هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مرحبا بكم في هذا المنتدى الخاص بعلوم الإعلام و الإتصال و العلوم السياسية والحقوق و العلوم الإنسانية في الجامعات الجزائرية
. نرحب بمساهماتكم في منتدى الطلبة الجزائريين للعلوم السياسية و الاعلام والحقوق و العلوم الإنسانية montada 30dz

دخول

لقد نسيت كلمة السر

المواضيع الأخيرة

» مشاركة بحث
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo

» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت

» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام

» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام

» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام

» ترحيب و تعارف
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالسبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي

» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام

» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام

»  الادارة وتعريفها
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام

» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام


4 مشترك

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة

    جمال15
    جمال15


    البلد : تيزي وزو.الجزائر
    عدد المساهمات : 159
    نقاط : 288
    تاريخ التسجيل : 24/12/2009
    العمر : 36

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Empty مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة

    مُساهمة من طرف جمال15 الأحد ديسمبر 27, 2009 10:46 pm

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة
    د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي
    أستاذ الاقتصاد المشارك- خبير المتابعة وتقييم الأداء- الدوحة – ص. ب 1855
    قطر
    مجلة علوم انسانية .السنة الرابعة: العدد 31: تش2 (نوفمبر) 2006 - 4th Year: Issue

    بقية الدراسة على الرابط:
    http://www.ulum.nl/b210.htm
    سليم19
    سليم19


    عدد المساهمات : 240
    نقاط : 456
    تاريخ التسجيل : 07/12/2009

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Empty رد: مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة

    مُساهمة من طرف سليم19 الأربعاء فبراير 24, 2010 11:38 pm

    شكرا أخي على الموضوع ، و إليك الموضوع التالي:
    الثقافة والتنمية المستقلة في عصر العولمة (التخلف العربي ثقافي أم تكنولوجي) ـــ محمد سعيد طالب - دراسة ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق -
    الموضوع في نسخته الأصلية:
    http://www.awu-dam.org/book/05/study05/354-m-s/ind-book05-sd001.htm
    avatar
    adelamine


    البلد : algerie
    عدد المساهمات : 1
    نقاط : 1
    تاريخ التسجيل : 13/02/2010
    العمر : 36

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Empty رد: مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة

    مُساهمة من طرف adelamine الأحد فبراير 28, 2010 10:32 am

    شكرا أخي Very Happy
    ayad
    ayad


    البلد : حاسي مسعود.الجزائر
    عدد المساهمات : 238
    نقاط : 358
    تاريخ التسجيل : 20/02/2010
    العمر : 39

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Empty رد: مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة

    مُساهمة من طرف ayad الجمعة مارس 23, 2012 6:17 pm

    سلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
    تأثير البُنية الاجتماعية -الاقتصادية على العملية التنموية في العالم الثالث والوطن العربي.

    تمهيد: مشكلة الدراسة ومعوقات البحث:

    درج معظم المختصين في القضايا الاجتماعية والاقتصادية للبلدان النامية، على الاستناد إلى نقطة محورية- ارتكازية تعزو مشكلات التأخر وتخلّف القوى الإنتاجية، وعلاقات الإنتاج في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى الاستعمار بشكليه القديم والجديد. ورغم أن هذا المنطلق يعد صحيحاً إلى حد كبير، إلا أنّه لايتضمن الإجابة التامة أو الإحاطة الشاملة الكافية بالمسائل والتعقيدات، التي تعاني منها تلك الدول. فالواقع يؤكد أن الاستعمار ليس كل شيء، إذ أن العوامل الداخلية تظل الشرط الحاسم في كل تغير اقتصادي، أو اجتماعي أو سياسي أو ثقافي... الخ. وعلم اجتماع التنمية التكاملي ينطلق من دراسة أية ظاهرة اجتماعية على أساس كلي -شمولي يحيط بعوامل نشأتها وبما يربطها بغيرها من الظواهر، واتجاهات تطورها المتوقعة، وبما أن الأساس العلمي الصحيح لفهم مسيرة أي مجتمع يقتضي وعي طبيعة البنية التحتية له، فإن ذلك يحتم علينا دراسة واستقصاء علاقات الإنتاج السائدة في هذا المجتمع وطابع ومستوى القوى المنتجة فيه.وهذا يعني تفحص البنية الاجتماعية -الاقتصادية، التي تشكل النواة الجوهرية لأي مجتمع في العالم. ومن هنا تنبع الأهمية المنهجية الكبيرة لتفسير آلية العلاقة المتبادلة بين الأنماط الاقتصادية المختلفة على نطاق البلدان النامية ككل، ومسألة الصراع أو التعايش بين التشكيلات الاجتماعية -الاقتصادية على الصعيد العالمي.
    وفي ضوء ما تقدم يمكننا القول، إن آلية التفاعل المتبادل بين عدة أنماط اقتصادية وتشكيلات اجتماعية تصبح واضحة، إذا ما تمت معرفة التأثيرات المتبادلة بين الظروف الداخلية والخارجية، التي تنتهي عادة بسيطرة نمط إنتاجي معين في نهاية المطاف.
    وعليه، فإننا نعلن منذ البدء عن اتفاقنا مع الباحثين الذين يؤكدون "أن دراسة الدول النامية تتطلب إقامة نظرية بديلة عن تلك النظريات الغربية التي لم تعد تستطيع الصمود أمام واقع هذه الدول. ومن الضروري أن تستند هذه النظرية إلى فهم عميق للعناصر البنائية للتنمية، أي فهم عميق لوجود عالم متقدم جنباً إلى جنب عالم متخلف" (1).
    ونحن في دارستنا هذه ننطلق من الفرضية التالية: إن الفهم العلمي السليم لأسباب تعثر الخطط والبرامج التنموية في بلدان العالم الثالث، يجب أن تستند إلى استقصاء مشكلات البنية الاجتماعية -الاقصادية المُهيمنة في تلك البلدان، والقائمة بدورها على الاقتصاد ذي الأنماط المتعددة.
    إن تعقّد هذه المشكلة ناتج أساساً عن واقعة، أنه في ظروف تعايش وتفاعل تشكيلات اجتماعية مختلفة (على الصعيد العالمي)، وتعايش وتفاعل أنماط اقتصادية مختلفة (على الصعيد المحلي -القطري) تتشابك جملة ظواهر وأنظمة وأنساق اجتماعية -اقتصادية، سياسية -ثقافية، وكنتيجة منطقية لذلك يحصل تشابك شديد في مهام التنمية المأمولة، ولهذا التشابك الواسع لا يمكن تنفيذ البرامج والخطط المقررة دون مصاعب وتعثرات وإخفاقات.
    وفي هذا الإطار أيضاً، فإن النظريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الغربية تستطيع أن تؤدي بنا إلى استنتاجات صادقة إذا ما طبقناها على العالم الغربي، ولكنها لن تقودنا إلى استنتاجات صادقة إذا ما طبقناها -كما هي -على الدول النامية، ذلك أن الاتجاهات والنظم السائدة في الدول الأخيرة تتخذ طابعاً معيناً يصعب معه إجراء تحليلات اقتصادية واجتماعية وسياسية من النوع السائد في الدول المتقدمة (الصناعية). لذلك يتعين إعادة صياغة كثير من المفاهيم والنظريات الغربية على نحو يلائم واقع الدول النامية. وأهم هذه المفاهيم في رأينا ما يتعلق بالبنية الاجتماعية -الاقتصادية لدول العالم الثالث.
    وقد كتبت آلاف الدراسات والمقالات والكتب والأبحاث حول العامل الخارجي في ظاهرة تخلف دول العالم الثالث، أي عامل الاستعمار والتبعية والارتباط بالنظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، الذي يضمن للدول الرأسمالية الصناعية المتطورة مضاعفة احتكاراتها عن طريق استغلال الدول النامية والإبقاء على أوضاعها الراهنة، أي أن تظل مورداً أساساً للمواد الخام، وأن تظل السوق الرئيسة المستهلكة لمنتجات الدول الصناعية... الخ، في حين إنّ قلة فقط من الدراسات الجادة غاصت في العامل الداخلي للتخلف، المرتبط بطبيعة البنى الاجتماعية -الاقتصادية لدول العالم الثالث، أي تحليل طبيعة ومستويات القوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية في تلك الدول، والتي لا يمكن إجراء تغييرات اجتماعية -اقتصادية وثقافية وعلمية حقيقية دون تحليلها وفهم جوهرها وآلية عملها ودينامية تأثيراتها (2).
    ويتجلى تعقيد المشكلة المطروحة بألوان مختلفة، لسنا بصدد التوقف عند تفصيلاتها، مكتفين بالإشارة إلى أن أبرز خلفيات تعثر الوصول إلى تحليلات واقعية- موضوعية للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلدان النامية يعود إلى هيمنة المواقف الأيديولوجية -السياسية إزاء النظريات والأفكار المطروحة، وقد ناقش كثير من الباحثين العرب هذه النقطة، مؤكدين على ظاهرة بارزة تتمثل في سعي "القوى الاجتماعية" التي بيدها السلطة السياسية إلى فرض نفوذها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على مؤسسات إنتاج المعرفة ونشرها، لأن تلك السيطرة تحقق إدماج هذه المؤسسات في مشروع النظام القائم وجعلها أدوات لا غنى عنها في كسب الشرعية من جهة، وتزويد النظام بكفاءات ضرورية لتحقيق أهدافه في مختلف المستويات، اقتصادية وسياسية وعقيدية" (3).
    والعامل الثاني، الذي يشكل حاجزاً رئيساً أمام الدراسات والبحوث الاجتماعية الناجحة، هو انغلاق ميادين ومؤسسات كثيرة في مجتمعاتنا أمام البحوث الميدانية والتحليلات والمتابعات العلمية. إذ إن تلك المجالات تعد مقدسة وينظر إلى البحث فيها على أنه تدنيس وخرق للحرمات "لأنه يكشف فيها مظاهر الخداع والتمويه" (4). والأمثلة على ذلك عديدة منها: قضايا الاختلال في سير النظام الاجتماعي، السلطة وآليات السيطرة التي تمارسها طبقات أو شرائح اجتماعية معينة، مؤسسات الحكم وأجهزتها المختلفة، العلاقات والسلوك الجنسي، قضايا العقيدة والممارسة الدينية، موقع الدين في المجتمع ودوره والحركات التي تستخدمه في شعاراتها واستيعابها للجماهير، الجماعات الهامشية أو المهمشة.... الخ.
    أما العامل الأكثر تأثيرا‌ً على الدراسات والبحوث الاجتماعية العميقة، فإنه يتجلى في موضوع تلك الدراسات، أي في البنية الاجتماعية المعقدة في دول الثالث ذاتها. فالمعروف أن البنية الاجتماعية -الاقتصادية لبلدان العالم الثالث تحمل في داخلها مزيجاً مركباً يمثل تقريباً كل العلاقات الاجتماعية والتكوينات الاقتصادية التي عرفتها البشرية على مر العصور والأزمنة. وبكلمات أخرى، يعد التركيب الاجتماعي والاقتصادي لتلك البلدان من جهة، والحراك الاجتماعي المتسارع من جهة ثانية عاملاً مؤثراً إلى أبعد الحدود بالنسبة للدارسين الاجتماعيين، ويرتب عليهم مزيداً من المسؤوليات والحذر والدقة في إطلاق التعميمات والاستنتاجات.
    ونظراً للأهمية الشديدة للعامل الأخير، فإننا نود التوسع في دراسته، خاصة وأنه يشكل المنطلق المنهجي والمحور الذي نرتكز عليه في بحثنا هذا.آملين أن نكرس دراسات أخرى لبقية العوامل المؤثرة في منجزات ونتائج البحوث الاجتماعية الخاصة بالبلدان النامية.
    أولاً: مفهوم البنية الاجتماعية:

    البنية أو البناء بشكل عام STRUCTURE هي علاقة كامنة ومستقرة نسبياً بين العناصر، أو الأجزاء، أو النماذج التي ينطوي عليها كل "منظم وموحد" (5). ويعرف الدكتور أحمد زكي بدوي واضع "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية" البناء بأنه "الكل المؤلف من الظواهر المتضامنة، بحيث تكون كل ظاهرة تابعة للظواهر الأخرى، ومتعلقة بها، وبعابرة أخرى هو تنظيم دائم نسبياً تسير أجزاؤه في طرق مرسومة ويتحدد نمطه بنوع من النشاط الذي يتخذه" (6).
    ويؤكد الدكتور جميل صليبا المفهوم ذاته، حيث يقول: أن للبنية معنى خاصاً وهو إطلاقها على الكل المؤلف من الظواهر المتضامنة، بحيث تكون كل ظاهرة منها تابعة للظواهر الأخرى، ومتعلقة بها (7).
    ويُستنتج من التعريفات السابقة ارتباط مفهوم البناء أو البنية (أو البنيان) بمسألة الثبات النسبي برغم التغير المستمر والحراك الظاهر لأجزائه، ولا يتغير ذلك البناء عموماً إلا عندما تطرأ على الكل طفرة كيفية (نوعية، جذرية). ومن جهة أخرى فإن عناصر الكل تعتمد بشكل أساسي على بنائه، ويكون لها دور متميز كيفياً عليها أن تقوم به بالاستناد إلى نمط ونسق ترابطها وتنظيمها، ولهذا فإن المعرفة الكاملة بالكل تعني معرفة بنائه العضوي باعتباره إدراك تعقيد العلاقات بكاملها بين أجزاء الكل. فمفهوم "البنية" يظهر في المقام الأول؛ جانب الثابت والاستقرار، الذي بفضله يحافظ الموضوع على كيفيته أثناء تغير عناصر غير جوهرية في معطيات الظروف الداخلية أو الخارجية. فالمنظومة العامة تبقى ما بقيت البنية، وتهلك، أو تزول كلياً، أو تتبدل جوهرياً، حين تنحل البنية أو تتغير نوعيتها الأساسية المميزة.
    هذا من ناحية مفهوم "البنية" أو "البناء" بصورة عامة، أما "البنية الاجتماعية" SOCIAL STRUCTURE أو "البناء الاجتماعي" فهو اصطلاح ينطوي على مقاربات ومعان مختلفة وافتراضات متنوعة، فقد استخدم سبنسر وغيره من علماء الاجتماع المعاصرين هذا المصطلح للإشارة إلى نوع من الترتيب بين مجموعة نظم يعتمد بعضها على بعض، وتعدّ وحدات البناء الاجتماعي هي ذاتها بناءات فرعية، والافتراض الأساسي هنا هو أن التكامل أو بقاء الكل يتوقف على العلاقات بين الأجزاء وأدائها لوظائفها.
    وعلى العكس من هذا التصور العام للبناء الاجتماعي، هناك التصور الذي قدمه علماء الاجتماع التحليليون (أو علم الاجتماع الصوري) مثل فون ويزه VON WIESE، وبيكر، H.BECKER، وهيلر E.T. HILLER، ومؤداه أن البناء الاجتماعي هو: (أ) ترتيب للأوضاع أو المراكز أو (ب) شبكة من العلاقات بين الأشخاص والقوى الفاعلة، وهكذا يتكون بناء المجتمع أو تنظيمه من مراكز مثل المهن والطبقات والتوزيع العمري والجنسي. ويقترب تصور فيرث FIRTH من ذلك، حيث يرى أن "البناء الاجتماعي الذي يدرسه علماء الأنثروبولوجيا يتضمن علاقات أساسية تنشأ عن النسق الطبقي وعضوية الجماعات الدائمة، مثل القبائل والعشائر والطوائف، ومراحل العمر والسن أو الجماعات السرية. الخ، وثمة علاقات أخرى ترجع إلى الأوضاع التي يشغلها الناس في النسق القرابي" (Cool.
    وجدير بالذكر أن المماثلة العضوية التي قدمها هربرت سبنسر بين المجتمع والكائن العضوي قد أسهمت في نشر وترويج مصطلح البناء الاجتماعي، أما التساؤلات الخاصة بالبناء فتشمل: (أ) كيف نشأ البناء الاجتماعي وحقق تكامله؟ (ب) ما هي مكونات البناء ووحداته الأساسية؟ (جـ) كيف يحدث التكامل بين هذه الوحدات؟ ومن المعروف أن مفهوم البناء الاجتماعي في الاستخدامات السوسيولوجية يطبّق على الجماعات الصغيرة والمجتمعات الكلية بآن معاً.
    ويحتل مصطلح "البناء الاجتماعي"، أهمية مركزية في المدخل الوظيفي -البنائي في الأنثربولوجيا الاجتماعية البريطانية، وغالباً ما يستخدم في الأنثربولوجيا عامة كمرادف "للتنظيم الاجتماعي"، كما يستخدم بصفة خاصة في تحليل نظم القرابة والنظم السياسية والقانونية في المجتمعات الأصلية (غير الصناعية). إلا أن ريموند فيرث FIRTH يميز بين البناء الاجتماعي والتنظيم الاجتماعي على أساس أنّ التنظيم الاجتماعي يشير إلى الاختيارات والقرارات المتضمنة في العلاقات الاجتماعية الواقعية، بينما يشير البناء الاجتماعي إلى العلاقات الاجتماعية الجوهرية التي تعطي المجتمع صورته الأساسية، المحددة لمجريات الفعل الاجتماعي. أما فورتس FORTES فيرى أن المصطلح ينطبق على كل الترتيبات المنظمة للكليات المتميزة، كالنظم والجماعات والمواقف والعمليات والأوضاع الاجتماعية (9).
    وبعبارة أخرى، فإن البناء الاجتماعي هو النمط الناظم لجماعة ما، ويتضمن مجموع العلاقات الموجودة بين أعضاء الجماعة، وبعضهم مع بعض، وبينهم وبين الجماعة نفسها. أو هو إطار المجتمع كعلاقة منظمة بين الوحدات الاجتماعية المختلفة: التجمعات القائمة على القرابة، والجنس والسن، والمصلحة المشتركة، والمكانة والمنماوالة، والمهنة الواحدة، والعلاقات الإنتاجية المشتركة، والانتماءات السياسية والقومية والعرقية وغير ذلك من العلاقات للبناء الاجتماعي.
    ثانياً- البنية الاقتصادية والبنية
    التحتية (القاعدة الاقتصادية):

    تشكل العلاقات الإنتاجية، التي يكوّنها الناس فيما بينهم خلال عملية الإنتاج القاعدة المادية (أو الأساس المادي)، التي ينتصب فوقها البنيان (البناء) الفوقي، المكون من العلاقات الأيديولوجية والآراء والمؤسسات التي تؤثر بدورها على القاعدة الاقتصادية، وإذا كانت علاقات الإنتاج تشكل جوهر البنية الاقتصادية لمجتمع ما، فإن البنية الاقتصادية لا تنفصل بالطبع عن نمط الإنتاج رغم عدم التطابق بينهما.
    ومن جهة أخرى، فإن البنية الاقتصادية لا تتكون من مجموع علاقات الإنتاج فقط، بل تتكون أيضاً من تكويناتها الخاصة التي هي نتيجة لعلاقات الإنتاج الأساسية، وفي التشكيلات الاجتماعية المعروفة، فإن علاقات الإنتاج الأساسية المعلقة بملكية وسائل الإنتاج تحدد بدورها طبيعة وسمات الطبقة (أو الطبقات) المسيطرة.
    ومفهوم البنية الاقتصادية هو حقيقة واقعية، ولكنها ليست ثابتة أو جامدة، بل تتطور بتطور القوى المنتجة في المجتمع.
    وعندما يجري التركيز على مصطلح "القاعدة الاقتصادية" فالمقصود بذلك البناء الاقتصادي (أو البنيان الاقتصادي) منظوراً له في علاقته بالبنية الفوقية.
    وهكذا يعود مفهوم القاعدة إلى مفهوم الأساس. وتبدو التشكيلة الاقتصادية -في ضوء ذلك- كبناء من مستويات عدة (مختلفة). وإن لكل بنية اجتماعية -اقتصادية قاعدتها الخاصة والتي تحدد سماتها الأساسية، وهذا ما نود التركيز عليه في هذه الدراسة.
    ونحن نعتقد أن التعمق في تحليل هذه المقولات السوسيولوجية- الاقتصادية، من شأنه أن يقدم المفاتيح العامة لفهم التطور الاجتماعي -الاقتصادي والتاريخي لبلدان العالم الثالث، وربما لصياغة وبلورة نظام من القوانين والتفسيرات العلمية لصيرورات التطور في تلك البلدان.
    ولكن من ناحية أخرى، فإن البنية الاجتماعية المعقدة لتلك المجتمعات تزيد من صعوبة دراسة جوهرها وتعيين طابع التحولات القائمة والعناصر الفاعلة بشكل علمي ودقيق، بعيداً عن المواقف السياسية، والأيديولوجية المسبقة. فالملاحظ بالنسبة لمعظم الدراسات المكرسة لتحليل وتوصيف البنى الاجتماعية والاقتصادية لبلدان العالم الثالث، غياب تصنيف موحد عام متفق عليه للأنماط الاجتماعية -الاقتصادية القائمة هنا. وعلى سبيل المثال، فإن العالم البولوني المعروف ي.كليير، يميز بين نمطين للاقتصاد السلعي الصغير (في المدينة والريف) ونمطين رأسماليين (أجنبي ومحلي). في حين أن الاقتصادي الروسي س. تولبانوف في دراسته للاقتصاد السياسي للبلدان النامية يؤكد على وجود نمط إنتاجي واحد للاقتصاد السلعي الصغير، ونمطين رأسماليين، أحدهما محلي والآخر أجنبي.
    ودون الخوض في المسائل النظرية الخلافية حول عدد الأنماط الاقتصادية وتسمياتها وتفرعاتها، نشير في هذا الإطار إلى أن التركيب الاجتماعي والاقتصادي لهذه البلدان هو حاصل جمعي لأنماط اقتصادية مختلفة، مع عدم تمتع أي من هذه الأنماط القائمة بالسيطرة على الأسلوب الإنتاجي في المجتمع النامي. وكل نمط اقتصادي يحتوي على شكل محدد لملكية وسائل الإنتاج: ملكية مشاعية عامة، ملكية إقطاعية، ملكية خاصة صغيرة، ملكية رأسمالية (أجنبية أو محلية)، ملكية الدولة... الخ(10).
    وانطلاقاً من أشكال الملكية والأساليب الإنتاجية الاستثمارية، يمكن تصنيف الأنماط الاجتماعية -الاقتصادية التالية في بلدان العالم الثالث:
    1-الاقتصاد العيني وأنواعه: مشاعي أو قبلي، إقطاعي، شبه إقطاعي.. الخ.
    2- النمط السلعي الصغير: في المدينة أو الريف.
    3- النمط الرأسمالي المحلي: أي الاقتصاد الرأسمالي لأصحاب المشروعات المحليين: توجد في هذا النمط قطاعات مختلفة كالرأسمالية الوطنية الصغيرة، والرأسمالية الخاصة المتطورة القريبة من الطراز الغربي المتعارف عليه.
    4- نمط الرأسمال الأجنبي: أي الاقتصاد والمنشآت التابعة للرأسمالية العالمية وللاحتكارات الدولية ولا سيما للشركات متعددة الجنسيات.
    5- نمط رأسمالية الدولة، السائرة في طريق الاقتصاد الليبرالي والتطور الرأسمالي.
    6- نمط رأسمالية الدولة، التي تعتمد على احتكار التجارة الخارجية والمواد الأساسية في التجارة الداخلية، أو ما يطلق عليه نمط "الاتجاه الاشتراكي".
    7- بالإضافة للأنماط المذكورة، توجد في العالم الثالث أشكال انتقالية (هامشية) تمثل خليطاً أو حالة هلامية غير متبلورة من ناحية نمط الإنتاج وأساليب الاستثمار وشكل الملكية (11).
    ولدى تحليل البنية الاقتصادية لمجتمعات العالم الثالث، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة قطاعات أساسية: تقليدي وأجنبي متطور ومحلي تابع وضعيف نسبياً. وقد ظهر تقسيم اقتصاد هذه البلدان إلى تقليدي وأجنبي في عصر الاستعمار (الكولونيالية)، وعكس ذلك التقسيم دور البلدان النامية كمورد للخامات وسوق تتبع اقتصادات البلدان المستعمرة (المتروبولات).
    وتشكل ملكية الاحتكارات الأجنبية عصب القطاع الأجنبي، المعتمد أساساً على تصدير الخامات الأولية، كما يتميز هذا القطاع بتطور العلاقات البضاعية -النقدية، وأما عملية الإنتاج الجارية في هذا القطاع، فإنها تتم بصورة رئيسة على أساس العلاقات الإنتاجية الرأسمالية، وقد حصلت القوى المنتجة الموظفة في هذا القطاع على تطوير سريع وتحديث لا بأس به، نظراً لأهمية ذلك بالنسبة للاحتكارات العالمية.
    وأما القطاع التقليدي فهو قائم على أسلوب الاقتصاد العيني، حيث تسيطر فيه العلاقات ما قبل الرأسمالية، ويمتلك هذا القطاع أكثر أشكال القوى الإنتاجية بدائية وتخلفاً، ومن هنا يتفق أغلبية الخبراء والمختصين بشؤون اقتصادات البلدان النامية على معاناة هذا القطاع بالذات من النتائج التي ترتبت على ما سمي بالتحديث الاقتصادي والمالي والبنيوي في تلك البلدان، وفي هذا السياق يؤكد الباحث الاقتصادي البريطاني المعروف هـ. مينيت: أن أخطر النتائج التي ترتبت على الطراز الحديث عن السياسات النقدية والمالية توجد في تفاقم الازدواجية الاقتصادية بين القطاع الصناعي الحديث والقطاع التقليدي الكثير، من نقص رؤوس الأموال وارتفاع معدلات الفائدة، وذلك بسبب المخاطر الكبيرة وتكاليف إقراض النقود، وبالمفرق، لطبقات صغار المقترضين. ولكن هذا العائق قد تفاقم الآن بسبب سياسات الحكومة (في دول العالم الثالث/ خ.ج) لتعزيز التصنيع المحلي. لقد كان لهذه السياسات تأثيرها لتأمين رأس المال النادر، وموارد القطع الأجنبي، والخدمات الاقتصادية العامة، بشروط مواتية جداً للوحدات الاقتصادية الأكبر حجماً في القطاع الحديث وبشروط سيئة للوحدات الاقتصادية الصغيرة في القطاع التقليدي (12).
    والحقيقة الواضحة للجميع أن الطابع العام للبلدان النامية (باستثناء أقطار الجزيرة والخليج العربي) يتجلى في غلبة الطابع الزراعي على سكان تلك البلدان، المتسم بالتخلف والبدائية، وضعف المستوى التكنولوجي للعمليات الزراعية، واعتمادها على الجهد العضلي للإنسان وعلى الظروف الطبيعية المتقلبة، وهذه سمة بارزة وعامة ومنتشرة تميز تلك البلدان عن البلدان الرأسمالية التي قطعت شوطاً كبيراً على طريق التقدم. ويشرح مؤلفو كتاب "التركيب الطبقي في البلدان النامية" أساليب هذه الظاهرة العامة فيقولون: "إن أساليب احتلال الزراعة لهذا المركز الكبير في توزيع العاملين من السكان في البلدان الآسيوية والأفريقية والأمريكية اللاتينية، تكمن بالدرجة الأولى طبعاً في التخلف الاقتصادي لهذه البلدان وفي المستوى المنخفض لإنتاجية العمل فيها"(13).
    وما دمنا نتحدث عن القطاع التقليدي، فإننا يجب أن نشير إلى حقيقة أنه لدى الغالبية العظمى من البلدان النامية قطاعاً ضخماً من العاملين في الصناعات الصغيرة والحرف التقليدية. وما زال الإنتاج الصغير يلعب حتى الآن دوراً كبيراً في اقتصاد تلك البلدان، وسوف يستمر في ذلك زمناً طويلاً في المستقبل. فهو يلبي حاجة السكان لعدد كبير من السلع التي لا تنتجها المصانع الكبيرة أو لا تنتجها بكميات كافية، كما أنه يؤمن العمل لملايين الناس. والملاحظ أن نمو الصناعات الكبيرة الحديثة واتساع المدن من شأنه أن يؤدي إلى تحطيم الإنتاج اليدوي والحرفي الذي لم يعد بإمكانه أن يشبع احتياجات هذه الأعداد الضخمة المتركزة في المدينة بالسرعة المطلوبة، عدا عن تخلف إمكانياته الاقتصادية في نقل احتياجاته أو منتجاته مسافة بعيدة.
    ولو نظرنا الآن إلى نسبة ذلك القطاع إلى بقية قطاعات النشاط الاقتصادي في البلدان النامية لوجدنا أن الحرفيين وصغار الكسبة (التجار الصغار) يشكلون الفئة الأكبر عدداً في مدن البلدان المذكورة. ففي القارة الأفريقية يتألف نصف سكان المدن أو أكثرهم من أصحاب الحرف اليدوية، وأصحاب الحوانيت الصغار والباعة المتجولين وغيرهم من هذه الفئات، وقد تنخفض هذه النسبة إلى حد ما في بلاد أمريكا اللاتينية وآسيا الأكثر تطوراً، ولكنها تبقى كبيرة رغم ذلك(14).
    ويرجع ارتفاع نسبة صغار الحرفيين والتجار في تركيب سكان مدن البلدان النامية إلى أنه يغلب على اقتصاد هذه البلدان (في المدن) نمط الإنتاج السلعي الصغير والأشكال الدنيا من الإنتاج الرأسمالي مع ما يلازمها من علاقات سوق قديمة وتقليدية. والمؤكد أن النمو السريع في الصناعات الحديثة الممكنة سيؤدي إلى تدمير قطاع الصناعات الصغيرة والحرف اليدوية والتقليدية وإفقاره وإغلاق السوق في وجهه. وقد تجد حكومات البلدان النامية نفسها عاجزة عن اتخاذ إجراءات اقتصادية عملية فعالة لإيقاف هذا الدمار الذي يحلق بهذا القطاع الضخم. وعشية حصول بلدان العالم الثالث على استقلالها السياسي كانت العلاقات الاقتصادية بين هذه القطاعات معدومة تقريباً، فالقطاع الأجنبي ظل شديد الارتباط العضوي باقتصاد البلدان المستعمرة (المتروبولات)، وارتبط فيما بعد بصورة رئيسة بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، لذا بقي جسماً غريباً في اقتصاد البلدان النامية، وأما القطاع التقليدي، فقد كان يسيطر على معظم نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، التي بقيت دون تغيرات جوهرية لعدة قرون.
    إن وجود الاقتصاد متعدد الأنماط يعتبر المؤشر الرئيس للمرحلة الانتقالية، التي تمر بها دول العالم الثالث منذ فترة تاريخية طويلة، حيث أن الاقتصاد متعدد الأنماط المسيطر في تلك الدول ظهر نتيجة لتزاوج عوامل خارجية وداخلية كثيرة، وضعت في حقيقة الأمر البذور الأولية لإمكانية انتهاج طرق مختلفة في عملية التطور الأحق. وإن تطور هذه الأنماط وفناء قسم منها... الخ، لا يجري بصورة فوضوية -عشوائية ودونما ضوابط موضوعية (داخلية وخارجية). لأن النمط هو وجود تاريخي محدد لأسلوب إنتاجي ما. وهذا يعني بوضوح تام أن نمطاً اقتصادياً معيناً لا يستطيع الظهور أو الاختفاء حيثما وكيفما اتفق.
    إن ولادة أنماط اقتصادية جديدة تعني ظهور المراحل التاريخية الأولى لأساليب إنتاجية جديدة، و هي تجري وفق قوانين داخلية أو عناصر ذات منطق معيّن، تتحكم في أسباب تطورها اللاحق أو في عوامل تراجعها ومن ثم فنائها، مع ملاحظة وجود أنماط متضادة وأخرى متكاتفة، أنماط تجاوزها العصر، وأخرى تعد بذوراً جنينية للتطور والنمو في أحشاء المجتمع المتخلف، لكونها تمثل النزوع لسيطرة تشكيلة اقتصادية -اجتماعية أكثر تقدماً ودينامية وعصرية.
    وطبقاً لرأي مجموعة من الباحثين السوسيولوجيين والاقتصاديين المتخصصين بشؤون العالم الثالث، وفي مقدمتهم العالم الروسي ألكسي ليفكوفسكي، فإن الأنماط ليست مجرد أجزاء وشرائح مقطوعة من أساليب إنتاجية متعارضة ضمن نظام اقتصادي معين، وإنما هي تجسيد لمقاطع عريضة من علاقات إنتاجية، تتصارع فيما بينها من جهة، وتتجه نحو الانسجام والتلاحم العضوي مع بعضها من جهة أخرى... بحيث تشكل نوعاً من التعددية الاقتصادية الثابتة (15). بل إن السمة الجوهرية للبنية الاجتماعية لدول العالم الثالث، أنّها متعددة الأنماط (16).
    والواقع أن ثبات تعددية الأنماط يعطي تصوراً أقرب للحقيقة في ما يخص أوضاع البنية الاجتماعية -الاقتصادية للمجتمعات النامية، حيث لم يتمكن أي من الأنماط القائمة من السيطرة الحاسمة على الأنماط الأخرى فتصبح خاضعة له تماماً. طالما بقيت هذه الحالة الانتقالية- التعايشية هي المسيطرة، تبقى البنية الاجتماعية- الاقتصادية انتقالية أيضاً، وبالتالي يظل الطابع الأساسي للاقتصاد طابعاً انتقالياً.
    أما الانتقال من تشكيلة اجتماعية إلى أخرى فهو مرتبط بوجود وتصادم عدة أنماط (بين نمطين على أقل تقدير) وكذلك بين ممثلي مجموعة من الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية، التي تدعم كل منها هذا النمط أو ذاك، وترتبط مصالحها المادية والاجتماعية والسياسية بهذا الأسلوب الإنتاجي أو ذاك.
    وقد لاحظ المنظِّر الفرنسي شارل بتلهايم CHARLES BETTELHEIM وجود نمط شبه عام من الانتقال في الوقت الحاضر، يتمثل بالانتقال من اقتصاد كولونيالي مباشر إلى المرحلة ما بعد الكولونيالية. وفي هذا الانتقال لا تزول أشكال الاستغلال القديمة ولا تلغى السيطرة السابقة بل تتعدل فقط، وبالنسبة إلى النمط ما بعد الكولونيالي فيمكن أن يتجلى عبر اتجاهين:
    أولهما: هو تغير أشكال السيطرة دون تغير جوهرها أو طبيعتها الأساسية، ومن أوضح الأمثلة على ذلك، الاقتصاد الهندي حيث تستخدم البرجوازية الهندية رأسمالية الدولة لإحكام سيطرتها الطبقية، دون الخروج فعلاً من قبضة الرأسمال الأجنبي بحكم القيود التي يفرضها النظام نفسه على تطوير الاقتصاد الهندي.
    ثانيهما: تلك الوضعية، المتمثلة بنوع شبه عام من التوازن بين القوى الاجتماعية والطبقية السياسية المتصارعة. وهو توازن قد يصل إلى حد ظهور تحالفات طبقية- اجتماعية -سياسية، علنية أو خفية، مباشرة أو غير مباشرة تفرز بدورها عناصر محددة في عملية تطور البنية الاجتماعية -الاقتصادية للبلاد. ويطلق الأستاذ بتلهايم على هذه الحالة شبه العامة في دول العالم الثالث اصطلاح "الوضع الانتقالي" وأهم سماته على الصعيد الاقتصادي -انعدام النمو الاقتصادي بالمعنى الجوهري لمصطلح النمو.
    ويستنتج بلتهايم من كل ما سبق أن "الوضع الانتقالي" يشهد عموماً فترة التوطيد الاجتماعي لنمط إنتاجي معين على حساب الأنماط الأخرى. إلا أن الفترة الأولى من ذلك التوطيد تتسم بخاصية عدم الانتصار للنمط الجديد، ولكنها تعقب زعزعة سيطرته بعد التحرر من النظام الكولونيالي (17).
    ومن ناحية أخرى، يرى الباحث الدكتور عبد العزيز عبد اللطيف الزيدان أن "الطابع المختلط (MIXED) للأنظمة وللبنية الحقيقية هو ليس سمة داخلية لمختلف الاقتصادات الوطنية فقط، بل هو وإلى درجة أكبر طابع يسم الاقتصاد العالمي. حيث أن تطور قوى الإنتاج في كل بلد مشروط بعلاقات الإنتاج العالمية ويمكن ملاحظة تلك الحقيقة على وجه الخصوص في الأقطار الخاضعة للإمبريالية كما يمكن ملاحظتها أيضاً في الأقطار السائدة" (18).
    أما الباحث الروسي م. براغينسكي، فإنه انطلاقاً من تجربة بلدان أفريقيا الاستوائية، يعتقد أنه لايمكن الحديث عن نمط اقتصادي مسيطر، ولكن من الأفضل التحدث عن الاتجاهات التطورية الغالبة في هذا المجتمع أو ذاك، تبعاً للأوساط الحاكمة (19).
    والحقيقة أنّ مسالة "من سيريح المعركة" ذات علاقة جدلية بنتائج الصراع بين تلك الأنماط، وطبعاً بين الفئات والشرائح الاجتماعية والتراكيب السياسية التي تمثلها. وفي مجتمع يسود فيه الاقتصاد متعدد الأنماط، يلاحظ أن بنيته (الاجتماعية -الاقتصادية) تحمل في أحشائها عدة "ممكنات" و "احتمالات" مختلفة للتطور المستقبلي. وأما "كيف" سيصبح أحد هذه الاتجاهات المحتملة هو المنتصر ويتحول من حالة "الإمكان" إلى وضعية "التحقق" الفعلي -التاريخي، فذلك يبقى مرهوناً بجملة عوامل داخلية وخارجية لها دورها الفعال والحاسم في تطور المجتمع المعني.
    ayad
    ayad


    البلد : حاسي مسعود.الجزائر
    عدد المساهمات : 238
    نقاط : 358
    تاريخ التسجيل : 20/02/2010
    العمر : 39

    مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة Empty رد: مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة

    مُساهمة من طرف ayad الجمعة مارس 23, 2012 6:19 pm

    بقية البحث :

    لذا فإن مقولة "تعددية الأنماط" تتصف بمضمون موضوعي من حيث الاستقلال عن حسابات الناس ومواقفهم الأيديولوجية، إذ تعكس واقعاً تاريخياً محدداً، لكنه قابل للمعرفة والإدراك وللتطور والتغيير أيضاً. وفي الوقت نفسه يجب الاعتراف أن ما يعيق الاقتراب من تحليل جوهر هذه الظاهرة الاجتماعية - الاقتصادية المعقدة (ظاهرة تعدد الأنماط) تحليلاً موضوعياً ناجحاً، هو التدخل العظيم والتشابك الواسع بين أنماط مختلفة تخضع لقوانين داخلية- بنيوية متباينة إلى حد كبير من حيث فاعليتها وأشكال تجسدها وانتشارها.
    وإننا لنعتقد أن المنهج الصحيح في دراسة هذه الظاهرة الصعبة، يجب أن ينطلق من النقطتين التاليتين:
    1- الفرز (النظري التجريدي) لكل نمط على حدة، ومعرفة العلاقات التي ترتبط بأقرب أسلوب للإنتاج.
    2- محاولة استجلاء القوانين الموضوعية الخاصة بكل نمط، ومن ثم معرفة العلاقات التفاعلية بين تلك القوانين، والنتائج التي يمكن حدوثها احتمالياً في ضوء ذلك.
    ومن أجل التفريق بين مقولة "النمط الاجتماعي- الاقتصادي" والمقولات التي تقترب منها أو تتقاطع معها، مثل "أسلوب الإنتاج" و "التشكيلة الاجتماعية- الاقتصادية"، لابد من التأكيد أن النمط الاقتصادي هو عبارة عن تجسيد محدد لبعض صفات أسلوب إنتاجي معين، وبمعنى آخر، إنّه إذا كان أسلوب الإنتاج يعد ظاهرة اجتماعية- اقتصادية في حالة "نضوج"، فإن النمط هو أشبه بمرحلة "الطفولة" أو قد يكون مرحلة "الشيخوخة" بالنسبة لأسلوب إنتاجي بدأ بالهيمنة المطلقة في علاقات الإنتاج كاسحاً من طريقه "بقايا" و "رواسب" أنماط إنتاجية شائخة آيلة إلى الزوال والفناء. وعندما يشتد أسلوب الإنتاج الجديد بصورة تامة، وحين ينتصر بشكل حاسم على بقايا الأنماط الاجتماعية -الاقتصادية المتداعية والمنهزمة، وعندما تتمكن الطبقة (أو الطبقات) والفئات والشرائح التي تمثله من استلام زمام السلطة السياسية ومراكز القرار الأساسية، عندئذ فقط تبرز للعيان تشكيلة اجتماعية- اقتصادية تنطبق عليها قوانين موضوعية معروفة.
    فالنمط الاقتصادي، الذي يتحول بالتدريج إلى السيطرة، يخرج بصورة متزايدة من دائرة تأثير نتائج علاقاته التاريخية السابقة بالشكيلات الأكثر تخلفاً (ولاسيما على صعيد الاقتصاد العالمي). وإن تعاظم ونمو ونضوج هذا النمط سيثير بالتأكيد مقاومة التشكيلات والأنماط التي يجري الانتصار عليها وتجاوزها، وكلما تعاظمت ضرورة تقوية دور هذا النمط دون غيره، اشتدت مقاومة ممثليه الطبقيين، والاجتماعيين والسياسيين في البنية الفوقية بصورة أشد وأقوى.
    إن النمط الاقتصادي الذي يتغلب على الأنماط الأخرى، ويبرز فوق أنقاضها يتعرض بدوره لنوع من التغير في محاولة للتكيف من خلال صراعه مع الأنماط الأخرى، وسيأخذ شكله النهائي بنتيجة انتصاره الحاسم والنهائي على بقية الأنماط، وقد يكون ذلك بالاستفادة من أسلوب الإنتاج المهيمن على العلاقات الإنتاجية- الاقتصادية العالمية.
    وعلى أساس البنية التحتية المتكونة مجدداً لابد أن تنهض بنية فوقية ملائمة لها، أو قد تدخلان كما يحصل في معظم الدول النامية في وضعية التأثير المتبادل والتفاعل العضوي من أجل توكيد سيطرة تشكيلة اجتماعية- اقتصادية متكاملة العناصر على كل مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية، وتبعاً لترسيخ الركائز الاقتصادية والاجتماعية والسياسية "السلطوية، المؤسساتية) للنمط الاقتصادي الجديد، تبدأ البنية الفوقية باكتساب أهمية عملية متزايدة وتمارس تأثيراً أعمق في حياة المجتمع الداخلة وفي علاقاته الخارجية أيضاً.
    وفي الصراع ما بين الأنماط (الاقتصادية- الاجتماعية) المختلفة، وتحت التأثير المباشر للنمط الاقتصادي الجديد المسيطر يتشكل نموذج معين لأسلوب إنتاجي تتبلور ملامحه شيئاً فشيئاً، هو حصيلة جمع حيوي تفاعلي يصهر القوى الإنتاجية الناهضة مع علاقات الإنتاج الجديدة ليتحدا في كل واحد منسجم ومتناغم. وسيكون الانتصار النهائي كما تبين حركة المجتمعات التاريخية إلى جانب العلاقات الاقتصادية- الاجتماعية الأكثر دينامية وإنتاجية وتحفيزاً للمبادرة والإسراع في الانسجام مع الواقع وروح العصر وحركة التاريخ.
    ومما يتقدم يمكن التمييز بين مقولتين "النمط الاقتصادي" و "التشكيلة الاجتماعية -الاقتصادية". فنمط الانتاج هو نمط الحصول على وسائل العيش، والمنافع المادية الضرورية، لإشباع الحاجات الاجتماعية، ويأخذ كما أسلفنا القول- شكلاً مركباً، من القوى الإنتاجية وعلاقات الإنتاج، التي تعطي المجتمع حالة محددة، في كل مرحلة من مراحل تطوره. ونمط الإنتاج يدل عموماً على الطريقة التي تنتج بها سلعة ما، لإشباع حاجة اجتماعية معينة. ويشير بذلك إلى العلاقات الموضوعية الناشئة بين الأفراد في أثناء الإنتاج الاجتماعي لتلبية احتياجاتهم المادية، ولهذا يعد نمط الإنتاج ظاهرة اجتماعية من حيث انعكاساته المجتمعية، ويتضمن في الوقت نفسه القوى الإنتاجية وعلاقات الإنتاج. حيث إنه دون توفر القوى الإنتاجية يستحيل الإنتاج بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. وبالمقابل فإن خاصية علاقات الإنتاج هي التي تحدد طريقة الإنتاج، لذا يمكن اختزال نمط الإنتاج إلى وجهه التقني فقط كما يفعل بعض منظري الثورة الصناعية والأتمتة، الذين يعملون على تشويه هذا المفهوم أو إسقاطه نهائياً.
    أما التشكيلة الاقتصادية -الاجتماعية، فهي مقولة تدل على مرحلة معينة من تطور المجتمع، وتظهر التشكيلة على أرضية أسلوب إنتاجي معين، وهي تتحدد بالمستوى الذي بلغته القوى المنتجة في السيطرة على الطبيعة، التي تشكل بدورها العنصر المحرك وراء نمط العلاقات الإنتاجية في المجتمع. وتتسم التشكيلة ببنية طبقية- اجتماعية معينة وبخصوصيات في الصراع الطبقي، ويتفق المؤرخون على أنه تعاقبت في تاريخ المجتمع البشري حتى الآن التشكيلات التالية، أو عرفت جنباً إلى جنب: المشاعية البدائية، العبودية، الإقطاع، الرأسمالية، وعليه فإن التشكيلة هي عضوية اجتماعية- اقتصادية متكاملة، لها قوانينها في الولادة والترعرع والازدهار والانهيار. وتكتسب تلك القوانين عمومية (شاملة للتشكيلات) درسها المختصون وحللوا عناصرها، مستخلصين سماتها العامة على مستوى العالم، ويمكن العودة إلى تلك الأبحاث والدراسات للوقوف على جوهر قوانين التشيكلات. ولكن يهمنا في هذا البحث التركيز على المفاهيم والتفريق بينها، مع التأكيد في الوقت ذاته على أطروحة أجمع عليها المهتمون والمختصون، وهي أن التشكيلة لا تتوارى عن المسرح قبل أن تتطور كافة القوى المنتجة التي تفتح آفاقاً كافية لنموها، أما العلاقات الإنتاجية الجديدة، الأكثر تطوراً وحيوية، فإنها لا تظهر إلا بعد أن تنضج ظروف وجودها المادية في أحشاء المجتمع نفسه، وقد أثبتت الأحداث الجارية في السنوات القليلة المنصرمة (في أوروبا الشرقية- دول المنظومة الاشتراكية) والتي ماماوالنا نعيش وقائعها، أنه ليس بوسع المجتمعات البشرية أن تقفز فوق الأطوار الطبيعية في مسيرتها، فتتجاوز أو تلغي (أو تحرق) هذه التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية أو تلك، وإن جرت محاولات من هذا القبيل، فإنها ستظل في نطاق البنية الفوقية (العلاقات الأيديولوجية والآراء والمؤسسات والدعاية)، وسرعان ما تنهار تحت ضربات العوامل الداخلية والخارجية، ولا سيما العوامل الاقتصادية- التحتية والعوامل القومية والدينية والعالمية المختلفة.
    ونود هنا أن نشير كذلك إلى خطأ منهجي آخر، يتمثل في التأكيد بأن النمط الاقتصادي يتمتع ببنية فوقية مستقلة، لأن مثل هذا المنطلق الخاطئ يقود بالنتيجة إلى التأكيد على وجود عدة أساليب إنتاجية وعدة تشكيلات اجتماعية- اقتصادية في إطار مجتمع واحد، وبالمقابل وجود عدة أبنية فوقية مستقلة في المجتمع نفسه، وذلك أمر غير واقعي، مع الإشارة في الوقت ذاته إلى وجود اتجاهات أيديولوجية وسياسية متضاربة تعكس المصالح المختلفة لفئات المجتمع وطبقاته وشرائحه، ولكنها لا تشكل نظماً بنائية فوقية مستقلة عن بعضها تماماً، كما لو أنها في عدة مجتمعات.
    ومما تقدم نستنتج أن النمط الاقتصادي هو نموذج معين من علاقات الإنتاج، بينما يمثل أسلوب الإنتاج تفاعلاً حيوياً بين القوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية في المجتمع، في حين أنّ التشكيلة الاجتماعية تمثل جسماً متكاملاً وعضوية حية في حالة تفاعل دائم بين عناصرها المختلفة.... إنها مجموعة متلاحمة مركبة من أسلوب إنتاجي أساسي وبنائه الفوقي، تعبر عن محتوى نوعي لمجتمع معين، أو أنها تقوم على أساس وجود أسلوبين للإنتاج على الأقل، في علاقات مشتركة مع أبنيتها الخاصة. وأحد أساليب الإنتاج هذه يكون دائماً مسيطراً والآخر يكون خاضعاً له.
    ثالثاً- التنمية الاجتماعية في بنية متعددة الأنماط:

    يقتضي مفهوم "التنمية الاجتماعية" استحضاراً لمعاني "النمو"، "التطور"، "التفاعل"، و "التغير"، وبالتالي تجاوزاً لمقولات السكون والثبات والرسوخ وهو لذلك يرتبط بشكل وثيق بحقل التغير الاجتماعي، ولا سيما بجانبه التحليلي الذي يسعى إلى دراسة التنظيم الاجتماعي (البناء الاجتماعي) من خلال وظيفته وتراتب أجزائه المختلفة، وانسجامه الداخلي، وانقساماته، وحركته وتغيراته، عبر بناء نموذج نظري يسمح باحتواء الأجزاء والمؤثرات الفرعية. وهو ما يعرف بنظرية الحركية الاجتماعية أو الحراك الاجتماعي Mobilite social التي تؤمن بكون الظاهرة الاجتماعية هي محصلة لكل المحددات الداخلية سواء ما تعلق منها بالأسباب أو العلاقات أو الارتباطات والقوانين، ومن خلال ذلك تسعى لبناء أفكار عامة حول الكيفيات، أو الأسباب التي تنتج التغيرات الاجتماعية.
    لقد كان لثقل الاتجاهات الميكانيكية والتطورية (النشوئية- الارتقائية) أثر واضح في تحنيط الفعل الاجتماعي بكل مظاهره داخل التفسير الأحادي، سعياً منها إلى تفسير الظاهرة الاجتماعية بالقوانين الحتمية، المختماوالة لكل أبعاد التفاعل والاختلاف، خصوصاً ما يتعلق بصراع الطبقات، ومآل هذا الصراع.
    وهو ما دفع لبروز مجموعة من الاجتهادات والاتجاهات السوسيولوجية، التي حاولت بناء أنساق نظرية دقيقة لاحتواء الواقع الاجتماعي بكل تفاصيله وحركياته. واعتبرت كمؤشرات دالة على إمكانية بناء نظريات سوسيولوجية جديدة تقوم على مفاهيم: الدينامية الاجتماعية وسوسيولوجية التحولات وسوسيولوجية القطائع وسيوسيولوجية الحركية الاجتماعية، إضافة إلى مفهوم التنمية الاجتماعية، وصولاً إلى سوسيولوجيا التنمية. ويتجلى الطابع المشترك لهذه البحوث والدراسات في تأكيدها على الخاصية الذاتية والداخلية لعناصر القوى الإنتاجية وعلاقاته الاجتماعية وعناصر البنية الاجتماعية الداخلية ووظائفها وإمكانيات تطورها، وتغيرها وصولاً إلى أرقى مستويات النمو والتقدم والازدهار.
    وبداية لابد من التمييز بين النمو الاجتماعي والتنمية الاجتماعية. إذا أن النمو الاجتماعي يتضمن عمليات التغير الاجتماعي الذي يلحق بالبناء الاجتماعي عن طريق التطور الطبيعي والتحول التدريجي. في حين أن التنمية الاجتماعية بمفهومها العريض هي جملة الجهود التي تبذل لإحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع، وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن لتحقيق أكبر قدر من الحرية والرفاهية لهؤلاء الأفراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي (20).
    فالتنمية الاجتماعية social development لايمكن أن تحصل إلا بعملية واعية مدروسة ومنسقة لأجل السيطرة الاقتصادية والاجتماعية والعملية واعية على الموارد المحلية وتسخيرها لخدمة التطور. بهذا الصدد يقول البرتيني: "ينبغي لهذه السيطرة أن تكون قبل كل شيء حصيلة إرادة وطنية فلا يمكن للتنمية أن تفرض من الخارج، أو تحقق بواسطته لأنها في الأساس تغيير عميق في العمل والوجود والتفكير. إن التعاون الدولي يمكن أن يسهل مهمة مكونات العالم الثالث ولكنه لن يغنيها عن العمل. ومن خلال هذا المنظور، فإن كل بلد مدعو إلى أن يختط طريقه بنفسه، لذا لسنا هنا بصدد إعطاء وصفات للتنمية" (21).
    وهكذا نفهم التنمية كعملية تغير شامل في إطار اجتماعي معين. أي أننا لا نقصر مفهوم التنمية على النمو الاقتصادي مطلقاً، وإنما يشمل بشكل جوهري على تغيرات كبرى في البناء الاجتماعي- الاقتصادي القائم، فالتنمية- كما يقول الدكتور محمد الجوهري: "تنطوي على توظيف جهود الكل من أجل صالح الكل، خاصة القطاعات والفئات الاجتماعية التي حرمت في السابق من فرص النمو والتقدم" (22)، وذلك في إطار ثلاثة مستويات للتعبئة داخل العملية التنموية، هي:
    (أ) المستوى الأول وهو المستوى التكنولوجي، ويتمثل في تغيير أساليب الإنتاج، والنقل، والاتصال، والتوزيع، وذلك بهدف الوصول إلى علاقة أكثر ملاءمة بين التكلفة والعائد.
    (ب) المستوى الثاني وهو المستوى الاقتصادي، ويتمثل في التوصل إلى طرق أكثر إنتاجية وأكثر كفاءة في مجالات التنظيم، والتخطيط، وتوزيع العائد.
    (جـ) المستوى الثالث والأخير هو المستوى الاجتماعي، وهو يتشعب بدوره إلى النقاط الفرعية الثلاث التالية:
    1- تحريك النظام الاجتماعي وتعبئته بصفة عامة، بما في ذلك توسيع مجالات العلاقات والوعي والمسؤولية، والتغيرات التي تطرأ على وظائف الكيان الاجتماعي وبنائه، وخلق وحدات اجتماعية أكبر حجماً وأكثر تعقيداً ترتكز على أساس التكامل الداخلي الفعال، وعلى أساس النمو في أعداد السكان.
    2- الحراك الأفقي أو الجغرافي (أي المكاني)، الذي يتمثل في هجرة العناصر السكانية المختلفة وانتقالها من مكان إلى مكان آخر.
    3- الحراك الرأسي، أي الانتقال من طبقة اجتماعية إلى أخرى أعلى أو أسفل في السلم الاجتماعي، وكذلك تغير العوامل المؤثرة على البناء الطبقي (مثل: توزيع القوى، والهيبة، والتعليم، والملكية، والدخل... الخ) (23).
    ومن المؤكد أن المستويات الثلاثة لعملية التنمية ترتبط ببعضها في تفاعل وتأثيرات متبادلة، حيث أن الخبراء يعدون المستوى التكنولوجي أيسرها جميعاً في التنفيذ. ( ولكنه أقلها جميعاً أهمية- نسبياً)، في حين أن أصعبها جميعاً في التحقيق هو التغير التنموي على الصعيد الاجتماعي. ذلك أن الموارد التكنولوجية والمالية (سواء كانت محلية أو أجنبية) لا يمكن أن تكون لها أي فاعلية إلا حيثما يوجد الاستعداد وتوجد القدرة على توظيفها توظيفاً رشيداً من قبل الأفراد والجماعات والأنظمة التي تتلقى المعونات وتستفيد منها فعلاً في العملية التنموية.
    ولكن بما أنه لا توجد في الفكر الاقتصادي نموذج واحد للتنمية، فإنه تبعاً لذلك- حققت مجتمعات بشرية مختلفة تنميتها الاقتصادية -الاجتماعية بطرق مختلفة وفي ظروف اقتصادية وثقافية وتاريخية متباينة. وإذا كانت قد وجدت بعض القواسم المشتركة بين تلك التجارب التنموية الناجحة، إلا أن تلك العوامل أو القواسم لا تشكل في حد ذاتها نظرية متكاملة للتنمية، مما أدى ويؤدي إلى ظهور نظريات مختلفة، يركز كل منها على جانب من العملية التنموية دون غيره.
    أما نحن فيهمنا التأكيد هنا أن التنمية لا يمكن إحداثها إلا عندما تتهيأ لها التربة الداخلية الملائمة، كنتيجة لمؤثرات وعناصر داخلية مجتمعية أو إقليمية، وبالتالي فإن التنمية الحقيقية لا يمكن استيرادها من أسواق البلدان المتطورة، وإن توهم البعض خلاف ذلك. وإنما هي تنشأ وتترعرع في بنية المجتمع الداخلي، وإن تفاعلت مع الخارج، أما إذا حصل العكس -وهذا ما يحدث للأسف في أغلبية بلدان العالم الثالث- فإنه سرعان ما يتحول الجهد التنموي إلى جهد استيرادي ضخم يؤدي بشكل منطقي إلى دخول هذه الدول في حلقة التبعية التقنية والفنية للأسواق العالمية المتطورة.
    في هذا السياق نفهم قضية التنمية، لأن موضوع التنمية شائك ومعقد، وذو خلفيات وجوانب مختلفة، خصوصاً وأن للمواقف الأيديولوجية دوراً هاماً في تحديد مفهوم أو الهدف العام للتنمية المراد تحقيقها، في مجتمع متخلف وتابع، ولهذا اختلفت التصورات حول التنمية من بلد إلى آخر، ومن جماعة فكرية إلى أخرى، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى، تبعاً للتطورات التي شهدتها البلدان المختلفة، وتبعاً لتوجهاتها السياسية والاجتماعية والفكرية ونتيجة حتمية لفشل التجارب التنموية صيغة (أو خطة) بعد أخرى. ولعل السبب في ذلك، هو أنها تناولت قضايا تقنية، في المجال الاقتصادي -الاجتماعي، وانطلقت من عماوال البنية الأيديولوجية -السياسية، والبنية الاجتماعية، والظروف العالمية المحيطة عن البنية الاجتماعية -الاقتصادية المحلية، وهي الأساس المعول عليه فعلاً في نجاح أية تجربة تنموية أو فشلها.
    ولكن لكي تكون الفكرة أكثر وضوحاً لا بد من الإشارة إلى الاختلاف الجوهري بين البرجوازيات المتكونة في البلدان التابعة (دول العالم الثالث) والبرجوازيات التي تكونت في الدول الأوروبية من حيث طبيعة هذا التكون التاريخي، وبالتالي من ناحية المسار الذي سلكته كل منهما في تطورها، وأثر ذلك على تطور البلاد بأكملها، فأغلبية البرجوازيات المكونة في الدول التابعة ولدت وترعرعت في رحم التغلغل الاستعماري ذاته ومن خلال العلاقة البنيوية التي ربطتها منذ فجر التغلغل الاستعماري بالبنية البرجوازية الغربية.
    وإذا أردنا التوسع في هذه الأطروحة، فإننا يمكن أن نقول: إن البنية الاجتماعية السائدة في بلدان العالم التابع بحكم سيطرة البرجوازيات الكولونيالية عليها، هي بنية للتشكيلة الاجتماعية- الاقتصادية الأم، أي التشكيلة الاقتصادية -الرأسمالية العالمية. وهي تبعية تخضع لعمليات تجديد وتطوير وتحديث في أشكالها وأساليبها تبعاً للتطورات التي تتعرض لها البنية الكبرى -الأم، الممثلة بالنظام الاقتصادي الدولي.
    ويبقى إذاً الحديث عن أية تنمية في دول العالم الثالث ليس له معنى حقيقي سوى كسر ذلك الإطار الخاطئ الذي يحكم مفاهيم التنمية، وزيادة الدخل الفردي، وعدد ساعات العمل، ومستوى استهلاك المواطن من السعرات الحرارية، وعدد الأطباء، والمدارس.. الخ. لأنه بدون إدراك جوهر البنية الاجتماعية- الاقتصادية، التي يجري داخلها التطور والتغير يظل الحديث عن الاستقلال والتنمية مجرد كلام.
    ولهذا، فإن الباحث الموضوعي لا يسعه إلا الاتفاق مع الرأي القائل إن التخلف البنيوي (في البنية الاجتماعية) ليس أكثر مشاكل عصرنا الاجتماعية والسياسية أهمية وخطورة فحسب، بل هو كذلك أخطر مشكلة بالنسبة لجميع العصور، مشكلة لا يمكن أن تحل إلا عبر تغييرات عميقة في البنيات الاقتصادية والاجتماعية(24).
    إن إشكالية تخلف البنية الاجتماعية -الاقتصادية لها طابع شمولي يتصل بتداخل كل العناصر المكونة للتشكيلة الاجتماعية، وهي العناصر الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية والذهنية، والأيديولوجية. فالتخلف هو أولاً وقبل كل شيء وضع تاريخي مرت به دول العالم في مراحل مختلفة ساهم في تسهيل الاستعمار، كما لعب الاستعمار دوراً أساسياً في ترسيخه وفق ما كان هذا الترسيخ يخدم آلية النهب والاستغلال الأقصى لطاقات وموارد المجتمعات التابعة، والتي أدت في النهاية إلى اندماج أو دمج المجتمعات المذكورة بكل مكوناتها البشرية والاقتصادية (والثقافية إلى حد كبير أيضاً) في إطار الاقتصاد العالمي، وإلى إخضاع حركية إنتاج اقتصادياتها لمقتضيات توزيع العمل الدولي استناداً على البواعث والأهداف المرسومة من التشكيلات المركزية الكبرى.
    وهكذا يحق لنا التأكيد مجدداً، أن دراسة عوامل فشل التنمية لا يمكن أن تكون موضوعية وجادة ومفيدة دون تحليل البنية الاجتماعية -الاقتصادية للمجتمعات المتخلفة.
    رابعاً- الوطن العربي نموذجاً:

    في دراسته الهامة حول "التبعية البنيوية، محاولة لفهم حركة التطور الاجتماعي- الاقتصادي للبنيات العربية المعاصرة"، يؤكد الدكتور أمير اسكندر أن ظاهر التبعية في البلاد المتخلفة- ومنها الأقطار العربية- أصبحت الإشكالية المحورية التي تتطلب التأمل الجدي والتفكير العميق أكثر من أي وقت مضى. حتى أن هذا المشكل غزا جميع الميادين واتخذ شكلاً بنيوياً(25).
    وإذا كنا نتفق على أن التبعية تنتج التخلف، فإننا يجب أن نعي أن التبعية هي دينامية داخلية وخارجية بآن واحد، تتكيف بمقتضاها الهياكل الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات التابعة وفقاً لحاجات المراكز الرأسمالية المتقدمة. حيث أن التحالف بين رأس المال الأجنبي -على سبيل المثال- وبين الفئات المحلية المسيطرة يساعد على إبقاء أساليب الإنتاج التقليدية، كما يؤدي إلى التأثير على التكوين الطبقي في البلاد المتخلفة بشكل يساعد على إهدار ذلك الجزء من الفائض الذي تحصل عليه العناصر الداخلية في الاستهلاك الترفي. لذلك فإن المصادر التي ستوجه للتنمية ستتقلص بكثرة، ومن ناحية أخرى فإن تأثير تضاعف الاستثمار سوف يكون محدوداً لأن السلع الرأسمالية تشترى من الخارج، وسوف يؤدي هذا إلى الركود الاقتصادي(26).
    لقد عرف الوطن العربي في عهد الاستعمار ليس التجزئة فحسب، بل عرف كذلك الفقر والجهل والتخلف والانحدار، وذلك من خلال استنزاف قواه الذاتية في هجمات واجتياحات خارجية استمرت حتى الخضوع لسيطرة الاحتلال العثماني الذي هيمن عليه أكثر من أربعة قرون، وترافق عصر انحطاطه مع عصر النهضة الأوروبية، كما ترافق انهيار طبقته التجارية مع نمو الطبقة التجارية الأوروبية، وهي الطبقة التي ستسمح لها البنية الداخلية لمجتمعاتها بأن تتطور نحو الرأسمالية في الوقت الذي لم تسمح فيه طبيعة البنية الداخلية للوطن العربي الموحد حينذاك أن تتجاوز حدودها التاريخية(27).

    وفي الوقت الذي حاول فيه العالم العربي الممزق أن يتخطى تخلفه وانحطاطه، كانت أوروبا قد اتجهت نحو مرحلتها الاستعمارية. وعندما بدأ الوطن العربي بفتح عينيه فإنه لم ير سوى أسطول بونابرت يدق أبوابه، إنها لحظة فاصلة بين تاريخين، بين عصرين، وسواء على مستوى بنيته التحتية أو الفوقية، فإن الوطن العربي لم يتطور بعد ذلك بقواه الإنتاجية- ما عدا لحظات قصيرة واستثنائية- إلا في الإطار الذي رسمته وحددته له القوى الاستعمارية، ومن بعدها قوى الإمبريالية وإلى المدى الذي حددتاه له، وسيكون ذلك هو المؤشر الأول لفهم السمات العامة لتطور بنيته الاجتماعية(28).
    إن عملية التغلغل الاستعماري في البنيات الاجتماعية العربية هي التي أحدثت نمطاً جديداً متميزاً من علاقات الإنتاج، ترتب عليه منذ تلك اللحظة خضوع هذه البنيات الاجتماعية العربية في طبيعة وقوانين وآفاق تطورها لمسيرة البنيات الاجتماعية الاستعمارية ثم الإمبريالية، وبتعبير آخر خضوع هذه البنيات الاجتماعية العربية لما يصيب البنيات الاجتماعية الاستعمارية والإمبريالية من تطورات وتغيرات داخلية أو دولية. إن هذا الخضوع هو جوهر التبعية أو هو التبعية نفسها(29).
    ومن هنا فإن التخلف البنيوي هو الظاهرة التاريخية والموضوعية التي جعلت البنية الاقتصادية بنية ذيلية تحدد أولويات المبادرات الاستثمارية داخلها، وفق طلب الأسواق الخارجية(30).
    وهكذا يتضح أن التبعية والتخلف سمتان أساسيتان تمتاز بهما البنية الاجتماعية الاقتصادية العربية منذ بداية هذا القرن إلى الآن، هما ظاهرتان مرتبطتان مع بعضهما بصورة متفاعلة، بحيث تغذي كل واحدة الأخرى وتنعشها، ولو أنه يبدو أن التخلف البنيوي هو أصل التبعية، فتأخر القوى المنتجة العربية وتعدد الأنماط الإنتاجية ما قبل الرأسمالية وتفتتها هي الأساس في تدهور الأوضاع الاقتصادية -العلمية العربية الراهنة. وبذلك تحولت الاقتصادات العربية إلى اقتصادات ذيلية تعتمد بالأساس على الاستيراد الخارجي. وقد كان من نتائج تمركز نموذج التراكم والتبعية أن تم فرض نموذج تمويلي على الاقتصادات العربية يعتمد أساساً على الموارد الخارجية، بحيث أصبح مصدر الاستثمارات مرتبطاً بموارد الصادرات النفطية أو الزراعية أو المعدنية بالنسبة للدول التي تمتاز بوفرة في ميزان أدائها الخارجي، في حين اضطرت الدول التي تشكو من العجز في أداءاتها إلى تمويل استثماراتها من القروض والمساعدات الخارجية.
    لقد أدت هذه العوامل إلى الاعتماد على مصادر التمويل الخارجي التي تلعب دوراً استراتيجياً في عمليات الاستثمار، كما أدت إلى تقليص دور المجهود الإنتاجي الداخلي، ولم تساعد على البحث الجاد في تعبئة الفائض الوطني وتحريك قدراته المتشعبة والمتناثرة بآن معاً. وبهذا الصدد يقول الدكتور فتح الله ولعلو: "تقمصت الإقليمية والطائفية والعشائرية الإطار المادي الذي صاحب تنمية الرأسمالية المحيطة. وكان من نتائج تكدس الثروات في يد أقليات اجتماعية مرتبطة بالقطاع الخاص أو القطاع العام وبسرعة كبيرة وغير طبيعية، شيوع النفقات غير المنتجة وتبذير الموارد الوطنية في الاستهلاكات الساقطة دون أي اعتبار لمخاطر هذه المظاهر على التوازنات الاجتماعية حالياً وعلى تفقير الأمة العربية مستقبلاً من إمكانياتها المادية"(31).
    وإذا سلمنا بأن القضاء على التبعية الاقتصادية يتطلب تنفيذ الشروط الثلاثة التالية وهي:
    1-يجب أن يكون هيكل الإنتاج عاملاً مساعداً على النمو وملبياً حاجات الاقتصاد الوطني.
    2-يجب أن يكون تنويع وتوزيع التجارة الخارجية لبلد ما بدرجة معينة بحيث يكون عاملاً مساعداً على النمو أيضاً.
    3-إن عملية التنمية وإدارتها يجب أن تكون بيد الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في التطور.
    فإننا في الواقع "نرى أن الدول العربية إن لم تكن تفتقر لهذه الشروط الثلاثة فهي تفتقر بالتأكيد إلى أحدها نظراً لأنها تعاني من مشكلة التبعية الاقتصادية واعتماد اقتصادها على النفط الخام"(32).
    وعموماً فإن تنفيذ خطط التنمية وبرامج التصنيع في الدول العربية يواجه عدداً من المشاكل أهمها:
    أ-النقص في الكوادر التقنية والاختصاصيين.
    ب-اعتماد الاقتصاد الوطني اعتماداً كلياً على النفط وارتباطه به.
    جـ-النقص في الهياكل الأساسية الاقتصادية والاجتماعية.
    د- التبعية الاقتصادية نتيجة لهيمنة الدول الرأسمالية على التجارة الخارجية.
    هـ-عدم استخدامها لعوائد النفط الاستخدام الأمثل وضياع القسم الأكبر منها نتيجة لإيداعه في البنوك الغربية والدول الرأسمالية(33).
    وحتى في الأقطار العربية التي طرحت مفاهيم التنمية ضمن شعارات اشتراكية، تبين في نهاية الأمر أن المستفيد الأكبر من وراء تطبيقاتها علاقات الإنتاج الرأسمالية، وإن ضربت الرأسمالية العربية الموالية للغرب في بدايات إعلان "التحولات الاشتراكية". ففي معرض حديثه عن التنمية المصرية أيام عبد الناصر يشير الباحث خيري عزيز إلى إقدام قطاع الدولة على المخاطرة في المشاريع آجلة الربح، التي لم يجسر القطاع الخاص على الاضطلاع بها، وأوكل إلى القطاع الأخير الأعمال التي كان ربحها محسوباً ومضموناً مقدماً. ولقد سخر رأس المال العام لتوفير امتيازات ومكاسب ضخمة لفئة البرجوازية البيروقراطية والتكنوقراطية التي احتلت مواقع القيادة في مؤسسات الدولة الرئيسة والتي استقطعت لنفسها قدراً متزايداً من الفائض الاقتصادي لا يتناسب بحال من الأحوال مع ما تقدمه من خدمات، ومع تزايد عدد خطط التنمية نمت القاعدة الاجتماعية لهذه الفئة بحيث ضمت جماعات مهنية متباينة -كالبيروقراطيين والتكنوقراط من ضباط الجيش وموظفي جهاز الدولة والقطاع العام والمثقفين، أولئك الذين استغلوا الإمكانيات المتوافرة، في تطوير المجالات غير الإنتاجية، والخدمات، مما أدى إلى تضخيم الجهاز الإداري الذي قبعت في قمته أعداد مطردة النمو من هذه البرجوازية البيروقراطية التي لعبت السلطة السياسية والإدارية دور رأس المال بالنسبة لها باعتبارها وسيلة استقطاع جزء كبير من الفائض الاقتصادي، بل سبيل مضمون إلى تحقيق تراكم رأسمالي أتاح لهذه الفئة أن تشارك القطاع الخاص بحيث نشأ تداخل بين مصالحه وبين البرجوازية البيروقراطية سواء عن طريق مشاريع مشتركة، أو خاصة، أو بواسطة الصفقات والاتفاقات غير المعلنة وغير المشروعة(34).
    والنتائج ذاتها حصلت في الأقطار العربية الأخرى التي اتبعت المنهج نفسه، فالرأسمال الحكومي وإن نجح في بداية الأمر في تحقيق معدلات مرتفعة نسبياً في مجالات التنمية والتصنيع إلا أنه سرعان ما اتضح عجزه عن الاستمرار، حيث واصل قانون الإفقار المتزايد للجماهير عمله في الوقت الذي ازداد فيه ثراء الفئات المالكة الكبيرة والمتوسطة، فقد انفردت هذه القوى بالسلطة في غيبة رقابة الجماهير العاملة وفي ظروف افتقدت فيها المنظمات السياسية الشعبية المعبرة عن مصالح الفئات الاجتماعية الأخرى.
    وقد أسفرت معظم خطط التنمية العربية -من حيث النتيجة النهائية -عن اختلافات هيكلية بزيادة الأهمية النسبية لقطاع الخدمات بالنسبة للقطاعين الزراعي والصناعي، وهو من الأسباب الرئيسة لزيادة الطلب الاستهلاكي والضغوط التضخمية، كذلك أسفرت تلك الخطط عن ارتفاع معدلات الاستهلاك، مما أدى إلى انخفاض الطاقة الادخارية، بالإضافة إلى تنامي فائض العاملين في قطاع الخدمات والإدارة الحكومية وشركاتها البيروقراطية غير المنتجة عملياً. وشهدت المؤسسات الكبرى والوظائف العليا تبذيراً وإسرافاً هائلين فكانت الأموال تهدر هنا كضريبة تتحملها الفئات المنتجة وتضاف على أسعار السلع الشعبية وميزانية الدول لتحقيق الاستقرار للسلطة وأجهزتها دون الحصول على مقابل من الإنتاج، وأدت السياسات المتبعة إلى حدوث اختلال بين الادخار والاستثمار فلجأت معظم الحكومات العربية (باستثناء النفطية) إلى تمويل العجز من القروض الخارجية، أما الزيادات المضافة إلى معدلات الرواتب والأجور فكانت دائماً طفيفة هزيلة يستحوذ عليها مباشرة التجار والضرائب المتعاظمة والرسوم المالية المتلاحقة، مما يعني "أن هذا الاختيار للتنمية القائم على رأسمالية الدولة الوطنية قد أدى بعد سنوات من تطبيقه إلى زيادة إفقار الأغلبية في جانب، وثراء قلة من جانب آخر"(35).
    وتحت شعارات "التنمية الاشتراكية" في ظل القطاع العام أو "الاشتراكي" ورأسمالية الدولة، تفشت "ظواهر كالرشوة والاختلاس والسرقة والنهب، والسلب، بصورة لم يسبق لها مثيل، كلّ يحاول أن ينال شيئاً مما تحت يديه. فمال الدولة سائب- بلا رقيب أو حسيب- فأصبح لصوص الدولة أشد هولاً من قُطاع الطرق"(36).
    وهكذا تجمعت طبقة جديدة، من داخل القطاع العام (قائد العملية التنموية) وخارجه، طبقة لا تبالي بشيء من أجل الإثراء الفاحش، وبأسرع الطرق وأسهلها، وانضم إليها طابور كبار تجار المخدرات والسوق السوداء، وأصحاب دور المتعة والدعارة وبيوت القمار، وأصحاب الأقلام المأجورة والضمائر الفاسدة التي باتت مأجورة لكل من يدفع الثمن.. وارتدى الجميع طيلسانات أرجوانية، طرزوا حواشيها بشعارات الاشتراكية، المنسوجة من خيوط البلاتين والذهب والفضة، كلّ حسب قدرته"(37).
    ولذا فإن المشكلة الكبرى التي واجهت الأقطار العربية المتصفة بهيمنة القطاع العام (الحكومي)، هي أنه في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع أشد الاحتياج إلى تنمية صناعية وزراعية وثقافية على نطاق واسع وفعال، وفي الوقت الذي كانت الحاجة ماسة فيه لأن يلعب الدور المهيمن في النشاط الرأسمالي المحلي برجوازية زراعية وصناعية نشيطة ومنتجة فعلاً، فإن الذي يلعب هذا الدور هو البرجوازية التجارية الطفيلية والربوية. وهذا ما يتناقض إلى حد كبير مع الأوضاع التي جرت في البلدان الأوروبية المتقدمة واليابان، حيث قامت وتقوم البرجوازيات الصناعية والزراعية والمالية بتنظيم حجم هائل من الإنتاج المادي الصناعي والزراعي، والمنتجات المادية والتقنيات شديدة الاتساع والتنوع والنفع، والتي يمكن تداولها في الأسواق المحلية والعالمية.
    أما البرجوازية التجارية العربية فقد نشأت عملياً على هامش الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، وهي تعيش وتنمو من خلال الاتجار في منتجات الرأسمالية العالمية، واستغلال مواقعها الاحتكارية في الأسواق المحلية. وعندما نطلق على هذه الفئات صفة "الطفيلية" فإن ذلك يعود إلى أنها "لا تقوم في الأساس على تطوير الإنتاج المادي، بقدر ما تقوم على الخدمات وبالذات على التجارة، كما أنها غير معنية في الأساس بتطوير الاقتصاد القومي، وتأمين التحولات الاجتماعية الضرورية، حتى في ظل اقتصاد رأسمالي، كما أنها ضعيفة الجذور القومية، قوية الوشائج الخارجية وأقرب ما تكون إلى التبعية لرأس المال الأجنبي(38). هذا بالإضافة إلى أن البرجوازية الوطنية في الأقطار العربية ضعيفة من الناحية النوعية والاقتصادية وحتى العددية. فلقد كان الرأسماليون في الأقطار العربية، التي شهدت تحولات اقتصادية -رأسمالية في مرحلة ما بعد الأربعينات من هذا القرن مثل مصر وسورية والعراق يوظفون أموالهم في المجالات التي تدر أرباحاً كبيرة دون المجازفة اقتصادياً وتجارياً بإقامة منشآت إنتاجية -صناعية برؤوس أموال ضخمة. ولم يحاولوا مطلقاً البحث عن الثروات الطبيعية في أقطارهم، أو بناء صناعات أساسية استخراجية أو معدنية، صناعات كان يمكن لها بالفعل أن تسير بالبلاد في طريق الخلاص من التخلص والتبعية.
    وتقدم اقتصادات الوطن العربي حقائق ثابتة عن المستوى المتخلف للقوى المنتجة فيها، وعن العلاقات الإنتاجية الرأسمالية ذات التطور الضعيف والمتسمة بالتبعية والمصحوبة بعلاقات إنتاج ما قبل الرأسمالية. ويتجلى كل ذلك في البنية المشوهة للاقتصاد الوطني والمجتمع في كل من هذه البلدان، وفي معدلات النمو المتدنية في الزراعة والصناعة، وفي إنتاجية العمل، وفي عجز متعاظم لدى القسم الأكبر من هذه البلدان عن إشباع حاجات السكان للمواد الغذائية وسلع الاستهلاك الأخرى، واضطرارها إلى زيادة مستورداتها السنوية من مختلف السلع الاستهلاكية، وبخاصة الغذائية منها، ويبرز العجز أيضاً في إمكانية أغلبها على توفير الاستثمارات الكافية لتحقيق التنمية الوطنية الشاملة.
    وبناء عليه، فإننا إذا كنا نتفق مع تعريف الدكتور علي الكواري بأن "التنمية الاقتصادية -الاجتماعية الشاملة عملية مجتمعية واعية ومواجهة إيجاد تحولات هيكلية تؤدي إلى تكوين قاعدة وإطلاق طاقة إنتاجية ذاتية، يتحقق بموجبها تزايد منتظم في متوسط إنتاجية الفرد وقدرات المجتمع ضمن إطار من العلاقات الاجتماعية يؤكد الارتباط بين المكافأة والجهد، ويعمق متطلبات المشاركة مستهدفاً توفير الاحتياجات الأساسية وموفراً لضمانات الأمن الفردي والاجتماعي والقومي"(39)، فإن الدراسات والتقارير الإحصائية تؤكد جميعها دون استثناء أن الفجوة الغذائية تتسع بمرور الزمن، ولم تحقق خطط التنمية أمن الأقطار أو الوطن العربي الغذائي والاجتماعي وحتى المائي. كما أن "الأمن الفردي والقطري والقومي مستباح رغم كثرة اتفاقاته، والتغني به، وهدر الموارد في الصرف على أجهزة الأمن ونفقات التسلح. فمن ارتفاع معدلات الجريمة الموثق منها وغير الموثق، إلى الصراع الاجتماعي والسياسي والطائفي والديني والعرقي وحتى الحروب الأهلية، إلى صراع الحدود بين الأقطار العربية والذي يتطور بين الحين والآخر إلى نزعات مسلحة، وإلى استباحة الأمن العربي، ونماذجه كثيرة.."(40).
    ففي تقديمه لأبحاث ندوة "التنمية المستقلة في الوطن العربي"، التي شارك فيها ستة عشر مختصاً عربياً وتبناها مركز دراسات الوحدة العربية، يذكر نادر فرجاني، أن تلك الندوة اتسمت بقدر من المعاناة يفوق الحد المعتاد في المنتديات العربية الجادة. ويعود ذلك إلى ثلاثة عوامل: أولها: كان الإحساس بتسارع التردي في التنمية على المستويين القطري والقومي في السنوات الأخيرة، وثانيها: سيادة التوقعات باستمرار هذا التردي في المستقبل المنظور، وثالثها: كان خفوت الأمل في توافر البنى الاجتماعية والسياسية القادرة على تحمل نطفة الخلاص وأن تنميها، وتنمو بها، على درب التنمية المستقلة في الوطن العربي(41).

    وبالرغم من المظاهر الإيجابية، التي نتجت عن وجود النفط في المنطقة العربية (الخليج العربي بصفة خاصة)، والأهمية المتزايدة التي تحظى بها المنطقة يوماً بعد يوم، نتيجة لزيادة الانفاق على مشاريع التنمية في ميادين التربية والتعليم، والطرق والمواصلات والاتصالات والخدمات الصحية والاجتماعية.. الخ، إلا أن المجتمع العربي -النفطي يتعرض في الوقت ذاته إلى بعض المظاهر السلبية، مثل زيادة الاعتماد الكبير والمستمر على العمالة الأجنبية، والإسراف المتزايد في استهلاك الكثير من الكماليات، ومحاولة الكثير أيضاً اللجوء إلى بعض ألوان من الأعمال السهلة التي تدر ربحاً وفيراً، دون أن تتطلب جهداً كبيراً. ويهمنا في نطاق هذه الدراسة الإشارة بشكل خاص إلى تميز هيكل المجتمع النفطي بازدواجية البنية الاقتصادية -الاجتماعية. فمن ناحية نجد هياكل ومؤسسات اجتماعية تقليدية، مع تأكيد على الذاتية الثقافية والخاصة منها، ومن ناحية أخرى نرى هياكل ومؤسسات اقتصادية وتقنية عصرية وإمكانيات مالية ضخمة، مما ينتج عنه تصادم بين مستحدثات الدول الصناعية المتقدمة، وبين الهياكل التقليدية، التي لا تزال مهيمنة في المجتمع العربي الخليجي، ومراوحة في تنفيذ مشاريع التنمية واستراتيجية التكامل بين تلك الأقطار.

    خامساً- خلاصة واستنتاجات:

    لقد ركزنا في هذه الدراسة على طرح فرضية منهجية أساسية، وهي أن ما تحتاج إليه المجتمعات النامية، كالأقطار العربية، هو تغيير هيكلي -بنيوي لطبيعة ومستوى القوى الإنتاجية، ونمط العلاقات الإنتاجية السائدة في تلك الأقطار، كشرط هام لتجاوز التخلف والوصول إلى مرحلة الاستفادة المثلى من مشاريع التنمية بجوانبها وميادينها المختلفة، والاعتماد الكبير والأساسي على الذات. ففي خريف 1974، وتحت الرعاية المشتركة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وحكومة المكسيك، عقدت ندوة "أنماط استخدام الموارد واستراتيجيات البيئة والتنمية" في مدينة كوكويوك المكسيكية، وانتهت الندوة بإعلان عُرف "بإعلان كوكويوك"، الذي شدد على حق البلدان في انتهاج طرق مختلفة للتنمية، حسب أوضاعها التاريخية والثقافية والاجتماعية وما إلى ذلك من أوضاع أخرى، وعبر عن الاعتقاد بأنه "ينبغي أن يكون من بين الاستراتيجيات الأساسية للتنمية تحقيق الاعتماد الذاتي الوطني المتزايد"، ويراد بذلك "الثقة بالنفس، والاعتماد في المقام الأول على الموارد الذاتية، البشرية منها والطبيعية، والقدرة على تحديد الأهداف واتخاذ القرارات بصورة مستقلة"(42).
    وهذا يعني، أنه لكي نفهم آلية فشل المشاريع والبرامج التنموية، فإنه لا بد من دراسة تاريخية -اجتماعية واقتصادية للعناصر المكونة للبنية الاجتماعية- الاقتصادية في كل مجتمع على حدة. فالاعتماد الأساسي على الذات، يؤكد مجدداً صحة الأطروحة القائلة بضرورة تحليل التاريخ الاقتصادي لتشكل قوى الإنتاج والأنماط الإنتاجية في البلدان السائرة على طريق التنمية الحقيقية- المستقلة.
    وتبعاً لتلك الفرضية، توصل بعض الباحثين العرب إلى ضرورة البحث عن "تفسير للتخلف في خصائص التشكيلات الاجتماعية العربية" بدءاً من القرن السادس عشر للميلاد (قرن الهيمنة العثمانية) إلى يومنا هذا(43). وقد عمق الباحث الدكتور /محمد السيد سعيد هذه الأطروحة بوضعه فرضيتين تتصلان بالبيئة التي أحاطت بالاقتصادات العربية في القرون الثلاثة للسيطرة العثمانية على المنطقة العربية، ويمكن إيجازها في الآتي:
    أ-كان للوضع المستعمر للتشكيلات العربية أثر قوي في تعميق الميول الركودية الكامنة في طبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة بنموذجها المصري والشامي، وردع الميل نحو الغير التطوري أينما وحيثما تحقق.
    ب-وقد كان أحد النتاجات الثانوية لهذا الوضع المستعمر أن تم بذر البذور الأولى لعلاقات التبعية بين الاقتصادات العربية والمراكز الرأسمالية الأوروبية، وقد كان من شأن البزوغ الأول لعلاقات التبعية هذه أن أصبحت هناك ميول هيكلية نحو تحديد هامش ضيق نسبياً لنمو الاقتصادات العربية في نطاق التخصص الزراعي في تقسيم العمل الدولي(44).
    وهذه الحقيقة البيّنة لا تتعارض، بطبيعة الحال مع حقيقة هيمنة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية على الصعيد العالمي. فالقوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية هي السائدة حالياً، وهي المتحكمة في مجمل العملية الاقتصادية الدولية. وهذا يعني أن القوانين الخاصة بتطور قوى الإنتاج وأساليب الاستهلاك والتوزيع والتبادل غير المتكافئ والمزاحمة والاحتكار والمركز والأطراف.. الخ، هي القوانين الاقتصادية الموضوعية، التي تسود العلاقات الاقتصادية -الاجتماعية والسياسية وتميزها على المستويين الدولي والداخلي (لكل بلد من البلدان). ولكن ذلك لا يلغي البتة، وجود قوانين اقتصادية -اجتماعية موضوعية أخرى تعود لبقايا أنماط إنتاجية أخرى ما قبل رأسمالية، لا تزال قائمة وتلعب دورها المؤثر، بمستويات متباينة، في اقتصادات وحياة الغالبية العظمى من شعوب بلدان العالم الثالث، ومنها البلدان العربية. وهي بذلك تحدُّ بمستويات متفاوتة أيضاً، من قوة فعل القوانين الاقتصادية للرأسمالية (العالمية) وتأثيرها في درجات تطورها الداخلي -الذاتي، تبعاً لمستويات تطورها الاقتصادي والخصائص الوطنية والقومية والتاريخية والحضارية المميزة لها.
    أما خطط التنمية العربية، فهي تعاني من مشاكل واسعة تتعلق بعدم التوافق والترابط بين البرامج القطاعية، وغياب التخطيط التشابكي بين القطاعات، وعدم التوازن بين متطلبات الإنماء الاقتصادي والإنماء الاجتماعي، وعدم توافر قاعدة تحتية من القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج الدينامية- العصرية، التي من شأنها مواكبة التوجهات التنموية وإنجاح خططها، الرامية إلى التغيير البنيوي اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، إضافة إلى اختفاء البُعد القومي في معظم الخطط التنموية القطرية، مما أدى كله إلى عجز هذه الخطط في تحقيق التنمية الاقتصادية -الاجتماعية الشاملة والمتكاملة، لأن غياب الهياكل الاقتصادية- الاجتماعية المتطورة (على الصعيدين الإقليمي والعربي، ناهيك عن المحلي- القطري)، سيجعل عمليات التنمية المنفذة جزئية وفوقية ومحدودة النتائج والتأثيرات فعلاً، فالمهم -من وجهة نظرنا- هو إحداث تغيير سريع وجوهري في البنى الاقتصادية -الاجتماعية متعددة الأنماط، والتي تشكل عائقاً موضوعياً كبيراً أمام التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي تسعى إليه الأمة العربية. وقد أشار إلى هذه الحقيقة التقرير الصادر عن الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي بقوله: "إن دول المجلس بالمقارنة بالدول النامية تعتبر دولاً غنية بسيولتها النسبية، فقيرة بهياكلها الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فهي تواجه تحدياً كبيراً وصعباً إلى جانب التحديات الأخرى من حيث أن مصدر سيولتها النقدية غير متجدد وعليها أن تحدث تطوراً سريعاً في البنية الأساسية والاقتصادية والاجتماعية قبل نضوب مصدرها التمويلي الوحيد وهو النفط"(45).
    فالأهداف الخاصة بالتنمية الشاملة كمدخل طبيعي للتكامل الاقتصادي العربي تكمن أساساً في تغير الهياكل الاجتماعية -الاقتصادية، والتخلص المدروس من أنماط الإنتاج المتخلفة داخل كل تجمع إقليمي، وتنويع قاعدة الإنتاج لرفع الكفاءة الإنتاجية للموارد الطبيعية والبشرية والمادية المتيسرة بهدف الإسراع بخطوات التنمية الشاملة، وتصحيح الاختلافات الهيكلية الراهنة، وصولاً إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية والازدهار على الصُعد كافة. وليس من الضروري أن تكون مشاريع التنمية العربية مماثلة أو مطابقة لما يجري في بعض بلدان العالم الثالث، أو مماثلة لما جرى في الدول الصناعية المتقدمة، حيث أن الظروف التاريخية والبنى الاقتصادية والاجتماعية، التي تميز الأقطار العربية تجعلها في حالة فريدة تسمح لها بأن تصوغ إطارات تحديثية تلائم أوضاعها الخاصة. وحتى تنجح عمليات التنمية الشاملة في أقطار الوطن العربي، لا بد من أن تكون ضمن إطار استراتيجي واضح، يأخذ بالحسبان الأوضاع التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لبلدان كل مجموعة إقليمية على حدة، مع الحفاظ -في الوقت نفسه- على البُعد القومي الشامل لتلك الخطط والمشاريع. فالتنمية، كما يقول الدكتور /جاسم خالد السعدون: "ليست تنمية اقتصادية فقط ولكنها نقلة حضارية، اقتصادية، اجتماعية تضمن استمرار حالة التقدم الاقتصادية فقط ولكنها نقلة حضارية، اقتصادية، اجتماعية تضمن استمرار حالة التقدم الذاتي بفعل تغيير إرادي واع. وا

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 7:07 am