المحاضرة السادسة عشر: نظرية الحرية ( النظرية الليبرالية )
1 - الجذور التاريخية للنظرية:
تعود هذه النظرية بشكل أساسي إلى عصر النهضة الأوروبية وبالتحديد القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، إذ بلور عدد من المفكرين الأوروبيين كثيرا من المبادئ التي تحدت الأفكار السلطوية التي سادت حتى بداية النهضة الأوروبية، وكان من أبرزهم المفكر الانجليزي جون ميرتون الذي كتب عام 1664 يقول:" إن حرية النشر بأي واسطة، ومن قبل أي شخص، مهما كان اتجاهه الفكري حق من الحقوق الطبيعية لجميع البشر، ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر ".
- أما جون لوك فقد عرف الحرية بأنها " الحق في فعل أي شيء تسمح به القوانين ".
وكان لوك قد قدم إلى البرلمان الانجليزي عام 1665 بيان هاجم فيه تقييد حرية الصحافة، واضطر البرلمان في ذلك الوقت إلى إلغاء قانونه بفرض الرقابة الوقائية على الصحف.
ولم يتحقق الانتصار الأول للنظرية الليبرالية على النظرية السلطوية إلا خلال القرن الثامن عشر حين أصدر البرلمان البريطاني قرارا أكد على حضر أية رقابة مسبقة على النشر، كما أباح للأفراد إصدار الصحف من دون الحصول على تجديد من السلطة. وقد جاء هذا التعاون نتيجة لأفكار المفكر الانجليزي بلاكستون الذي أكد أن حرية الصحافة ضرورية لوجود الدولة الحرة، وذلك يتطلب عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، ولكن يمكن أن يتعرض الصحفي للعقاب بعد النشر إذا تضمن هذا النشر جريمة، و:ل إنسان حر أن ينشر ما يشاء على الجمهور، ومنع ذلك يعد تدميرا لحرية الصحافة.
- أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاء الدستور الأمريكي ليحضر بشكل كامل تدخل الدولة في مجال حرية الصحافة إذ نص على أنه يحضر على الكونغرس أن يصدر أي قانون يقيد حرية التعبير والصحافة.
وعموما فإن ظهور نظرية الحرية هذه كان نتاج ثلاث عوامل رئيسية هي:
1- العامل السياسي: الذي جعل من قضية حرية الصحافة مشكل سياسي بالدرجة الأولى لارتباط وسيلة الإعلام (الصحافة) للتعبير عن الرأي العام الذي قد يتناقض مع سياسة الحكام.
2- العامل الفلسفي: كانت الفلسفة تربة خصبة لظهور نظرية حرية الإعلام، في أحضان الفلسفة وجدت الحرية ملجأها و مربيا نصوحا لنشاطها ولفطامها، وقد كان الحكام الأوروبيون في القرن الأول في العصر الحديث يخافون من حرية الطبع والنشر كما ذكرنا، وكان موقفهم هذا يجعلهم في حالة يصطدمون بالكتاب والفلاسفة الذين هم أكثر لجوءا إلى فوائد المطبعة والنشر، وعلى هذا الأساس توجهت جهودهم إلى المطالبة بحرية الطبع والنشر، وأظهروا استيائهم من الإجراءات التي كان الحكام يتخذونها ضد حرية التعبير، بما في ذلك الصحافة، وألفوا كتبا ومقالات تتضمن هذه المطالب، وتطبع وتنشر بصفة سرية، ففي سنة 1644 وجه الفيلسوف الشاعر الانجليزي ميرتون نداء حار يطالب فيه بحرية التعبير، وصار هذا النداء بعد ذلك مرجعا لكل الفلاسفة والسياسيين، وكان له بذلك أثر كبير على الأوساط المختلفة التي كان يتكون منها المجتمع الانجليزي.
3- العامل الاقتصادي: إن العامل الاقتصادي يلعب دورا كبيرا في تحقيق نظرية حرية الإعلام، إذ كانت النهضة الاقتصادية التي عرفتها انجلترا في القرنين الثامن والتاسع عشر مثالا حيا لفائدة الحرية في المجتمع، كما كان يطالب بذلك الفلاسفة، والمعلوم أن النهضة الاقتصادية انطلقت من لآراء ريكاردو الذي يقول أن حرية العمل شرط أساسي لازدهار النشاط الاقتصادي في المجتمع.
وبالتالي فحرية العمل مرتبطة بحرية التعبير وخصوصا بحرية الصحافة، وهو ما كان بالفعل حيث عرفت أوروبا في بداية القرن التاسع عشر ازدهار ا كبيرا في ميدان الصحافة باعتبارها نشاط اقتصاديا حيويا خصوصا مع تطور الطباعة و النشر.
2 - مبادئ وأسس نظرية الحرية:
لقد حدد المفكر الإعلامي السويدي دينيس ماكويل العناصر الرئيسية لنظرية الحرية فيما يلي:
- إن النشر يجب أن يتحرر من أية رقابة مسبقة.
- إن مجال النشر و التوزيع يجب أن يكون مفتوحا لأي شخص أو جماعة من دون الحصول علي رخصة مسبقة من الحكومة.
- إن النقد الموجه لأية حكومة أو حرب سياسي أو مسؤول رسمي يجب ألا يكون محلا للعقاب حتى بعد النشر.
- ألا يكون هناك أي نوع من الإكراه أو الإلزام بالنسبة للصحفي.
- عدم وجود أي نوع من القيود علي جميع المعلومات ونشرها بالوسائل القانونية.
- يجب أن يتمتع الصحفيون بالاستقلال المهني داخل مؤسساتهم الصحفية.
- أهداف الإعلام في هذه النظرية الإخبار و الترفيه والترويج لبيع السلع وأيضا المشاركة في اكتشاف الحقيقة و ومراقبة أنشطة الحكومة.
- تحرم التشهير والإخلال بالقيم الأخلاقية السائدة والأنشطة التخريبية في زمن الحرب.
لقد أسهمت كل هذه المبادئ في تحرير الصحافة من سيطرة الدولة وحررتها من الكثير من القيود التي كانت مفروضة عليها من طرف السلطة واستطاعت دول الشمال ( أوربا الولايات المتحدة الأمريكية ) أن تتمتع خلال القرن التاسع عشر و حتى منتصف القرن العشرين بقدر كبير من التعددية و التنوع في مجال الصحافة و استطاعت بذلك أن تدير في هذه المجتمعات مناقشات حرة بين كافة الاتجاهات السياسية وأن تنقل هذه المناقشات إلي الجماهير وهو ما أسهم كثيرا في تقدم هذه المجتمعات وزيادة حيويتها .
3 - النظام الإعلامي الحر ( الليبرالي ):
إن النظام الإعلامي الليبيرالي في الحقيقة هو نمط الإعلام كأداة للرقابة على السلطة وهذا الدور الرقابي للإعلام على السلطة ارتبط بانتصار الليبرالية كفلسفة وأسلوب حياة في غرب أوربا و في الولايات المتحدة الأمريكية لم يتحقق مرة واحدة وإنما نما وتطور حسب تطور مسار الصراع الاجتماعي والسياسي لصالح الليبرالية في المجتمع الغربي ثم في غيره من مناطق العالم طوال القرنين التاسع عشر والعشرين .
والنظام الإعلامي الحر شأنه شأن الفلسفة الليبرالية يدين لأفكار وفلسفات العديد من المفكرين والكتاب مثل ( ج. ج. روسو، مونتسكيو و فولتير من فرنسا، جون استيوارت مل و جون لوك من انجلترا، جون ميلتون و توكفيل من الولايات المتحدة الأمريكية ) وغيرهم.
ويقوم النظام الإعلامي الليبرالي على عدة مبادئ نذكر منها:
1- حق المواطن في أن يعرف حق طبيعي، وكي يمارس المواطن هذا الحق الطبيعي لابد لوسائل الإعلام أن تتمتع بحريتها كاملة دون أية قيود تأتي من خارجها.
2- إن احتكار المعرفة في وسيلة إعلام واحدة أو في عدة وسائل ذات اتجاه واحد يؤدي بالضرورة إلى تحريف الحقائق وتشويشها، في حين أن تعدد مصادر المعرفة بتعدد وسائل الإعلام ذات الاتجاهات المتباينة كفيل بالكشف عن أي تحريف أو تلوين للحقائق.
3- لأي مواطن أو جماعة الحق في إصدار ما تشاء من وسائل الإعلام ما دامت قادرة على ذلك، دون الحاجة لربط هذا الحق بتصريح من السلطة الحاكمة.
4- حق المواطن في التعبير عن رأيه عن طريق إصدار وسائل الإعلام أو العمل فيها لا يتحقق إذا فرض على هذه الوسائل أي لون من ألوان الرقابة وأن أي تجاوز تقع فيه وسائل الإعلام هو من شأن القضاء وحده.
4 - نماذج عن النظام الإعلامي الليبرالي:
- في فرنسا: لم تنل الصحافة حريتها إلا في نهاية القرن الثامن عشر بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789 حين ظهر العديد من الصحف التي لم تخضع لأي رقابة حكومية، ثم تأكدت حرية الصحافة الفرنسية بعد إعلان الثورة، لحقوق الإنسان في 17 جويلية 1789 حيث نص هذا الإعلان على مبدأ حرية الصحافة، لكن لم تلبث أن فقدت الصحافة الفرنسية هذه الحرية في عهد الإرهاب و في ظل حكومة الإدارة ثم في عهد الإمبراطورية، حتى وبعد عودت الملكية عقب سقوط بونابارت، وقد ظلت الصحافة الفرنسية تعمل لاستعادة حريتها قرابة خمس وستين عاما حتى نجحت في ذلك بصدور قانون 9 جوان 1881 الذي جاء بنظام شامل للطباعة والصحافة، وأبرز ما فيه حماية حرية النشر والتعبير الصحفي، كما أنه يحرم على السلطات الحكومية استعمال أية أساليب تحول دون تمتع الصحف بحريتها، ولم يضع على الصحف أي نوع من أنواع الرقابة إلا فيما يتعلق بالأمور العسكرية.
- في الولايات المتحدة الأمريكية: لقد تمتعت الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية بحرية نسبية منذ استقلالها وهو ما يظهر جليا في البند 12 من التصريح بالحقوق لدولة فرجينيا الذي وضع سنة 1776 الذي يقول:" إن حرية الصحافة حصن منيع للحرية ولا يضطهدها إلا الحكم المستبد..."
ثم تدعمت هذه الحرية بموجب التعديل الدستوري لعام 1791 مما أتاح للصحافة الأمريكية إمكانية لعب دورها كأداة للرقابة على أعمال السلطة.
- أما الإعلام الإذاعي والتلفزيوني فقد نشأ في دول غرب أوروبا الليبرالية وفي الولايات المتحدة الأمريكية في وقت كانت فيه الصحافة المكتوبة قد حققت شوطا طويلا في الحصول على حريتها لذلك فقد تمتع الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في غالبية دول غرب أوروبا بحرية كبيرة بعيدا عن الرقابة من السلطة ومحاسبتها، حدث ذلك رغم أن ملكية الخدمات الإذاعية والتلفزيونية ظلت في عدد من دول غرب أوروبا ملكية عامة مثل ( فرنسا، انجلترا ) لم تسمح هذه الدول بالملكية الخاصة للإعلام الإذاعي والتلفزيوني عكس الولايات المتحدة الأمريكية إلا مع بداية السبعينات من القرن العشرين، ولكن هنا لابد أن نشير أن هذه الدول تأخذ بفكرة الفصل بين ملكية الدولة للخدمات الإذاعية والتلفزيونية وبين سيطرة الدولة على هذه الخدمات.
5 - نقد النظرية الحرية ( نظرية الليبرالية ):
بالرغم أن الفلسفة الليبرالية الإعلامية كانت مبنية على حق كل فرد في الحصول على المعلومة من مصدرها بحرية، وحقه في توصيل آرائه إلى الآخرين إيمانا بأن النظام الإعلامي الليبرالي يمثل سوق حرة للأفكار، إلا أن السؤال الجوهري الذي واجه فلاسفة هذه النظرية هو: ما هي حدود الحرية في ظل مجتمع ديمقراطي يرفض انتهاك الأفكار والمبادئ الليبرالية؟ أو كيف يحافظ الغرب على المبدأين الأساسيين لمفهوم حرية وسائل الإعلام وهما:
أولا منع التدخل الحكومي أيا كان شكله وفي الوقت نفسه المحافظة على حماية المجتمع من هذه الحرية.
والثاني هو أن يكون القضاء هو صاحب السلطة في رقابة الإعلام دون أن يسمح القانون بإنقاص الحرية الممنوحة للإعلام.
هذا السؤال فتح الباب على مصرعيه للكثير من الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية، خصوصا من طرف أنصار المذهب الماركسي وهذا طبعا بعد التطبيقات الفعلية للنظام الإعلامي الليبرالي في أرض الواقع قبل وبعد الحربين العالميتين، ومن جملة هذه الانتقادات نذكر مايلي:
1 - تحول الإعلام إلى مجرد دعاية ومزايدات دعائية وهو ما أكدته الحرب العالمية الثانية، أين كان الصراع بين الدول والعداء الأيديولوجي الحاد من أجل السيطرة والهيمنة، وهو الأمر نفسه الذي تكرر فيما بعد أثناء الحرب الباردة.
2 - الممارسة الإعلامية تحت شعار الحرية أصبحت تعرض الأخلاق العامة للخطر.
3 - اقتحام وسائل الإعلام لحيات الأفراد الخاصة دون مبرر، وهذا طبعا تحت غطاء (حرية الإعلام والتعبير).
4 - انتشار الصحافة وتحولها إلى مؤسسات ضخمة تسيطر عليها مجموعات مالية واقتصادية عملاقة، أدى إلى تآكل النافسة الحرة وتقوية الاتجاه المتحرك نحو التحكم في الإنتاج الصحفي. أي أن الإعلام أصبح يحقق أهداف الأشخاص الذين يملكون المؤسسات الإعلامية على حساب مصالح المجتمع.
5 - بخضوع وسائل الإعلام إلى سيطرة أصحاب النفوذ المادية أصبح تدخل المعلنين مشروعا في السياسات التحريرية للصحف والوسائل الإعلامية.
6 - مبالغة وسائل الإعلام في الأمور التافهة من اجل الإثارة وتسويق المادة الإعلامية الجديدة (هدف الإعلام اقتصادي هو تحقيق الربح).
7 - إهمال قيمة جمهور وسائل الإعلام الذي أصبح حسب وسائل الإعلام الخاضعة للنظام الإعلامي الليبرالي، أصبح ينظر إليه على أنه مستهلك، وهذا بطبيعة الحال غاية النظام الرأسمالي القائم على مبدأ الربح (إسقاط الإعلام وإخضاعه لقوانين السوق الاقتصادية الرأسمالية).
وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات الموجهة للنظرية الليبرالية إلا أنها تبقى (الحرية) مطلب وشرط أساسي في الممارسة الإعلامية، وهذا طبعا دون تجاوز ما تسمح به حدود وأعراف المجتمعات كل على حدا، أي الأخذ بمبدأ حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الآخرين، أو بمعنى آخر فحرية الإعلام يجب أن تخضع إلى قوانين تؤطرها حتى لا تخرج عن معناها الحقيقي وتصبح فوضى إعلامية واجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطور التاريخي لمفهوم حرية الصحافة
http://www.pressliberty.4t.com/HTML_FILES/1-1-1.htm
1 - الجذور التاريخية للنظرية:
تعود هذه النظرية بشكل أساسي إلى عصر النهضة الأوروبية وبالتحديد القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، إذ بلور عدد من المفكرين الأوروبيين كثيرا من المبادئ التي تحدت الأفكار السلطوية التي سادت حتى بداية النهضة الأوروبية، وكان من أبرزهم المفكر الانجليزي جون ميرتون الذي كتب عام 1664 يقول:" إن حرية النشر بأي واسطة، ومن قبل أي شخص، مهما كان اتجاهه الفكري حق من الحقوق الطبيعية لجميع البشر، ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر ".
- أما جون لوك فقد عرف الحرية بأنها " الحق في فعل أي شيء تسمح به القوانين ".
وكان لوك قد قدم إلى البرلمان الانجليزي عام 1665 بيان هاجم فيه تقييد حرية الصحافة، واضطر البرلمان في ذلك الوقت إلى إلغاء قانونه بفرض الرقابة الوقائية على الصحف.
ولم يتحقق الانتصار الأول للنظرية الليبرالية على النظرية السلطوية إلا خلال القرن الثامن عشر حين أصدر البرلمان البريطاني قرارا أكد على حضر أية رقابة مسبقة على النشر، كما أباح للأفراد إصدار الصحف من دون الحصول على تجديد من السلطة. وقد جاء هذا التعاون نتيجة لأفكار المفكر الانجليزي بلاكستون الذي أكد أن حرية الصحافة ضرورية لوجود الدولة الحرة، وذلك يتطلب عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، ولكن يمكن أن يتعرض الصحفي للعقاب بعد النشر إذا تضمن هذا النشر جريمة، و:ل إنسان حر أن ينشر ما يشاء على الجمهور، ومنع ذلك يعد تدميرا لحرية الصحافة.
- أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاء الدستور الأمريكي ليحضر بشكل كامل تدخل الدولة في مجال حرية الصحافة إذ نص على أنه يحضر على الكونغرس أن يصدر أي قانون يقيد حرية التعبير والصحافة.
وعموما فإن ظهور نظرية الحرية هذه كان نتاج ثلاث عوامل رئيسية هي:
1- العامل السياسي: الذي جعل من قضية حرية الصحافة مشكل سياسي بالدرجة الأولى لارتباط وسيلة الإعلام (الصحافة) للتعبير عن الرأي العام الذي قد يتناقض مع سياسة الحكام.
2- العامل الفلسفي: كانت الفلسفة تربة خصبة لظهور نظرية حرية الإعلام، في أحضان الفلسفة وجدت الحرية ملجأها و مربيا نصوحا لنشاطها ولفطامها، وقد كان الحكام الأوروبيون في القرن الأول في العصر الحديث يخافون من حرية الطبع والنشر كما ذكرنا، وكان موقفهم هذا يجعلهم في حالة يصطدمون بالكتاب والفلاسفة الذين هم أكثر لجوءا إلى فوائد المطبعة والنشر، وعلى هذا الأساس توجهت جهودهم إلى المطالبة بحرية الطبع والنشر، وأظهروا استيائهم من الإجراءات التي كان الحكام يتخذونها ضد حرية التعبير، بما في ذلك الصحافة، وألفوا كتبا ومقالات تتضمن هذه المطالب، وتطبع وتنشر بصفة سرية، ففي سنة 1644 وجه الفيلسوف الشاعر الانجليزي ميرتون نداء حار يطالب فيه بحرية التعبير، وصار هذا النداء بعد ذلك مرجعا لكل الفلاسفة والسياسيين، وكان له بذلك أثر كبير على الأوساط المختلفة التي كان يتكون منها المجتمع الانجليزي.
3- العامل الاقتصادي: إن العامل الاقتصادي يلعب دورا كبيرا في تحقيق نظرية حرية الإعلام، إذ كانت النهضة الاقتصادية التي عرفتها انجلترا في القرنين الثامن والتاسع عشر مثالا حيا لفائدة الحرية في المجتمع، كما كان يطالب بذلك الفلاسفة، والمعلوم أن النهضة الاقتصادية انطلقت من لآراء ريكاردو الذي يقول أن حرية العمل شرط أساسي لازدهار النشاط الاقتصادي في المجتمع.
وبالتالي فحرية العمل مرتبطة بحرية التعبير وخصوصا بحرية الصحافة، وهو ما كان بالفعل حيث عرفت أوروبا في بداية القرن التاسع عشر ازدهار ا كبيرا في ميدان الصحافة باعتبارها نشاط اقتصاديا حيويا خصوصا مع تطور الطباعة و النشر.
2 - مبادئ وأسس نظرية الحرية:
لقد حدد المفكر الإعلامي السويدي دينيس ماكويل العناصر الرئيسية لنظرية الحرية فيما يلي:
- إن النشر يجب أن يتحرر من أية رقابة مسبقة.
- إن مجال النشر و التوزيع يجب أن يكون مفتوحا لأي شخص أو جماعة من دون الحصول علي رخصة مسبقة من الحكومة.
- إن النقد الموجه لأية حكومة أو حرب سياسي أو مسؤول رسمي يجب ألا يكون محلا للعقاب حتى بعد النشر.
- ألا يكون هناك أي نوع من الإكراه أو الإلزام بالنسبة للصحفي.
- عدم وجود أي نوع من القيود علي جميع المعلومات ونشرها بالوسائل القانونية.
- يجب أن يتمتع الصحفيون بالاستقلال المهني داخل مؤسساتهم الصحفية.
- أهداف الإعلام في هذه النظرية الإخبار و الترفيه والترويج لبيع السلع وأيضا المشاركة في اكتشاف الحقيقة و ومراقبة أنشطة الحكومة.
- تحرم التشهير والإخلال بالقيم الأخلاقية السائدة والأنشطة التخريبية في زمن الحرب.
لقد أسهمت كل هذه المبادئ في تحرير الصحافة من سيطرة الدولة وحررتها من الكثير من القيود التي كانت مفروضة عليها من طرف السلطة واستطاعت دول الشمال ( أوربا الولايات المتحدة الأمريكية ) أن تتمتع خلال القرن التاسع عشر و حتى منتصف القرن العشرين بقدر كبير من التعددية و التنوع في مجال الصحافة و استطاعت بذلك أن تدير في هذه المجتمعات مناقشات حرة بين كافة الاتجاهات السياسية وأن تنقل هذه المناقشات إلي الجماهير وهو ما أسهم كثيرا في تقدم هذه المجتمعات وزيادة حيويتها .
3 - النظام الإعلامي الحر ( الليبرالي ):
إن النظام الإعلامي الليبيرالي في الحقيقة هو نمط الإعلام كأداة للرقابة على السلطة وهذا الدور الرقابي للإعلام على السلطة ارتبط بانتصار الليبرالية كفلسفة وأسلوب حياة في غرب أوربا و في الولايات المتحدة الأمريكية لم يتحقق مرة واحدة وإنما نما وتطور حسب تطور مسار الصراع الاجتماعي والسياسي لصالح الليبرالية في المجتمع الغربي ثم في غيره من مناطق العالم طوال القرنين التاسع عشر والعشرين .
والنظام الإعلامي الحر شأنه شأن الفلسفة الليبرالية يدين لأفكار وفلسفات العديد من المفكرين والكتاب مثل ( ج. ج. روسو، مونتسكيو و فولتير من فرنسا، جون استيوارت مل و جون لوك من انجلترا، جون ميلتون و توكفيل من الولايات المتحدة الأمريكية ) وغيرهم.
ويقوم النظام الإعلامي الليبرالي على عدة مبادئ نذكر منها:
1- حق المواطن في أن يعرف حق طبيعي، وكي يمارس المواطن هذا الحق الطبيعي لابد لوسائل الإعلام أن تتمتع بحريتها كاملة دون أية قيود تأتي من خارجها.
2- إن احتكار المعرفة في وسيلة إعلام واحدة أو في عدة وسائل ذات اتجاه واحد يؤدي بالضرورة إلى تحريف الحقائق وتشويشها، في حين أن تعدد مصادر المعرفة بتعدد وسائل الإعلام ذات الاتجاهات المتباينة كفيل بالكشف عن أي تحريف أو تلوين للحقائق.
3- لأي مواطن أو جماعة الحق في إصدار ما تشاء من وسائل الإعلام ما دامت قادرة على ذلك، دون الحاجة لربط هذا الحق بتصريح من السلطة الحاكمة.
4- حق المواطن في التعبير عن رأيه عن طريق إصدار وسائل الإعلام أو العمل فيها لا يتحقق إذا فرض على هذه الوسائل أي لون من ألوان الرقابة وأن أي تجاوز تقع فيه وسائل الإعلام هو من شأن القضاء وحده.
4 - نماذج عن النظام الإعلامي الليبرالي:
- في فرنسا: لم تنل الصحافة حريتها إلا في نهاية القرن الثامن عشر بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789 حين ظهر العديد من الصحف التي لم تخضع لأي رقابة حكومية، ثم تأكدت حرية الصحافة الفرنسية بعد إعلان الثورة، لحقوق الإنسان في 17 جويلية 1789 حيث نص هذا الإعلان على مبدأ حرية الصحافة، لكن لم تلبث أن فقدت الصحافة الفرنسية هذه الحرية في عهد الإرهاب و في ظل حكومة الإدارة ثم في عهد الإمبراطورية، حتى وبعد عودت الملكية عقب سقوط بونابارت، وقد ظلت الصحافة الفرنسية تعمل لاستعادة حريتها قرابة خمس وستين عاما حتى نجحت في ذلك بصدور قانون 9 جوان 1881 الذي جاء بنظام شامل للطباعة والصحافة، وأبرز ما فيه حماية حرية النشر والتعبير الصحفي، كما أنه يحرم على السلطات الحكومية استعمال أية أساليب تحول دون تمتع الصحف بحريتها، ولم يضع على الصحف أي نوع من أنواع الرقابة إلا فيما يتعلق بالأمور العسكرية.
- في الولايات المتحدة الأمريكية: لقد تمتعت الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية بحرية نسبية منذ استقلالها وهو ما يظهر جليا في البند 12 من التصريح بالحقوق لدولة فرجينيا الذي وضع سنة 1776 الذي يقول:" إن حرية الصحافة حصن منيع للحرية ولا يضطهدها إلا الحكم المستبد..."
ثم تدعمت هذه الحرية بموجب التعديل الدستوري لعام 1791 مما أتاح للصحافة الأمريكية إمكانية لعب دورها كأداة للرقابة على أعمال السلطة.
- أما الإعلام الإذاعي والتلفزيوني فقد نشأ في دول غرب أوروبا الليبرالية وفي الولايات المتحدة الأمريكية في وقت كانت فيه الصحافة المكتوبة قد حققت شوطا طويلا في الحصول على حريتها لذلك فقد تمتع الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في غالبية دول غرب أوروبا بحرية كبيرة بعيدا عن الرقابة من السلطة ومحاسبتها، حدث ذلك رغم أن ملكية الخدمات الإذاعية والتلفزيونية ظلت في عدد من دول غرب أوروبا ملكية عامة مثل ( فرنسا، انجلترا ) لم تسمح هذه الدول بالملكية الخاصة للإعلام الإذاعي والتلفزيوني عكس الولايات المتحدة الأمريكية إلا مع بداية السبعينات من القرن العشرين، ولكن هنا لابد أن نشير أن هذه الدول تأخذ بفكرة الفصل بين ملكية الدولة للخدمات الإذاعية والتلفزيونية وبين سيطرة الدولة على هذه الخدمات.
5 - نقد النظرية الحرية ( نظرية الليبرالية ):
بالرغم أن الفلسفة الليبرالية الإعلامية كانت مبنية على حق كل فرد في الحصول على المعلومة من مصدرها بحرية، وحقه في توصيل آرائه إلى الآخرين إيمانا بأن النظام الإعلامي الليبرالي يمثل سوق حرة للأفكار، إلا أن السؤال الجوهري الذي واجه فلاسفة هذه النظرية هو: ما هي حدود الحرية في ظل مجتمع ديمقراطي يرفض انتهاك الأفكار والمبادئ الليبرالية؟ أو كيف يحافظ الغرب على المبدأين الأساسيين لمفهوم حرية وسائل الإعلام وهما:
أولا منع التدخل الحكومي أيا كان شكله وفي الوقت نفسه المحافظة على حماية المجتمع من هذه الحرية.
والثاني هو أن يكون القضاء هو صاحب السلطة في رقابة الإعلام دون أن يسمح القانون بإنقاص الحرية الممنوحة للإعلام.
هذا السؤال فتح الباب على مصرعيه للكثير من الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية، خصوصا من طرف أنصار المذهب الماركسي وهذا طبعا بعد التطبيقات الفعلية للنظام الإعلامي الليبرالي في أرض الواقع قبل وبعد الحربين العالميتين، ومن جملة هذه الانتقادات نذكر مايلي:
1 - تحول الإعلام إلى مجرد دعاية ومزايدات دعائية وهو ما أكدته الحرب العالمية الثانية، أين كان الصراع بين الدول والعداء الأيديولوجي الحاد من أجل السيطرة والهيمنة، وهو الأمر نفسه الذي تكرر فيما بعد أثناء الحرب الباردة.
2 - الممارسة الإعلامية تحت شعار الحرية أصبحت تعرض الأخلاق العامة للخطر.
3 - اقتحام وسائل الإعلام لحيات الأفراد الخاصة دون مبرر، وهذا طبعا تحت غطاء (حرية الإعلام والتعبير).
4 - انتشار الصحافة وتحولها إلى مؤسسات ضخمة تسيطر عليها مجموعات مالية واقتصادية عملاقة، أدى إلى تآكل النافسة الحرة وتقوية الاتجاه المتحرك نحو التحكم في الإنتاج الصحفي. أي أن الإعلام أصبح يحقق أهداف الأشخاص الذين يملكون المؤسسات الإعلامية على حساب مصالح المجتمع.
5 - بخضوع وسائل الإعلام إلى سيطرة أصحاب النفوذ المادية أصبح تدخل المعلنين مشروعا في السياسات التحريرية للصحف والوسائل الإعلامية.
6 - مبالغة وسائل الإعلام في الأمور التافهة من اجل الإثارة وتسويق المادة الإعلامية الجديدة (هدف الإعلام اقتصادي هو تحقيق الربح).
7 - إهمال قيمة جمهور وسائل الإعلام الذي أصبح حسب وسائل الإعلام الخاضعة للنظام الإعلامي الليبرالي، أصبح ينظر إليه على أنه مستهلك، وهذا بطبيعة الحال غاية النظام الرأسمالي القائم على مبدأ الربح (إسقاط الإعلام وإخضاعه لقوانين السوق الاقتصادية الرأسمالية).
وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات الموجهة للنظرية الليبرالية إلا أنها تبقى (الحرية) مطلب وشرط أساسي في الممارسة الإعلامية، وهذا طبعا دون تجاوز ما تسمح به حدود وأعراف المجتمعات كل على حدا، أي الأخذ بمبدأ حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الآخرين، أو بمعنى آخر فحرية الإعلام يجب أن تخضع إلى قوانين تؤطرها حتى لا تخرج عن معناها الحقيقي وتصبح فوضى إعلامية واجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطور التاريخي لمفهوم حرية الصحافة
http://www.pressliberty.4t.com/HTML_FILES/1-1-1.htm
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام