لماذا تفشل مشاريع الإصلاح في الدول العربية؟
--------------------------------------------------------------------------------
المراقب للمشهد السياسي العربي الراهن لابد أن يلحظ بقاء الأوضاع السياسية على حالها رغم مبادرات الإصلاح التي أعلن عنها قبل سنوات، والتي لم تنجح في تحقيق أي تطور إيجابي سواء باتجاه رفع كفاءة النظام السياسي للقيام بوظائفه المختلفة أو توسيع المشاركة الشعبية بما ينعكس إيجابا على قبول النظام ودعمه ومن ثم تعزيز شرعيته. ولاشك أن تفسير هذا الجمود في الحياة السياسية يختلف من دولة لأخرى، إلا أن هناك من أوجه الشبه بين الأنظمة السياسية العربية ما يمكن من خلاله التعرف على جذور مشكلة الفشل التي تكاد تكون قاسماً مشتركاً لمبادرات الإصلاح وإن تباينت درجتها. المشكلة هي أن كثيراً من المبادرات افتقدت لشروط الإصلاح التي يمكن تحديدها على النحو التالي: (1) القناعة بضرورة الإصلاح (2) انطلاق الإصلاح من رؤية وليس مجرد رغبة (3) توقيت الإصلاح و(4) التوافق داخل النظام السياسي على مشروع الإصلاح.
لنحاول تطبيق هذه الشروط على مبادرات الإصلاح التي شهدتها بعض الدول العربية دون تحديد فالقصد هو التشخيص وليس الإدانة لعل في ذلك ما يساعد على تطوير مشاريع إصلاح سياسي تخرج الأوضاع السياسية من جمودها وتعالج حالة التأزم في المجتمعات العربية.
الشرط الأول لنجاح الإصلاح قناعة القيادة السياسية بضرورته وإيمانها بأن النظام السياسي الذي تقف على هرمه وصل مرحلة من الضعف سواء من حيث قدرته على القيام بوظائفه وأداء أدواره ومسؤولياته أو من حيث قدرته على المحافظة على شرعيته بين مواطنيه وتعزيزها، وبدون هذه القناعة فأي مبادرة إصلاح ستكون محدودة النتائج ودون قيمة. وبالنظر إلى مبادرات الإصلاح في عدد من الدول العربية نجد أنها افتقدت لهذا الشرط الضروري فكانت مجرد رد فعل لتحولات في البيئة الدولية في محاولة لامتصاص هذه التحولات. ولسنا بحاجة للتفصيل هنا لبيان هذه الحقيقة فيكفي النظر لتوقيت المبادرات للتحقق من دوافعها.
الشرط الثاني لنجاح الإصلاح السياسي يتمثل في ضرورة انطلاقه من رؤية عميقة تحملها القيادة السياسية فمجرد الرغبة في الإصلاح وحسن النوايا وإن كانت مهمة إلا أنها غير كافية بدون وجود رؤية مبنية على إدراك واع لضرورة الإصلاح وكيفية تحقيقه وكذلك متطلبات نجاحه وما يعنيه ذلك من قراءة جيدة للقوى السياسية داخل النظام وخارجة وكذلك القوى الاجتماعية القريبة من النظام وغير القريبة- وفي بعض الأحيان البيئة الخارجية- وكيفية إدارة اللعبة بما يضمن دعم مشروع الإصلاح ويحتوي أسباب مقاومته ومن ثم وضع برنامج واضح للإصلاح قابل للتكيف مع ما يستجد من تغيرات في البيئتين الداخلية والخارجية.
الشرط الثالث لنجاح أي مشروع للإصلاح السياسي يتمثل في اختيار التوقيت المناسب للبدء فيه وتتضح أهمية هذا الشرط خاصة في مشاريع الإصلاح التي تبدأ متأخرة عن وقتها فتتحول إلى مشاريع تخريب بدل إصلاح، ولعل تجربة غورباتشوف الكارثية أفضل شاهد على نتائج الإصلاح حين يتأخر عن وقته.
فليس من الصعب على القائد الفطن أن يدرك أن لحظة إصلاح النظام السياسي للرفع من كفاءته وتجديد مصادر شرعيته قد حانت، فهناك مؤشرات عدة تكشف حاجة النظام للإصلاح وأن بقاء الأوضاع كما هي، أو التأخر في البدء بعملية الإصلاح سيتسببان في دخول النظام في أزمة قد لا يستطيع الخروج منها. وبعض القادة قد يدرك الحاجة لإصلاح النظام مبكراً لكنه لا يستطيع البدء فيه لأسباب تتعلق بالشرط الرابع والأخير لنجاح الإصلاح والمتمثل في ضرورة توافق أقطاب النظام السياسي على الرؤية والبرنامج. فنجاح أي سياسة أو برنامج يتطلب توافق القائمين عليه ويتأكد هذا المطلب في مشروع الإصلاح السياسي الذي لابد أن يترتب عليه تغيرات مهمة في آليات الحكم، إضافة إلى تقديم تناماوالات، خاصة إذا كان الهدف من الإصلاح تعزيز شرعية النظام السياسي. ولاشك أنه ليس من السهل توافق القيادة السياسية على هذه الاستحقاقات لمشروع الإصلاح مما يعني ظهور بعض الأطراف الممانعة التي يمكن التعامل معها من خلال التهميش أو حتى الإقصاء لمصلحة الهدف الأكبر المتمثل في تعزيز شرعية النظام بين مواطنيه. ولكن المشكلة تظهر حين يكون عدد هذه الأطراف كبيرا أو حين تكون ممسكة بمواقع مهمة في النظام السياسي مما يمكنها من إعاقة مشروع الإصلاح أو تفريغه من جوهره أو حتى تعطيله. ولتجنب هذا الموقف الممانع فمن الضروري الحرص على التوافق على المشروع الإصلاحي وكسب دعم أكبر عدد من القيادات داخل النظام وهذا لا يتحقق سوى من خلال بدء حوار طويل وشامل وشفاف حول الإصلاح من حيث الحاجة له وطاقته وبرنامجه وكذلك النتائج المحتملة له. فمن خلال هذا الحوار الذي تنحصر المشاركة فيه – في مراحله الأولى - على أهم رموز قيادة النظام السياسي يمكن التعاطي مع الكثير من المخاوف التي قد يثيرها مشروع الإصلاح ومن ثم كسب دعمهم له وضمان التأييد لخطواته.
إن أهم عائق أمام مشاريع الإصلاح السياسي يتمثل في الخوف من نتائجه وتزداد درجة الخوف عند اختزان الذاكرة لتجارب كارثية للإصلاح- التجربة السوفيتية على سبيل المثال. وهذا ما يؤكد الحاجة الضرورية للتوافق على مشروع الإصلاح قبل البدء فيه لطمأنة كافة أركان القيادة السياسية وقبل ذلك إشراكها في تطوير رؤية مشروع الإصلاح وبرنامجه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:د.صالح محمد الخثلان، لماذا تفشل مشاريع الإصلاح في الدول العربية؟ مقال في مجلة الوطن سعودية
الجمعه 20 جمادى الأولى 1430 ـ 15 مايو 2009 العدد 3150 ـ السنة
http://www.alwatan.com.sa/news/write...1352&Rname=197
--------------------------------------------------------------------------------
المراقب للمشهد السياسي العربي الراهن لابد أن يلحظ بقاء الأوضاع السياسية على حالها رغم مبادرات الإصلاح التي أعلن عنها قبل سنوات، والتي لم تنجح في تحقيق أي تطور إيجابي سواء باتجاه رفع كفاءة النظام السياسي للقيام بوظائفه المختلفة أو توسيع المشاركة الشعبية بما ينعكس إيجابا على قبول النظام ودعمه ومن ثم تعزيز شرعيته. ولاشك أن تفسير هذا الجمود في الحياة السياسية يختلف من دولة لأخرى، إلا أن هناك من أوجه الشبه بين الأنظمة السياسية العربية ما يمكن من خلاله التعرف على جذور مشكلة الفشل التي تكاد تكون قاسماً مشتركاً لمبادرات الإصلاح وإن تباينت درجتها. المشكلة هي أن كثيراً من المبادرات افتقدت لشروط الإصلاح التي يمكن تحديدها على النحو التالي: (1) القناعة بضرورة الإصلاح (2) انطلاق الإصلاح من رؤية وليس مجرد رغبة (3) توقيت الإصلاح و(4) التوافق داخل النظام السياسي على مشروع الإصلاح.
لنحاول تطبيق هذه الشروط على مبادرات الإصلاح التي شهدتها بعض الدول العربية دون تحديد فالقصد هو التشخيص وليس الإدانة لعل في ذلك ما يساعد على تطوير مشاريع إصلاح سياسي تخرج الأوضاع السياسية من جمودها وتعالج حالة التأزم في المجتمعات العربية.
الشرط الأول لنجاح الإصلاح قناعة القيادة السياسية بضرورته وإيمانها بأن النظام السياسي الذي تقف على هرمه وصل مرحلة من الضعف سواء من حيث قدرته على القيام بوظائفه وأداء أدواره ومسؤولياته أو من حيث قدرته على المحافظة على شرعيته بين مواطنيه وتعزيزها، وبدون هذه القناعة فأي مبادرة إصلاح ستكون محدودة النتائج ودون قيمة. وبالنظر إلى مبادرات الإصلاح في عدد من الدول العربية نجد أنها افتقدت لهذا الشرط الضروري فكانت مجرد رد فعل لتحولات في البيئة الدولية في محاولة لامتصاص هذه التحولات. ولسنا بحاجة للتفصيل هنا لبيان هذه الحقيقة فيكفي النظر لتوقيت المبادرات للتحقق من دوافعها.
الشرط الثاني لنجاح الإصلاح السياسي يتمثل في ضرورة انطلاقه من رؤية عميقة تحملها القيادة السياسية فمجرد الرغبة في الإصلاح وحسن النوايا وإن كانت مهمة إلا أنها غير كافية بدون وجود رؤية مبنية على إدراك واع لضرورة الإصلاح وكيفية تحقيقه وكذلك متطلبات نجاحه وما يعنيه ذلك من قراءة جيدة للقوى السياسية داخل النظام وخارجة وكذلك القوى الاجتماعية القريبة من النظام وغير القريبة- وفي بعض الأحيان البيئة الخارجية- وكيفية إدارة اللعبة بما يضمن دعم مشروع الإصلاح ويحتوي أسباب مقاومته ومن ثم وضع برنامج واضح للإصلاح قابل للتكيف مع ما يستجد من تغيرات في البيئتين الداخلية والخارجية.
الشرط الثالث لنجاح أي مشروع للإصلاح السياسي يتمثل في اختيار التوقيت المناسب للبدء فيه وتتضح أهمية هذا الشرط خاصة في مشاريع الإصلاح التي تبدأ متأخرة عن وقتها فتتحول إلى مشاريع تخريب بدل إصلاح، ولعل تجربة غورباتشوف الكارثية أفضل شاهد على نتائج الإصلاح حين يتأخر عن وقته.
فليس من الصعب على القائد الفطن أن يدرك أن لحظة إصلاح النظام السياسي للرفع من كفاءته وتجديد مصادر شرعيته قد حانت، فهناك مؤشرات عدة تكشف حاجة النظام للإصلاح وأن بقاء الأوضاع كما هي، أو التأخر في البدء بعملية الإصلاح سيتسببان في دخول النظام في أزمة قد لا يستطيع الخروج منها. وبعض القادة قد يدرك الحاجة لإصلاح النظام مبكراً لكنه لا يستطيع البدء فيه لأسباب تتعلق بالشرط الرابع والأخير لنجاح الإصلاح والمتمثل في ضرورة توافق أقطاب النظام السياسي على الرؤية والبرنامج. فنجاح أي سياسة أو برنامج يتطلب توافق القائمين عليه ويتأكد هذا المطلب في مشروع الإصلاح السياسي الذي لابد أن يترتب عليه تغيرات مهمة في آليات الحكم، إضافة إلى تقديم تناماوالات، خاصة إذا كان الهدف من الإصلاح تعزيز شرعية النظام السياسي. ولاشك أنه ليس من السهل توافق القيادة السياسية على هذه الاستحقاقات لمشروع الإصلاح مما يعني ظهور بعض الأطراف الممانعة التي يمكن التعامل معها من خلال التهميش أو حتى الإقصاء لمصلحة الهدف الأكبر المتمثل في تعزيز شرعية النظام بين مواطنيه. ولكن المشكلة تظهر حين يكون عدد هذه الأطراف كبيرا أو حين تكون ممسكة بمواقع مهمة في النظام السياسي مما يمكنها من إعاقة مشروع الإصلاح أو تفريغه من جوهره أو حتى تعطيله. ولتجنب هذا الموقف الممانع فمن الضروري الحرص على التوافق على المشروع الإصلاحي وكسب دعم أكبر عدد من القيادات داخل النظام وهذا لا يتحقق سوى من خلال بدء حوار طويل وشامل وشفاف حول الإصلاح من حيث الحاجة له وطاقته وبرنامجه وكذلك النتائج المحتملة له. فمن خلال هذا الحوار الذي تنحصر المشاركة فيه – في مراحله الأولى - على أهم رموز قيادة النظام السياسي يمكن التعاطي مع الكثير من المخاوف التي قد يثيرها مشروع الإصلاح ومن ثم كسب دعمهم له وضمان التأييد لخطواته.
إن أهم عائق أمام مشاريع الإصلاح السياسي يتمثل في الخوف من نتائجه وتزداد درجة الخوف عند اختزان الذاكرة لتجارب كارثية للإصلاح- التجربة السوفيتية على سبيل المثال. وهذا ما يؤكد الحاجة الضرورية للتوافق على مشروع الإصلاح قبل البدء فيه لطمأنة كافة أركان القيادة السياسية وقبل ذلك إشراكها في تطوير رؤية مشروع الإصلاح وبرنامجه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:د.صالح محمد الخثلان، لماذا تفشل مشاريع الإصلاح في الدول العربية؟ مقال في مجلة الوطن سعودية
الجمعه 20 جمادى الأولى 1430 ـ 15 مايو 2009 العدد 3150 ـ السنة
http://www.alwatan.com.sa/news/write...1352&Rname=197
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام