بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني المذاهب الاقتصادية
يوجد في الحياة ثلاثة مذاهب اقتصادية تختلف نظرتها إلى الناحية الاقتصادية في الحياة، وسنعرض إن شاء الله في هذا الفصل الأركان الرئيسية لهذه المذاهب لنرى الاختلاف الواضح بينها.
أولاً: المذهب الرأسمالي:-
ويطلق عليه المذهب الحر لأنه يقوم على نظام الحرية، وإن كانت هذه الحرية شكلية وليست حقيقية.
ويرتكز هذا المذهب على أربعة أركان رئيسية:
1. حرية التملك: ويطلق عليها أيضاً مبدأ الملكية الخاصة بشكل غير محدود، فالملكية الخاصة لمصادر الثروة ووسائل الإنتاج هي القاعدة الرئيسية للتملك ولا يمكن الخروج عنها إلا في ظروف استثنائية كأن تقوم الدول بتأميم بعض وسائل الإنتاج لظروف استثنائية.
2. حرية الإٍستغلال: حيث تسمح الرأسمالية للأفراد باستغلال ملكيتهم على الوجه الذي يروق لهم ويحقق مصالحهم وذلك على اعتبار أن الفرد هو الوحدة الاقتصادية الهامة في النظام الرأسمالي والأقدر على تحقيق مصلحته.
3. حرية الاستهلاك: فكما تضمن الرأسمالية للأفراد استغلال ممتلكاتهم حسب ما يروق لهم تضمن لهم كذلك الإنفاق من أموالهم كما يريدون على حاجاتهم الاستهلاكية.
4. قاعدة التوزيع هي الثمن: فمن يملك ثمناً يأخذ من ثروة وإنتاج البلاد بمقدار ما يملك من ثمن، أما من لا يملك ثمناً فلا يأخذ من ثروة البلاد، فالملكية الخاصة أو جهاز الثمن هو الذي يوزع الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية ويتم ذلك بصورة تلقائية وبدون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
• والفكرة الأساسية لدى النظام الرأسمالي هي الاعتقاد بوجود نظام طبيعي عام يشمل الظواهر الاقتصادية وأن هذا النظام يطبق من تلقاء نفسه وبدون حاجة للتدخل من قبل الدولة – حيث أن آدم سميث حدد وظائف الدولة بالوظائف الثلاثة الآتية:
1) الدفاع عن الدولة ضد العدوان الخارجي وتحقيق الأمن الداخلي
2) تحقيق العدالة في الداخل
3) القيام بالنشاط الذي لا يستطيع الأفراد أو لا يقبلون القيام به مثل التعليم والصحة.
فالدولة في أصول المذهب الرأسمالي تسمي بالدولة الحارسة وليست المتدخلة، كما يفترض المذهب الرأسمالي وجود الإنسجام بين المصالح الخاصة والمصالح العامة حيث أن كل فرد يسعى لتحقيق مصلحته دون الإضرار بمصالح الآخرين وهذا سيؤدي في النهاية إلى تحقيق مصلحةالجماعة ككل وبذلك يحدث الانسجام والتوافق بين المصالح.
• وقد ظل المذهب الرأسمالي التقليدي مسيطراً على الحياة الاقتصادية منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر " حيث كتب آدم سميث كتابه المعروف ثروة الأمم عام 1776 م – حيث يعتبر آدم سميث هو واضع أصول المذهب الرأسمالي -
" وحتى الثلث الأول من القرن العشرين " حيث ظهر ما يسمى في تاريخ الفكر الاقتصادي بالكساد العالمي الكبير سنة 1929م وانهار في هذه السنة المذهب الاقتصادي التقليدي- وحدثت ثورة على الأساليب التقليدية في علم الاقتصاد وأول من أحدث هذه الثورة هو الاقتصادي البريطاني "كينز" عام 1936م –حيث ظهر كتابة المعروف باسم "النظرية العامة في البطالة وسعر الفائدة والنقود" كما ظهرت بعد ذلك مدارس تنافس هذا المذهب ومنها:
1. المدرسةالتاريخية: وهي التي أقرت بتدخل الدول في النشاط الاقتصادي.
2. مدرسة الحماية الاقتصادية ومبدأ تدخل الدولة: حيث رفض هؤلاء الاقتصاديون التسليم بانسجام المصالح الخاصة مع المصالح العامة وأقروا تدخل الدولة لحماية الضعفاء.
ثانياً
المذاهب الاشتراكية:
المذاهب الاشتراكية في مجملها تعارض الرأسمالية وتدعو إلى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي – ويمكن تقسيم المذاهب الاشتراكية إلى عدة أقسام:
1. اشتراكية المنبر أو اشتراكية الكرسي:
وقد سميت بذلك لأن معظم المنادين بها هم الأساتذه ورجال دين في ألمانيا، ويرى أنصار هذه الاشتراكية بوجوب تدخل الدولة للإشراف على النشاط الاقتصادي الفردي.
2_الاشتراكية الخيالية ( المثالية)
لم يكن الداعون إلى هذه الاشتراكية يؤسسون دفاعهم على منطق وتحليل ودراسة بل كانوا يتأثرون عاطفيا بمساوئ النظم الإجتماعية والاقتصادية السائدة فيحاولون بأحلامهم وخيالاتهم تصوير "عالم اشتراكي" تنعدم فيه هذه الساوئ، ففي حين كانت الرأسمالية تستند إلى نظريات الكتاب الكلاسيك بمنطقها القوي وتحليلها العلمي لم تكن هذه الاشتراكية أفلاطون" الذي تحدث فيها عن المدينة المثلى والتي لم توضع موضع التنفيذ العملي، ومن الاستراكيين المثاليين في العصور الوسطى الكاتب الإنجليزي " توماس مور" الذي نشر كتاباً سنة 1516م عنوانه " أوتوبيا" وهو اسم لجزيرة خيالية ابتكره المؤلف حين وصف الجزيرة بأنها كانت تنعم بنظام اشتراكي شيوعي متطور.
وأيضاً من الاشتراكيين الخياليين الكاهن الإيطالي" كامبلانيلا" الذي ألف كتاباً سنة 1620م بعنوان "مدينة الشمس" تحدث فيه عن مدينة شيوعية تعيش على نسق شيوعية أفلاطون.
3_اشتراكية الدولة ( الاشتراكية الاسمية):
هي فكرة رأسمالية ظهرت لصرف الناس عن الاشتراكية الماركسية ولتكون أسلوباً جديداً لتطبيق الرأسمالية بشكل يضمن بقائها والمحافظة عليها – فهذه الاشتراكية من حيث فكرتها ومن حيث طريقة تنفيذها إنما وجدت للوقوف في وجه الاشتراكية الحقيقية والتي أصبحت من القوة بحيث خشى الرأسماليون أن تبطش بالنظام الرأسمالي، فاشتركية الدولة اسمها فقط اشتراكية وحقيقتها أنها سور لحماية الرأسمالية.
وتقوم فكرة هذه الاشتراكية على سن بعض القوانين مثل:
1) فكر التعليم – والمقصود بها تحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة إذا اقتضى الصالح العام ذلك.
2) وضع حد أقصى للفائدة بحيث لا تزيد عن هذا الحد.
3) وضع حد أدنى للأجور بحيث لا يقل أجر العامل عن هذا الحد.
4) وضع حد أقصى للربح والإيجار بحيث لا يزيد الربح والإيجار عن هذا الحد.
أما طريقة تطبيق هذه الاشتراكية فهي إيجاد رأي عام لها قبل الشروع في تطبيقها وهذا ما فعلته أوروبا حيث أسست الأحزاب الاشتراكية التي تدعو للفكرة وتكتل الناس حولها ثم عندما وصلت هذه الأحزاب للحكم أخذت تحاول تطبيقها ومن هذه الأحزاب حرب العمال البريطاني.
• وتعتبر الاشتراكية العربية جزء من هذه الاشتراكية وقد قام حكام الدول العربية خاصة مصر بتطبيق هذه الاشتراكية بدون إيجاد رأي عام لها وبدون أن تكون الفكرة موجودة لدى الناس، وبالتالي لم يكن هناك تفهم لحقيقة هذه الاشتراكية ولو إجمالا. وهذا هو الذي أدى إلى فشلها.
• وفي أوروبا فشلت هذه الاشتراكية كذلك عندما تم تطبيقها وأخفقت جميع الأحزاب الاشتراكية في أوروبا في تطبيق هذه الاشتراكية مما أدى إلى تولي الرأي العام في أوروبا عن هذه الاشتراكية ولم يبق لها وجود في الرأي العام الأوروبي.
2. - الاشتراكية الواقعية ( العلمية):
ومؤسس هذه الاشتراكية هو "كارل ماركس"، وقد سميت بالاشتراكية العلمية تمييزا لها عن باقي الاشتراكيات التي تعبر عن مشاعر أصحابها النفسية، وقد بين ماركس أن هذه الاشتراكية تتبع من قوانين المادية التاريخية وقوانين المادية الجدلية.
ويوجد في المذهب الماركسي مرحلتين يطالب بتطبيقهما.
1. المرحلة الاشتراكية:
وتتميز هذه المرحلة بالمعالم الرئيسية الآتية:
أ. محو الطبقية وتصفية حسابها نهائياً بإقامة المجتمع اللاطبقي، حيث تعتبر الماركسية أن الملكية الخاصة هي السبب في التقسيم الطبقي وانقسام المجتمع إلى مالكين ومعدمين ولذا فإن الماركسية تلغي الملكية الخاصة بهدف القضاء على الطبقات وإيجاد طبقة واحدة.
ب. استلام البروليتاريا " الطبقة الكادحة" للأداة السياسية بإنشاء حكومة دكتاتوية قادرة على تحقيق الرسالة التاريخية للمجتمع الاشتراكي والقيام بالتخطيط الموجه لجميع جوانب النشاط الاقتصادي فضلاً عن تصفية حساب الرأسمالية وهذا يتطلب وجود سلطة قوية لا تخضع للمراقبة وتتمتع بإمكانات كبيرة للقيام بالتخطيط الشامل.
ج- تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج حيث تصبح مملوكة للدولة، ويقوم الأساس العلمي لفكرة التأميم على أساس تناقضات فائض القيمة الناتج عن مبدأ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج التي تتراكم حتى يصبح في النهاية حاجة إلى تأميمها لتصبح مملوكة للدولة.
د- قيام التوزع حسب القاعدة القائلة " من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله" حيث يجعل لكل عامل نصيب من الإنتاج بالقدر الذي يتناسب مع عمله. ويلاحظ أن هذا المبدأ يتناقض مع مبدأاللاطبقية للمرحلة الاشتراكية نظراً لاختلاف طاقات الناس وكفاءاتهم وتنويع العمل ودرجة تعقيده. وحسب هذه القاعدة فقد سمحت الاشتراكية للفرد بتملك ثروات الاستهلاك ومنعته من تملك ثروات الإنتاج فيسمح له بتملك بيت للسكن ولكن لا يسمح له بتملك بيت للتأجير، كما يسمح له بتملك سيارة خصوصية ولكن لا يسمح له بتملك سيارة للأجرة. كما يمسح للشخص بامتلاك مزرعة خاصة به ولا يسمح له استخدام مزرعة لبيع إنتاجها. فالأفراد يسمح لهم امتلاك ما يستهلكون ولا يملكون أي شيء ينتج. خلاصة ذلك أن الاشتراكية ألغت الملكية الخاصة بالنسبة لثروات الإنتاج وأبقتها بالنسبة لثروات الاستهلاك.
وبنهاية مرحلة الاشتراكية تكون قد أوجدت المناخ الصالح لقيام المرحلة الشيوعية والتي تعتبر في نظر ماركس نهاية التطور البشري حيث يعيش الناس حياتهم المثالية...
2- المرحلة الشيوعية
وهي المرحلة الأخيرة من مراحل التطور التاريخي كما تعرضه الماركسية، فالشيوعية تحتفظ بالركن الأول من المرحلة السابقة وهو محو الطبقية وتقوم على أركان أخرى هي:
أ- محو السطلة السياسية وتحرير المجتمع من الحكومة بصورة نهائية. وذلك لأن الحكومة وليدة التناقض في الطبقات أما في المجتمع الشيوعي فلا حاجة للحكومة لعدم وجود الطبقات.
ب- محو الملكية الخاصة ليس في مجال الإنتاج فقط بل في مجال الاستهلاك أيضاً: ففي المرحلة السابقة اقتصر التأميم على وسائل الإنتاج الرأسمالية. أما الآن فلا ملكية خاصة إطلاقاً وقاعدة التوزيع هي " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" فأساس التوزيع هو الحاجة.
ثالثاًالاقتصاد الإسلامي (المذهب الإٍسلامي)
يقوم المذهب الإسلامي في الإسلام على ثلاثة أركان رئيسية هي:
1. مبدأ الأشكال المتعددة للملكية:
فالإسلام يخالف المذهب الرأسمالي الذي يتعتبر أن الملكية الخاصة هي القاعدة، كما يخالف المذهب الاشتراكي الذي يعتبر أن الملكية العامة هي القاعدة،وإنما يؤمن الإسلام بمبدأ الأشكال المتعددة الملكية ولا يعني ذلك أن الإسلام أخذ جانب من المذهب الرأسمالي وآخر من المذهب الاشتراكي "بل هذا التنوع قائم على أسس وقواعد فكرية معينة وموضوعة ضمن إطار عام من القيم والمفاهيم..."حيث ينظر إلى الملكية بأنها "حق رعاية يتضمن المسئولية وليست سلطاناً" . والإسلام يؤمن بثلاثة أنواع للملكية وهي
أ- الملكية الخاصة:
وقد أقر الإسلام للأفراد حق التملك " خذ من أموالهم صدقة" واعترف الإسلام بالتفاوت بين الناس في الملكية " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" والله فضل بعض على بعض في الرزق "كما أثبت الإسلام حق الإرث. وترتب على إقرار تدخل الدولة تدخلاً يقره الإسلام فأوجب على الغني تجاه الفقير نوعين من الواجبات:
الأولى: نابعة من الضمير تسوغها مفاهيم الأخوة الإسلامية " إنما المؤمنون أخوة"
الثانية: نابعة من التشريع الذي يوجب على الأغنياء دفع الزكاة للفقراء وهذه الزكاة ليست إحساناً نم الأغنياء على الفقراء إنما هي حق للفقير كما يقول تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".
ب- الملكية العامة:
حيث أن الإسلام أوجد للجماعة الحق في امتلاك بعض الثروات الطبيعية والمرافق مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار"
ج- ملكية الدولة:
فالإسلام يجعل للدولة الحق في امتلاك الأموال حتي تساهم بدورها في الحياة الاقتصادية وتقيم العدل الاجتماعي ويعتبر بيت المال في الدولة الإسلامية مملوكاً للدولة وكل موارده ملكاً لها باستثناء الزكاة لأن الدولة تقوم بجبايتها وتوزيعها على مستحيقها المحددين في القرآن.
والفرق بين الملكية العامة وملكية الدولة هو أن ملكية الدولة هي كل عين من أرض أو بناء تعلق بها حق لعامة المسلمية ولا تكون داخلة ضمن الملكية العامة، فملكية الدولة أعيان تقبل الملك الفردي كالأرض والبناء والأشياء المنقولة ولكن لما تعلق بها حق لعامة المسلمين صار تدبيرها والقيام على شؤونها متروكاً للدولة ومن أمثلة ملكية الدولة المعادن العد التي لا تنقطع كالبترول، الأعيان التي تكون طبيعتها تمنع الأفراد من الاختصاص بها، مثل الطرق العامة وما يلحق بها كالقطارات والسيارات والسكك الحديدية وشركات الكهرباء.
بالنسبة للملكية العامة فلا يحق للدولة أن تملكها لأحد لأنها ملك لعامة المسلمين فالخليفة يجب أن يمكن جميع الناس من الانتفاع بهذه الملكيات، أما ملكية الدول فيحق للخليفة أن يملك منه الأفراد حسب ما يراه.
2- مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود (الالتزام بالأحكام الشرعية)
حيث يسمح الإسلام للأفراد على الصعيد الاقتصادي بالحرية الاقتصادية بحيث لا يتجاوزون حدود الشرع أي أن الحرية الاقتصادية تكون محددة بالأحكام الشرعية وهذا التحديد على نوعين:
أ-التحديد الذاتي:
وهو ينبع من أعماق النفس المسلمة، ويستمد رصيده من المحتوى الفكري الناشئ في ظل التربية الإسلامية.
ب-التحديد الموضوعي:
وهو الذي يفرض على أفراد المجتمع الإسلامي بقوة الشرع مثل تحريم الربا والاحتكار حيث يقوم على أساس المبدأ الشرعي القائل: " لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة". فالإسلام من ناحية التحديد الموضوعي منع ممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية اليت تتعارض مع الإسلام كربا والاحتكار، كذلك سمح للدولة بالتدخل الاقتصادي لحماية المصالح العامة.
3- مبدأ العدالة الاجتماعية:
وهذا المبدأ يختلف عن المعنى التجريدي الذي تنادي به الكثير من المجتمعات فهو معنى حقيقي وواقعي حدث يوماً ما وله من الضمانات والمقومات التي يمكن من خلالها تجسيده إلى أرض الواقع
ومبدأ العدالة الاجتماعية يرتكز على نقطتين هما
أـ مبدأ التكافل العام:
وهذا المبدأ هو مسؤولية الأفراد حيث أن المجتمع الإٍسلامي هو مجتمع متضامن ومتكافل وهناك الكثير من النصوص الشرعية التي تحث على التكافل مثل قوله تعالى:" وآت ذا القرب حقه والمسكين وابن السبيل".
ومثل قوله عليه الصلاة والسلام " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. وقوله" المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" وقوله "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
كذلك هناك آيات قرآنية قرنت الإيمان برعاية المحتاجين والكفر بإهمال المحتاجين مثل قوله تعالى "ما سلككم في سقر قالوا يم نكـ من المصلين ولم نكـ نطعم المسكين "وقوله تعالى" أرآيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين..."
ب- مبدأ التوازن العام:
وهذا المبدأ هو مسؤولية الدولة فبالإضافة إلى الكفالة الواجبة على الأفراد فلابد كذلك للدولة المسلمة من إقامة التوازن العام. فالدولة مسؤولة عن تحقيق حد الكفاية "المستوى اللائق للمعيشة" لكافة أفراد المجتمع المسلم سواء كانوا مسلمين أو معاهدين. والمقصود بحد الكفاية إشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد يعيش في الدولة الإسلامية سواء كان مسلم أو معاهد والعمل بقدر الإمكان على إشباع الحاجات الكمالية لكل فرد يعيش في الدولة ومن النصوص اليت تلزم الدولة بتحقيق هذا المبدأ
1. آية الزكاة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليكم حكيم"
2. أما السنة النبوية فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصي عمال الزكاة بحمعها من الأغنياء ثم ترد بعد ذلك إلى الفقراء.
3. الواقع التاريخي للدولة الإسلامية يدل على أن الدولة كانت تجمع الخراج والجزية والعشور وتوزعها على مستحقيها
4. كذلك من حق الدولة الإسلامية فرض ضريبة على الأغنياء المسلمين إذا لم تكف موارد بيت المال العادية لسد احتياجات الفقراء والمحتاجين وتفرض هذه الضريبة في ضل الظروف الملحة والهامة جداً. كحالات الحروب والكوراث الطبيعية، فإذا انتهت هذه الظروف يتم إلغاء هذه الضرائب. وهي تعتبر. "إيرادات غير عادية".
بالإضافة إلى الأركان الرئيسية التي يرتكز عليها المذهب الاقتصادي في الإسلام هناك صفتان أساسيتان يتميز بهما الاقتصاد الإسلامي عن غيره وهما:
1. صفة الواقعية: فالاقتصاد الإسلامي واقعي من ناحيتين
أ- من حيث الغايات: فغاياته هي غايات تنسجم مع واقع الإنسانية بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة.
ب- من حيث الوسائل: فمن أجل تحقيق الغايات فالاقتصاد الإٍسلامي يعتمد على وسائل واقعية لتحقيق هذه الغايات فلا يكتفي بالنصح والإرشاد وإلقاء المواعظ وإنما يضع أساس تشريعي يضمن تحقيق الغايات.
2- صفة الأخلاقية: فالاقتصاد الإسلامي أخلاقي من ناحيتين
أ- من حيث الغايات: فهو أخلاقي في غاياته بخلاف الرأسمالية والماركسية.
ب- من حيث الوسائل: فوسائله كذلك أخلاقية تتفق مع المثل والقيم فعندنا الغاية لا تبرر الوسيلة.
الاقتصاد الإسلامي جزء من كل
كما لا يجوز فصل مسألة اقتصادية عن قضايا ومسائل الاقتصاد الأخرى، كذلك لا نستطيع أن نفصل الاقتصاد الإٍسلامي عن بقايا أجزاء المذهب الإٍسلامي الشامل سواء في الناحية العقائدية أو السياسية أو الاجتماعية أو الأخلاقية...إلخ
فالاقتصاد الإٍسلامي هو جزء من صيغة عامة لها أرضية خاصة.
وتتكون التربة أو الأرضية للمجتمع المسلم من العناصر الآتية:
1. العقيدة الإسلامية
2. المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء
3. العواطف والأحاسيس النابعة من المفاهيم
وسوف نبين هنا ارتباط الاقتصاد الاسلامي وتفاعله مع بعض العناصر الإسلامية:
1. ارتباط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة – فالعقيدة تخلق لدى المسلم أثناء نساطه الاقتصادي شعوراً بالاطمئنان النفسي كما أنها تعتبر مصدراً للتموين الروحي للمذهب الاقتصادي، فالطابع الإيماني والاطمئنان النفسي هو من أهم الخصائص التي يتميز بها الاقتصاد الاسلاميز
2. ارتباط الاقتصاد الإٍلامي بفاهيم الإٍسلام عن الكون والحياة، كالمفهوم الإسلامي عن الملكية الخصة فالإسلام يعتبر أن" الملكية حق يتضمن المسؤولية " وليست سلطانا مطلقاً. وهذا له أثره في مجرى الاقتصاد الإسلامي.
3. ارتباط الاقتصاد بما يبثه الإسلام في البيئة الإسلامية من عواطف وأحاسيس. كعاطفة الأخوة الإسلامية والتي تفجر في قلب المسلم حب الآخرين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم وهذه العواطف لها دور كبير في تكييف الحياة الاقتصادية وتساند المذهب فيما يستهدفه من غايات.
4. الارتباط بين المذهب الاقتصادي والسياسة المالية للدولة- فالسياسة المالية تعتبر جزءًا من المذهب لأنها إنما وضعت لتحقيق أهداف المذهب حيث تهدف فضلاً عن تمويل الدولة بالأموال إلى تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي.
5. الارتباط بين الاقتصاد الإسلامي والنظام السياسي في الإسلام: ذلك أن للسلطة السياسية صلاحيات اقتصادية واسعة وملكيات كبيرة، لذلك لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار نزاهة هذه السلطة وتمتعها بالشورى والعدالة.
6. الارتباط بين أحكام تحريم الربا والأحكام الإسلامية الأخرى كالمضاربة والتكافل العام والتوازن الاجتماعي ذلك أن تحريم الربا إذا درس مجردًا فإنه بسبب مشاكل التصادية خطيرة.
7. الارتباط بين بعض أحكام الملكية الخاصة في الاقتصاد الإسلامي وأحكام الجهاد التي تنظم علاقة المسلمين بغيرهم في حالات الحرب والأسرى والغنيمة.
8. الارتباط بين الاقتصاد الإسلامي والتشريع الجنائي في الإسلام: فقطع يد السارق تعتبر قاسية في المجتمع الرأسمالي. أما في المجتمع الإسلامي والذي يطبق فيه مبدأ العدالة الاجتماعية فإن هذا الحد لا يعتبر قاسيًا بعد أن يكون الاقتصاد الإسلامي قد وفر له أسباب الحياة الكريمة ومحا من حياته كل الدوافع التي تضطره إلى السرقة.
الاقتصاد الإسلامي ليس علمًا
الاقتصاد الإسلامي لا يزعم لنفسه الطابع العلمي كالمذهب الماركسي، كما أنه ليس مجردًا من أساس عقائدي معين ونظرة رئيسية إلى الحياة والكون كالمذهب الرأسمالي.
"ونعني بأن الاقتصاد الإسلامي ليس علمًا هو أن الإسلام دين نكفل من خلاله الدعوة لتنظيم الحياة الاقتصادية وتغيير الواقع الفاسد وتحويله إلى واقع سليم فهو ليس علمًا على نمط علم الاقتصاد السياسي، لأنه يدرس ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن أي أنه دعوة لتفسير الواقع وليس تفسيرًا للواقع أي أنه عملية تغيير للواقع وليس تفسيرًا موضوعيًا له.
* فالوظيفة المذهبية للاقتصاد الإسلامي هي الكشف عن الصورة الكاملة للحياة الاقتصادية وفقًا للتشريع الإسلامي ودرس الأفكار والمفاهيم الإسلامية التي تشع من وراء ذلك الصورة.
* أما الوظيفة العلمية للاقتصاد الإسلامي فيأتي دورها بعد ذلك لتكشف عن مجريات الحياة الاقتصادية وما تخضع له من قوانين في مجتمع إسلامي يطبعه المنهج الإسلامي بشموليته، فالباحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي يتخذ المذهب الاقتصادي قاعدة ثابتة للمجتمع ويحاول تفسير الأحداث الاقتصادية بناءً على هذه القاعدة.
هكذا فقط يمكن أن يتكون للاقتصاد الإسلامي علم أي بعد أن يدرس دراسة مذهبية شاملة ...
ولكن السؤال الآن ... متى وكيف ويمكن وضع علم الاقتصاد الإسلامي كما وضع الرأسماليون علم الاقتصاد السياسي؟
والجواب على ذلك هو:
أن التفسير العلمي لأحداث الحياة الاقتصادية يرتكز على أمرين
الأول: جمع الأحداث الاقتصادية من خلال التجربة الواقعية للحياة وتنظيم هذه الأحداث تنظيمًا علميًا ثم الكشف عن طبيعة القوانين التي تتحكم بها.
وهذا يتطلب تجسيد المذهب الاقتصادي في كيان واقعي. أي تطبيق الإسلام على أرض الواقع من خلال دولة إسلامية، وهذا الأمر غير متاح للاقتصاديين الإسلاميين ما دام الإسلام بعيدًا عن التطبيق في حياة الناس.
الثاني: البدء في البحث العلمي من مسلمات معينة تفترض افتراضًا، ثم على ضوء هذه المسلمات نخرج بنتائج وقوانين اقتصادية. ويمكن وضع هذه المسلمات والخروج بقوانين في ظل عدم تطبيق المذهب واقعيًا حيث نستنتج آثارها في ظل التطبيق المفترض للمذهب وليس التطبيق الواقعي ولكن هذه القوانين لا تعطي لنا بدقة المفهوم العلمي الشامل للحياة الاقتصادية لأنه يحدث هناك مفارقات بين الحياة الواقعية وبين التفسيرات النظرية.
* ومن هنا نستنتج أن علم الاقتصاد الإسلامي لا يمكن أن يولد ولادة حقيقية إلا إذا جسد المذهب الاقتصادي الإسلامي في كيان واقعي.
الفصل الثالث المشكلة الاقتصادية
تتفق جميع المذاهب الاقتصادية على وجود مشكلة في الحياة الاقتصادية- وكذلك فإنها تتفق على ضرورة علاج هذه المشكلة- ولكن هذه المذاهب تختلف في تحديد طبيعة هذه المشكلة وكذلك تختلف في طريقة معالجتها-
أولاً: المشكلة الاقتصادية في المذهب الرأسمالي
1. طبيعة المشكلة الاقتصادية في المذهب الرأسمالي:
تقوم المشكلة الاقتصادية في المذهب الرأسمالي على شقين أساسيين
أ- أن الإنسان له حاجات متعددة ومتجددة ومتوالدة يتوق إلى إشباعها.
ب- ندرة الموارد الاقتصادية الموجودة في الكون بحيث أن هذه الموارد لا تكفي لإشباع حاجات الإنسان المتعددة والمتجددة. والمقصود بالندرة هنا- هي الندرة النسبية وليست الندرة المطلقة.
2. الفرق بين المشكلة الاقتصادية والمشكلة التكنولوجية:
المشكلة التكنولوجية: هي إنتاج أكبر قدر من مورد معين واتباع أحدث الوسائل العلمية للحصول على هذا الإنتاج.
أما المشكلة الاقتصادية: فهي إنتاج أكبر قدر ممكن من الإنتاج بأقل تكلفة ممكنة من مورد معين فمثلاً إنتاج أكبر كمية من القطن من فدان من الأرض تعتبر مشكلة تكنولوجية حيث أن الأمر هنا يقتصر على مجرد الخبرة الفنية بينما إنتاج أكبر قدر ممكن من القطن بأقل تكلفة ممكنة يعتبر مشكلة اقتصادية فهنا لا بد من الموازنة بين الاحتمالات المختلفة لاستخدام المواد النادرة ذات الاستعمالات البديلة.
3. خصائص المشكلة الاقتصادية:
أ- الندرة: وهي من أهم الخصائص فلولا ندرة الموارد الاقتصادية لما نشأت أية مشكلة- والندرة هنا ندرة نسبية وليست مطلقة، فالموارد بصورة عامة متوفرة في الكون ولكن إذا ما قيست هذه الموارد بالحاجات الإنسانية الكثيرة والمتجددة فإنها تعتبر نادرة- أي نادرة بالنسبة للحاجة إليها.
ب- الاختيار: طالما أن الموارد الاقتصادية المتاحة لا تكفي لإشباع كل الحاجات الإنسانية فلا بد للإنسان أن يفاضل بين احتياجاته ورغباته فيختار من البداية إشباع الحاجات الهامة ثم الأقل أهمية وهكذا.
ج- التضحية: فطالما أننا اخترنا احتياج معين وقمنا بإشباعه فمعنى ذلك أننا ضحينا بحاجات أخرى في سبيل إشباع هذا الاحتياج. فمثلاً لو كانت لدينا قطعة أرض معينة لها أكثر من استخدام حيث يمكن استغلالها للزراعة أو للبناء أو لإقامة مشروع صناعي- فإذا استخدمناها للبناء فإنه سيكون على حساب الزراعة والمشروع الصناعي حيث ضحينا بهما في سبيل البناء.
4. عناصر المشكلة الاقتصادية:
يرى الاقتصاديون الرأسماليون أن المشكلة الاقتصادية يمكن تقسيمها إلى خمسة عناصر هي:
أ- تكوين سلم التفضيل الجماعي: "ماذا ننتج؟"
ونعني به ترتيب الحاجات الإنسانية حسب أهميتها وأولويتها فطالما أن الموارد الاقتصادية المتاحة لا تكفي لإشباع كافة الحاجات الإنسانية فمعنى ذلك أنه لا بد من ترتيب إشباع هذه الحاجات حسب أهميتها وأولويتها فيتم في البداية إشباع الحاجات الأساسية وبعد ذلك تشبع الحاجات غير الأساسية حسب توفر الموارد فمثلاً في البداية بيت السكن ثم غذاء ثم كساء ثم كماليات من سيارة أو ثلاجة ... إلخ
ب- تنظيم الإنتاج" "كيف ننتج؟"
إذا كانت المشكلة الاقتصادية تتمثل في ندرة الموارد المتاحة لإشباع الحاجات الإنسانية فلا بد من إيجاد وسيلة لاختيار أفضل الطرق لإنتاج ما تقرر إنتاجه حسب سلم التفضيل الجماعي وبمعنى آخر هنا- هو استخدام أحدث الطرق العلمية والتكنولوجية لإنتاج ما تقرر إنتاجه حسب سلم التفضيل الجماعي وذلك من أجل تحقيق أقصى إشباع ممكن للحاجات وبأقل التكاليف.
ج- توزيع الإنتاج: "لمن ننتج"
بعد أن يتم الإنتاج لا بد من اتباع طريقة معينة أو نظام محدد من أجل توزيع هذا الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية بما يضمن تحقيق أقصى إشباع لاحتياجات المجتمع.
د- الموازنة بين الاستهلاك والإنتاج في الفترة القصيرة:
حيث أن إنتاج بعض السلع يأخذ فترة طويلة ولذلك لابد من أن نوازن بين الاستهلاك في الفترة القصيرة وبين إنتاج هذه السلع خاصة السلع الزراعية حيث أن إنتاجها يكون موسمي وهذا يتطلب وجود وسيلة يتم فيها تنظيم استهلاك هذه السلع تكون متفقة مع الحجم الموجود فيها خلال فترة إنتاجها إذن (لابد من الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك- بحيث يكفي الإنتاج للاستهلاك)
هـ- كفالة النمو الاقتصادي في الفترة الطويلة:
في المجتمع الساكن تقتصر عناصر المشكلة الاقتصادية على العناصر الأربعة السابقة أما في المجتمع المتحرك الذي يتميز بزيادة عدد سكانه فإن المشكلة تفرض أن يكون هناك نمو اقتصادي في هذا المجتمع ليضمن تغطية احتياجات الزيادة في عدد سكانه وهذا يتطلب تنمية عوامل الإنتاج حتى تستطيع تلبية الاحتياجات المتزايدة لهذا المجتمع.
5. علاج المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي:
يعتمد النظام الرأسمالي في بنيته الاقتصادية على نظام المشروع الحر حيث يكون حافز الربح هو الدافع إلى الإنتاج ويتميز نظام المشروع الحر، بشرعية الملكية الخاصة، وبوجود المؤسسات الخاصة، وبأن الرقابة على الإنتاج تتم باستخدام جهاز الثمن وذلك بصورة آلية، وبالمنافسة الحرة، وبتدني دور الحكومة في النشاط الاقتصادي.
والنظام الرأسمالي يعتمد على جهاز الثمن في حل المشكلة الاقتصادية بعناصرها الخمسة التي مرت بنا، أما كيفية ذلك فيتم كما يلي:
أ- يقوم جهاز الثمن بتكوين سلم التفضيل الجماعي عن طريق ما يسمى "التصويت" في ساحة السوق فكل قرش يدفع لشراء سلعة معينة يكون بمثابة إعطاء صوت من جانب المشتري لإنتاج هذه السلعة ومن ثم وضعها في قائمة سلم التفضيل الجامعي – وعلى ذلك فإن السلع اليت يكون الطلب عليها كثير توضع في قائمة السلع باعتبارها من أهم السلع التي يجب إنتاجها، ويتم ذلك بصورة آليه عن طريق جهاز الثمن وبدون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
ب- أما تنظيم الإنتاج فإن جهاز الثمن هو الذي يتولى هذه العملية وذلك بما يتفق وسلم التفضيل الجماعي، فجهاز الثمن هو الذي يضع السلعة في رأس القائمة وهو الذي يتولى تنظيم إنتاجها بما يحقق أقصى ربح ممكن وبأقل التكاليف – فجهاز الثمن هو الذي يوفر عناصر الإنتاج والمستخدمة في العملية الإنتاجية (التنظيم، رأس المال، العمل، الأرض) وعائد هذه العناصر وذلك بما يحقق أقصى ربح بأقل التكاليف.
ج- كذلك فإن جهاز الثمن يحل مشكلة توزيع الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية، بمقدار ما يملكه الفرد من ثمن ثم يأخذ من إنتاج البلاد.
د- كذلك جهاز الثمن يوازن بين العرض الثابت من إنتاج السلع وبين الطلب على هذه السلع في الفترة القصيرة "الاستهلاك" حيث أن حركة الإثمان كفيلة بالقيام بهذه الموازنة فإذا ترك الأفراد أحرار يتنافسون في الحصول على هذه السلع ذبلت العرض الثابت بسبب في ارتفاع أثمانها مما يجعلها قاصرة على القادرين على دفع هذه الأثمان المرتفعة وهذا يعني أن الكمية المطلوبة منها ستقل حتى تتوازن مع الكميات المعروضة.
هـ- ويساهم جهاز الثمن في حل مشكلة النمو الاقتصادي
فالنمو الاقتصادي يحتاج إلى زيادة الاستثمار، والاستثمار يحتاج إلى التمويل، والتمويل يحتاج إلى مدخرات من أجل تمويل الاستثمارات، وسعر الفائدة هو الذي يساهم في زيادة المدخرات إذا كان مرتفعاً، ومعنى ذلك أن جهاز الثمن هو الذي يساهم في كفالة النمو الاقتصادي حيث يقوم بمكافأة الذين بمتنعون عن الاستهلاك بإعطائهم فائدة على مدخراتهم وتزيد هذه المدخرات كلما كان سعر الفائدة مرتفع. وبذلك يستطيع النظام الاقتصادي عن طريق آلية جهاز الثمن حل عناصر المشكلة الاقتصادية، معنى ذلك أن من أجل أن يقوم جهاز الثمن بدوره لابد من وجود سوق المنافسة الكاملة كشرط أساسي وهذا يستحيل تحقيقه في الواقع الاقتصادي الرأسمالي.
6- عيوب النظام الرأسمالي: "الانتقادات الموجهة إليه في علاجه للمشكلة الاقتصادية"
أ- يعتبر النظام الرأسمالي أن المقرر الرئيسي للإنتاج هو الطلب النقدي – مما قد يسبب إنتاج السلع الكمالية وإهمال إنتاج السلع الأساسية لعدم امتلاك أصحابها للطلب النقدي "القوة الشرائية" وبدافع الربح. وهذا يؤدي في النهاية إلى ظهور أٌلية مليونيرات يعيشون في ترف وبذخ استفزازي ويعملون على زيادة التضخم وانتشار السلع الكمالية والترفيه، بينما الأكثرية الكادحة تعاني في معيشتها وبعضها يسحقها الحرمان والفقر المدفع.
ب- يفترض النظام الرأسمالي وجود المنافسة الكاملة مع عدم و جود ما يضمن استرارها وذلك لتكل المنتجين على شكل احتكارات.
ج- من عيوب النظام الرأسمالي كذلك أنه قرر أن الأفراد الذين لا يساهموا في العملية الإنتاجية "لا يمتلكون ثمناً" لا يحصلوا على نصيب من التوزيع للإنتاج، وبذلك يكون النظام الرأسمالي قد قرر أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادراً عنلى المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، أما من كان عاجزاً عن ذلك لأنه خلق ضعيفاً أو لأن ضعفاً طرأ عليه فلا يستحق الحياة لأنه لا يستحق أن ينال من ثروة البلاد ما يسد احتياجاته جسمه أو في علقه وكان أقدر من غيره عنلى الحياة بأي طريق من الطرق.
د- جعل جهاز الثمن هو أساس التوزيع يؤدي في المحطة إلى تكتل الثروة في أيدي أقلية مليونيرات مما يسبب في سيطرتهم وتقوية نفوذهم السياسي.
ثانياً: المشكلة الاقتصادية في الاشتراكية
1- طبيعة المشكلة الاقتصادية عند الاشتراكيين
يرى الماركسيون أن المشكلة الاقتصادية تتمثل في التناقض بين شكل الإنتاج الجماعي وعلاقات التوزيع الفردية، ومتى تم الوفاق بين هذا الشكل وتلك العلاقات يسود الاستقرار في الحياة الاقتصادية ولا توجد مشكلة اقتصادية، فماركس يرى أن النظام الرأسمالي يتعرض للمشاكل الاقتصادية بسبب أن شكل الإنتاج جماعي حيث أن الجميع يعملون وينتجون بينما علاقات التوزيع فردية حيث أن الذي يتولى التوزيع هو جهاز الثمن أو بعبارة أخرى أصحاب الملكيات الخاصة من ملاك الثروات وأرباب الأعمال- وبالتالي فإن العمال لا يأخذون نصيبهم الحقيقي من الإنتاج بل يحصلون فقط على حد الكفاف ويأخذ الرأسماليون فائض القيمة.
2. علاج المشكلة الاقتصادية كما يرى الاشتراكيون:
وتزول المشكلة الاقتصادية إذا زال التناقض بين شكل الإنتاج الجماعي وعلاقات التوزيع الفردية عن طريق تحول نظام التوزيع إلى نظام جماعي حيث تحل الملكية العامة محل الملكية الخاصة وتتملك الدولة جميع وسائل الإنتاج وتديرها وتقوم هذه الدولة أو هيئة مركزية تابعة لها بحل عناصر المشكلة الاقتصادية الخمسة الموجودة في النظام الرأسمالي عن طريق وضع الخطط الاقتصادية، إذن الدولة أو الجهاز الإداري المركزي تحل إحلالاً تامًا وكاملاً محل جهاز الثمن. فالدولة هي التي تحدد كميات الإنتاج ونوعيته وتختار لذلك الطرق والأساليب الفنية في الإنتاج وكذلك فإنها تقوم بتوزيع الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية وتعمل على الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك في الفترة الزمنية القصيرة كذلك تعمل على كفالة النمو الاقتصادي في المجتمع.
3. عيوب النظام الاشتراكي:
أ- ضخامة الجهاز الإداري وما يسببه من مشاكل الروتين والبيروقراطية.
ب- إلغاء شخصية الفرد وما يترتب عليها من إهدار الحريات لأن هذا النظام لا يعترف إلا بالحاجات المادية أما الحاجات غير المادية فلا يعترف بها.
ثالثًا: المشكلة الاقتصادية كما يراها الإسلام:
1. طبيعة المشكلة الاقتصادية كما يراها الإسلام:
لا يتفق الإسلام مع الرأسمالية في أن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة ندرة الموارد الطبيعية، ولا يتفق مع الاشتراكية في أن المشكلة ناتجة عن التناقض بين شكل الإنتاج الجماعي وعلاقات التوزيع الفردية.
ولكن الإسلام يقرر أن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الإنسان نفسه وهذا ما يقرره القرآن الكريم في آياته ففي سورة إبراهيم يقول الله تعالى: "الله الذي خلق السموات والأرض وأنماوال من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم والفلك تجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار".
فهذه الآية القرآنية تبين أن نعم الله كثيرة ولكن الإنسان هو الذي يسبب لنفسه المشاكل .. فالمشكلة الاقتصادية تحدث نتيجة لظلم الإنسان وكفرانه "إن الإنسان لظلوم كفار".
وظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي يتجسد في سوء التوزيع وجعل الأموال دولة بين الأغنياء والتعامل بالربا والاحتكار وانتشار الفقر والحرمان.
وكفران الإنسان للنعمة يتجسد في إهماله لاستثمار الطبيعة وعدم الاستفادة من الخيرات وقعود الإنسان عن إعمار هذه الأرض حيث أضاع الوقت في اللهو والعبث بعيدًا عن مجال العمل والإنتاج.
3. علاج الإسلام للمشكلة الاقتصادية:
عالج الإسلام المشكلة الاقتصادية عن طريق:
أ- إزالة الظلم في توزيع الإنتاج:
حيث يمتاز جهاز التوزيع في الإسلام باعتماده على عدة أدوات في التوزيع تكفل عدم حدوث الظلم في الناحية الاقتصادية. ويتكون جهاز التوزيع في الإسلام من ثلاث أدوات هي:
1. العمل: وهو أهم أداة من أدوات التوزيع في الإسلام، فالعمل هو سبب الملكية حيث أن العمل سبب لتملك العامل للمادة وليس سببًا لقيمتها كما قالت الاشتراكية.
2. الحاجة: حيث يمكن تقسيم أفراد المجتمع إلى ثلاث فئات:
أ. فئة قادرة على العمل وإشباع حاجاتها الأساسية والكمالية عن طريق العمل.
ب. فئة قادرة على العمل وإشباع حاجاتها الضرورية فقط عن طريق هذا العمل.
ت. فئة لا تستطيع أن تعمل لضعف بدني أو عاهة عقلية. وهذه الفئة لا تستطيع إشباع حاجاتها الضرورية ولا الكمالية.
فالفئة الأولى: تعتمد على العمل في كسب نصيبها من التوزيع بوصفه أساسًا للملكية و أداة رئيسية للتوزيع فيحصل الفرد في هذه الفئة على حظه من التوزيع حتى وإن زاد عن احتياجاته طالما يكسبه بطريق مشروع وينفق ما يجب عليه منه. أما الفئة الثانية فإنها تعتمد على العمل في سد احتياجاتها الضرورية وتعتمد على الحاجة في زيادة دخلها وإشباع الحاجات الكمالية لها وتقوم الدولة بهذا الواجب.
أما الفئة الثانية: فإنها تعتمد على الحاجة في إشباع حاجاتها الضرورية والكمالية أيضًا. والجدير بالذكر أن الدولة الإسلامية يقع على عاتقها سد حاجات الأفراد وتوزيع الثروة على مستحقيها ممن لا يعملون أو ممن لا يكفي عملهم عملهم إلا لإشباع حاجاتهم الضرورية فقط فالدولة الإسلامية ملزمة بإشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد يعيش تحت راية الدولة الإسلامية سواء كان مسلم أو ذمي كما أنها ملزمة بالعمل قدر المستطاع على إِشباع حاجات هذا الفرد الكمالية. وهناك الكثير من التشريعات الإسلامية التي تنص على ضرورة توزيع الثروة على المحتاجين ممن لا يعملون أو ممن يستحقونها كقوله تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"فالزكاة مثلاً هي حق للفقير وليس منة من الأغنياء على الفقراء.
إن أساس التوزيع في الاقتصاد الإسلامي هو ضمان حد الكفاية "المستوى اللائق للمعيشة" وليس ضمان حد الكفاف "المستوى الأدنى للمعيشة" فالذي يستطيع عن طريق العمل أن يوفر لنفسه حد الكفاية كان بها، والذي لا يستطيع أن يأتي دور الحاجة بعد ذلك.
3. الملكية الخاصة: وتعتبر الملكية الخاصة أداة ثانوية للتوزيع:
فالإسلام سمح بظهور الملكية الخاصة وسمح بتنميتها عن طريق النشاطات التجارية التي سمح بها الإسلام ضمن شروط خاصة لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة الاجتماعية.
ت- أما من ناحية كفران النعمة فالإسلام كفل معالجة هذا الجانب بأن دعى إلى تنمية الإنتاج وأكد على ضرورة إعمار هذه الأرض باعتبار الإنسان خليفة فيها "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها". وقد وضع الإسلام الوسائل المختلفة لتنمية الإنتاج ومنها:
a. الحض على العمل: وقد وردت نصوص كثيرة تحض على العمل اليدوي والزراعة والتجارة مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده". وقول عليه السلام: "إذا قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها".
b. وسائل الإسلام التشريعية لتنمية الإنتاج:
- انتزاع الأرض من صاحبها إذا عطلها أو أهملها حتى خربت وامتنع عن إعمارها فلا يجوز أن يعطل دور الأرض الإيجابي في الإنتاج.
- منع الإسلام للحمى: حيث أن الإسلام لا يجيز السيطرة على الأرض العامرة بالقوة وحمايتها دون ممارسة العمل لإحيائها واستثمارها.
- حرم الإسلام الاكتناز لأنه يؤدي إلى تجميد الأموال.
- حرم الإسلام الفائدة وألغى رأس المال الربوي وبذلك ضمن تحول رأس المال إلى رأس مال منتج يساهم في العملية الإنتاجية.
- منع تركز الأموال والثروات في أيدي قلة من الناس (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).
- تحريم اللهو والمجون وصرف الجهد إلى الإنتاج والعمل الحقيقي المثمر.
c. الاستقامة:
فقد ربط الإسلام تنمية الإنتاج وزيادته بالاستقامة على أمر الله والطاعة لله وعبادته حق العبادة. لذلك يقول تعالى: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا". وأيضًا: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا".
وينذر الله تبارك وتعالى الظالمين والخارجين عن شرع الله بالذل والفقر حيث يقول: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ...."
الفصل الثاني المذاهب الاقتصادية
يوجد في الحياة ثلاثة مذاهب اقتصادية تختلف نظرتها إلى الناحية الاقتصادية في الحياة، وسنعرض إن شاء الله في هذا الفصل الأركان الرئيسية لهذه المذاهب لنرى الاختلاف الواضح بينها.
أولاً: المذهب الرأسمالي:-
ويطلق عليه المذهب الحر لأنه يقوم على نظام الحرية، وإن كانت هذه الحرية شكلية وليست حقيقية.
ويرتكز هذا المذهب على أربعة أركان رئيسية:
1. حرية التملك: ويطلق عليها أيضاً مبدأ الملكية الخاصة بشكل غير محدود، فالملكية الخاصة لمصادر الثروة ووسائل الإنتاج هي القاعدة الرئيسية للتملك ولا يمكن الخروج عنها إلا في ظروف استثنائية كأن تقوم الدول بتأميم بعض وسائل الإنتاج لظروف استثنائية.
2. حرية الإٍستغلال: حيث تسمح الرأسمالية للأفراد باستغلال ملكيتهم على الوجه الذي يروق لهم ويحقق مصالحهم وذلك على اعتبار أن الفرد هو الوحدة الاقتصادية الهامة في النظام الرأسمالي والأقدر على تحقيق مصلحته.
3. حرية الاستهلاك: فكما تضمن الرأسمالية للأفراد استغلال ممتلكاتهم حسب ما يروق لهم تضمن لهم كذلك الإنفاق من أموالهم كما يريدون على حاجاتهم الاستهلاكية.
4. قاعدة التوزيع هي الثمن: فمن يملك ثمناً يأخذ من ثروة وإنتاج البلاد بمقدار ما يملك من ثمن، أما من لا يملك ثمناً فلا يأخذ من ثروة البلاد، فالملكية الخاصة أو جهاز الثمن هو الذي يوزع الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية ويتم ذلك بصورة تلقائية وبدون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
• والفكرة الأساسية لدى النظام الرأسمالي هي الاعتقاد بوجود نظام طبيعي عام يشمل الظواهر الاقتصادية وأن هذا النظام يطبق من تلقاء نفسه وبدون حاجة للتدخل من قبل الدولة – حيث أن آدم سميث حدد وظائف الدولة بالوظائف الثلاثة الآتية:
1) الدفاع عن الدولة ضد العدوان الخارجي وتحقيق الأمن الداخلي
2) تحقيق العدالة في الداخل
3) القيام بالنشاط الذي لا يستطيع الأفراد أو لا يقبلون القيام به مثل التعليم والصحة.
فالدولة في أصول المذهب الرأسمالي تسمي بالدولة الحارسة وليست المتدخلة، كما يفترض المذهب الرأسمالي وجود الإنسجام بين المصالح الخاصة والمصالح العامة حيث أن كل فرد يسعى لتحقيق مصلحته دون الإضرار بمصالح الآخرين وهذا سيؤدي في النهاية إلى تحقيق مصلحةالجماعة ككل وبذلك يحدث الانسجام والتوافق بين المصالح.
• وقد ظل المذهب الرأسمالي التقليدي مسيطراً على الحياة الاقتصادية منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر " حيث كتب آدم سميث كتابه المعروف ثروة الأمم عام 1776 م – حيث يعتبر آدم سميث هو واضع أصول المذهب الرأسمالي -
" وحتى الثلث الأول من القرن العشرين " حيث ظهر ما يسمى في تاريخ الفكر الاقتصادي بالكساد العالمي الكبير سنة 1929م وانهار في هذه السنة المذهب الاقتصادي التقليدي- وحدثت ثورة على الأساليب التقليدية في علم الاقتصاد وأول من أحدث هذه الثورة هو الاقتصادي البريطاني "كينز" عام 1936م –حيث ظهر كتابة المعروف باسم "النظرية العامة في البطالة وسعر الفائدة والنقود" كما ظهرت بعد ذلك مدارس تنافس هذا المذهب ومنها:
1. المدرسةالتاريخية: وهي التي أقرت بتدخل الدول في النشاط الاقتصادي.
2. مدرسة الحماية الاقتصادية ومبدأ تدخل الدولة: حيث رفض هؤلاء الاقتصاديون التسليم بانسجام المصالح الخاصة مع المصالح العامة وأقروا تدخل الدولة لحماية الضعفاء.
ثانياً
المذاهب الاشتراكية:
المذاهب الاشتراكية في مجملها تعارض الرأسمالية وتدعو إلى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي – ويمكن تقسيم المذاهب الاشتراكية إلى عدة أقسام:
1. اشتراكية المنبر أو اشتراكية الكرسي:
وقد سميت بذلك لأن معظم المنادين بها هم الأساتذه ورجال دين في ألمانيا، ويرى أنصار هذه الاشتراكية بوجوب تدخل الدولة للإشراف على النشاط الاقتصادي الفردي.
2_الاشتراكية الخيالية ( المثالية)
لم يكن الداعون إلى هذه الاشتراكية يؤسسون دفاعهم على منطق وتحليل ودراسة بل كانوا يتأثرون عاطفيا بمساوئ النظم الإجتماعية والاقتصادية السائدة فيحاولون بأحلامهم وخيالاتهم تصوير "عالم اشتراكي" تنعدم فيه هذه الساوئ، ففي حين كانت الرأسمالية تستند إلى نظريات الكتاب الكلاسيك بمنطقها القوي وتحليلها العلمي لم تكن هذه الاشتراكية أفلاطون" الذي تحدث فيها عن المدينة المثلى والتي لم توضع موضع التنفيذ العملي، ومن الاستراكيين المثاليين في العصور الوسطى الكاتب الإنجليزي " توماس مور" الذي نشر كتاباً سنة 1516م عنوانه " أوتوبيا" وهو اسم لجزيرة خيالية ابتكره المؤلف حين وصف الجزيرة بأنها كانت تنعم بنظام اشتراكي شيوعي متطور.
وأيضاً من الاشتراكيين الخياليين الكاهن الإيطالي" كامبلانيلا" الذي ألف كتاباً سنة 1620م بعنوان "مدينة الشمس" تحدث فيه عن مدينة شيوعية تعيش على نسق شيوعية أفلاطون.
3_اشتراكية الدولة ( الاشتراكية الاسمية):
هي فكرة رأسمالية ظهرت لصرف الناس عن الاشتراكية الماركسية ولتكون أسلوباً جديداً لتطبيق الرأسمالية بشكل يضمن بقائها والمحافظة عليها – فهذه الاشتراكية من حيث فكرتها ومن حيث طريقة تنفيذها إنما وجدت للوقوف في وجه الاشتراكية الحقيقية والتي أصبحت من القوة بحيث خشى الرأسماليون أن تبطش بالنظام الرأسمالي، فاشتركية الدولة اسمها فقط اشتراكية وحقيقتها أنها سور لحماية الرأسمالية.
وتقوم فكرة هذه الاشتراكية على سن بعض القوانين مثل:
1) فكر التعليم – والمقصود بها تحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة إذا اقتضى الصالح العام ذلك.
2) وضع حد أقصى للفائدة بحيث لا تزيد عن هذا الحد.
3) وضع حد أدنى للأجور بحيث لا يقل أجر العامل عن هذا الحد.
4) وضع حد أقصى للربح والإيجار بحيث لا يزيد الربح والإيجار عن هذا الحد.
أما طريقة تطبيق هذه الاشتراكية فهي إيجاد رأي عام لها قبل الشروع في تطبيقها وهذا ما فعلته أوروبا حيث أسست الأحزاب الاشتراكية التي تدعو للفكرة وتكتل الناس حولها ثم عندما وصلت هذه الأحزاب للحكم أخذت تحاول تطبيقها ومن هذه الأحزاب حرب العمال البريطاني.
• وتعتبر الاشتراكية العربية جزء من هذه الاشتراكية وقد قام حكام الدول العربية خاصة مصر بتطبيق هذه الاشتراكية بدون إيجاد رأي عام لها وبدون أن تكون الفكرة موجودة لدى الناس، وبالتالي لم يكن هناك تفهم لحقيقة هذه الاشتراكية ولو إجمالا. وهذا هو الذي أدى إلى فشلها.
• وفي أوروبا فشلت هذه الاشتراكية كذلك عندما تم تطبيقها وأخفقت جميع الأحزاب الاشتراكية في أوروبا في تطبيق هذه الاشتراكية مما أدى إلى تولي الرأي العام في أوروبا عن هذه الاشتراكية ولم يبق لها وجود في الرأي العام الأوروبي.
2. - الاشتراكية الواقعية ( العلمية):
ومؤسس هذه الاشتراكية هو "كارل ماركس"، وقد سميت بالاشتراكية العلمية تمييزا لها عن باقي الاشتراكيات التي تعبر عن مشاعر أصحابها النفسية، وقد بين ماركس أن هذه الاشتراكية تتبع من قوانين المادية التاريخية وقوانين المادية الجدلية.
ويوجد في المذهب الماركسي مرحلتين يطالب بتطبيقهما.
1. المرحلة الاشتراكية:
وتتميز هذه المرحلة بالمعالم الرئيسية الآتية:
أ. محو الطبقية وتصفية حسابها نهائياً بإقامة المجتمع اللاطبقي، حيث تعتبر الماركسية أن الملكية الخاصة هي السبب في التقسيم الطبقي وانقسام المجتمع إلى مالكين ومعدمين ولذا فإن الماركسية تلغي الملكية الخاصة بهدف القضاء على الطبقات وإيجاد طبقة واحدة.
ب. استلام البروليتاريا " الطبقة الكادحة" للأداة السياسية بإنشاء حكومة دكتاتوية قادرة على تحقيق الرسالة التاريخية للمجتمع الاشتراكي والقيام بالتخطيط الموجه لجميع جوانب النشاط الاقتصادي فضلاً عن تصفية حساب الرأسمالية وهذا يتطلب وجود سلطة قوية لا تخضع للمراقبة وتتمتع بإمكانات كبيرة للقيام بالتخطيط الشامل.
ج- تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج حيث تصبح مملوكة للدولة، ويقوم الأساس العلمي لفكرة التأميم على أساس تناقضات فائض القيمة الناتج عن مبدأ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج التي تتراكم حتى يصبح في النهاية حاجة إلى تأميمها لتصبح مملوكة للدولة.
د- قيام التوزع حسب القاعدة القائلة " من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله" حيث يجعل لكل عامل نصيب من الإنتاج بالقدر الذي يتناسب مع عمله. ويلاحظ أن هذا المبدأ يتناقض مع مبدأاللاطبقية للمرحلة الاشتراكية نظراً لاختلاف طاقات الناس وكفاءاتهم وتنويع العمل ودرجة تعقيده. وحسب هذه القاعدة فقد سمحت الاشتراكية للفرد بتملك ثروات الاستهلاك ومنعته من تملك ثروات الإنتاج فيسمح له بتملك بيت للسكن ولكن لا يسمح له بتملك بيت للتأجير، كما يسمح له بتملك سيارة خصوصية ولكن لا يسمح له بتملك سيارة للأجرة. كما يمسح للشخص بامتلاك مزرعة خاصة به ولا يسمح له استخدام مزرعة لبيع إنتاجها. فالأفراد يسمح لهم امتلاك ما يستهلكون ولا يملكون أي شيء ينتج. خلاصة ذلك أن الاشتراكية ألغت الملكية الخاصة بالنسبة لثروات الإنتاج وأبقتها بالنسبة لثروات الاستهلاك.
وبنهاية مرحلة الاشتراكية تكون قد أوجدت المناخ الصالح لقيام المرحلة الشيوعية والتي تعتبر في نظر ماركس نهاية التطور البشري حيث يعيش الناس حياتهم المثالية...
2- المرحلة الشيوعية
وهي المرحلة الأخيرة من مراحل التطور التاريخي كما تعرضه الماركسية، فالشيوعية تحتفظ بالركن الأول من المرحلة السابقة وهو محو الطبقية وتقوم على أركان أخرى هي:
أ- محو السطلة السياسية وتحرير المجتمع من الحكومة بصورة نهائية. وذلك لأن الحكومة وليدة التناقض في الطبقات أما في المجتمع الشيوعي فلا حاجة للحكومة لعدم وجود الطبقات.
ب- محو الملكية الخاصة ليس في مجال الإنتاج فقط بل في مجال الاستهلاك أيضاً: ففي المرحلة السابقة اقتصر التأميم على وسائل الإنتاج الرأسمالية. أما الآن فلا ملكية خاصة إطلاقاً وقاعدة التوزيع هي " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" فأساس التوزيع هو الحاجة.
ثالثاًالاقتصاد الإسلامي (المذهب الإٍسلامي)
يقوم المذهب الإسلامي في الإسلام على ثلاثة أركان رئيسية هي:
1. مبدأ الأشكال المتعددة للملكية:
فالإسلام يخالف المذهب الرأسمالي الذي يتعتبر أن الملكية الخاصة هي القاعدة، كما يخالف المذهب الاشتراكي الذي يعتبر أن الملكية العامة هي القاعدة،وإنما يؤمن الإسلام بمبدأ الأشكال المتعددة الملكية ولا يعني ذلك أن الإسلام أخذ جانب من المذهب الرأسمالي وآخر من المذهب الاشتراكي "بل هذا التنوع قائم على أسس وقواعد فكرية معينة وموضوعة ضمن إطار عام من القيم والمفاهيم..."حيث ينظر إلى الملكية بأنها "حق رعاية يتضمن المسئولية وليست سلطاناً" . والإسلام يؤمن بثلاثة أنواع للملكية وهي
أ- الملكية الخاصة:
وقد أقر الإسلام للأفراد حق التملك " خذ من أموالهم صدقة" واعترف الإسلام بالتفاوت بين الناس في الملكية " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" والله فضل بعض على بعض في الرزق "كما أثبت الإسلام حق الإرث. وترتب على إقرار تدخل الدولة تدخلاً يقره الإسلام فأوجب على الغني تجاه الفقير نوعين من الواجبات:
الأولى: نابعة من الضمير تسوغها مفاهيم الأخوة الإسلامية " إنما المؤمنون أخوة"
الثانية: نابعة من التشريع الذي يوجب على الأغنياء دفع الزكاة للفقراء وهذه الزكاة ليست إحساناً نم الأغنياء على الفقراء إنما هي حق للفقير كما يقول تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".
ب- الملكية العامة:
حيث أن الإسلام أوجد للجماعة الحق في امتلاك بعض الثروات الطبيعية والمرافق مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار"
ج- ملكية الدولة:
فالإسلام يجعل للدولة الحق في امتلاك الأموال حتي تساهم بدورها في الحياة الاقتصادية وتقيم العدل الاجتماعي ويعتبر بيت المال في الدولة الإسلامية مملوكاً للدولة وكل موارده ملكاً لها باستثناء الزكاة لأن الدولة تقوم بجبايتها وتوزيعها على مستحيقها المحددين في القرآن.
والفرق بين الملكية العامة وملكية الدولة هو أن ملكية الدولة هي كل عين من أرض أو بناء تعلق بها حق لعامة المسلمية ولا تكون داخلة ضمن الملكية العامة، فملكية الدولة أعيان تقبل الملك الفردي كالأرض والبناء والأشياء المنقولة ولكن لما تعلق بها حق لعامة المسلمين صار تدبيرها والقيام على شؤونها متروكاً للدولة ومن أمثلة ملكية الدولة المعادن العد التي لا تنقطع كالبترول، الأعيان التي تكون طبيعتها تمنع الأفراد من الاختصاص بها، مثل الطرق العامة وما يلحق بها كالقطارات والسيارات والسكك الحديدية وشركات الكهرباء.
بالنسبة للملكية العامة فلا يحق للدولة أن تملكها لأحد لأنها ملك لعامة المسلمين فالخليفة يجب أن يمكن جميع الناس من الانتفاع بهذه الملكيات، أما ملكية الدول فيحق للخليفة أن يملك منه الأفراد حسب ما يراه.
2- مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود (الالتزام بالأحكام الشرعية)
حيث يسمح الإسلام للأفراد على الصعيد الاقتصادي بالحرية الاقتصادية بحيث لا يتجاوزون حدود الشرع أي أن الحرية الاقتصادية تكون محددة بالأحكام الشرعية وهذا التحديد على نوعين:
أ-التحديد الذاتي:
وهو ينبع من أعماق النفس المسلمة، ويستمد رصيده من المحتوى الفكري الناشئ في ظل التربية الإسلامية.
ب-التحديد الموضوعي:
وهو الذي يفرض على أفراد المجتمع الإسلامي بقوة الشرع مثل تحريم الربا والاحتكار حيث يقوم على أساس المبدأ الشرعي القائل: " لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة". فالإسلام من ناحية التحديد الموضوعي منع ممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية اليت تتعارض مع الإسلام كربا والاحتكار، كذلك سمح للدولة بالتدخل الاقتصادي لحماية المصالح العامة.
3- مبدأ العدالة الاجتماعية:
وهذا المبدأ يختلف عن المعنى التجريدي الذي تنادي به الكثير من المجتمعات فهو معنى حقيقي وواقعي حدث يوماً ما وله من الضمانات والمقومات التي يمكن من خلالها تجسيده إلى أرض الواقع
ومبدأ العدالة الاجتماعية يرتكز على نقطتين هما
أـ مبدأ التكافل العام:
وهذا المبدأ هو مسؤولية الأفراد حيث أن المجتمع الإٍسلامي هو مجتمع متضامن ومتكافل وهناك الكثير من النصوص الشرعية التي تحث على التكافل مثل قوله تعالى:" وآت ذا القرب حقه والمسكين وابن السبيل".
ومثل قوله عليه الصلاة والسلام " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. وقوله" المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" وقوله "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
كذلك هناك آيات قرآنية قرنت الإيمان برعاية المحتاجين والكفر بإهمال المحتاجين مثل قوله تعالى "ما سلككم في سقر قالوا يم نكـ من المصلين ولم نكـ نطعم المسكين "وقوله تعالى" أرآيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين..."
ب- مبدأ التوازن العام:
وهذا المبدأ هو مسؤولية الدولة فبالإضافة إلى الكفالة الواجبة على الأفراد فلابد كذلك للدولة المسلمة من إقامة التوازن العام. فالدولة مسؤولة عن تحقيق حد الكفاية "المستوى اللائق للمعيشة" لكافة أفراد المجتمع المسلم سواء كانوا مسلمين أو معاهدين. والمقصود بحد الكفاية إشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد يعيش في الدولة الإسلامية سواء كان مسلم أو معاهد والعمل بقدر الإمكان على إشباع الحاجات الكمالية لكل فرد يعيش في الدولة ومن النصوص اليت تلزم الدولة بتحقيق هذا المبدأ
1. آية الزكاة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليكم حكيم"
2. أما السنة النبوية فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصي عمال الزكاة بحمعها من الأغنياء ثم ترد بعد ذلك إلى الفقراء.
3. الواقع التاريخي للدولة الإسلامية يدل على أن الدولة كانت تجمع الخراج والجزية والعشور وتوزعها على مستحقيها
4. كذلك من حق الدولة الإسلامية فرض ضريبة على الأغنياء المسلمين إذا لم تكف موارد بيت المال العادية لسد احتياجات الفقراء والمحتاجين وتفرض هذه الضريبة في ضل الظروف الملحة والهامة جداً. كحالات الحروب والكوراث الطبيعية، فإذا انتهت هذه الظروف يتم إلغاء هذه الضرائب. وهي تعتبر. "إيرادات غير عادية".
بالإضافة إلى الأركان الرئيسية التي يرتكز عليها المذهب الاقتصادي في الإسلام هناك صفتان أساسيتان يتميز بهما الاقتصاد الإسلامي عن غيره وهما:
1. صفة الواقعية: فالاقتصاد الإسلامي واقعي من ناحيتين
أ- من حيث الغايات: فغاياته هي غايات تنسجم مع واقع الإنسانية بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة.
ب- من حيث الوسائل: فمن أجل تحقيق الغايات فالاقتصاد الإٍسلامي يعتمد على وسائل واقعية لتحقيق هذه الغايات فلا يكتفي بالنصح والإرشاد وإلقاء المواعظ وإنما يضع أساس تشريعي يضمن تحقيق الغايات.
2- صفة الأخلاقية: فالاقتصاد الإسلامي أخلاقي من ناحيتين
أ- من حيث الغايات: فهو أخلاقي في غاياته بخلاف الرأسمالية والماركسية.
ب- من حيث الوسائل: فوسائله كذلك أخلاقية تتفق مع المثل والقيم فعندنا الغاية لا تبرر الوسيلة.
الاقتصاد الإسلامي جزء من كل
كما لا يجوز فصل مسألة اقتصادية عن قضايا ومسائل الاقتصاد الأخرى، كذلك لا نستطيع أن نفصل الاقتصاد الإٍسلامي عن بقايا أجزاء المذهب الإٍسلامي الشامل سواء في الناحية العقائدية أو السياسية أو الاجتماعية أو الأخلاقية...إلخ
فالاقتصاد الإٍسلامي هو جزء من صيغة عامة لها أرضية خاصة.
وتتكون التربة أو الأرضية للمجتمع المسلم من العناصر الآتية:
1. العقيدة الإسلامية
2. المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء
3. العواطف والأحاسيس النابعة من المفاهيم
وسوف نبين هنا ارتباط الاقتصاد الاسلامي وتفاعله مع بعض العناصر الإسلامية:
1. ارتباط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة – فالعقيدة تخلق لدى المسلم أثناء نساطه الاقتصادي شعوراً بالاطمئنان النفسي كما أنها تعتبر مصدراً للتموين الروحي للمذهب الاقتصادي، فالطابع الإيماني والاطمئنان النفسي هو من أهم الخصائص التي يتميز بها الاقتصاد الاسلاميز
2. ارتباط الاقتصاد الإٍلامي بفاهيم الإٍسلام عن الكون والحياة، كالمفهوم الإسلامي عن الملكية الخصة فالإسلام يعتبر أن" الملكية حق يتضمن المسؤولية " وليست سلطانا مطلقاً. وهذا له أثره في مجرى الاقتصاد الإسلامي.
3. ارتباط الاقتصاد بما يبثه الإسلام في البيئة الإسلامية من عواطف وأحاسيس. كعاطفة الأخوة الإسلامية والتي تفجر في قلب المسلم حب الآخرين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم وهذه العواطف لها دور كبير في تكييف الحياة الاقتصادية وتساند المذهب فيما يستهدفه من غايات.
4. الارتباط بين المذهب الاقتصادي والسياسة المالية للدولة- فالسياسة المالية تعتبر جزءًا من المذهب لأنها إنما وضعت لتحقيق أهداف المذهب حيث تهدف فضلاً عن تمويل الدولة بالأموال إلى تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي.
5. الارتباط بين الاقتصاد الإسلامي والنظام السياسي في الإسلام: ذلك أن للسلطة السياسية صلاحيات اقتصادية واسعة وملكيات كبيرة، لذلك لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار نزاهة هذه السلطة وتمتعها بالشورى والعدالة.
6. الارتباط بين أحكام تحريم الربا والأحكام الإسلامية الأخرى كالمضاربة والتكافل العام والتوازن الاجتماعي ذلك أن تحريم الربا إذا درس مجردًا فإنه بسبب مشاكل التصادية خطيرة.
7. الارتباط بين بعض أحكام الملكية الخاصة في الاقتصاد الإسلامي وأحكام الجهاد التي تنظم علاقة المسلمين بغيرهم في حالات الحرب والأسرى والغنيمة.
8. الارتباط بين الاقتصاد الإسلامي والتشريع الجنائي في الإسلام: فقطع يد السارق تعتبر قاسية في المجتمع الرأسمالي. أما في المجتمع الإسلامي والذي يطبق فيه مبدأ العدالة الاجتماعية فإن هذا الحد لا يعتبر قاسيًا بعد أن يكون الاقتصاد الإسلامي قد وفر له أسباب الحياة الكريمة ومحا من حياته كل الدوافع التي تضطره إلى السرقة.
الاقتصاد الإسلامي ليس علمًا
الاقتصاد الإسلامي لا يزعم لنفسه الطابع العلمي كالمذهب الماركسي، كما أنه ليس مجردًا من أساس عقائدي معين ونظرة رئيسية إلى الحياة والكون كالمذهب الرأسمالي.
"ونعني بأن الاقتصاد الإسلامي ليس علمًا هو أن الإسلام دين نكفل من خلاله الدعوة لتنظيم الحياة الاقتصادية وتغيير الواقع الفاسد وتحويله إلى واقع سليم فهو ليس علمًا على نمط علم الاقتصاد السياسي، لأنه يدرس ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن أي أنه دعوة لتفسير الواقع وليس تفسيرًا للواقع أي أنه عملية تغيير للواقع وليس تفسيرًا موضوعيًا له.
* فالوظيفة المذهبية للاقتصاد الإسلامي هي الكشف عن الصورة الكاملة للحياة الاقتصادية وفقًا للتشريع الإسلامي ودرس الأفكار والمفاهيم الإسلامية التي تشع من وراء ذلك الصورة.
* أما الوظيفة العلمية للاقتصاد الإسلامي فيأتي دورها بعد ذلك لتكشف عن مجريات الحياة الاقتصادية وما تخضع له من قوانين في مجتمع إسلامي يطبعه المنهج الإسلامي بشموليته، فالباحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي يتخذ المذهب الاقتصادي قاعدة ثابتة للمجتمع ويحاول تفسير الأحداث الاقتصادية بناءً على هذه القاعدة.
هكذا فقط يمكن أن يتكون للاقتصاد الإسلامي علم أي بعد أن يدرس دراسة مذهبية شاملة ...
ولكن السؤال الآن ... متى وكيف ويمكن وضع علم الاقتصاد الإسلامي كما وضع الرأسماليون علم الاقتصاد السياسي؟
والجواب على ذلك هو:
أن التفسير العلمي لأحداث الحياة الاقتصادية يرتكز على أمرين
الأول: جمع الأحداث الاقتصادية من خلال التجربة الواقعية للحياة وتنظيم هذه الأحداث تنظيمًا علميًا ثم الكشف عن طبيعة القوانين التي تتحكم بها.
وهذا يتطلب تجسيد المذهب الاقتصادي في كيان واقعي. أي تطبيق الإسلام على أرض الواقع من خلال دولة إسلامية، وهذا الأمر غير متاح للاقتصاديين الإسلاميين ما دام الإسلام بعيدًا عن التطبيق في حياة الناس.
الثاني: البدء في البحث العلمي من مسلمات معينة تفترض افتراضًا، ثم على ضوء هذه المسلمات نخرج بنتائج وقوانين اقتصادية. ويمكن وضع هذه المسلمات والخروج بقوانين في ظل عدم تطبيق المذهب واقعيًا حيث نستنتج آثارها في ظل التطبيق المفترض للمذهب وليس التطبيق الواقعي ولكن هذه القوانين لا تعطي لنا بدقة المفهوم العلمي الشامل للحياة الاقتصادية لأنه يحدث هناك مفارقات بين الحياة الواقعية وبين التفسيرات النظرية.
* ومن هنا نستنتج أن علم الاقتصاد الإسلامي لا يمكن أن يولد ولادة حقيقية إلا إذا جسد المذهب الاقتصادي الإسلامي في كيان واقعي.
الفصل الثالث المشكلة الاقتصادية
تتفق جميع المذاهب الاقتصادية على وجود مشكلة في الحياة الاقتصادية- وكذلك فإنها تتفق على ضرورة علاج هذه المشكلة- ولكن هذه المذاهب تختلف في تحديد طبيعة هذه المشكلة وكذلك تختلف في طريقة معالجتها-
أولاً: المشكلة الاقتصادية في المذهب الرأسمالي
1. طبيعة المشكلة الاقتصادية في المذهب الرأسمالي:
تقوم المشكلة الاقتصادية في المذهب الرأسمالي على شقين أساسيين
أ- أن الإنسان له حاجات متعددة ومتجددة ومتوالدة يتوق إلى إشباعها.
ب- ندرة الموارد الاقتصادية الموجودة في الكون بحيث أن هذه الموارد لا تكفي لإشباع حاجات الإنسان المتعددة والمتجددة. والمقصود بالندرة هنا- هي الندرة النسبية وليست الندرة المطلقة.
2. الفرق بين المشكلة الاقتصادية والمشكلة التكنولوجية:
المشكلة التكنولوجية: هي إنتاج أكبر قدر من مورد معين واتباع أحدث الوسائل العلمية للحصول على هذا الإنتاج.
أما المشكلة الاقتصادية: فهي إنتاج أكبر قدر ممكن من الإنتاج بأقل تكلفة ممكنة من مورد معين فمثلاً إنتاج أكبر كمية من القطن من فدان من الأرض تعتبر مشكلة تكنولوجية حيث أن الأمر هنا يقتصر على مجرد الخبرة الفنية بينما إنتاج أكبر قدر ممكن من القطن بأقل تكلفة ممكنة يعتبر مشكلة اقتصادية فهنا لا بد من الموازنة بين الاحتمالات المختلفة لاستخدام المواد النادرة ذات الاستعمالات البديلة.
3. خصائص المشكلة الاقتصادية:
أ- الندرة: وهي من أهم الخصائص فلولا ندرة الموارد الاقتصادية لما نشأت أية مشكلة- والندرة هنا ندرة نسبية وليست مطلقة، فالموارد بصورة عامة متوفرة في الكون ولكن إذا ما قيست هذه الموارد بالحاجات الإنسانية الكثيرة والمتجددة فإنها تعتبر نادرة- أي نادرة بالنسبة للحاجة إليها.
ب- الاختيار: طالما أن الموارد الاقتصادية المتاحة لا تكفي لإشباع كل الحاجات الإنسانية فلا بد للإنسان أن يفاضل بين احتياجاته ورغباته فيختار من البداية إشباع الحاجات الهامة ثم الأقل أهمية وهكذا.
ج- التضحية: فطالما أننا اخترنا احتياج معين وقمنا بإشباعه فمعنى ذلك أننا ضحينا بحاجات أخرى في سبيل إشباع هذا الاحتياج. فمثلاً لو كانت لدينا قطعة أرض معينة لها أكثر من استخدام حيث يمكن استغلالها للزراعة أو للبناء أو لإقامة مشروع صناعي- فإذا استخدمناها للبناء فإنه سيكون على حساب الزراعة والمشروع الصناعي حيث ضحينا بهما في سبيل البناء.
4. عناصر المشكلة الاقتصادية:
يرى الاقتصاديون الرأسماليون أن المشكلة الاقتصادية يمكن تقسيمها إلى خمسة عناصر هي:
أ- تكوين سلم التفضيل الجماعي: "ماذا ننتج؟"
ونعني به ترتيب الحاجات الإنسانية حسب أهميتها وأولويتها فطالما أن الموارد الاقتصادية المتاحة لا تكفي لإشباع كافة الحاجات الإنسانية فمعنى ذلك أنه لا بد من ترتيب إشباع هذه الحاجات حسب أهميتها وأولويتها فيتم في البداية إشباع الحاجات الأساسية وبعد ذلك تشبع الحاجات غير الأساسية حسب توفر الموارد فمثلاً في البداية بيت السكن ثم غذاء ثم كساء ثم كماليات من سيارة أو ثلاجة ... إلخ
ب- تنظيم الإنتاج" "كيف ننتج؟"
إذا كانت المشكلة الاقتصادية تتمثل في ندرة الموارد المتاحة لإشباع الحاجات الإنسانية فلا بد من إيجاد وسيلة لاختيار أفضل الطرق لإنتاج ما تقرر إنتاجه حسب سلم التفضيل الجماعي وبمعنى آخر هنا- هو استخدام أحدث الطرق العلمية والتكنولوجية لإنتاج ما تقرر إنتاجه حسب سلم التفضيل الجماعي وذلك من أجل تحقيق أقصى إشباع ممكن للحاجات وبأقل التكاليف.
ج- توزيع الإنتاج: "لمن ننتج"
بعد أن يتم الإنتاج لا بد من اتباع طريقة معينة أو نظام محدد من أجل توزيع هذا الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية بما يضمن تحقيق أقصى إشباع لاحتياجات المجتمع.
د- الموازنة بين الاستهلاك والإنتاج في الفترة القصيرة:
حيث أن إنتاج بعض السلع يأخذ فترة طويلة ولذلك لابد من أن نوازن بين الاستهلاك في الفترة القصيرة وبين إنتاج هذه السلع خاصة السلع الزراعية حيث أن إنتاجها يكون موسمي وهذا يتطلب وجود وسيلة يتم فيها تنظيم استهلاك هذه السلع تكون متفقة مع الحجم الموجود فيها خلال فترة إنتاجها إذن (لابد من الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك- بحيث يكفي الإنتاج للاستهلاك)
هـ- كفالة النمو الاقتصادي في الفترة الطويلة:
في المجتمع الساكن تقتصر عناصر المشكلة الاقتصادية على العناصر الأربعة السابقة أما في المجتمع المتحرك الذي يتميز بزيادة عدد سكانه فإن المشكلة تفرض أن يكون هناك نمو اقتصادي في هذا المجتمع ليضمن تغطية احتياجات الزيادة في عدد سكانه وهذا يتطلب تنمية عوامل الإنتاج حتى تستطيع تلبية الاحتياجات المتزايدة لهذا المجتمع.
5. علاج المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي:
يعتمد النظام الرأسمالي في بنيته الاقتصادية على نظام المشروع الحر حيث يكون حافز الربح هو الدافع إلى الإنتاج ويتميز نظام المشروع الحر، بشرعية الملكية الخاصة، وبوجود المؤسسات الخاصة، وبأن الرقابة على الإنتاج تتم باستخدام جهاز الثمن وذلك بصورة آلية، وبالمنافسة الحرة، وبتدني دور الحكومة في النشاط الاقتصادي.
والنظام الرأسمالي يعتمد على جهاز الثمن في حل المشكلة الاقتصادية بعناصرها الخمسة التي مرت بنا، أما كيفية ذلك فيتم كما يلي:
أ- يقوم جهاز الثمن بتكوين سلم التفضيل الجماعي عن طريق ما يسمى "التصويت" في ساحة السوق فكل قرش يدفع لشراء سلعة معينة يكون بمثابة إعطاء صوت من جانب المشتري لإنتاج هذه السلعة ومن ثم وضعها في قائمة سلم التفضيل الجامعي – وعلى ذلك فإن السلع اليت يكون الطلب عليها كثير توضع في قائمة السلع باعتبارها من أهم السلع التي يجب إنتاجها، ويتم ذلك بصورة آليه عن طريق جهاز الثمن وبدون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
ب- أما تنظيم الإنتاج فإن جهاز الثمن هو الذي يتولى هذه العملية وذلك بما يتفق وسلم التفضيل الجماعي، فجهاز الثمن هو الذي يضع السلعة في رأس القائمة وهو الذي يتولى تنظيم إنتاجها بما يحقق أقصى ربح ممكن وبأقل التكاليف – فجهاز الثمن هو الذي يوفر عناصر الإنتاج والمستخدمة في العملية الإنتاجية (التنظيم، رأس المال، العمل، الأرض) وعائد هذه العناصر وذلك بما يحقق أقصى ربح بأقل التكاليف.
ج- كذلك فإن جهاز الثمن يحل مشكلة توزيع الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية، بمقدار ما يملكه الفرد من ثمن ثم يأخذ من إنتاج البلاد.
د- كذلك جهاز الثمن يوازن بين العرض الثابت من إنتاج السلع وبين الطلب على هذه السلع في الفترة القصيرة "الاستهلاك" حيث أن حركة الإثمان كفيلة بالقيام بهذه الموازنة فإذا ترك الأفراد أحرار يتنافسون في الحصول على هذه السلع ذبلت العرض الثابت بسبب في ارتفاع أثمانها مما يجعلها قاصرة على القادرين على دفع هذه الأثمان المرتفعة وهذا يعني أن الكمية المطلوبة منها ستقل حتى تتوازن مع الكميات المعروضة.
هـ- ويساهم جهاز الثمن في حل مشكلة النمو الاقتصادي
فالنمو الاقتصادي يحتاج إلى زيادة الاستثمار، والاستثمار يحتاج إلى التمويل، والتمويل يحتاج إلى مدخرات من أجل تمويل الاستثمارات، وسعر الفائدة هو الذي يساهم في زيادة المدخرات إذا كان مرتفعاً، ومعنى ذلك أن جهاز الثمن هو الذي يساهم في كفالة النمو الاقتصادي حيث يقوم بمكافأة الذين بمتنعون عن الاستهلاك بإعطائهم فائدة على مدخراتهم وتزيد هذه المدخرات كلما كان سعر الفائدة مرتفع. وبذلك يستطيع النظام الاقتصادي عن طريق آلية جهاز الثمن حل عناصر المشكلة الاقتصادية، معنى ذلك أن من أجل أن يقوم جهاز الثمن بدوره لابد من وجود سوق المنافسة الكاملة كشرط أساسي وهذا يستحيل تحقيقه في الواقع الاقتصادي الرأسمالي.
6- عيوب النظام الرأسمالي: "الانتقادات الموجهة إليه في علاجه للمشكلة الاقتصادية"
أ- يعتبر النظام الرأسمالي أن المقرر الرئيسي للإنتاج هو الطلب النقدي – مما قد يسبب إنتاج السلع الكمالية وإهمال إنتاج السلع الأساسية لعدم امتلاك أصحابها للطلب النقدي "القوة الشرائية" وبدافع الربح. وهذا يؤدي في النهاية إلى ظهور أٌلية مليونيرات يعيشون في ترف وبذخ استفزازي ويعملون على زيادة التضخم وانتشار السلع الكمالية والترفيه، بينما الأكثرية الكادحة تعاني في معيشتها وبعضها يسحقها الحرمان والفقر المدفع.
ب- يفترض النظام الرأسمالي وجود المنافسة الكاملة مع عدم و جود ما يضمن استرارها وذلك لتكل المنتجين على شكل احتكارات.
ج- من عيوب النظام الرأسمالي كذلك أنه قرر أن الأفراد الذين لا يساهموا في العملية الإنتاجية "لا يمتلكون ثمناً" لا يحصلوا على نصيب من التوزيع للإنتاج، وبذلك يكون النظام الرأسمالي قد قرر أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادراً عنلى المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، أما من كان عاجزاً عن ذلك لأنه خلق ضعيفاً أو لأن ضعفاً طرأ عليه فلا يستحق الحياة لأنه لا يستحق أن ينال من ثروة البلاد ما يسد احتياجاته جسمه أو في علقه وكان أقدر من غيره عنلى الحياة بأي طريق من الطرق.
د- جعل جهاز الثمن هو أساس التوزيع يؤدي في المحطة إلى تكتل الثروة في أيدي أقلية مليونيرات مما يسبب في سيطرتهم وتقوية نفوذهم السياسي.
ثانياً: المشكلة الاقتصادية في الاشتراكية
1- طبيعة المشكلة الاقتصادية عند الاشتراكيين
يرى الماركسيون أن المشكلة الاقتصادية تتمثل في التناقض بين شكل الإنتاج الجماعي وعلاقات التوزيع الفردية، ومتى تم الوفاق بين هذا الشكل وتلك العلاقات يسود الاستقرار في الحياة الاقتصادية ولا توجد مشكلة اقتصادية، فماركس يرى أن النظام الرأسمالي يتعرض للمشاكل الاقتصادية بسبب أن شكل الإنتاج جماعي حيث أن الجميع يعملون وينتجون بينما علاقات التوزيع فردية حيث أن الذي يتولى التوزيع هو جهاز الثمن أو بعبارة أخرى أصحاب الملكيات الخاصة من ملاك الثروات وأرباب الأعمال- وبالتالي فإن العمال لا يأخذون نصيبهم الحقيقي من الإنتاج بل يحصلون فقط على حد الكفاف ويأخذ الرأسماليون فائض القيمة.
2. علاج المشكلة الاقتصادية كما يرى الاشتراكيون:
وتزول المشكلة الاقتصادية إذا زال التناقض بين شكل الإنتاج الجماعي وعلاقات التوزيع الفردية عن طريق تحول نظام التوزيع إلى نظام جماعي حيث تحل الملكية العامة محل الملكية الخاصة وتتملك الدولة جميع وسائل الإنتاج وتديرها وتقوم هذه الدولة أو هيئة مركزية تابعة لها بحل عناصر المشكلة الاقتصادية الخمسة الموجودة في النظام الرأسمالي عن طريق وضع الخطط الاقتصادية، إذن الدولة أو الجهاز الإداري المركزي تحل إحلالاً تامًا وكاملاً محل جهاز الثمن. فالدولة هي التي تحدد كميات الإنتاج ونوعيته وتختار لذلك الطرق والأساليب الفنية في الإنتاج وكذلك فإنها تقوم بتوزيع الإنتاج على الذين ساهموا في العملية الإنتاجية وتعمل على الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك في الفترة الزمنية القصيرة كذلك تعمل على كفالة النمو الاقتصادي في المجتمع.
3. عيوب النظام الاشتراكي:
أ- ضخامة الجهاز الإداري وما يسببه من مشاكل الروتين والبيروقراطية.
ب- إلغاء شخصية الفرد وما يترتب عليها من إهدار الحريات لأن هذا النظام لا يعترف إلا بالحاجات المادية أما الحاجات غير المادية فلا يعترف بها.
ثالثًا: المشكلة الاقتصادية كما يراها الإسلام:
1. طبيعة المشكلة الاقتصادية كما يراها الإسلام:
لا يتفق الإسلام مع الرأسمالية في أن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة ندرة الموارد الطبيعية، ولا يتفق مع الاشتراكية في أن المشكلة ناتجة عن التناقض بين شكل الإنتاج الجماعي وعلاقات التوزيع الفردية.
ولكن الإسلام يقرر أن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الإنسان نفسه وهذا ما يقرره القرآن الكريم في آياته ففي سورة إبراهيم يقول الله تعالى: "الله الذي خلق السموات والأرض وأنماوال من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم والفلك تجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار".
فهذه الآية القرآنية تبين أن نعم الله كثيرة ولكن الإنسان هو الذي يسبب لنفسه المشاكل .. فالمشكلة الاقتصادية تحدث نتيجة لظلم الإنسان وكفرانه "إن الإنسان لظلوم كفار".
وظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي يتجسد في سوء التوزيع وجعل الأموال دولة بين الأغنياء والتعامل بالربا والاحتكار وانتشار الفقر والحرمان.
وكفران الإنسان للنعمة يتجسد في إهماله لاستثمار الطبيعة وعدم الاستفادة من الخيرات وقعود الإنسان عن إعمار هذه الأرض حيث أضاع الوقت في اللهو والعبث بعيدًا عن مجال العمل والإنتاج.
3. علاج الإسلام للمشكلة الاقتصادية:
عالج الإسلام المشكلة الاقتصادية عن طريق:
أ- إزالة الظلم في توزيع الإنتاج:
حيث يمتاز جهاز التوزيع في الإسلام باعتماده على عدة أدوات في التوزيع تكفل عدم حدوث الظلم في الناحية الاقتصادية. ويتكون جهاز التوزيع في الإسلام من ثلاث أدوات هي:
1. العمل: وهو أهم أداة من أدوات التوزيع في الإسلام، فالعمل هو سبب الملكية حيث أن العمل سبب لتملك العامل للمادة وليس سببًا لقيمتها كما قالت الاشتراكية.
2. الحاجة: حيث يمكن تقسيم أفراد المجتمع إلى ثلاث فئات:
أ. فئة قادرة على العمل وإشباع حاجاتها الأساسية والكمالية عن طريق العمل.
ب. فئة قادرة على العمل وإشباع حاجاتها الضرورية فقط عن طريق هذا العمل.
ت. فئة لا تستطيع أن تعمل لضعف بدني أو عاهة عقلية. وهذه الفئة لا تستطيع إشباع حاجاتها الضرورية ولا الكمالية.
فالفئة الأولى: تعتمد على العمل في كسب نصيبها من التوزيع بوصفه أساسًا للملكية و أداة رئيسية للتوزيع فيحصل الفرد في هذه الفئة على حظه من التوزيع حتى وإن زاد عن احتياجاته طالما يكسبه بطريق مشروع وينفق ما يجب عليه منه. أما الفئة الثانية فإنها تعتمد على العمل في سد احتياجاتها الضرورية وتعتمد على الحاجة في زيادة دخلها وإشباع الحاجات الكمالية لها وتقوم الدولة بهذا الواجب.
أما الفئة الثانية: فإنها تعتمد على الحاجة في إشباع حاجاتها الضرورية والكمالية أيضًا. والجدير بالذكر أن الدولة الإسلامية يقع على عاتقها سد حاجات الأفراد وتوزيع الثروة على مستحقيها ممن لا يعملون أو ممن لا يكفي عملهم عملهم إلا لإشباع حاجاتهم الضرورية فقط فالدولة الإسلامية ملزمة بإشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد يعيش تحت راية الدولة الإسلامية سواء كان مسلم أو ذمي كما أنها ملزمة بالعمل قدر المستطاع على إِشباع حاجات هذا الفرد الكمالية. وهناك الكثير من التشريعات الإسلامية التي تنص على ضرورة توزيع الثروة على المحتاجين ممن لا يعملون أو ممن يستحقونها كقوله تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"فالزكاة مثلاً هي حق للفقير وليس منة من الأغنياء على الفقراء.
إن أساس التوزيع في الاقتصاد الإسلامي هو ضمان حد الكفاية "المستوى اللائق للمعيشة" وليس ضمان حد الكفاف "المستوى الأدنى للمعيشة" فالذي يستطيع عن طريق العمل أن يوفر لنفسه حد الكفاية كان بها، والذي لا يستطيع أن يأتي دور الحاجة بعد ذلك.
3. الملكية الخاصة: وتعتبر الملكية الخاصة أداة ثانوية للتوزيع:
فالإسلام سمح بظهور الملكية الخاصة وسمح بتنميتها عن طريق النشاطات التجارية التي سمح بها الإسلام ضمن شروط خاصة لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة الاجتماعية.
ت- أما من ناحية كفران النعمة فالإسلام كفل معالجة هذا الجانب بأن دعى إلى تنمية الإنتاج وأكد على ضرورة إعمار هذه الأرض باعتبار الإنسان خليفة فيها "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها". وقد وضع الإسلام الوسائل المختلفة لتنمية الإنتاج ومنها:
a. الحض على العمل: وقد وردت نصوص كثيرة تحض على العمل اليدوي والزراعة والتجارة مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده". وقول عليه السلام: "إذا قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها".
b. وسائل الإسلام التشريعية لتنمية الإنتاج:
- انتزاع الأرض من صاحبها إذا عطلها أو أهملها حتى خربت وامتنع عن إعمارها فلا يجوز أن يعطل دور الأرض الإيجابي في الإنتاج.
- منع الإسلام للحمى: حيث أن الإسلام لا يجيز السيطرة على الأرض العامرة بالقوة وحمايتها دون ممارسة العمل لإحيائها واستثمارها.
- حرم الإسلام الاكتناز لأنه يؤدي إلى تجميد الأموال.
- حرم الإسلام الفائدة وألغى رأس المال الربوي وبذلك ضمن تحول رأس المال إلى رأس مال منتج يساهم في العملية الإنتاجية.
- منع تركز الأموال والثروات في أيدي قلة من الناس (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).
- تحريم اللهو والمجون وصرف الجهد إلى الإنتاج والعمل الحقيقي المثمر.
c. الاستقامة:
فقد ربط الإسلام تنمية الإنتاج وزيادته بالاستقامة على أمر الله والطاعة لله وعبادته حق العبادة. لذلك يقول تعالى: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا". وأيضًا: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا".
وينذر الله تبارك وتعالى الظالمين والخارجين عن شرع الله بالذل والفقر حيث يقول: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ...."
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام