مقدمة.
الإشكالية: ما ماهية النظام الديموقراطي ؟ و ما هي صوره ؟ و ما هو طابع الديموقراطية في الجزائر ؟.
المبحث الأول: ماهية الديموقراطية.
المطلب الأول: المفهوم التقليدي.
الفرع الأول: الديموقراطية في اليونان و روما.
الفرع الثاني: الديموقراطية في الإسلام و المسيحية.
المطلب الثاني: المفهوم الحديث.
الفرع الأول: في الفكر الليبرالي.
الفرع الثاني: في الفكر الإشتراكي.
المبحث الثاني: صور الديموقراطية.
المطلب الأول: الديموقراطية المباشرة.
الفرع الأول: مفهومها.
الفرع الثاني: تطبيقاتها.
الفرع الثالث: تقييمها .
المطلب الثاني: الديموقراطية الشبه مباشرة.
الفرع الأول: مفهومها.
الفرع الثاني: مظاهرها و تطبيقاتها.
أولا: مظاهرها.
ثانيا: تطبيقاتها.
الفرع الثالث: تقييمها.
المطلب الثالث: الديموقراطية النيابية.
الفرع الأول: مفهومها.
الفرع الثاني: تطبيقاتها.
الفرع الثالث: تقييمها.
المبحث الثالث: الطابع الديموقراطي في الجزائر.
المطلب الأول: في ظل النظام الأحادي.
المطلب الثاني: في ظل النظام التعددي.
خاتمة.
مقدمة :
من المعترف به أن حكومة أي دولة حاليا تستمد مشروعيتها من الشعب الذي يعتبر صاحب السيادة في هذه الحكومة ، و نظرا لسيادة هذا النوع من الأنظمة السياسية و الأنظمة الحديثة لذلك فهو يحتاج إلى الكثير من الإهتمام و التفصيل و الإمعان في مفهوم الديموقراطية الذي هو بالضرورة بحث في طبيعة الدولة مادام جوهر البحث ينصب على علاقة الحاكم بالمحكومين كأطراف في المجتمع السياسي ، كما أن موضوع الديموقراطية أثار جدلا من خلال تطور الفكر الإنساني عبر العصور ، و الصراع الأماوالي بين السلطة و الحرية و كيفية التوفيق بينهما لتحديد صاحب الحق في السيادة ، و هذا ما أدى إلى بروز عدة إشكاليات نذكر منها : ما ماهية النظام الديموقراطي ؟ و ما هي صوره ؟ و ما هو طابع الديموقراطية في الجزائر ؟ .
و للإجابة على هذه الإشكاليات وضعنا الخطة التالية :
المبحث الأول: ماهية الديموقراطية:
المطلب الأول: المفهوم التقليدي:
إرتبطت نشأة الديموقراطية بتطور المجتمعات و النظم السياسية التي إنتقلت من الحكم بمقتضى العادات و التقاليد إلى الحكم بمقتضى القانون بدءا من قانون حمورابي، ليصبح مهما في مرحلة ثالثة البحث عن صيغ حكم عادلة.
و لقد كانت آخر مراحل هذا التطور، مرحلة قيام النظام الديموقراطي الأوروبي على أساس سيادة الشعب مصدر السلطات، أين تشكل النمط الديموقراطي في قلب المنظومة الأرستقراطية و الملكية التي كانت تسود أوربا قبل الثورة الفرنسية، و قد أفضى هذا التطور إلى المنظومة الديموقراطية الرأسمالية التي سندتها الثورات الفرنسية و الأمريكية بقوة إعلامية هائلة.
إن الديموقراطية في مفهومها القديم تحمل في جوهرها مثلا أعلى هو المساواة و أن النظام و المؤسسات و العلاقات التي تقلب بالديموقراطية هي تلك التي تعظم المساواة بين البشر في فرص الحياة.
فمنذ القرن الثامن عشر و الديموقراطية تموج بين مفهومين متناغمين، الأول بتأثير من " منتسكيو " و الثاني بتأثير من " روسو "، فـ" منستكيو " يعتبر السلطة السياسية شرا لابد منه، و يعتبر الشعب مجموعة أفراد أو تجمعات خاصة يجب حماية مصالحها من تعديات السلطة، أما " روسو" فيذهب إلى ضرورة البحث عن تعريف إيجابي لا سلبي للحرية السياسية من خلال المشاركة السياسية في السلطة شريطة أن تكون هذه المشاركة ناجمة عن الرضا و لم تفرضها القوة أو الدعاية.
الفرع الأول: الديموقراطية في اليونان و روما:
ظهر التطبيق الأولي للديموقراطية في بعض المدن اليونانية مثل أثينا التي يتكون سكانها من ثلاث طبقات هي الأرقاء، و الأجانب، و المواطنين الأحرار. و قد إنفردت الطبقة الأخيرة ( دون النساء و الأطفال ) بممارسة السلطة السياسية في المدينة بواسطة جمعية الشعب صاحبة السلطة العليا في سن القوانين و تعيين الحكومة و النظر في المسائل الخارجية بالطريقة المباشرة حيث يجتمع المواطنون الأحرار الذين بلغوا سن العشرين في هيئة جمعية شعبية لإتخاذ القرارات اللازمة لتسيير شؤون الدولة.
و بالنسبة لدور الديانات السماوية في تأكيد مبدأ الديموقراطية و المطالبة بتطبيقه فإننا نلاحظ أن الديانة المسيحية رغم أنها تفصل بين المسائل الدينية و الدنيوية تطبيقا لقول المسيح عليه السلام " دع ما لقيصر و ما لله لله " إلا أنها طالبت بالفضيلة و الأخلاق الحميدة و ضرورة تطبيق العدالة بين أفراد المجتمع.
و بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب سنة 476 أصيبت الأفكار تلك بنكسة رهيبة فقامت الإقطاعية و إنقسم المجتمع إلى ملاك و أقنان ثم سيطر رجال الدين على السلطة الدينية ثم السياسية فقامت الكاثوليكية بأعمال بشعة ضد من لا يؤمن بالديانة المسيحية و من يخرج عن تعاليمها .
و مع ذلك يمكن إعتبار الديموقراطية اليونانية البادرة الأولى للديمواقراطية الحديثة التي نادى بها الفلاسفة بعد النهضة الأوروبية للوقوف ضد الملكية المطلقة و تطبيق مبدأ تقييد السلطة و خضوع الحاكم للقانون و ظهر تطبيق هذه الأفكار فيما بعد على الثورات التي قامت في أمريكا و أوروبا التي ضمنت إعلاناتها و دساتيرها مبدأ سيادة الأمة و المساواة بين المواطنين و أن القانون يعد التعبير عن الإرادة العامة للأمة.
الفرع الثاني: الديموقراطية في الإسلام:
إن نظام الحكم في الإسلام يعتبر صورة رفيعة من صور الديموقراطية لأنه يقوم على أساس صادق من إرادة المسلمين في إعتناق الإسلام و لا ينقص من ديموقراطيته التقيد بأحكام الشريعة، لأن الديموقراطية هي حكم الشعب و الشعب المسلم هو الذي إعتنق الإسلام بإرادته فألزم نفسه بأحكامه مختارا، و يختار الشعب خليفته عن طريق البيعة فيظل مقيدا طيلة مدة خلافته بأحكام الشريعة الإسلامية و يمكن عماواله إذا حاد عنها و إذا لم يلتزم بمبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن الكريم صراحة.
فالحكومة الإسلامية حكومة قانونية و ديموقراطية تتقيد بالقواعد المنبثة عن الدين الذي إعتنقه مواطنوها كما أن هؤلاء المواطنين هو الذين يتولون إختيار حكامهم و مبايعتهم مما جعل بعض الآراء تذهب إلى إعتبار الحكومة الإسلامية حكومة نموقراطية أي حكومة قانون لأن الشريعة هي الأساس الذي يقوم عليه هذا النظام.
و إذا كانت الحكومة الإسلامية توكل شؤون الحكم لأولي العلم و التقوى، و تتسم بصفة النيابة لأن الصالحين من أبناء الأمة يمارسون الحكم نيابة عن المسلمين، فإن هذا لا يعني عدم إمكانية الرجوع المباشر إلى قاعدة أوسع من المسلمين أين تصبح المشاركة السياسية في الحكم واجبا لا حقا يمكن التناماوال عنه – على خلاف ما إتجهت إليه الديموقراطية الغربية – إستنادا إلى مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و تفوق الديموقراطية الإسلامية كافة صور الديموقراطية من حيث الهدف الذي تسعى إليه بحيث تتجاوز إستهداف مصلحة الناس في الحية الدنيا إلى ضمان سعادتهم في الحياة الأبدية أيضا ، من خلال تجسيد غاية الإستخلاف في الأرض التي خلقت البشرية من أجلها .
المطلب الثاني: المفهوم الحديث:
لقد وجد البحث عن مفهوم معاصر للديموقراطية مبرره في الإنتقادات الموجهة لكل من النظريتين الليبرالية و الإشتراكية للديموقراطية من جهة، و في مسار العولمة الذي تقوده حكومات أوربا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا و التي لا زالت تطرح النموذج الديموقراطي بديلا لكل أشكال السلطة القائمة ، فقد خاضت هذه الحكومات معركة ضد الشيوعية باسم هذا النمط و هي تخوض اليوم معركة تعميمه في العالم كله.
إن المسألة التي تواجهها الديموقراطية حاليا هي بالتحديد مسألة نوع و طبيعة المؤسسات التي تجعل من مشاركة المواطنين في السلطة مشاركة فعلية عندما أصبح الشك يحوم كون التمثيل البرلماني هو أفضل وسائل المشاركة .
و إن كان العالم السياسي لم يعرف للأمم الكبيرة مؤسسات أكثر ديموقراطية من البرلمانات المنتخبة بالإقتراع العام إلا أن مفهوما جديدا للديمواقراطية بدأ يسود المجتمعات الحديثة يقتضي مزيدا من الإحترام للعددية و المشاركة المباشرة للمواطنين في الإختيارات الجماعية، بدل تقاسم السلطة بين ناوب منتخبين.
الفرع الأول: في الفكر الليبرالي:
يجدر بنا التنبيه أن فكرة الديموقراطية ليست من إنتاج الرأسمالية أم الليبرالية أو من الإشتراكية في العصور الحديثة بل أن فكرة الديموقراطية عرفت في ظل العصور القديمة عن بعض الفلاسفة خاصة الحضارات الشرقية أمثال "كونفوشيوس" الفيلسوف الصيني المنادي بحرية الشعب و وجوب إمتثال الحكام لإرادته و بعدها تحولت أو إنتقلت إلى اليونانين حيث طبقت الديموقراطية المباشرة لكن بين الأحرار و النبلاء فقط أما باقي الناس كالتجار و الفلاحين و غيرهم ليست لهم حقوق و هم غير معنيين بهذه الديموقراطية، و يرى المفكرون الليبراليون أن الديموقراطية هي طريقة لتنظيم حكومي ليس إلا، و لهذا فليست ذات محتوى إجتماعي أو إقتصادي و يمكن أن تتعايش مع أي نظام سواء كان رأسمالي أو إشتراكي أو كغيره من الأنظمة
الفرع الثاني: في الفكر الإشتراكي:
بعكس الرأسمالية يرى الإشتراكيون الديموقراطية أنها ليست حيادا للنشاط الحكومي بل هو إطار يعبر عن ديموقراطية سياسية تشكيلية فالحريات الفردية و حرية التعبير و المساواة أمام القانون و المشاركة في الحياة السياسية أمور لا فائدة منها و لا يتمتع بها سوى الرأسماليون الأغنياء الذين يملكون الأموال و الوسائل لذا يستفيدون من هذه الحريات بعكس الفقراء الذي هم يمثلون أغلبية فلا يستطيعون التمتع بهذه الإمتيازات لذا فالديموقراطية الليبرالية و ديموقراطية الأقلية ليست ديموقراطية حقيقية، لهذا السبب و من أجل التوصل إلى ديموقراطية تعم كل المواطنين لا بد من تحرير الإنسان من الإستغلال .
المبحث الثاني: صور الديموقراطية:
كما ذكرنا سابقا، إن الديموقراطية ينصرف إلى أن الشعب هو مصدر السلطة، و قد يباشر الشعب السلطة بنفسه و بصورة مباشرة، بإعتباراه صاحب الحق الأصلي في ذلك ، فنكون و الحالة هذه أمام الديموقراطية المباشرة، و قد يلجأ إلى إنابة غيره في مباشرة السلطة و هو ما يجري غالبا ، فنكون أمام الديموقراطية غير المباشرة، و قد يختر الشعب طريقا وسط في ممارسة السلطة، فيمارس جزء منها، و يحيل الجزء الآخر إلى البرلمان، و يطلق على هذا النظام، نظام الديموقراطية شبه المباشرة.
المطلب الأول: الديموقراطية المباشرة:
الفرع الأول: مفهومها:
الديموقراطية المباشرة تعني أن الشعب يتولى بنفسه و مباشرة شؤون الحكم، فالشعب ليس فقط صاحب السلطة أو السيادة في الدولة، بل يمارسها بالفعل بدون وساطة نواب عنه، و من ثم فإن نظام الديموقراطية المباشرة لا يعرف البرلمان أو الإنتخابات النيابية لإنتخاب النواب ، لأن الشعب صاحب السلطة هو الذي يتولاها في كافة خصائصها التشريعية و التنفيذية و القضائية و لا توجد بالتالي أي حاجة نواب أو وكلاء .
الفرع الثاني: تطبيقاتها:
و قد ساد نظام الديموقراطية المباشرة في الماضي البعيد في المدن اليونانية القديمة، ففي أثينا على سبيل المثال كان المواطنون الأحرار يمارسون السلطة بأنفسهم في جمعية الشعب، و ذلك بصفة دورية و منتظمة حيث كانت جمعية الشعب تنعقد في كل شهر بل أقل من شهر أحيانا، و كان أفراد الشعب الأحرار يضعون القوانين بأنفسهم و يحددون الإتجاه السياسي للمدينة، و ينظرون في شؤون الحرب و السلام و يقرون المعاهدت، و كذلك يعينون القضاة و يراقبون أعمال المجلس المسمى بمجلس الخمسمائة و الذي يتم إختيار أعضائه في جمعية الشعب بطريق القرعة.
و يلاحظ في هذا النظام الديموقراطي المباشر من خلال تطبيقه في مدينة أثينا و غيرها من المدن اليونانية الملحوظتين التاليتين :
1- إن الشعب الذي يمارس الحكم و السلطة في جمعية الشعب لا يمثل في الواقع أغلبية سكان المدينة بل كان يمثل أقلية محدودة هي المواطنون الأحرار إذا كان العبيد أو الأرقاء مستبعدين من حق مباشرة الحقوق السياسية ، و كذلك النساء حتى الأحرار منهن، كذلك كان يستبعد من مباشرة الحكم الأجانب برغم كثرتهم و برغم إقامتهم في المدينة و قيامهم بالنشاط الإقتصادي في أهم مظاهره، و طبقا لأقوال المؤرخين فإن نسبة المواطنين الأحرار في جمعية الشعب لم تكن تزيد عن عشر سكان مدينة أثينا .
2 – إن جمعية الشعب التي تجمع المواطنين الأحرار لم تكن في الواقع تمارس جميع الوظائف أو السلطات الدستورية بل كانت تمارس فقط الوظيفة التشريعية التي تتمثل في إقرار القوانين و المعاهدات و الميزانية و الضرائب، أما الوظيفة التنفيذية أو الإدارية و كذلك الوظيفة القضائية فلم تكن تمارسها جمعية الشعب مباشرة بل بطريق غير مباشر فالوظيفة التنفيذية أو الإدارية كان يتولاها مجلس تعينه جمعية الشعب بالقرعة و أيضا الوظيفة القضائية كان يتولاها القضاة الذين تعينهم جمعية الشعب.
الفرع الثالث: تقييمها:
لعل القول بأن هذا الأسلوب من الحكم يحقق مبدأ السيادة و يجعل المواطن يواجه الواقع مما يدفعه إلى تحمل مسؤولياته و الإبتعاد عن العيش في الخيال و التقليل من الإنتقادات الموجهة للمسؤولين لو كان في ظل نظام تمثيلي هو قول فيه جانب من الصواب غير أن هذا الأسلوب من جهة أخرى يصعب تطبيقه بسبب تزايد عدد السكان و مها الدولة التي تقتضي التخصص الذي لا نجده إلا عند القليلين من أفراد الشعب كما تقتضي بعض تلك المهام السرية التامة مما يقتضي عدم إفشائها و عن إتباع أسلوب الديموقراطية المباشرة سيلحق أضرار كبيرة بالدولة.
المطلب الثاني: الديموقراطية الشبه مباشرة:
الفرع الأول: مفهومها:
إن مصطلح الديموقراطية يخرج عن معناه الحقيقي إذا لم يتم ممارسة السلطة من قبل الشعب، و من خلال إستعراض نظام الديموقراطية المباشرة تبين لنا أن تبني هذا الناظم في الوقت الحاضر أمر في غاية الصعوبة و في الوقت يسجل على نظام الديموقراطية غير المباشرة العديد من السلبيات، و للخروج من هذا التناقض إهتدى الفكر الدستوري إلى نظام وسط يجمع بين بعض خصائص الناظمين السابقين و هذا النظام هو نظام الديموقراطية شبه المباشرة، و يقوم هذا النظام على وجود برلمان منتخب من قبل الشعب يمارس السيادة نيابة عنه، مع إحتفاظ الشعب بحق ممارسة بعض مظاهر السلطة بالإشتراك مع البرلمان .
الفرع الثاني: مظاهرها و تطبيقاتها:
أولا: مظاهرها:
1- الإعتراض الشعبي: و يقصد به حق المجموعة من المواطنين في الإعتراض خلال مدة معينة على القوانين التي وافق عليها النواب و بقي سريانها متوقفا على عدم الإعتراض عليها لمدة محددة في الدستور .
2- الإقتراح الشعبي: و نعني به السماح لعدد من الناخبين بإقتراح قانون و تقديمه للبرلمان لمناقشته بحيث تختلف شروط صياغة الإقتراح أو شروط تحديد الفكرة التي يمكن أن يدور حولها و طبيعة الموقف التي يتخذه البرلمان بشأنها من رفض أو موافقة و ما يتبعه من إجراءات بإختلاف الدساتير و النظم السياسية .
3- الإستفتاء الشعبي: و يراد به الإحتكام إلى الشعب بشأن أمر معين قد يكون مشروع أو إقتراح قانون ، أو موضوعا هاما يتعلق بسياسة الدولة ، بحيث لا يمكن له أن يكتسي القوة الإلزامية ما لم يحضى بموافقة الشعب ، و قد يكون الإستفتاء دستوريا إذا تعلق بالدستور أو تشريعيا إذا تعلق بالقانون ، و قد يكون سياسيا إذا تعلق بأمر من أمور الدولة ، و قد يكون سابقا أو لاحقا عن عرضه على البرلمان .
و يصنف الإستفتاء من حيث إلزاميته إلى إستفتاء إجباري ينص عليه الدستور و إستفتاء إختياري يترك الدسور أمره لمؤسسات الدولة المختصة كرئيس الدولة مثلا ، أما من حيث قوته القانونية بحق مؤسسات الدولة ، فهناك الإستفتاء الملزم و هناك الإستفتاء الإستشاري الذي لا تلتزم مؤسسات الدولة بنتائجه .
و هناك مظاهر أخرى قليلة الحدوث للديموقراطية شبه المباشرة تتمثل في :
* إقالة المنتخبون من النواب بموافقة نسبة معينة من الناخبين .
* الحل الشعبي للبرلمان ، بتوقيع الطلب من مجموعة المواطنين و عرضه على الشعب .
* عماوال رئيس الجمهورية ، و يخضع هو الآخر للإستفتاء الشعبي لأن الرئيس ينتخب من طرف عامة الشعب .
* أما في الوقت الراهن فإن الديموقراطية راحت تتسم بصور أوسع للممارسة الشعبية للسلطة عبر مؤسسات المجتمع المدني و وسائل الإعلام التي تؤثر بشكل كبير في قرارات السلطة و إفرازات مؤسساتها .
ثانيا: تطبيقاتها:
ما يلاحظ على هذا النوع أنه طبق منذ القديم في سويسرا سواءا في الدستور الإتحادي أو دساتير الولايات ، كما طبق في الكثير من الدول الأوروبية عقب الحرب العالمية الأولى و مثال على ذلك نأخذ سويسرا .
تتمثل أهم مظاهر الديموقراطية الشبه مباشرة في سويسرا في : الإستفتاء الشعبي و الإقتراح الشعبي و الإعتراض و الحل الشعبي فالإستفتاء نجده مقررا في دستور الإتحاد بالنسبة للقوانين العادية إلا أن الإستفتاء هنا يكون إختياريا في دولة الإتحاد أو المقاطاعات.
أما الإقتراح الشعبي فيأخذ به الدستور الإتحادي بالنسبة للقوانين الدستورية فقط و لا يجيزه في القوانين العادية أما دساتير المقاطاعات فتبيح الإقتراح الشعبي في القوانين الدستورية و العادية على حد سواء .
أما بالنسبة للإعتراض الشعبي فقد تقرر هذا الأخير في الدستور الأحادي كما أخذت به دساتير بعض المقاطعات كما أخذت به سويسرا أيضا بمبدأ الحل الشعبي و قد نصت على هذا الحق دساتير بعض المقاطاعات مثل " بورن ".
الفرع الثالث: تقييمها:
إذا كان النظام شبه المباشر يمتاز في كونه يمكن الشعب من مشاركة هيئاته المنتخبة في ممارسة السلطة و يقلل من تأثير الأحزاب في توجيه الرأي العام و إستحواذ المجالس المنتخبة على السلطة طيلة مدة إتخابها و أنه كذلك يحقق الإنسجام و التطابق بين رأي المجالس المنتخبة و الشعب حول القوانين بحيث لا يترك الأمر للبرلمان الذي قد لا يعبر في بعض الأحيان عن رأي الأغلبية من الشعب ، و إنه أخيرا يساهم في إستقرار الحكومة و الحكم الشرعي بعيدا عن الحل الشعبي أو الثورة أو الإنقلاب ، فإن هذا الأسلوب لا يصلح إلا حيث الوعي الشعبي المرتفع و الخبرة، و هو شرط لا يتوفر لدى أغلبية الشعب كما أن المواضيع التي تعرض على الشعب لا تناقش و إن نوقشت فلن تصل إلى مستوى مناقشات النواب في المجلس النيابي و هناك أيضا من يرى بأن النظام يؤدي إلى تزايد دعوة الناخبين للإدلاء برأيهم في مواضيع كان من المفروض تركها للمجالس التي تم إنتخابها لهذا الغرض مما يقلل من هيبة تلك المجالس من جهة و تزرع في نفوس الناخبين روح الملل و النفور و بالتالي العزوف عن الإدلاء بالرأي ، أضف إلى ذلك تزايد نفقات الدولة حيث تخصص أموال طائلة لتلك الحملات و الإدلاء بالرأي.
و رغم وجاهة هذه الإنتقادات إلا أنها مع ذلك غير كافية لتحطيم إيجابيات هذا النظام ، ذلك أنه يمكن تلافي تلك الإنتقادات بمراعاة بعض المسائل منا تجنب اللجوء إلى الشعب في كل مرة و في كل الحالات و الإقتصار على طرح مواضيع هامة عليه تجلبه مع إشعاره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه فضلا عن تبسيط الموضوع حتى تتمكن على الأقل الأغلبية من فهم مضمونه و هدفه.
كما أن الإنتقادات الموجهة لهذا النظام بشأن مناقشة المواضيع المعروضة عليه بطريقة بسيطة و غير جدية فإن هذا المأخذ يمكن أيضا تلاقيه بواسطة وسائل الإعلام المختلفة التي تطلع الشعب على وجهات النظر المختلفة مما يسمح له في الأخير من تكوين رأي جاد حول الموضوع .
المطلب الثالث: الديموقراطية النيابية:
الفرع الأول: مفهومها:
في هذا النوع من الديموقراطية يمارس الشعب السلطة عن طريق نواب ممثلين، و تتحدد وظيفة المواطنين السياسية في إختيار هؤلاء النواب أو الممثلين لمباشرة شؤون الحكم .
الفرع الثاني: تطبيقاتها:
إذا كان أغلب الفقهاء و رجال السياسة يسلمون بإستحالة تطبيق الديموقراطية المباشرة في العصر الحديث فإن منتسكيو و إن كان يشاطرهم الرأي إلا أنه يرى بأن أهمية التمثيل غير ناتجة من الصعوبة المادية المتمثلة في جميع المواطنين و إنما أيضا ترجع لقلة الوعي الثقافي و المستوى التعليمي لدى غالبية أفراد الشعب و من ثم يصعب على الشعب معرفة المصلحة العامة المشتركة للجميع ، و يرى أيضا بأن ميزة التمثيل تتجلى في سهولة مناقشة المواضيع المطروحة و التي تهم المواطنين و إن التخصص المهني و قلة الوقت لديه بحيث يقضي معظم وقته في عمله و قضاء حاجياته الإجتماعية مما يحول دون تخصيصه لوقت كاف للمسائل السياسية كما أنه يرى بأن الشعب يحسن دائما إختيار ممثليه و هو ما دفع بالعلامة دوجي تعقيبا على قول منتسكيو إلى القول بأنه لو عاش بداية القرن العشرين لما جاء بإستنتاج من هذا القبيل على الإطلاق.
الفرع الثالث: تقييمها:
إذا تمعنا تشكيلة البرلمان بإعتباره مشكل من مختلف فئات و نواحي البلاد و إن مهمته هي التعبير عن إرادة الشعب بسن القوانين و طبيعة العلاقة القائمة بين النواب و ناخبيهم فهي ليست مجرد علاقة قانونية لإصطباغها بمعطيات إجتماعية و سياسية على الخصوص ، ذلك أن النواب ما هم إلا أعضاء و جزء من هذا المجتمع مما يمكن معه القول بأن العلاقة بين الطرفين ليست ذات طبيعة قانونية بقدر ما هي ذات طبيعة سياسية تؤدي إلى قيام علاقة تكاملية و منسجمة بين الطرفين ، الناخبين يؤثرون على النواب و النواب بدورهم لا يخضعون خضوعا مطلقا للناخبين بل يتصرفون وفق المصلحة العامة إذ أن أغلبية الشعب في بعض الحالات – نادرة – تتأثر بنزوات عابرة لا تعبر عن إرادتها الحقيقية الموضوعية خاصة لدى الشعوب النامية مما يحتم على البرلمان عدم مراعاة تلك النزوات في ممارسة سلطاته.
و من ثم فإن العلاقة القائمة بين الطرفين – و هي تكاملية و توازنية – لا تكون سوى علاقة ذات طبيعة سياسية أو على الأقل يطغى عليها الطابع السياسي .
المبحث الثالث: طابع الديموقراطية في الجزائر:
المطلب الأول: في ظل النظام الأحادي:
لقد سبق تكريس الرسمي للأحادية الحزبية في الجزائر بموجب دستور 1963 بإجراءات تمنع التعددية الحزبية في الجزائر و التنظيمات أو الجمعيات ذات الطابع السياسي، و بعد أن جاء في برنامج طرابلس على تفوق الحزب على مؤسسات الدولة جاءت المادة 23 من دستور 1963 لتنص بوضوح على إلتزام القيادة في الجزائر بنظام الحزب الواحد حيث جاء فيها : " جبهة التحرير الوطني هي الحزب الوحيد الطلائعي في الجزائر "، و إن كان دستور 1963 الذي لم يعرف تطبيقا فعليا إلا مدة 13 يوما فإنه قد أعطى دورا مركزيا للحزب الواحد دون سواه على أساس أنه يعطي دعامة أساسية للشعب للقدرة على لتفكير و العمل و هو إنعكاس عضوي للوحدة الثورية و يعبر عن إرادة شاملة ، كما أن دستور 1976 لم يعد عن هذا الإتجاه و ذلك في نص المادة 93 " على أن جبهة التحرير الوطني هو الحزب الوحيد في البلاد و يشكل الطليعة المكونة من المواطنين الأكثر وحيا "، و الواقع أن الميل إلى الأحادية الحربية في الجزائر الذي إتضح في مختلف تشكيلات الحركة الوطنية قد إمتدت جذوره لتحلق جبهة التحرير الوطني بعد الإستقلال و الدليل على ذلك موقف قيادة الأركان العامة التي ملكت زمام السلطة في الجزائر، و يمكن القول أن نظام الحرب الواحد لم يكرس الديموقراطية بمعناها الحقيقي نظرا لتقيد الحريات و الحقوق الفردية و الجماعية في إبداء الرأي و المشاركة في صنع القرار السياسي و هذا ما أدى إلى البعد الكبير عن الديموقراطية الحقيقية.
المطلب الثاني: في ظل النظام التعددي:
تعتبر أحداث 11 أكتوبر 1988 الدافع القوي لحملة إصلاحات التي عرفتها الجزائر و إن كان التعدد السياسي محذورا بموجب قوانين الجمهورية و في مقدمتها الدستور، و الذي أبقى الجهات المعارضة في الجزائر تنشط خلف الستار إلا أنه تم الإعلان عن الإصلاحات السياسية عقب إستفتاء فيفري 1989 الذي فتح مجالا واسعا لتعددية الحزبية في الجزائر في الجزائر بموجب المادة 40 لسنة 1989 إلى التعديل الدستوري 1996 الذي أعطى أهمية للتعددية الحربية لما تلعبه من دور في بناء الدولة و تكريس الديموقراطية و يمكن القول أن تكريس التعددية الحربية في الجزائر منذ 1989 كان له أثر إيجابي في تحول النظام السياسي الجزائري الذي سمح في ممارسة الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية أعطى توجها سياسيا جديدا بمنضور حديث و متطور في المساهمة و المشاركة في السلطة و صنع القرارات لبناء الدولة و صرحها القومي .
خاتمة:
و في الأخير يمكن أن نقول أنه و إن كان العالم السياسي لم يُعْرَفْ للأمم الكبيرة مؤسسات أكثر ديموقراطية من البرلمانات المنتخبة إلا أن المفهوم الجديد للديموقراطية بدأ يسود المجتمعات الحديثة يقتضي المزيد من الإحترام للتعدديات و المشاركة المباشرة للمواطنين في إختيارات الجماعية بدل تقاسم السلطة بين النواب المنتخبين.
و كخلاصة نختم بها بحثنا هذا يمكن القول أنه إستحالة تسيير شؤون الدولة الحديثة عن طريق الديموقراطية المباشرة، كما أنه هناك صعوبة أيضا في تطبيق الديموقراطية غير المباشرة كما يترتب عنها من جمود و تكاليف و إمكانيات مادية كبيرة و لما تستهلكه من وقت في عملية إستفتاء أو إقتراع و نظرا لكل هذا فإن الصورة الأكثر شيوعا و إستعمالا للديموقراطية هي الديموقراطية النيابية أو التمثيلية.
1- د . سعيد بوشعير: القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة – النظرية العامة للدولة و الدستور و طرق ممارسة السلطة، الطبعة الخامسة، الجزء الأول ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر .طبعة 2002.
2- د . محمد رفعت عبد الوهاب: الأنظمة السياسية، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت ، طبعة 2004 .
3- د . على يوسف شكري: النظم السياسية المقارنة، إيتراك للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة ، طبعة 2003 .
4- محاضرات في الفقه الدستوري .
مقدمة .......................................................................................................................................................................01
المبحث الأول: ماهية الديموقراطية ............................................................................................................................03
المطلب الأول: المفهوم التقليدي ...........................................................................................................................03
الفرع الأول: الديموقراطية في اليونان و روما ................................................................................................03
الفرع الثاني: الديموقراطية في الإسلام و المسيحية ......................................................................................04
المطلب الثاني: المفهوم الحديث ............................................................................................................................04
الفرع الأول: في الفكر الليبرالي ......................................................................................................................05
الفرع الثاني: في الفكر الإشتراكي ...................................................................................................................05
المبحث الثاني: صور الديموقراطية .............................................................................................................................07
المطلب الأول: الديموقراطية المباشرة ....................................................................................................................07
الفرع الأول: مفهومها ....................................................................................................................................07
الفرع الثاني: تطبيقاتها ..................................................................................................................................07
الفرع الثالث: تقييمها .....................................................................................................................................08
المطلب الثاني: الديموقراطية الشبه مباشرة .........................................................................................................08
الفرع الأول: مفهومها ....................................................................................................................................08
الفرع الثاني: مظاهرها و تطبيقاتها .................................................................................................................08
أولا: مظاهرها ..........................................................................................................................................08
ثانيا: تطبيقاتها .......................................................................................................................................09
الفرع الثالث: تقييمها .....................................................................................................................................09
المطلب الثالث: الديموقراطية النيابية ....................................................................................................................10
الفرع الأول: مفهومها ....................................................................................................................................10
الفرع الثاني: تطبيقاتها ..................................................................................................................................10
الفرع الثالث: تقييمها .....................................................................................................................................11
المبحث الثالث: الطابع الديموقراطي في الجزائر .........................................................................................................13
المطلب الأول: في ظل النظام الأحادي ..................................................................................................................13
المطلب الثاني: في ظل النظام التعددي ...............................................................................................................13
خاتمة .........................................................................................................................................................................14
قائمة المراجع .............................................................................................................................................................15
الفهرس .....................................................................................................................................................................16
الإشكالية: ما ماهية النظام الديموقراطي ؟ و ما هي صوره ؟ و ما هو طابع الديموقراطية في الجزائر ؟.
المبحث الأول: ماهية الديموقراطية.
المطلب الأول: المفهوم التقليدي.
الفرع الأول: الديموقراطية في اليونان و روما.
الفرع الثاني: الديموقراطية في الإسلام و المسيحية.
المطلب الثاني: المفهوم الحديث.
الفرع الأول: في الفكر الليبرالي.
الفرع الثاني: في الفكر الإشتراكي.
المبحث الثاني: صور الديموقراطية.
المطلب الأول: الديموقراطية المباشرة.
الفرع الأول: مفهومها.
الفرع الثاني: تطبيقاتها.
الفرع الثالث: تقييمها .
المطلب الثاني: الديموقراطية الشبه مباشرة.
الفرع الأول: مفهومها.
الفرع الثاني: مظاهرها و تطبيقاتها.
أولا: مظاهرها.
ثانيا: تطبيقاتها.
الفرع الثالث: تقييمها.
المطلب الثالث: الديموقراطية النيابية.
الفرع الأول: مفهومها.
الفرع الثاني: تطبيقاتها.
الفرع الثالث: تقييمها.
المبحث الثالث: الطابع الديموقراطي في الجزائر.
المطلب الأول: في ظل النظام الأحادي.
المطلب الثاني: في ظل النظام التعددي.
خاتمة.
مقدمة :
من المعترف به أن حكومة أي دولة حاليا تستمد مشروعيتها من الشعب الذي يعتبر صاحب السيادة في هذه الحكومة ، و نظرا لسيادة هذا النوع من الأنظمة السياسية و الأنظمة الحديثة لذلك فهو يحتاج إلى الكثير من الإهتمام و التفصيل و الإمعان في مفهوم الديموقراطية الذي هو بالضرورة بحث في طبيعة الدولة مادام جوهر البحث ينصب على علاقة الحاكم بالمحكومين كأطراف في المجتمع السياسي ، كما أن موضوع الديموقراطية أثار جدلا من خلال تطور الفكر الإنساني عبر العصور ، و الصراع الأماوالي بين السلطة و الحرية و كيفية التوفيق بينهما لتحديد صاحب الحق في السيادة ، و هذا ما أدى إلى بروز عدة إشكاليات نذكر منها : ما ماهية النظام الديموقراطي ؟ و ما هي صوره ؟ و ما هو طابع الديموقراطية في الجزائر ؟ .
و للإجابة على هذه الإشكاليات وضعنا الخطة التالية :
المبحث الأول: ماهية الديموقراطية:
المطلب الأول: المفهوم التقليدي:
إرتبطت نشأة الديموقراطية بتطور المجتمعات و النظم السياسية التي إنتقلت من الحكم بمقتضى العادات و التقاليد إلى الحكم بمقتضى القانون بدءا من قانون حمورابي، ليصبح مهما في مرحلة ثالثة البحث عن صيغ حكم عادلة.
و لقد كانت آخر مراحل هذا التطور، مرحلة قيام النظام الديموقراطي الأوروبي على أساس سيادة الشعب مصدر السلطات، أين تشكل النمط الديموقراطي في قلب المنظومة الأرستقراطية و الملكية التي كانت تسود أوربا قبل الثورة الفرنسية، و قد أفضى هذا التطور إلى المنظومة الديموقراطية الرأسمالية التي سندتها الثورات الفرنسية و الأمريكية بقوة إعلامية هائلة.
إن الديموقراطية في مفهومها القديم تحمل في جوهرها مثلا أعلى هو المساواة و أن النظام و المؤسسات و العلاقات التي تقلب بالديموقراطية هي تلك التي تعظم المساواة بين البشر في فرص الحياة.
فمنذ القرن الثامن عشر و الديموقراطية تموج بين مفهومين متناغمين، الأول بتأثير من " منتسكيو " و الثاني بتأثير من " روسو "، فـ" منستكيو " يعتبر السلطة السياسية شرا لابد منه، و يعتبر الشعب مجموعة أفراد أو تجمعات خاصة يجب حماية مصالحها من تعديات السلطة، أما " روسو" فيذهب إلى ضرورة البحث عن تعريف إيجابي لا سلبي للحرية السياسية من خلال المشاركة السياسية في السلطة شريطة أن تكون هذه المشاركة ناجمة عن الرضا و لم تفرضها القوة أو الدعاية.
الفرع الأول: الديموقراطية في اليونان و روما:
ظهر التطبيق الأولي للديموقراطية في بعض المدن اليونانية مثل أثينا التي يتكون سكانها من ثلاث طبقات هي الأرقاء، و الأجانب، و المواطنين الأحرار. و قد إنفردت الطبقة الأخيرة ( دون النساء و الأطفال ) بممارسة السلطة السياسية في المدينة بواسطة جمعية الشعب صاحبة السلطة العليا في سن القوانين و تعيين الحكومة و النظر في المسائل الخارجية بالطريقة المباشرة حيث يجتمع المواطنون الأحرار الذين بلغوا سن العشرين في هيئة جمعية شعبية لإتخاذ القرارات اللازمة لتسيير شؤون الدولة.
و بالنسبة لدور الديانات السماوية في تأكيد مبدأ الديموقراطية و المطالبة بتطبيقه فإننا نلاحظ أن الديانة المسيحية رغم أنها تفصل بين المسائل الدينية و الدنيوية تطبيقا لقول المسيح عليه السلام " دع ما لقيصر و ما لله لله " إلا أنها طالبت بالفضيلة و الأخلاق الحميدة و ضرورة تطبيق العدالة بين أفراد المجتمع.
و بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب سنة 476 أصيبت الأفكار تلك بنكسة رهيبة فقامت الإقطاعية و إنقسم المجتمع إلى ملاك و أقنان ثم سيطر رجال الدين على السلطة الدينية ثم السياسية فقامت الكاثوليكية بأعمال بشعة ضد من لا يؤمن بالديانة المسيحية و من يخرج عن تعاليمها .
و مع ذلك يمكن إعتبار الديموقراطية اليونانية البادرة الأولى للديمواقراطية الحديثة التي نادى بها الفلاسفة بعد النهضة الأوروبية للوقوف ضد الملكية المطلقة و تطبيق مبدأ تقييد السلطة و خضوع الحاكم للقانون و ظهر تطبيق هذه الأفكار فيما بعد على الثورات التي قامت في أمريكا و أوروبا التي ضمنت إعلاناتها و دساتيرها مبدأ سيادة الأمة و المساواة بين المواطنين و أن القانون يعد التعبير عن الإرادة العامة للأمة.
الفرع الثاني: الديموقراطية في الإسلام:
إن نظام الحكم في الإسلام يعتبر صورة رفيعة من صور الديموقراطية لأنه يقوم على أساس صادق من إرادة المسلمين في إعتناق الإسلام و لا ينقص من ديموقراطيته التقيد بأحكام الشريعة، لأن الديموقراطية هي حكم الشعب و الشعب المسلم هو الذي إعتنق الإسلام بإرادته فألزم نفسه بأحكامه مختارا، و يختار الشعب خليفته عن طريق البيعة فيظل مقيدا طيلة مدة خلافته بأحكام الشريعة الإسلامية و يمكن عماواله إذا حاد عنها و إذا لم يلتزم بمبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن الكريم صراحة.
فالحكومة الإسلامية حكومة قانونية و ديموقراطية تتقيد بالقواعد المنبثة عن الدين الذي إعتنقه مواطنوها كما أن هؤلاء المواطنين هو الذين يتولون إختيار حكامهم و مبايعتهم مما جعل بعض الآراء تذهب إلى إعتبار الحكومة الإسلامية حكومة نموقراطية أي حكومة قانون لأن الشريعة هي الأساس الذي يقوم عليه هذا النظام.
و إذا كانت الحكومة الإسلامية توكل شؤون الحكم لأولي العلم و التقوى، و تتسم بصفة النيابة لأن الصالحين من أبناء الأمة يمارسون الحكم نيابة عن المسلمين، فإن هذا لا يعني عدم إمكانية الرجوع المباشر إلى قاعدة أوسع من المسلمين أين تصبح المشاركة السياسية في الحكم واجبا لا حقا يمكن التناماوال عنه – على خلاف ما إتجهت إليه الديموقراطية الغربية – إستنادا إلى مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و تفوق الديموقراطية الإسلامية كافة صور الديموقراطية من حيث الهدف الذي تسعى إليه بحيث تتجاوز إستهداف مصلحة الناس في الحية الدنيا إلى ضمان سعادتهم في الحياة الأبدية أيضا ، من خلال تجسيد غاية الإستخلاف في الأرض التي خلقت البشرية من أجلها .
المطلب الثاني: المفهوم الحديث:
لقد وجد البحث عن مفهوم معاصر للديموقراطية مبرره في الإنتقادات الموجهة لكل من النظريتين الليبرالية و الإشتراكية للديموقراطية من جهة، و في مسار العولمة الذي تقوده حكومات أوربا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا و التي لا زالت تطرح النموذج الديموقراطي بديلا لكل أشكال السلطة القائمة ، فقد خاضت هذه الحكومات معركة ضد الشيوعية باسم هذا النمط و هي تخوض اليوم معركة تعميمه في العالم كله.
إن المسألة التي تواجهها الديموقراطية حاليا هي بالتحديد مسألة نوع و طبيعة المؤسسات التي تجعل من مشاركة المواطنين في السلطة مشاركة فعلية عندما أصبح الشك يحوم كون التمثيل البرلماني هو أفضل وسائل المشاركة .
و إن كان العالم السياسي لم يعرف للأمم الكبيرة مؤسسات أكثر ديموقراطية من البرلمانات المنتخبة بالإقتراع العام إلا أن مفهوما جديدا للديمواقراطية بدأ يسود المجتمعات الحديثة يقتضي مزيدا من الإحترام للعددية و المشاركة المباشرة للمواطنين في الإختيارات الجماعية، بدل تقاسم السلطة بين ناوب منتخبين.
الفرع الأول: في الفكر الليبرالي:
يجدر بنا التنبيه أن فكرة الديموقراطية ليست من إنتاج الرأسمالية أم الليبرالية أو من الإشتراكية في العصور الحديثة بل أن فكرة الديموقراطية عرفت في ظل العصور القديمة عن بعض الفلاسفة خاصة الحضارات الشرقية أمثال "كونفوشيوس" الفيلسوف الصيني المنادي بحرية الشعب و وجوب إمتثال الحكام لإرادته و بعدها تحولت أو إنتقلت إلى اليونانين حيث طبقت الديموقراطية المباشرة لكن بين الأحرار و النبلاء فقط أما باقي الناس كالتجار و الفلاحين و غيرهم ليست لهم حقوق و هم غير معنيين بهذه الديموقراطية، و يرى المفكرون الليبراليون أن الديموقراطية هي طريقة لتنظيم حكومي ليس إلا، و لهذا فليست ذات محتوى إجتماعي أو إقتصادي و يمكن أن تتعايش مع أي نظام سواء كان رأسمالي أو إشتراكي أو كغيره من الأنظمة
الفرع الثاني: في الفكر الإشتراكي:
بعكس الرأسمالية يرى الإشتراكيون الديموقراطية أنها ليست حيادا للنشاط الحكومي بل هو إطار يعبر عن ديموقراطية سياسية تشكيلية فالحريات الفردية و حرية التعبير و المساواة أمام القانون و المشاركة في الحياة السياسية أمور لا فائدة منها و لا يتمتع بها سوى الرأسماليون الأغنياء الذين يملكون الأموال و الوسائل لذا يستفيدون من هذه الحريات بعكس الفقراء الذي هم يمثلون أغلبية فلا يستطيعون التمتع بهذه الإمتيازات لذا فالديموقراطية الليبرالية و ديموقراطية الأقلية ليست ديموقراطية حقيقية، لهذا السبب و من أجل التوصل إلى ديموقراطية تعم كل المواطنين لا بد من تحرير الإنسان من الإستغلال .
المبحث الثاني: صور الديموقراطية:
كما ذكرنا سابقا، إن الديموقراطية ينصرف إلى أن الشعب هو مصدر السلطة، و قد يباشر الشعب السلطة بنفسه و بصورة مباشرة، بإعتباراه صاحب الحق الأصلي في ذلك ، فنكون و الحالة هذه أمام الديموقراطية المباشرة، و قد يلجأ إلى إنابة غيره في مباشرة السلطة و هو ما يجري غالبا ، فنكون أمام الديموقراطية غير المباشرة، و قد يختر الشعب طريقا وسط في ممارسة السلطة، فيمارس جزء منها، و يحيل الجزء الآخر إلى البرلمان، و يطلق على هذا النظام، نظام الديموقراطية شبه المباشرة.
المطلب الأول: الديموقراطية المباشرة:
الفرع الأول: مفهومها:
الديموقراطية المباشرة تعني أن الشعب يتولى بنفسه و مباشرة شؤون الحكم، فالشعب ليس فقط صاحب السلطة أو السيادة في الدولة، بل يمارسها بالفعل بدون وساطة نواب عنه، و من ثم فإن نظام الديموقراطية المباشرة لا يعرف البرلمان أو الإنتخابات النيابية لإنتخاب النواب ، لأن الشعب صاحب السلطة هو الذي يتولاها في كافة خصائصها التشريعية و التنفيذية و القضائية و لا توجد بالتالي أي حاجة نواب أو وكلاء .
الفرع الثاني: تطبيقاتها:
و قد ساد نظام الديموقراطية المباشرة في الماضي البعيد في المدن اليونانية القديمة، ففي أثينا على سبيل المثال كان المواطنون الأحرار يمارسون السلطة بأنفسهم في جمعية الشعب، و ذلك بصفة دورية و منتظمة حيث كانت جمعية الشعب تنعقد في كل شهر بل أقل من شهر أحيانا، و كان أفراد الشعب الأحرار يضعون القوانين بأنفسهم و يحددون الإتجاه السياسي للمدينة، و ينظرون في شؤون الحرب و السلام و يقرون المعاهدت، و كذلك يعينون القضاة و يراقبون أعمال المجلس المسمى بمجلس الخمسمائة و الذي يتم إختيار أعضائه في جمعية الشعب بطريق القرعة.
و يلاحظ في هذا النظام الديموقراطي المباشر من خلال تطبيقه في مدينة أثينا و غيرها من المدن اليونانية الملحوظتين التاليتين :
1- إن الشعب الذي يمارس الحكم و السلطة في جمعية الشعب لا يمثل في الواقع أغلبية سكان المدينة بل كان يمثل أقلية محدودة هي المواطنون الأحرار إذا كان العبيد أو الأرقاء مستبعدين من حق مباشرة الحقوق السياسية ، و كذلك النساء حتى الأحرار منهن، كذلك كان يستبعد من مباشرة الحكم الأجانب برغم كثرتهم و برغم إقامتهم في المدينة و قيامهم بالنشاط الإقتصادي في أهم مظاهره، و طبقا لأقوال المؤرخين فإن نسبة المواطنين الأحرار في جمعية الشعب لم تكن تزيد عن عشر سكان مدينة أثينا .
2 – إن جمعية الشعب التي تجمع المواطنين الأحرار لم تكن في الواقع تمارس جميع الوظائف أو السلطات الدستورية بل كانت تمارس فقط الوظيفة التشريعية التي تتمثل في إقرار القوانين و المعاهدات و الميزانية و الضرائب، أما الوظيفة التنفيذية أو الإدارية و كذلك الوظيفة القضائية فلم تكن تمارسها جمعية الشعب مباشرة بل بطريق غير مباشر فالوظيفة التنفيذية أو الإدارية كان يتولاها مجلس تعينه جمعية الشعب بالقرعة و أيضا الوظيفة القضائية كان يتولاها القضاة الذين تعينهم جمعية الشعب.
الفرع الثالث: تقييمها:
لعل القول بأن هذا الأسلوب من الحكم يحقق مبدأ السيادة و يجعل المواطن يواجه الواقع مما يدفعه إلى تحمل مسؤولياته و الإبتعاد عن العيش في الخيال و التقليل من الإنتقادات الموجهة للمسؤولين لو كان في ظل نظام تمثيلي هو قول فيه جانب من الصواب غير أن هذا الأسلوب من جهة أخرى يصعب تطبيقه بسبب تزايد عدد السكان و مها الدولة التي تقتضي التخصص الذي لا نجده إلا عند القليلين من أفراد الشعب كما تقتضي بعض تلك المهام السرية التامة مما يقتضي عدم إفشائها و عن إتباع أسلوب الديموقراطية المباشرة سيلحق أضرار كبيرة بالدولة.
المطلب الثاني: الديموقراطية الشبه مباشرة:
الفرع الأول: مفهومها:
إن مصطلح الديموقراطية يخرج عن معناه الحقيقي إذا لم يتم ممارسة السلطة من قبل الشعب، و من خلال إستعراض نظام الديموقراطية المباشرة تبين لنا أن تبني هذا الناظم في الوقت الحاضر أمر في غاية الصعوبة و في الوقت يسجل على نظام الديموقراطية غير المباشرة العديد من السلبيات، و للخروج من هذا التناقض إهتدى الفكر الدستوري إلى نظام وسط يجمع بين بعض خصائص الناظمين السابقين و هذا النظام هو نظام الديموقراطية شبه المباشرة، و يقوم هذا النظام على وجود برلمان منتخب من قبل الشعب يمارس السيادة نيابة عنه، مع إحتفاظ الشعب بحق ممارسة بعض مظاهر السلطة بالإشتراك مع البرلمان .
الفرع الثاني: مظاهرها و تطبيقاتها:
أولا: مظاهرها:
1- الإعتراض الشعبي: و يقصد به حق المجموعة من المواطنين في الإعتراض خلال مدة معينة على القوانين التي وافق عليها النواب و بقي سريانها متوقفا على عدم الإعتراض عليها لمدة محددة في الدستور .
2- الإقتراح الشعبي: و نعني به السماح لعدد من الناخبين بإقتراح قانون و تقديمه للبرلمان لمناقشته بحيث تختلف شروط صياغة الإقتراح أو شروط تحديد الفكرة التي يمكن أن يدور حولها و طبيعة الموقف التي يتخذه البرلمان بشأنها من رفض أو موافقة و ما يتبعه من إجراءات بإختلاف الدساتير و النظم السياسية .
3- الإستفتاء الشعبي: و يراد به الإحتكام إلى الشعب بشأن أمر معين قد يكون مشروع أو إقتراح قانون ، أو موضوعا هاما يتعلق بسياسة الدولة ، بحيث لا يمكن له أن يكتسي القوة الإلزامية ما لم يحضى بموافقة الشعب ، و قد يكون الإستفتاء دستوريا إذا تعلق بالدستور أو تشريعيا إذا تعلق بالقانون ، و قد يكون سياسيا إذا تعلق بأمر من أمور الدولة ، و قد يكون سابقا أو لاحقا عن عرضه على البرلمان .
و يصنف الإستفتاء من حيث إلزاميته إلى إستفتاء إجباري ينص عليه الدستور و إستفتاء إختياري يترك الدسور أمره لمؤسسات الدولة المختصة كرئيس الدولة مثلا ، أما من حيث قوته القانونية بحق مؤسسات الدولة ، فهناك الإستفتاء الملزم و هناك الإستفتاء الإستشاري الذي لا تلتزم مؤسسات الدولة بنتائجه .
و هناك مظاهر أخرى قليلة الحدوث للديموقراطية شبه المباشرة تتمثل في :
* إقالة المنتخبون من النواب بموافقة نسبة معينة من الناخبين .
* الحل الشعبي للبرلمان ، بتوقيع الطلب من مجموعة المواطنين و عرضه على الشعب .
* عماوال رئيس الجمهورية ، و يخضع هو الآخر للإستفتاء الشعبي لأن الرئيس ينتخب من طرف عامة الشعب .
* أما في الوقت الراهن فإن الديموقراطية راحت تتسم بصور أوسع للممارسة الشعبية للسلطة عبر مؤسسات المجتمع المدني و وسائل الإعلام التي تؤثر بشكل كبير في قرارات السلطة و إفرازات مؤسساتها .
ثانيا: تطبيقاتها:
ما يلاحظ على هذا النوع أنه طبق منذ القديم في سويسرا سواءا في الدستور الإتحادي أو دساتير الولايات ، كما طبق في الكثير من الدول الأوروبية عقب الحرب العالمية الأولى و مثال على ذلك نأخذ سويسرا .
تتمثل أهم مظاهر الديموقراطية الشبه مباشرة في سويسرا في : الإستفتاء الشعبي و الإقتراح الشعبي و الإعتراض و الحل الشعبي فالإستفتاء نجده مقررا في دستور الإتحاد بالنسبة للقوانين العادية إلا أن الإستفتاء هنا يكون إختياريا في دولة الإتحاد أو المقاطاعات.
أما الإقتراح الشعبي فيأخذ به الدستور الإتحادي بالنسبة للقوانين الدستورية فقط و لا يجيزه في القوانين العادية أما دساتير المقاطاعات فتبيح الإقتراح الشعبي في القوانين الدستورية و العادية على حد سواء .
أما بالنسبة للإعتراض الشعبي فقد تقرر هذا الأخير في الدستور الأحادي كما أخذت به دساتير بعض المقاطعات كما أخذت به سويسرا أيضا بمبدأ الحل الشعبي و قد نصت على هذا الحق دساتير بعض المقاطاعات مثل " بورن ".
الفرع الثالث: تقييمها:
إذا كان النظام شبه المباشر يمتاز في كونه يمكن الشعب من مشاركة هيئاته المنتخبة في ممارسة السلطة و يقلل من تأثير الأحزاب في توجيه الرأي العام و إستحواذ المجالس المنتخبة على السلطة طيلة مدة إتخابها و أنه كذلك يحقق الإنسجام و التطابق بين رأي المجالس المنتخبة و الشعب حول القوانين بحيث لا يترك الأمر للبرلمان الذي قد لا يعبر في بعض الأحيان عن رأي الأغلبية من الشعب ، و إنه أخيرا يساهم في إستقرار الحكومة و الحكم الشرعي بعيدا عن الحل الشعبي أو الثورة أو الإنقلاب ، فإن هذا الأسلوب لا يصلح إلا حيث الوعي الشعبي المرتفع و الخبرة، و هو شرط لا يتوفر لدى أغلبية الشعب كما أن المواضيع التي تعرض على الشعب لا تناقش و إن نوقشت فلن تصل إلى مستوى مناقشات النواب في المجلس النيابي و هناك أيضا من يرى بأن النظام يؤدي إلى تزايد دعوة الناخبين للإدلاء برأيهم في مواضيع كان من المفروض تركها للمجالس التي تم إنتخابها لهذا الغرض مما يقلل من هيبة تلك المجالس من جهة و تزرع في نفوس الناخبين روح الملل و النفور و بالتالي العزوف عن الإدلاء بالرأي ، أضف إلى ذلك تزايد نفقات الدولة حيث تخصص أموال طائلة لتلك الحملات و الإدلاء بالرأي.
و رغم وجاهة هذه الإنتقادات إلا أنها مع ذلك غير كافية لتحطيم إيجابيات هذا النظام ، ذلك أنه يمكن تلافي تلك الإنتقادات بمراعاة بعض المسائل منا تجنب اللجوء إلى الشعب في كل مرة و في كل الحالات و الإقتصار على طرح مواضيع هامة عليه تجلبه مع إشعاره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه فضلا عن تبسيط الموضوع حتى تتمكن على الأقل الأغلبية من فهم مضمونه و هدفه.
كما أن الإنتقادات الموجهة لهذا النظام بشأن مناقشة المواضيع المعروضة عليه بطريقة بسيطة و غير جدية فإن هذا المأخذ يمكن أيضا تلاقيه بواسطة وسائل الإعلام المختلفة التي تطلع الشعب على وجهات النظر المختلفة مما يسمح له في الأخير من تكوين رأي جاد حول الموضوع .
المطلب الثالث: الديموقراطية النيابية:
الفرع الأول: مفهومها:
في هذا النوع من الديموقراطية يمارس الشعب السلطة عن طريق نواب ممثلين، و تتحدد وظيفة المواطنين السياسية في إختيار هؤلاء النواب أو الممثلين لمباشرة شؤون الحكم .
الفرع الثاني: تطبيقاتها:
إذا كان أغلب الفقهاء و رجال السياسة يسلمون بإستحالة تطبيق الديموقراطية المباشرة في العصر الحديث فإن منتسكيو و إن كان يشاطرهم الرأي إلا أنه يرى بأن أهمية التمثيل غير ناتجة من الصعوبة المادية المتمثلة في جميع المواطنين و إنما أيضا ترجع لقلة الوعي الثقافي و المستوى التعليمي لدى غالبية أفراد الشعب و من ثم يصعب على الشعب معرفة المصلحة العامة المشتركة للجميع ، و يرى أيضا بأن ميزة التمثيل تتجلى في سهولة مناقشة المواضيع المطروحة و التي تهم المواطنين و إن التخصص المهني و قلة الوقت لديه بحيث يقضي معظم وقته في عمله و قضاء حاجياته الإجتماعية مما يحول دون تخصيصه لوقت كاف للمسائل السياسية كما أنه يرى بأن الشعب يحسن دائما إختيار ممثليه و هو ما دفع بالعلامة دوجي تعقيبا على قول منتسكيو إلى القول بأنه لو عاش بداية القرن العشرين لما جاء بإستنتاج من هذا القبيل على الإطلاق.
الفرع الثالث: تقييمها:
إذا تمعنا تشكيلة البرلمان بإعتباره مشكل من مختلف فئات و نواحي البلاد و إن مهمته هي التعبير عن إرادة الشعب بسن القوانين و طبيعة العلاقة القائمة بين النواب و ناخبيهم فهي ليست مجرد علاقة قانونية لإصطباغها بمعطيات إجتماعية و سياسية على الخصوص ، ذلك أن النواب ما هم إلا أعضاء و جزء من هذا المجتمع مما يمكن معه القول بأن العلاقة بين الطرفين ليست ذات طبيعة قانونية بقدر ما هي ذات طبيعة سياسية تؤدي إلى قيام علاقة تكاملية و منسجمة بين الطرفين ، الناخبين يؤثرون على النواب و النواب بدورهم لا يخضعون خضوعا مطلقا للناخبين بل يتصرفون وفق المصلحة العامة إذ أن أغلبية الشعب في بعض الحالات – نادرة – تتأثر بنزوات عابرة لا تعبر عن إرادتها الحقيقية الموضوعية خاصة لدى الشعوب النامية مما يحتم على البرلمان عدم مراعاة تلك النزوات في ممارسة سلطاته.
و من ثم فإن العلاقة القائمة بين الطرفين – و هي تكاملية و توازنية – لا تكون سوى علاقة ذات طبيعة سياسية أو على الأقل يطغى عليها الطابع السياسي .
المبحث الثالث: طابع الديموقراطية في الجزائر:
المطلب الأول: في ظل النظام الأحادي:
لقد سبق تكريس الرسمي للأحادية الحزبية في الجزائر بموجب دستور 1963 بإجراءات تمنع التعددية الحزبية في الجزائر و التنظيمات أو الجمعيات ذات الطابع السياسي، و بعد أن جاء في برنامج طرابلس على تفوق الحزب على مؤسسات الدولة جاءت المادة 23 من دستور 1963 لتنص بوضوح على إلتزام القيادة في الجزائر بنظام الحزب الواحد حيث جاء فيها : " جبهة التحرير الوطني هي الحزب الوحيد الطلائعي في الجزائر "، و إن كان دستور 1963 الذي لم يعرف تطبيقا فعليا إلا مدة 13 يوما فإنه قد أعطى دورا مركزيا للحزب الواحد دون سواه على أساس أنه يعطي دعامة أساسية للشعب للقدرة على لتفكير و العمل و هو إنعكاس عضوي للوحدة الثورية و يعبر عن إرادة شاملة ، كما أن دستور 1976 لم يعد عن هذا الإتجاه و ذلك في نص المادة 93 " على أن جبهة التحرير الوطني هو الحزب الوحيد في البلاد و يشكل الطليعة المكونة من المواطنين الأكثر وحيا "، و الواقع أن الميل إلى الأحادية الحربية في الجزائر الذي إتضح في مختلف تشكيلات الحركة الوطنية قد إمتدت جذوره لتحلق جبهة التحرير الوطني بعد الإستقلال و الدليل على ذلك موقف قيادة الأركان العامة التي ملكت زمام السلطة في الجزائر، و يمكن القول أن نظام الحرب الواحد لم يكرس الديموقراطية بمعناها الحقيقي نظرا لتقيد الحريات و الحقوق الفردية و الجماعية في إبداء الرأي و المشاركة في صنع القرار السياسي و هذا ما أدى إلى البعد الكبير عن الديموقراطية الحقيقية.
المطلب الثاني: في ظل النظام التعددي:
تعتبر أحداث 11 أكتوبر 1988 الدافع القوي لحملة إصلاحات التي عرفتها الجزائر و إن كان التعدد السياسي محذورا بموجب قوانين الجمهورية و في مقدمتها الدستور، و الذي أبقى الجهات المعارضة في الجزائر تنشط خلف الستار إلا أنه تم الإعلان عن الإصلاحات السياسية عقب إستفتاء فيفري 1989 الذي فتح مجالا واسعا لتعددية الحزبية في الجزائر في الجزائر بموجب المادة 40 لسنة 1989 إلى التعديل الدستوري 1996 الذي أعطى أهمية للتعددية الحربية لما تلعبه من دور في بناء الدولة و تكريس الديموقراطية و يمكن القول أن تكريس التعددية الحربية في الجزائر منذ 1989 كان له أثر إيجابي في تحول النظام السياسي الجزائري الذي سمح في ممارسة الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية أعطى توجها سياسيا جديدا بمنضور حديث و متطور في المساهمة و المشاركة في السلطة و صنع القرارات لبناء الدولة و صرحها القومي .
خاتمة:
و في الأخير يمكن أن نقول أنه و إن كان العالم السياسي لم يُعْرَفْ للأمم الكبيرة مؤسسات أكثر ديموقراطية من البرلمانات المنتخبة إلا أن المفهوم الجديد للديموقراطية بدأ يسود المجتمعات الحديثة يقتضي المزيد من الإحترام للتعدديات و المشاركة المباشرة للمواطنين في إختيارات الجماعية بدل تقاسم السلطة بين النواب المنتخبين.
و كخلاصة نختم بها بحثنا هذا يمكن القول أنه إستحالة تسيير شؤون الدولة الحديثة عن طريق الديموقراطية المباشرة، كما أنه هناك صعوبة أيضا في تطبيق الديموقراطية غير المباشرة كما يترتب عنها من جمود و تكاليف و إمكانيات مادية كبيرة و لما تستهلكه من وقت في عملية إستفتاء أو إقتراع و نظرا لكل هذا فإن الصورة الأكثر شيوعا و إستعمالا للديموقراطية هي الديموقراطية النيابية أو التمثيلية.
1- د . سعيد بوشعير: القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة – النظرية العامة للدولة و الدستور و طرق ممارسة السلطة، الطبعة الخامسة، الجزء الأول ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر .طبعة 2002.
2- د . محمد رفعت عبد الوهاب: الأنظمة السياسية، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت ، طبعة 2004 .
3- د . على يوسف شكري: النظم السياسية المقارنة، إيتراك للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة ، طبعة 2003 .
4- محاضرات في الفقه الدستوري .
مقدمة .......................................................................................................................................................................01
المبحث الأول: ماهية الديموقراطية ............................................................................................................................03
المطلب الأول: المفهوم التقليدي ...........................................................................................................................03
الفرع الأول: الديموقراطية في اليونان و روما ................................................................................................03
الفرع الثاني: الديموقراطية في الإسلام و المسيحية ......................................................................................04
المطلب الثاني: المفهوم الحديث ............................................................................................................................04
الفرع الأول: في الفكر الليبرالي ......................................................................................................................05
الفرع الثاني: في الفكر الإشتراكي ...................................................................................................................05
المبحث الثاني: صور الديموقراطية .............................................................................................................................07
المطلب الأول: الديموقراطية المباشرة ....................................................................................................................07
الفرع الأول: مفهومها ....................................................................................................................................07
الفرع الثاني: تطبيقاتها ..................................................................................................................................07
الفرع الثالث: تقييمها .....................................................................................................................................08
المطلب الثاني: الديموقراطية الشبه مباشرة .........................................................................................................08
الفرع الأول: مفهومها ....................................................................................................................................08
الفرع الثاني: مظاهرها و تطبيقاتها .................................................................................................................08
أولا: مظاهرها ..........................................................................................................................................08
ثانيا: تطبيقاتها .......................................................................................................................................09
الفرع الثالث: تقييمها .....................................................................................................................................09
المطلب الثالث: الديموقراطية النيابية ....................................................................................................................10
الفرع الأول: مفهومها ....................................................................................................................................10
الفرع الثاني: تطبيقاتها ..................................................................................................................................10
الفرع الثالث: تقييمها .....................................................................................................................................11
المبحث الثالث: الطابع الديموقراطي في الجزائر .........................................................................................................13
المطلب الأول: في ظل النظام الأحادي ..................................................................................................................13
المطلب الثاني: في ظل النظام التعددي ...............................................................................................................13
خاتمة .........................................................................................................................................................................14
قائمة المراجع .............................................................................................................................................................15
الفهرس .....................................................................................................................................................................16
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام