ثقافة العولمة والثقافات المحلية :
ثمة مفاهيم أخرى درجت على علاقة وثيقة بمسار العولمة، منها: سعي العولمة لتحويل الثقافة إلى سلعة وتصدير النموذج الأمريكي في الحياة وتهديد الهوية القومية والغزو الثقافي..... و ظهرت مفاهيم جديدة كحوار الحضارات وتفاعلها أو صراعها الخ...
بداية نقول إن أي تهديد يقوم للهويات الجماعية لا ينجم عن توسع دائرة التفاعل والتشارك والتثاقف بين الثقافات،إنما ينجم عن غياب استراتيجيات فاعلة للمجتمعات الأقل تطوراً وللثقافات التي تحملها من أجل الاستفادة من حالة التفاعل الثقافي التي بدأت ترسيها العولمة بشكل موضوعي.
وبالتالي فإن الطرح الذي لا يرى في العولمة إلا محاولة لتعميم النموذج الأمريكي في الحياة إنما يعكس مخاوف الجماعات الضعيفة من المستقبل أكثر مما يساعد في الكشف عن تغيير الشروط غير المتكافئة التي يحصل فيها هذا التفاعل.
ثانياً: لن يكون لثقافة المجتمعات الضعيفة أي دور أو مستقبل فعلي إلا إذا أدرك حاملوها طبيعة هذا النمط الجديد من السيطرة الثقافية وآلياته وقاموا ببلورة الإستراتيجيات المناسبة التي تسمح لثقافتهم القيام بدور فاعل على مستوى المشاركة الإبداعية العالمية، وليس مجرد الإبقاء على الهوية الثقافية الخاصة بدون أي فعالية أو تأثير عالمي
وثالثاً: إن الثقافات على مر التاريخ قد وجدت في حقل تفاعل وتأثير متبادل وقد تحددت بينها على الدوام علاقات هيمنة وخضوع على درجات متباينة ومتفاوتة بحسب عوامل متعددة منها القوة الاقتصادية والعسكرية ومنها ما يتعلق بميادين الإبداع والثقافة، وبالتالي قد تكون العلاقة استلابية تجاه الثقافة الأقوى والمسيطرة تؤدي إلى سحق ثقافة المجتمعات الضعيفة وقد تكون الهيمنة جزئية في أحد الحقول فقط كالمجال العلمي والتقني.
ورابعاً: إن السيطرة المادية ( أي الاقتصادية والعسكرية والسياسية ) هي العامل الحاسم في السيطرة الثقافية إي أن هذه الثقافة السائدة لا تسود بسبب تفوقها القيمي والأخلاقي والإنساني على غيرها من الثقافات إنما بسبب حملها من قبل المجموعات البشرية المتفوقة أو المسيطرة مادياً.
ثم تأتي العوامل الأخرى لتلعب دوراً إضافيا في السيطرة الثقافية ومنها قدرة هذه الثقافة أو تلك على التجدد والإبداع المتواصل.
وخامساً : من الممكن بلورة إستراتيجيات فعالة للحد من السيطرة الثقافية أو الالتفاف عليها بطريقة تسمح لثقافة البلدان الأضعف الاستمرار والمشاركة في الإبداعات الحضارية، كما هو الحال بالنسبة للثقافات الأوربية في مواجهة الثقافة الأمريكية، لكن في حال غياب هذه الاستراجيات الفعالة يصبح خطر الانسحاق والاستلاب و التماهي قائماً.
هذا يعني أن السيطرة الثقافية الأمريكية لن تكون كلية وثابتة،فدرجتها تتبع شكل المجتمعات المتعاملة معها من جهة وتتبع تغير موازين القوى المادية داخل إطار العولمة من جهة ثانية.
وهذا التغير عندما يكون لصالح المجتمعات الضعيفة سوف يتيح لها إعادة بناء ثقافتها وهويتها الخاصة على أسس ومرتكزات جديدة نمكنها من الفعل والتأثير والحد من الهيمنة.
وسادساً : لا يمكن إلا أن نرى أن ثمة خطاً واضحاً لنشوء ثقافة عالمية تتشكل من الموارد المشتركة للنخبة الدولية التي سوف تدمجها الشبكات والقطاعات المعولمة وتنشر منها القيم والسلوكيات وأنماط التفكير، بشكل رئيسي الموارد الثقافية الأمريكية وبشكل أقل موارد الثقافات الأوربية وبشكل أقل ثقافة نخب المال والسيطرة المادية في بقية مجتمعات العالم. وهذا يعني أن الصراعات الثقافية سوف تكون عامة في كل المجتمعات الإنسانية وليس فقط صراعاً مع ثقافة الدولة الأمريكية.
وسابعاً : إن أشكال الصراع بين الثقافات المحلية والثقافة الأقوى تتخذ أشكالاً متعددة فإما أن تأخذ شكل التماهي بالثقافة القوية والاستلاب تجاهها والتسليم بها من دون شخصية ولا برنامج ولا مشاركة إيجابية، وإما أن تأخذ شكل الانغلاق على الذات وإعادة إنتاج ثقافة ما ضوية ذات طابع هيمني رافض ومحتج على ثقافة العولمة وحسب. ويبقى التوجه الثالث وهو المخرج أي المشاركة الإيجابية في التفاعل الثقافي من خلال رؤية واضحة وبرامج وشخصية قابلة للتجدد ومترافقة مع تعزيز المواقع المادية في إطار العولمة.
إنها ذات الأسئلة في الجوهر التي طرحت في عصر النهضة العربية لدى تعرفنا بالكائن الجديد آنذاك أي " الغرب المتفوق " والتي كوّنا حولها إجابات ترتكز إلى عقد النقص وفقدان الثقة بالذات فاستبد بنا تارة هوس الدفاع عن الذات فبقينا كما نحن سعداء بجهلنا وتخلفنا،وتارة أخرى دوخنا الغرب بسحره وثقافته وعلمه حتى ذبنا به وفقدنا ملامحنا وهويتنا ولم ندرك عيوبنا ومشاكلنا.
إن الدفاع عن هويتنا لا يتحقق من خلال الحفاظ عليها كما هي، أي عن هوية الماضي، ولكن من خلال إعادة بنائها من أفق المستقبل وفي إطار العولمة والثورة العلمية التكنولوجية، أي بناء العالمية فيها،والانتقال من حالتي الرفض والاستلاب المعيقتين لنمو هذه الهوية وتطورها، والتوجه نحو المشاركة الإيجابية في العالمية والعمل مع القوى الأخرى على تفكيك السيطرة الثقافية الأحادية وإعادة بناء العالمية من أفق التعددية الثقافية الكونية وفي إطار الاحترام والتعاون والتفاعل المثري.
إنه صراع مزدوج،صراع ضد السيطرة والهيمنة الخارجية في إطار العولمة، وصراع ضد ضعف الذات وعجزها وقصورها وعيوبها،صراع مزدوج يتجاوز الاستسلام للآليات الرافضة والدفاعية التي تقودنا نحو صراع خاسر، مثلما يتجاوز ردود الفعل السلبية والتنكر للذات ولدورها
ثمة مفاهيم أخرى درجت على علاقة وثيقة بمسار العولمة، منها: سعي العولمة لتحويل الثقافة إلى سلعة وتصدير النموذج الأمريكي في الحياة وتهديد الهوية القومية والغزو الثقافي..... و ظهرت مفاهيم جديدة كحوار الحضارات وتفاعلها أو صراعها الخ...
بداية نقول إن أي تهديد يقوم للهويات الجماعية لا ينجم عن توسع دائرة التفاعل والتشارك والتثاقف بين الثقافات،إنما ينجم عن غياب استراتيجيات فاعلة للمجتمعات الأقل تطوراً وللثقافات التي تحملها من أجل الاستفادة من حالة التفاعل الثقافي التي بدأت ترسيها العولمة بشكل موضوعي.
وبالتالي فإن الطرح الذي لا يرى في العولمة إلا محاولة لتعميم النموذج الأمريكي في الحياة إنما يعكس مخاوف الجماعات الضعيفة من المستقبل أكثر مما يساعد في الكشف عن تغيير الشروط غير المتكافئة التي يحصل فيها هذا التفاعل.
ثانياً: لن يكون لثقافة المجتمعات الضعيفة أي دور أو مستقبل فعلي إلا إذا أدرك حاملوها طبيعة هذا النمط الجديد من السيطرة الثقافية وآلياته وقاموا ببلورة الإستراتيجيات المناسبة التي تسمح لثقافتهم القيام بدور فاعل على مستوى المشاركة الإبداعية العالمية، وليس مجرد الإبقاء على الهوية الثقافية الخاصة بدون أي فعالية أو تأثير عالمي
وثالثاً: إن الثقافات على مر التاريخ قد وجدت في حقل تفاعل وتأثير متبادل وقد تحددت بينها على الدوام علاقات هيمنة وخضوع على درجات متباينة ومتفاوتة بحسب عوامل متعددة منها القوة الاقتصادية والعسكرية ومنها ما يتعلق بميادين الإبداع والثقافة، وبالتالي قد تكون العلاقة استلابية تجاه الثقافة الأقوى والمسيطرة تؤدي إلى سحق ثقافة المجتمعات الضعيفة وقد تكون الهيمنة جزئية في أحد الحقول فقط كالمجال العلمي والتقني.
ورابعاً: إن السيطرة المادية ( أي الاقتصادية والعسكرية والسياسية ) هي العامل الحاسم في السيطرة الثقافية إي أن هذه الثقافة السائدة لا تسود بسبب تفوقها القيمي والأخلاقي والإنساني على غيرها من الثقافات إنما بسبب حملها من قبل المجموعات البشرية المتفوقة أو المسيطرة مادياً.
ثم تأتي العوامل الأخرى لتلعب دوراً إضافيا في السيطرة الثقافية ومنها قدرة هذه الثقافة أو تلك على التجدد والإبداع المتواصل.
وخامساً : من الممكن بلورة إستراتيجيات فعالة للحد من السيطرة الثقافية أو الالتفاف عليها بطريقة تسمح لثقافة البلدان الأضعف الاستمرار والمشاركة في الإبداعات الحضارية، كما هو الحال بالنسبة للثقافات الأوربية في مواجهة الثقافة الأمريكية، لكن في حال غياب هذه الاستراجيات الفعالة يصبح خطر الانسحاق والاستلاب و التماهي قائماً.
هذا يعني أن السيطرة الثقافية الأمريكية لن تكون كلية وثابتة،فدرجتها تتبع شكل المجتمعات المتعاملة معها من جهة وتتبع تغير موازين القوى المادية داخل إطار العولمة من جهة ثانية.
وهذا التغير عندما يكون لصالح المجتمعات الضعيفة سوف يتيح لها إعادة بناء ثقافتها وهويتها الخاصة على أسس ومرتكزات جديدة نمكنها من الفعل والتأثير والحد من الهيمنة.
وسادساً : لا يمكن إلا أن نرى أن ثمة خطاً واضحاً لنشوء ثقافة عالمية تتشكل من الموارد المشتركة للنخبة الدولية التي سوف تدمجها الشبكات والقطاعات المعولمة وتنشر منها القيم والسلوكيات وأنماط التفكير، بشكل رئيسي الموارد الثقافية الأمريكية وبشكل أقل موارد الثقافات الأوربية وبشكل أقل ثقافة نخب المال والسيطرة المادية في بقية مجتمعات العالم. وهذا يعني أن الصراعات الثقافية سوف تكون عامة في كل المجتمعات الإنسانية وليس فقط صراعاً مع ثقافة الدولة الأمريكية.
وسابعاً : إن أشكال الصراع بين الثقافات المحلية والثقافة الأقوى تتخذ أشكالاً متعددة فإما أن تأخذ شكل التماهي بالثقافة القوية والاستلاب تجاهها والتسليم بها من دون شخصية ولا برنامج ولا مشاركة إيجابية، وإما أن تأخذ شكل الانغلاق على الذات وإعادة إنتاج ثقافة ما ضوية ذات طابع هيمني رافض ومحتج على ثقافة العولمة وحسب. ويبقى التوجه الثالث وهو المخرج أي المشاركة الإيجابية في التفاعل الثقافي من خلال رؤية واضحة وبرامج وشخصية قابلة للتجدد ومترافقة مع تعزيز المواقع المادية في إطار العولمة.
إنها ذات الأسئلة في الجوهر التي طرحت في عصر النهضة العربية لدى تعرفنا بالكائن الجديد آنذاك أي " الغرب المتفوق " والتي كوّنا حولها إجابات ترتكز إلى عقد النقص وفقدان الثقة بالذات فاستبد بنا تارة هوس الدفاع عن الذات فبقينا كما نحن سعداء بجهلنا وتخلفنا،وتارة أخرى دوخنا الغرب بسحره وثقافته وعلمه حتى ذبنا به وفقدنا ملامحنا وهويتنا ولم ندرك عيوبنا ومشاكلنا.
إن الدفاع عن هويتنا لا يتحقق من خلال الحفاظ عليها كما هي، أي عن هوية الماضي، ولكن من خلال إعادة بنائها من أفق المستقبل وفي إطار العولمة والثورة العلمية التكنولوجية، أي بناء العالمية فيها،والانتقال من حالتي الرفض والاستلاب المعيقتين لنمو هذه الهوية وتطورها، والتوجه نحو المشاركة الإيجابية في العالمية والعمل مع القوى الأخرى على تفكيك السيطرة الثقافية الأحادية وإعادة بناء العالمية من أفق التعددية الثقافية الكونية وفي إطار الاحترام والتعاون والتفاعل المثري.
إنه صراع مزدوج،صراع ضد السيطرة والهيمنة الخارجية في إطار العولمة، وصراع ضد ضعف الذات وعجزها وقصورها وعيوبها،صراع مزدوج يتجاوز الاستسلام للآليات الرافضة والدفاعية التي تقودنا نحو صراع خاسر، مثلما يتجاوز ردود الفعل السلبية والتنكر للذات ولدورها
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام