدفع إلى الحركة والعمل والكفاح في الحياة لبناء الحضارة الإنسانية الخيرة ، ويسد الثغرات التي تنتج في ا لعالم المادي نتيجة للدوافع الحيوانية التي تشكل مظاهر متنوعة من الفساد العام الذي يصيب الفرد والجماعة فيتحول المجتمع إلى مجتمع يسود فيه منطق القوة والنهب والإفساد.
فالطاقة الروحية في الإسلام قوة هائلة في التربية والتوجيه لتغيير حياة الآمة وبنائها بناء قويا متيناً يستطيع أن ينتصر على مشاكلها وتخلفها في الداخل ومؤامرات أعدائها في الخارج .
2. بناء المجتمع الفاضل :
الإسلام يسعى إلى بناء مجتمع تسود فيه القيم الأخلاقية التي تضبط سلوك الإنسان وتبقية في إطار إنسانيته، وتحول بينه وبين وقوعها أسيرة بيد غرائزه الحيوانية التي تؤدي إلى كثرة الاضطرابات في المجتمع .
ولم يقف الإسلام عند حدود المواعظ والتوجيهات والتحريم المجرد بل وضع لذلك مخططا تربويا وعمليا دقيقا في سبيل الوصول إلى المجتمع الفاضل بما يلي :
الاعتراف الكامل بدور الغرائز في الحياة ، وذلك بالاعتراف بوجودها والدعوة إلى صقلها وتهذيبها وتوجيهها الوجهة الصحيحة المتزنة .
اللجوء إلى التربية في المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة وأجهزة المجتمع التربوية والإعلامية .
تهيئة الجو الملائم للقضاء على الأسباب التي تؤدي إلى ظهور تلك الفواحش والمنكرات والأمراض النفسية والانحرافات السلوكية على قاعدة (( كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام ))
ولم يكتف الإسلام بذلك كله ، بل شرع نظاما عقابيا يتعمق إلى جذور المشكلات ويحاول أن يقطع الفساد من أصوله .
قال تعالى (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ))
3. بناء المجتمع الانساني :
قال تعالى (( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً))
وكرم بجعله خليفة في الأرض ، وأمر الملائكة المقربين بان يسجدوا له ويعترفوا بفضله ، والتغيير لابد أن يأخذ تكريم الإنسان بنظر الاعتبار ، فالنظام الذي يجعل من الإنسان آلة يقضي على إنسانيته وآدميته وحريته ، فالأصل أن تستغل كل طاقاته في خدمة المجتمع ورقي الانسان الحضاري.
4. بناء المجتمع العامل :
نبه القران الكريم إلى أن الغرض الأساس من خلق الإنسان هو الابتلاء من أجل حسن العمل ، قال تعالى (( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم أحسن عملا))
ولذلك فإن الاستخلاف لن يتحقق إلا بالحركة والعمل ومصداق ذلك قوله تعالى (( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ))
5. بناء المجتمع العالم :
إن توجيه المجتمع نحو العالم أمر ضروري مطلوب في كل حين ، لأنه الباب الذي يلج منه المجتمع الإنساني ، من البداوة إلى الحضارة ومن الفوضى إلى التخطيط والنظام ، وكسب الوقت للوصول إلى الإنتاج الوفير ، وبناء الصحة ، والقضاء على الأمية ومحاربة العقلية الخرافية التي لا تربط الأسباب بالمسببات ، ولا تستفيد من قانون العلية العام في الوجود ، لرسم مستقبله الحضاري الذي تسوده العقلية العلمية .
كما أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان الاستعدادات والطاقات الكاملة للاستفادة من قوانين الحياة المادية ، كي يسخرها ، ويكتشف مجاهيلها ويخطط الحياة على أساسها .
نظرية التغير الاجتماعي في الإسلام:
أن دراسة حركة التغير الاجتماعي أفرزت ظهور نظريات متعددة متضاربة كل منها تحاول أن تفسر التغير الاجتماعي طبقاً لعامل واحد وبعضها قام على أساس من الظن والتخمين والرجم بالغيب مما افقدها اليقين والبرهان .
أما نظرية الإسلام في التغير الاجتماعي فقد كانت على أساس الحقائق الثابتة من خلال الوحي السماوي الصادق ، وبذلك ينفي التفسير الإسلامي عن نفسه شبهة الاعتماد على الظن والبعد عن البرهنة .
كما اعتمدت الواقعية والعلمية على أساس التفسير المتعدد العوامل والمناسب للواقع الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان.
عوامل التغير الاجتماعي في الإسلام :
عوامل أساسية : عوامل فرعية : 1ـ الغيب. 1ـ العوامل الوراثية والعرقية .
2ـ النبوات. 2ـ العوامل الجغرافية
3ـ الإرادة الإنسانية . 3ـ العوامل المادية .
أولا: عامل الغيب:
أي كل ما غاب عن الحس يقول الله تعالى (( آلم * ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب )) أي ما وراء الطبيعة من الإلهيات والنفس والعقل والملائكة والجن وغيرها من الأمور التي بلغت الناس عن طريق الوحي والنبوات ، ومن خلال هذا العامل الأساسي نجد المشيئة الإلهية على رأس العوامل المحركة للتاريخ ، فالله هو الذي وضع السنن والنواميس وهو الذي رتب العلاقات بين الأسباب والمسببات فحركة التاريخ خاضعة أولا لا لقانون حتمي وإنما لقانون : (( ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن )) (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ))
ثانياً: النبوات:
النبوات الهادية للبشرية إلى طريق الحق ، والكتب المقدسة بما احتوته من عقائد ومبادئ ودوافع محركة للتاريخ.
فالأنبياء هم الواسطة بين الله وخلقة ، وهم الذين احيوا أمما من العدم واقاموا دولا وحضارات ، وابادوا بقدرة الله دولا وحضارات وكانت كتبهم المنماوالة وحركتهم بين الناس من أهم العوامل في تغيير وتفسير حركة التاريخ .
فاختلاف البيئات وتغيير الظروف على مدى التاريخ مرجعة قوله تعالى (( لكل جعلنا منكم شرعه ومنهاجا))وهناك القوانين والسنن العامة التي تحكم المجتمعات في تغيرها وتطورها ، واسباب قيامها ،وعوامل انهيارها يقول الله تعالى (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا * وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا))
ثالثاً: العامل الإنساني :
للإنسان في التفسير الإسلامي قيمة كبرى فهو ليس مجرد آله معطلة الإرادة ، وانما هو عنصر خلاق يشارك في صنع تاريخه ، هو الذي يغير ، ويطور ، ويبني ، ويهدم بفكرة وعقله ، وإرادته النابعة من ذاته .
رابعاً: العامل الاجتماعي والوراثي :
الذي يتمثل في التأثر بالبيئة والأسرة في العادات والتقاليد ، وقد عبر القرآن عن أثر هذا العامل في التوجيه الإنساني ، وكيف أنه قد يؤثر في بعض الناس تأثيرا سيئا فقال (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنماوال الله قالوا بل نتبع ما ألقينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ))
خامسا :العامل الجغرافي:
نبه الإسلام إلى اعتبار العامل الجغرافي ، وما له من تأثير في سلوك الإنسان وأخلاقياته ففرق القرآن بين العربي والأعرابي ، ووصف الأعراب بشدة الكفر والنفاق ، والجدارة بعدم الالتزام بحدود الله فقال (( الأعراب أشد كفرا ونفاقا واجدر ألا يعلموا حدود ما أنماوال الله على رسوله )) ، وكما ورد في الأثر جرأتهم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعدم تحرجهم من كثرة السؤال .
سادساً: العامل المادي:
لم يهمل القران الكريم تأثير العامل المادي في سلوك الإنسان فيقدره كأمر واقع نابع من الطبيعة الإنسانية، فبما أن الإنسان روح ومادة، إذا فلا يمكن إهمال أي عنصر من عنصرية وألا أصيب الإنسان بالتفسخ . يقول الله تعالى(( زين الناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن الثواب ))
==========================================
لمزيد من الاطلاع يقترح العودة للمراجع التالية:
1. محسن عبدالحميد،منهج التغير الاجتماعي في الاسلام،مؤسسة الرسالة،بيروت،1403هـ،الطبعة الاولى.
2. علي مدكور،المفاهيم الاساسية لمناهج التربية،دار أسامة،الرياض،1410،الطبعة الاولى.
3. سعدالدين صالح،بين علم الاجتماع الاسلامي وعلم الاجتماع الغربي،مكتبة الصحابة،جدة،1414،الطبعة الثانية.
* المصدر : التأصيل الإسلامي للتغير الاجتماعي، محمد بن عبدالله الزامل
كلية التربية
قسم التربية
التأصيل الإسلامي للتغير الاجتماعي
أعدها: محمد بن عبدالله الزامل 1423/1424هـ
ضرورة التأصيل الإسلامي يعتبر موضوع التأصيل الإسلامي للعلوم بشكل عام وللعلوم التربوية بشكل خاص ، من المهام العظيمة الملقاة على كواهل الباحثين المتخصصين كل في مجاله ، وقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة دعوات من المتخصصين لتأصيل العلوم تأصيلاً إسلاميا ، وربطها بالجذور الإسلامية المبثوثة في آيات القران الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، بالإضافة إلى ما كتبه علماء المسلمين الأوائل في موضوعات تبين الاستفادة منها في التخصصات المعاصرة .
وليس معنى ذلك أن جميع ما يقع تحت أيدينا من معطيات الفكر الغربي هي أفكار ونظريات باطلة ، ولكنها كغيرها فيها الغث والسمين وفيها الصالح والطالح ، ولكن الى جانب هذه المسلمات مع تصارع الثقافات واختلاف الحضارات نجد أنفسنا ملزمين بأن نحدد معايير تكون منطلقاً لتقييم معطيات أي فكر وضعي حتى من المسلمين أنفسهم لنقبل ما نجده فيه مصلحة الآمة ونرفض ما سواه ، لان الحكمة ضالة المؤمن أينما ما وجدها فهو أحق بها ، ولعلنا من خلال التأصيل نخرج بعده فوائد نلخصها فيما يلي :
الأول : تنقية وتصفية فكرنا التربوي من الشوائب الدخيلة عليه وتطهيره من الأخطاء والخرافات والبدع .
الثاني: النظر للعلوم الحديثة في الإطار الإسلامي ومبادئه وغاياته ، لنخضعها لمبدأ القبول أو الرفض أو التعديل .
الثالث: بيان تميز الفكر الإسلامي بمصادره الربانية من كتاب وسنة ، من خلال تناوله وطرحة لجميع القضايا التي تهم البشرية، مما يعنى صلاحه لكل زمان ومكان .
التغير الاجتماعي في التصور الإسلامي:
يحدث التغير الاجتماعي في التصور الإسلامي من داخل الإنسان وبإرادته ووفق اختياره، والله سبحانه وتعالى يعين الإنسان على أحداث التغير الذي اختار بنفسه وبإرادته الحرة ، قال تعالى (( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم )) وقال تعالى (( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمه أنعمها على قوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم )) وقال تعالى (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))
فالإنسان هو من يحدث التغير وليس مجرد أحد مكونات عجله التطور التاريخي أو التطور المادي ، إنما هو عامل إيجابي نشط في أحداث التغير وتوجيهه .
والتغير الاجتماعي كما أشارت الآيات السابقة يبدأ من داخل الإنسان بتغير الأنماط القيمة والعقائدية والمعيارية ، فإذا تغير ذلك انعكس على السلوك الخارجي للفرد والمجتمع وبالتالي على النظم والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية ، سلباً وإيجاباً .
القران والسنة والتغير الاجتماعي :
أورد القران الكريم والسنة النبوية التغير الاجتماعي بوضوح في آيات وأحاديث كثيرة وردت بمناسبات عدة ونستدل ببعضها :
أ- قال تعالى (( لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )) والآية تدل على أن التغير قانون اجتماعي مبنى على الطرح فمن خلال حركة الوجود والمجتمع يشتد الصراع وتتصادم المفاهيم والقيم ، ويكون البقاء و وراثة الأرض للأصلح قال تعالى (( فأما الربد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض))
ب- قال تعالى (( أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس )) ومداولة الأيام بين الناس لايمكن أن تأتي إلا نتيجة التغير الذي لابد أن يحدث تبعا للصراع الذي يشتد بسبب عوامل التغير الاجتماعي والتي تساعد على التغير الحتمي.
ت- قال تعالى (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )) فالاختلاف والتغير أصل في خلق الإنسان والوجود ، حتى يميز الخبيث من الطيب وقال تعالى (( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شي قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أنكم احسن عملا )) والابتلاء لا يحدث إلا من خلال التغير المستمر ، فالتغير ليس أمراً عرضيا طارئا إنما هو صفة الوجود والحياة .
ث- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده لا تذب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر فيتمرغ عليه فيقول يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدَّين ، وما به إلا البلاء )) متفق عليه.
ج- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحداً يأخذها منه ، ويُرى الرجل الواحد يتبعة أربعون امرأة يلُذن به من قلة الرجال وكثرة النساء )) رواه مسلم .
وبجانب السنن والقوانين التي أودعها الله تعالى في الوجود والتي تحدث التغير فإن إرادة الله تتدخل أحيانا فتحدث التغير الضروري الفوري المطلوب .
دور الإنسان في أحداث التغير الاجتماعي :
خلق الله الوجود بنظام دقيق ، وخلق الأرض خلقا فريدا مميزا في وضعها من المنظومة الشمسية أودع فيها كل ما يساعد المخلوق المميز( الإنسان ) على العيش والحركة. قال تعالى (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور )) فهذا الإنسان جعله الله مكلفا مسؤولا وأعطاه العقل المدرك والشعور الحساس والقوى والطاقات لكي يحقق الخلافة على الوجه الأكمل ، لذا عليه أن يفهم نفسه فهما دقيقا، وينظر لما حوله ويفكر فيه ليجد ايات الله وقوانينه ظاهرة على مختلف وجوه الحياة الطبيعية فيتحرك للاستفادة منها وتسخيرها لإسعاد نفسه وإنشاء الحضارة وبناء الحياة ، فالإنسان عليه ان يغير ويبدل ويتحرك ولا ينتظر المفاجآت الكونية قال تعالى (( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) وقال تعالى (( ضرب الله مثلا قرية آمنه مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس والجوع والخوف بما كانوا يصنعون )) وقوله تعالى (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )).
ومن هنا يدرك الإنسان أن القرآن حدد الأمانة والخلافة الملقاة عليه وعلمه كيف يؤدي مهمته كي يدرك الفرق بينه وبين العوالم الحيوانية ، حتى يُكون مجتمعا إنسانيا تتحقق فيه عبودية الإنسان لخالقة عندما يطيعة ويؤدي حق خلافته.
فدعوة الرسول(صلى الله عليه وسلم) تستعمل كافة الطاقات الإنسانية الكاملة التي زود بها مع اتباع الوسائل والسنن كلها في عالم العمران المادي والبشري لنشر دعوته وتحقيق المجتمع الذي أرسل من اجل بنائه الروحي والمادي .
أن المعجزات الخارقة لم تكن طريقا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان طريق دعوته تحريك العقل ودفع الإنسان إلى فهم نفسة وفهم ما حوله وإدراك ما في الوجود من القوانين والأسرار ومحاولة اكتشافها وتسخيرها لصالحة واقامة مجتمعة العادل فيها.
أن هذا الارتباط أو التلازم بين البناء الروحي والمادي يتضح جليا في حادتين:
الأولى: معركة أحد عندما خالف جمعا من الصحابة(رضوان الله عليهم) أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالمرابطة فوق التلال التي كانوا يستظهرون بها ، ثم استغل خالد بن الوليد الذي لم يكن دخل الإسلام يومئذ فهزم المسلمون ووقع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حفره وانكسرت رباعيته .
الثانية: في معركة حنين عندما قال أحد الصحابة لن تهزم اليوم من قله ، حيث اعتزوا بكثرتهم، وكادوا يلحقون بأنفسهم الهزيمة لولا ثبات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصدقة في الإخلاص لله، قال تعالى (( ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ))
وتلك الحادثتين تؤكدان أهمية الأخذ بالأسباب المادية في إعداد القوة الكاملة والتنظيم الدقيق والأسباب الروحية المتمثلة في التوكل والاعتماد على الله سبحانه وتعالى .
" أن البطل الحقيقي لذلك التغير الذي حدث من الشرك إلى التوحيد ومن البداوة إلى الحضارة ومن القبلية إلى النظرة الإنسانية للإنسان المسلم الذي صاغه الله بالإسلام صياغة جديدة، وان النكسات الحضارية التي تتابعت على الأمة عبر تاريخها في القرون الأخيرة كان سببها انطفاء جذور الحركة التغيرية المستمرة التي ربى الإسلام الإنسان المسلم عليها"
أن الفرق الأساس بين الإسلام وغيره من الفلسفات المادية الحديثة ان الإسلام وضع للإنسان محورا مستنداً إلى قوانين الخليفة والوجود ينطلق منه إلى التفكير والحركة والبناء ، بينما الفلسفات المادية حطمت هذا المحور، لذلك لم يكن انطلاق الانسان في فكرة وحركته وبناء حضارتة سليما من جوانبه كلها ، إنما سيطرت عليه غرائزه وشهواته فأبعدته عن الفطرة السليمة ، والعقل المفكر المتزن، وإنشاء الحضارة الإنسانية المتناسقة .
أن هذه الثغرة الخطيرة في الحضارة التي تقودها تلك الفلسفات المادية هي التي يشكو منها اليوم كثير من المفكرين والفلاسفة في أقطار تلك الحضارة .
يقول الدكتور الكسى كاريل " إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب ، لأنها لا تلائمنا ، فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقة ، إذا أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية وشهوات الناس واوصافهم ونظرياتهم ورغباتهم ، وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا"
أهداف التغيير الاجتماعي في الإسلام:
1. بناء المجتمع المسلم :
الإسلام يدعو إلى تغيير المجتمع لتقوية الصلة بين أفراده وبين خالقهم ، لبناء حياة على أساس العبودية الخالصة له سبحانه وتعالى قال تعالى (( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون )) ، والإسلام في ذلك لا يطلب من الإنسان قتل الغرائز ومقاومة الدوافع والهروب من عالم الواقع المادي ، بدعوى العيش في عبودية ورهبته ، إنما يقوم بعملية تصفية يوجه فيها الغرائز ويهذب في طريقها الدوافع في حدود خلقة ونطاق استعداده وعدم تكليفه فوق ما يطيق .
وبذلك يتحول الإنسان إلى طاقة تدفع إلى الحركة والعمل والكفاح في الحياة لبناء الحضارة الإنسانية الخيرة ، ويسد الثغرات التي تنتج في ا لعالم المادي نتيجة للدوافع الحيوانية التي تشكل مظاهر متنوعة من الفساد العام الذي يصيب الفرد والجماعة فيتحول المجتمع إلى مجتمع يسود فيه منطق القوة والنهب والإفساد.
فالطاقة الروحية في الإسلام قوة هائلة في التربية والتوجيه لتغيير حياة الآمة وبنائها بناء قويا متيناً يستطيع أن ينتصر على مشاكلها وتخلفها في الداخل ومؤامرات أعدائها في الخارج .
2. بناء المجتمع الفاضل :
الإسلام يسعى إلى بناء مجتمع تسود فيه القيم الأخلاقية التي تضبط سلوك الإنسان وتبقية في إطار إنسانيته، وتحول بينه وبين وقوعها أسيرة بيد غرائزه الحيوانية التي تؤدي إلى كثرة الاضطرابات في المجتمع .
ولم يقف الإسلام عند حدود المواعظ والتوجيهات والتحريم المجرد بل وضع لذلك مخططا تربويا وعمليا دقيقا في سبيل الوصول إلى المجتمع الفاضل بما يلي :
الاعتراف الكامل بدور الغرائز في الحياة ، وذلك بالاعتراف بوجودها والدعوة إلى صقلها وتهذيبها وتوجيهها الوجهة الصحيحة المتزنة .
اللجوء إلى التربية في المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة وأجهزة المجتمع التربوية والإعلامية .
تهيئة الجو الملائم للقضاء على الأسباب التي تؤدي إلى ظهور تلك الفواحش والمنكرات والأمراض النفسية والانحرافات السلوكية على قاعدة (( كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام ))
ولم يكتف الإسلام بذلك كله ، بل شرع نظاما عقابيا يتعمق إلى جذور المشكلات ويحاول أن يقطع الفساد من أصوله .
قال تعالى (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ))
3. بناء المجتمع الانساني :
قال تعالى (( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً))
وكرم بجعله خليفة في الأرض ، وأمر الملائكة المقربين بان يسجدوا له ويعترفوا بفضله ، والتغيير لابد أن يأخذ تكريم الإنسان بنظر الاعتبار ، فالنظام الذي يجعل من الإنسان آلة يقضي على إنسانيته وآدميته وحريته ، فالأصل أن تستغل كل طاقاته في خدمة المجتمع ورقي الانسان الحضاري.
4. بناء المجتمع العامل :
نبه القران الكريم إلى أن الغرض الأساس من خلق الإنسان هو الابتلاء من أجل حسن العمل ، قال تعالى (( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم أحسن عملا))
ولذلك فإن الاستخلاف لن يتحقق إلا بالحركة والعمل ومصداق ذلك قوله تعالى (( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ))
5. بناء المجتمع العالم :
إن توجيه المجتمع نحو العالم أمر ضروري مطلوب في كل حين ، لأنه الباب الذي يلج منه المجتمع الإنساني ، من البداوة إلى الحضارة ومن الفوضى إلى التخطيط والنظام ، وكسب الوقت للوصول إلى الإنتاج الوفير ، وبناء الصحة ، والقضاء على الأمية ومحاربة العقلية الخرافية التي لا تربط الأسباب بالمسببات ، ولا تستفيد من قانون العلية العام في الوجود ، لرسم مستقبله الحضاري الذي تسوده العقلية العلمية .
كما أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان الاستعدادات والطاقات الكاملة للاستفادة من قوانين الحياة المادية ، كي يسخرها ، ويكتشف مجاهيلها ويخطط الحياة على أساسها .
نظرية التغير الاجتماعي في الإسلام:
أن دراسة حركة التغير الاجتماعي أفرزت ظهور نظريات متعددة متضاربة كل منها تحاول أن تفسر التغير الاجتماعي طبقاً لعامل واحد وبعضها قام على أساس من الظن والتخمين والرجم بالغيب مما افقدها اليقين والبرهان .
أما نظرية الإسلام في التغير الاجتماعي فقد كانت على أساس الحقائق الثابتة من خلال الوحي السماوي الصادق ، وبذلك ينفي التفسير الإسلامي عن نفسه شبهة الاعتماد على الظن والبعد عن البرهنة .
كما اعتمدت الواقعية والعلمية على أساس التفسير المتعدد العوامل والمناسب للواقع الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان.
عوامل التغير الاجتماعي في الإسلام :
عوامل أساسية : عوامل فرعية : 1ـ الغيب. 1ـ العوامل الوراثية والعرقية .
2ـ النبوات. 2ـ العوامل الجغرافية
3ـ الإرادة الإنسانية . 3ـ العوامل المادية .
أولا: عامل الغيب:
أي كل ما غاب عن الحس يقول الله تعالى (( آلم * ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب )) أي ما وراء الطبيعة من الإلهيات والنفس والعقل والملائكة والجن وغيرها من الأمور التي بلغت الناس عن طريق الوحي والنبوات ، ومن خلال هذا العامل الأساسي نجد المشيئة الإلهية على رأس العوامل المحركة للتاريخ ، فالله هو الذي وضع السنن والنواميس وهو الذي رتب العلاقات بين الأسباب والمسببات فحركة التاريخ خاضعة أولا لا لقانون حتمي وإنما لقانون : (( ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن )) (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ))
ثانياً: النبوات:
النبوات الهادية للبشرية إلى طريق الحق ، والكتب المقدسة بما احتوته من عقائد ومبادئ ودوافع محركة للتاريخ.
فالأنبياء هم الواسطة بين الله وخلقة ، وهم الذين احيوا أمما من العدم واقاموا دولا وحضارات ، وابادوا بقدرة الله دولا وحضارات وكانت كتبهم المنماوالة وحركتهم بين الناس من أهم العوامل في تغيير وتفسير حركة التاريخ .
فاختلاف البيئات وتغيير الظروف على مدى التاريخ مرجعة قوله تعالى (( لكل جعلنا منكم شرعه ومنهاجا))وهناك القوانين والسنن العامة التي تحكم المجتمعات في تغيرها وتطورها ، واسباب قيامها ،وعوامل انهيارها يقول الله تعالى (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا * وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا))
ثالثاً: العامل الإنساني :
للإنسان في التفسير الإسلامي قيمة كبرى فهو ليس مجرد آله معطلة الإرادة ، وانما هو عنصر خلاق يشارك في صنع تاريخه ، هو الذي يغير ، ويطور ، ويبني ، ويهدم بفكرة وعقله ، وإرادته النابعة من ذاته .
رابعاً: العامل الاجتماعي والوراثي :
الذي يتمثل في التأثر بالبيئة والأسرة في العادات والتقاليد ، وقد عبر القرآن عن أثر هذا العامل في التوجيه الإنساني ، وكيف أنه قد يؤثر في بعض الناس تأثيرا سيئا فقال (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنماوال الله قالوا بل نتبع ما ألقينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ))
خامسا :العامل الجغرافي:
نبه الإسلام إلى اعتبار العامل الجغرافي ، وما له من تأثير في سلوك الإنسان وأخلاقياته ففرق القرآن بين العربي والأعرابي ، ووصف الأعراب بشدة الكفر والنفاق ، والجدارة بعدم الالتزام بحدود الله فقال (( الأعراب أشد كفرا ونفاقا واجدر ألا يعلموا حدود ما أنماوال الله على رسوله )) ، وكما ورد في الأثر جرأتهم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعدم تحرجهم من كثرة السؤال .
سادساً: العامل المادي:
لم يهمل القران الكريم تأثير العامل المادي في سلوك الإنسان فيقدره كأمر واقع نابع من الطبيعة الإنسانية، فبما أن الإنسان روح ومادة، إذا فلا يمكن إهمال أي عنصر من عنصرية وألا أصيب الإنسان بالتفسخ . يقول الله تعالى(( زين الناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن الثواب ))
==========================================
لمزيد من الاطلاع يقترح العودة للمراجع التالية:
1. محسن عبدالحميد،منهج التغير الاجتماعي في الاسلام،مؤسسة الرسالة،بيروت،1403هـ،الطبعة الاولى.
2. علي مدكور،المفاهيم الاساسية لمناهج التربية،دار أسامة،الرياض،1410،الطبعة الاولى.
3. سعدالدين صالح،بين علم الاجتماع الاسلامي وعلم الاجتماع الغربي،مكتبة الصحابة،جدة،1414،الطبعة الثانية.
* المصدر : التأصيل الإسلامي للتغير الاجتماعي، محمد بن عبدالله الزامل
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام