السلام عليكم
بأيدينا
على الرغم من كون التساؤل حول الوجود ومعناه وحقيقته ،قد ظل الإشكالية الأم التي تشكلت حولها فلسفة هيدغر ،فإننا لا نكاد نعثر في نصوص تلك الفلسفة على تعريفات مختلفة لمفهوم الوجود، يكون في متناول الدراسة البحثية .التي تشير إلى الإشكالية الأساسية لفكر هيدغر، التي أصبح من مهامها تخليص التساؤل حول الوجود من النسيان الذي يلاقيه في الميتافيزيقا الغربية، الذي شغل المعول الهيدغري في التفكيك والتقويض لهذا الصرح الأنطولوجي،ومن خلال كتاب هيدغر "الوجود والزمان"1927 م ،فإنه يطرح على عاتق التفكير، هو تأمل الكون ككون ؛أي الوجود بكليته.
وفي هذا الصدد يقول هيدغر:" ...أو عن كون الكائن ،وفي معالجتها لهذا السؤال تنطلق الميتافيزيقا ضمنيا من قرار مسبق ،يؤول الكون إنطلاقًا من بعد واحد للزمان هو الحاضر، فنعتبر أن الكون يعني الحضور الدائم و هكذا فكون الشيء ما هو ما يبقى حاضرا بإستمرار رغم كل التغيرات التي تطرأ عليه . محور هذه الإبستيمية للميتافيزيقا في نظرتها للكون ذو البعد الواحد ،ومحور السؤال من الإنغلاق في الكائن إلى إنفتاح الكون ، أي إلى حقيقته. البحث الأنطولوجي التقليدي لم يعطي لمسألة الكينونة أوليتها الأنطولوجية، ويعلق هيدغر: "إن كل أنطولوجيا ، و إن توفرت على نسق من المقولات مهما كان ثريا .وثابت الترابط،إنما تبقى في أساسها عمياء وتبقى إنحراف عن مقصدها الأخص إذ هي لم توضح قبلًا معنى الكينونة كفاية ولم تتصور هذا الإيضاح بوصفه مهمته الأساسية".
كما رأينا سابقا أن هيدغر ينطلق من كينونة الكائن كإنفتاح على الوجود.فنجد قراءة هيدغر لبداية ميتافيزيقا الإنسان ونهاية الميتافيزيقا الكلاسيكية التي تهتم بالوجود (عالم الأشياء). مما يحيلنا إلى السؤال عن العلاقة التي تربط بين الوجود والزمان من خلال الإشكال الذي طرحه هيدغر ؟.
1ـ قراءة هيدغر في إكتمال حقيقة ماهية الكائن :
لقد إنطلق فكر هيدغر إلى شق دربا آخر للتفكير والتساؤل ،راميا بجاهزية الفكر ومحدوديته "...إن السؤال بحث نظري ،فمن الضروري أن نشكك ليتحدد المفهوم إلى المعنى الحقيقي ...ويسأل عن كيف يذهب الإستجواب إلى الهدف ..والسؤال الذي يطرح حول معنى الوجود يجب أن يطلب،لنجد أنفسنا أمام الحاجة لتوضيح المسألة ،في أن تجرى مقارنة هيكلية للبحث بالتالي يجب أن يكون معنى الوجود بالضرورة متاحا بالفعل". في تحدي آخر للسؤال للوصول إلى تجديد تأويل الوجود بدلالة الزمان،و تأويل الزمان بدلالة الوجود،لتتبلور كلمة المنعطف أحد أهم الركائز الأساسية في تطوير تحليل إكتمال الدزاين في الفكر الهيدغري الذي أدرجنا جزء مفاهيمي منه في ماهية الكينونة.
فهيدغر يبحث عن ماهية الحقيقة كنسق كلي للوجود بما فيه الإنسان ليورد موضحا:"ماهية الحقيقة هي حقيقة الماهية ،ولا ينبغي النظر إلى هذه الجملة على أنها مجرد تلاعب بالألفاظ كما أنه لا ينبغي فهمها بمعنى الفلسفة التقليدية للماهية التي ترى الحقيقة هي الأصل حقيقة الماهية بمعنى المثال الأفلاطوني". فهيدغر يهدم نظرة أفلاطون لماهية الحقيقة التي هي الصور الخالدة وتماثل للأشياء المحسوسة- راجع نظرية المثل لأفلاطون-
وحقيقة الدزاين عند هيدغر ،بقدر ما هو موجود فهو متناه(الموت)كرغبة عميقة في تجاوز إشكالية الذات الذاتية ،وجميع التصورات الميتافيزيقية عن الوجود وعن الإنسان،التي يلح هيدغر على إقتلاعها من الجذور
وتقويضها من الأساس .الذي يعقب عن ذلك قائلا:"إن الفلسفة قد تغاضت عن التفكير في مسألة الموت التي تفض مضجعها وتناست محدودية الإنسان في الزمان ، وأصبحت لا تهتم بالإنسان وبطموحاته وإنجازاته.."
لنطرح سؤالا أساسيا . كيف يمكن فهم الكينونة قد أصبح ممكنا بواسطة الزمان المتخارج من الدزاين؟. إنطلاقا من قول هيدغر:" الإنسان راعي الوجود" ؟ .
يقول هيدغر:"إننا لا نسأل الكينونة وحدها ولا الزمان لوحده، فنحن لا نستعلم أبدا عن الكينونة ولا عن الزمان، ولكننا على العكس نستعلم عن علاقتهما المتداخلة و الحميمة و ما ينبغي عنها".
إذن فهي إشكالية علاقات، فقبل أن نبدأ في تحديد العلاقة التي تربط بين الكيونة والزمان. فإننا سنتعرج أولا إلى إرهاصات هذا التحدي الهيدغري،ثم نلج إلى معاني الزمان والوجود في السياق الهيدغري ،لنخلص إلى العلاقة الملازمة بين الوجود والزمان.
فهيدغر الشاب خريج المدرسة اللاهوتية ليتحول إلى الفلسفة، فقد كرّس في البدء مجهوداته للمشاكل المنطقية وفي هذه الفترة سيطرت أفكار أستاذه هوسرل الفينومولوجية – الأشياء في ذاتها- ،أين أدرك هيدغر البعد التاريخي وعلاقته بالزمان.
ففد إختار هيدغر أن يكرس درس للتأهيل في 27تموز1915م"تصور الزمان في العلم التاريخي".هذا النص الأول الذي كرس بأكمله،هو بحث إبستمولوجي يستهدف إقامة نوعية تصور الزمان للعلم التاريخي. فمن التصورات التي وضعها هيدغر في إشكالية السؤال عن الوجود ،هو تقويض الطريق البرهاني التقليدي،بل سلك طريق فينومولوجي كنوع من الإيضاح.
قبل أن نتعرض للسياقات التقليدية لمفهوم الزمان ،سنحاول إعطاء صورة عن المهنج الفينومولوجي كأساس منهجي في وجودية هيدغر بإيجاز.
لقدر رأينا أن هيدغر أحد تلامذة إيدموند هوسرل أحد مؤسسي المنهج الظاهراتي ،وهو نظرية في المعرفة ،وهدفه الأساسي وصف العالم كما يظهر لنا، ولوعينا. كيف ذلك؟.
2ـ عمق المنهج الظاهراتي في قراءة هيدغر للحقيقة :
إنطلاقا من أن المنهج الفينومينولوجي ،أنه الرؤية الذهنية للأشياء؛ بمعنى للنظر.وفلسفة هيدغر تنطلق من الوجود الإنساني كموضوع للتأمل المنهجي. فشعار هوسرل هو:"العودة إلى الأشياء ذاتها، بالنظرة الأولى وبضربة واحدة . فمثال أن أنظر إلى شجرة ،فهذه الرؤية الناصعة أمامي". لنستشهد بقول آخر لهوسرل معلقا:" وفي نظرة متتالية أعاين الأوجه المختلفة لهذا الشيء ،و أتبين معالمه .فأنا لا أرى أولا جسما ،ثم وجها، ثم إمرأة و بالتالي زوجتي بل أراها هي أولا، ومن ثم أستطيع أن أتبين المقومات المختلفة لإنهاء ظهورها أمامي ".
فبهذا الأساس البنيوي يمكن للرؤية أن تنتظم وللمعاينة أن تتمنهج ، التي وجدت طريقا للفكر الوجودي أو بالأحرى إلى العلوم الإنسانية. دون الرجوع للمعارف الأخرى السابقة .حيث يقول هوسرل في هذا الموقف :" ... أعني أننا إذا كنا بالنزعة الجذرية المتعلقة بماهية العلم الفلسفي الحقيقي، لن نقبل شيئا تقليديا يمر على أنه بداية ،و لا ننبهر نحن أنفسنا بأية أسماء مهما تكن عظيمة، فإننا بالأحرى نحاول الوصول إلى البدايات مستسلمين إراديا للمشكلات ذاتها والمقتضيات التي تنشأ عنها."
إذن فهوسرل ينطلق من النظرة العلمية للفلسفة ،أي كيف تكون الفلسفة علما صارما دون معطيات قبلية للمعرفة ، فهذه الصرامة في وصف الظاهرة ذاتها بوعي ،و قصدية ،هي العودة للبدايات للفلسفة الأولى و ماهيات الأشياء،وتشخيصها بالمنهج الظاهراتي الذي إتخذه هيدغر طريقا للمساءلة .
وفي تعليق لسارتر معلقا على هوسرل :" كل شيء موجود في الخارج ،كل شيء ،حتى نحن أنفسنا ، في الخارج،في العالم،بين الآخرين ،إنما لانكشف أنفسنا في عماوالة ما،بل في الطريق،في المدينة ،وسط الجماهير ،شيئا بين الأشياء،أناسا بين البشر". فظاهرية هوسرل هدفها الأساسي هو، وصف العالم بما فيه الإنسان، بعين على ما يرى وأخرى على ما هو مخفي في وقفة واحدة .
و هذا منطلق هيدغر المنهجي في تحليله للأنطولوجيا الكلاسيكية الغربية .
إذن فالمنهج الظاهراتي يسير إلى إدراك مباشر لماهيات الأشياء عينها في الظاهر والواقع. " إن المنهجية الفينومينولوجية هي مسيرة العقل إلى الأشياء ذاتها، هذه المسيرة البلوغ فيها عيان ،والعيان في نهايتها إدراك مباشر لماهيات الأشياء عينها.رؤية ذهنية ،و إستبصار لحقيقة الشيء...". فلا يوجد هناك شيء مجهول من وراء الظاهرة المراد بحثها.
والفكرة العامة التي يقوم عليها منهج الظاهريات هو إذن "الرجوع إلى الأشياء نفسها أي الرجوع إلى الوقائع المحضة دون التأثر بالأحكام السابقة المتعلقة بها".
ظاهرية هوسرل فتحت الطريق لوجودية هيدغر وصرامته ،في فهم ووصف الوجود الإنساني وإخراجه من العتمة عن وعي و قصدية لعالم الأشياء ،و هيدغر يتجاوز الأفكار السابقة ويفكك تاريخ الأنطولوجيا الكلاسيكية ويقتلعها من جذورها،إنطلاقا من الوجود الإنساني منفتحا ،و مستغرقا الوجود بكليته ، في الإرتباط الأصيل بين الكائن والوجود.
3ـ الزمان الميتافيزيقي للدزاين:
ينطلق هيدغر في تفكيكه للزمن بالعودة إلى الفلسفة اليونانية و السكولائية ويرى:" إن الفلسفة اليونانية القديمة ،عند أفلاطون و أرسطو تزودنا بعناصر ثمينة للحل .أما في العصور التالية فإن الأنظار الأسكلائية عن الوجود لا تكفي بأنها لم تضف جديدا فحسب ،بل لقد وجهت البحث في سبل خاطئة ،بحيث غمر النسيان مشكلة في أيامنا هذه".
وقد واصل هيدغر تعقّب جذور نسيان الزمن الوجودي ،عن نظرة أرسطو لموضوعية الزمان للعالم الفيزيقي. " فمنذ أرسطو فإن الزمان قد عرف كزمان للطبيعة،كزمان للعالم الموضوعي . وبقدر ما تمسكنا طويلا بهذا المفهوم للزمان ،أي بقدر ما لم يفهم الزمان طويلا فهما حقيقيا على أن الدزاين ذاته،فقد ظل مستحيلا إدراك الرابطة الحميمة لكل فعل شعوري من الزمان".
هذا عن السياق الفلسفي لمفهوم الزمانية ،الذي إختماوال كزمان للطبيعة المادية فحسب. بدءا من الدزاين الذي لم يفهم أفق الزمان الذي ينفتح مع وجوده الداخلي.
أما في المجال العلمي، ففي الجزء الأول من درس"تصور الزمان في العلم التاريخي" فصل خصصه هيدغر عن دراسة الرياضيات والفيزياء ،فقد ثابر هيدغر على البرهنة بأنه إبتداء من جاليليو حتى أنشتاين ضمنا ، فإن تصور الزمان في الفيزياء لم يتغير:فكانت وظيفته جعل القياس ممكنا حيث يكون لحظة ضرورية في تعريف الحركة التي هي الموضوع ذاته لعلم الفيزياء.
لكن لكي يسمح الزمان بالقياس يجب أن يصبح قابلا للقياس ، لكنه لا يمكن أن يكون كذلك؛ إلا إذا أنكر أن يكون سيولة منتظمة ؛أي يكون له ماهية في المكان. فالتقويض الصارم لهيدغر يرجعه للفترة الحديثة ،من خلال ترويض العلوم ،أين يقول :" أول تقييم هو تقرب للحداثة،في ماهيات العلوم الحديثة ،ومشروع ترويض الطبيعة...الظاهرة الأساسية للزمن الحداثي هي للعلوم".
من هذا النقد الهيدغري للفترة الحديثة كما رأينا في إختزالها للزمان الوجودي على مرسى العلوم الطبيعية التي تأسست في ضوء المنطق الأرسطي منظورا خارجيا للأشياء،دون الزمن الوجودي الباطني للكائن، ليرد هيدغر ويقول :" إن الموجود الإنساني له علاقة خاصة جدا بالزمان الذي يمكن إبتداء منه فك شيفرة ما هو عليه الزمان فهو ليس إذن في الزمان كما هي الأشياء في الطبيعة،إنه في أساسه زماني ،إنه الزمان نفسه".
هيدغر من إعتباراته الأنطولوجية حول الزمان الحقيقي الذي ليس هو زمان الفيزياء (ثابت ومنتظم)،أو زمان العالم الطبيعي الأرسطي،بل هو زمان متغير ومتحول وغير متجانس للكائن،أي زمن الوجود الإنساني ،لا زمان الأشياء في الطبيعة.أما عن النظرة اللاهوتية للزمن، فقد فصل هيدغر بين الأماوال والزمان ـ كيف ذلك؟.
يحدد هيدغر في سلسلة محاضراته أمام جمعية رجال اللاهوت البروتستانت،ومنها هذه التي ألقيت في آذار عام 1927م،في تبتجن بعلاقة الفلسفة واللاهوت ،فالفلسفة هي علم بالموجود وهو ليس معطى أوليا للبحث العلمي فحصه، واللاهوت ليس علما أنطولوجيا لكنه أنطوقي ؛أي أنه علم بكائن معطى أوليا للبحث.فهو قريب جدا من العلوم الوضعية التي هي الرياضيات أو الكيمياء أكثر من قربه من الفلسفة.
فيستنتج هيدغر بعد تفسيرات كثيرة عن فكرة "فلسفة مسيحية"، من تباين في التصور. فالبعد الإيماني إذن فقط وما إنكشف من خلاله،هو الذي يسمح بالدخول إلى الأزلية الحقة التي تتطابق مع الله،و بالنسبة للفيلسوف فالأماوال ليس سوى التصور الفارغ لموجود دائم والذي هو أبعد من أن يكون أصل الزمان فهو في الواقع مشتق من تجربتنا العادية الزمانية.
وهيدغر لا يسأل عن أصل الزمان خارج عن أنفسنا ،ليتحول السؤال عن ماهية الزمان.وهذا تقويضا للتضاد والإختلاف بين الأماوال المتماسك ، والزمان المتنوع والغير متجانس، الذي أعقبه في بحثه عن علم التاريخ الذي يعتمد على الكم. وهذه من بين التداعيات التي كان لابد الإشارة إليها في البحث، ليتسنى لنا التعرض إلى معنى الزمان والوجود من المنظور الهيدغري. وهو المنطلق الذي سيتأسس عليها مشروع الأنطولوجيا الأساسية الجديد عند هيدغر.
يقول هيدغر:"طالما بقيت حقيقة الوجود منسية ،فإن الأنطولوجيا تبقى بدون أساس؛ولذلك فإن الذي يحاول في الوجود والزمان التفكير في إتجاه حقيقة الوجود،قد أطلق على نفسه أنطولوجيا أساسية". وهذا النداء أطلقه هيدغر على المغالطات التي تعبر عن حفيفة الوجود للفلسفة الغربية والتفكير الإنساني بكليته ،المنغمس في موضوعات الأشياء الجزئية، متناسيا حقيقة وجوده .كفاتح طريق النور للكشف عن هذا الوجود. لتنهار هذه الأنطولوجيا الأساسية ،التي بدون أساس أنطولوجيا الموجود (الكائن).
إن المنطلق الذي سيقوم عليه هيدغر في تفكيك جذور الأنطولوجيا التقليدية ، ونقطة البداية في تعريف مفهوم "أنطولوجيا أساسية" تقوم على قاعدة "الوجود والزمان"،بتصور الإنسان كإنفتاح على الوجود، والزمان كمجال لإنارته وكوسيط الذي عن طريقه تنار الأشياء فمشروعه يخص الدزاين بمكانة متميزة عند هيدغر،فهو راعي الوجود عنده . فكيف ذلك؟.
- التعريف بالوجود : ليس الوجود حد ،وليس له رسم :أما الحد فيتكون من جنس ومن فصل،والوجود أبسط المعاني ،ومن ثم أعمقها فلا جنس فوقه يعرف به ،و لا فصل نوعي يعرض له ويميزه، من حيث أن كل ما يعرض للوجود فهو وجود.
- لفظ الوجود يقال بمعنيين ،أحدهما كمصدر ،كل ما هو ظاهر والآخر كإسم ؛أي "الموجود" .
- الوجود حاصلا أو ممكنا ،سواء كان الموجود ذاتا أو فعل ومعنيا الوجود والموجود مرتبطين أوثق الارتباط.
- الوجود هو ما هو ،ولا يحد إلا بنفسه،فهو الذي يجب أن يكون موضوع ما بعد الطبيعة.
- أما في المعجم الفلسفي:نجد أن الوجود كلمة مشتقة من وجد ،يجد،وجودا بمعنى ظهر للعيان ؛أي أن هناك مقولة ظواهرية .
- ينقسم الوجود إلى وجود خارجي ووجود ذهني ،فالأول عبارة عن كون الشيء في الأعيان وهو الوجود المادي ،أما الثاني فهو عبارة عن كون الشيء في الأذهان ،وهو الوجود العقلي أو المنطقي.
الكينونة :مصطلح مركزي في الأنطولوجيا ،يشير وفق إحدى دلالاته إلى مجموع الوقع ،كل ما هو كائن،ويشير وفق دلالة إلى خاصية الوجود المراوغة ،التي تميز الأشياء الواقعية في الأشياء المتخيلة .
يورد هيدغر قائلا:"...بين أن المسألة كلها تتكون هنا في أن نعرف عن هذا الموجود.من بين جميع الموجودات الذي يجب أن يسترعي إنتباهنا بإعتباره الموجود الذي يحقق ماهية الوجود في أعلى مراتبها .ولكن يبدو أن هذا السؤال نفسه يدخلني في دوره،من حيث أنه يفترض إفتراضا سابق عن الوجود." فماهية الوجود كي تحقق أعلي مراتبها ،إلا بتلازم الزمن ،وهو الإفتراض المخفي .فكيف ذلك في قراءة هيدغر؟
فالسؤال الذي يطرحه هيدغر أصبح أكثر جذرية ،بالإنتقال من :ما هو الكائن؟إلى سؤال أساسي ما هو جوهر الزمان حتى تؤسس الكينونة داخله؟
- المفهوم التقليدي للأزل والمأخوذ ذاته من الفهم الشعبي للزمان ،أنه "آن ثابتة"الذي يحدده كسلسلة لانهائية لأنات منتظمة بدقة. فقراءة هيدغر ،أنه ليس من الأزل نستطيع أن نفكر بالزمان، لكن على العكس فإن الأماوال ذاته لا يفهم إلا إنطلاقا من الزمان إبتداء من زمانية مفكرة بطريقة أكثر أصلانية.
- الزمانية : الوجود هو الإنتساب إلى أحد الأبعاد الزمنية الثلاث،ماضي وحاضر ومستقبل.
- الزمان : ليس شيئا ،وإنما هو نفسه يتزمن على صورة المستقبل والماضي والحاضر التي هي أنات الزمانية الثلاث المتداخلة،لا بوصفها مرصوصة الواحدة بجوار الأخرى وموضوعة كلها في مستوى واحد ومتكررة إلى غير حد كما يتخيلها التصور الشائع،ولكنها متلائمة في وحدة عميقة ،هي وحدة تركيبها الأنطولوجي.
ويوضح هيدغر :" بعد إظهار أن الزمان هو أفق كل فهم للكينونة .يصبح المقصود بالمقابل هو إظهار أن الكائن يفهم إتداء من الزمان...الزمانية أن المقصود من هنا هو الإشارة إلى بداية الرابطة الإيجابية التي تقيمها كل أنماط الكينونة مع الزمان."
فالإفتراض السابق عن الوجود يكمن في الفرق بين الكائن والزمن ،"... يجب طرح مسألة معنى الكائن من حيث هو الفرق بين الكائن والوقت ، في إعطاء الأولوية للزمن من أجل التفكير في الكائن ،وليس في الأماوالية كما كان الحال في كل تاريخ الميتافيزيقا كان على هذه الأخيرة إلغاء الزمن بغية التأكد من الكائن بارزا على حقيقته . و لأنها كانت تبحث عن وجود مستقر، فلقد أعطت الأولية المطلقة لتثبيت الحاضر كمركز يؤمن بديمومة الحركة.لقد جعلت من الزمن كائن حاوي الطبيعة،زمن العلم قابل للقياس" .
إذن فسؤال الكائن يكسب صلابته بدءا من سؤال الزمان،فهو المنفتح على الوجود ، والمتحرك على أنماط الكينونة ؛ أي أن تجلي كينونة الكائن آو الدزاين هي التي تحتاج إلى تفسير أصلي للزمان بوصفه أفقأ لفهم الكينونة وبمعنى أكثر فالزمان يحمل الدزاين إلى النور، بوصفه أفق كل فهم للكينونة وتفسيرها في مفهوم الهيدغري للعلاقة الحميمة الكامنة بين الكائن والزمان ."أنه حين تتزمن الآنية ،يوجد أيضا عالم فإذا لم توجد بة آنية لم يعد للعالم وجود...وتناهي الزمان ينشأ من الهم بوصفه وجودا للموت".
فالدزاين متناه، يتجلى وينكشف بالتفكير في الموت الذي يأتي بوجود الهم ،الذي تناساه الفكر الغربي.فقد شبه هيدغر هذا التجلي والإنكشاف للكائن على الوجود بمثابة حضور للطبيعة في حركة فصولها الأربع في ظهور موجود ما.
ويقول "..فعندما ينبت العشب الأخضر في الحقل عند بداية الربيع أي عندما تظهر الحقول الخضراء ،فإن قدرة الطبيعة وحيويتها تتجلى في هذا الظهور،غير أننا نتنزه في الحقول الخضراء دون أن تظهر لنا الطبيعة نفسها بوصفها طبيعة". كتعبير مجازي عن الربيع، أن الوجود يحجب وينكشف من خلال إنفتاح الدزاين على الموجودات. فالإشكال هو الإرتباط الوثيق بين الموجود والكون .
ويورد هيدغر معلقا :" عندما نحن نتصور اليوم الإختلاف مرة و اللاإختلاف منذ فترة طويلة،نحن رجال الوجود و المتناهين في نفس الآن،فالرجل ليكن بمثابة الإله يرعى السماء والأرض ،مادام حاضرا يتطلب الإرتباط بالآخر ،في آخر كونيته." .وهذه نظرة أنطولوجية لاهوتية من هيدغر في إعداده لطريق إمكانية وجود الكائن راعي هذا العالم ،والمقترن به من خلال حضوره. ليكن سؤالا عن دق هذا المنعرج الجديد عند هيدغر،وهو المنحى اللاهوتي للكائن .يبقى سؤالا معلقا لحين إكتمال الشواهد التي دلّ عليها هيدغر في قراءاته.
فتفسير هذا الاإمتداد للموجود و إرتباطه بالآخرين ،لن يكون إلا بالرجوع إلى الزمانية، ليتحول السؤال إذن ، من هو الزمان ؟ بما أنه هو أفق فهم الكينونة ليتساءل هيدغر :"...أي آن نسأل أذا لم نكن نحن أنفسنا الزمان ، فإن الدزاين هو الزمان ... ".
وفي قول آخر لهيدغر:"يحتاج إإلى تفسير أصلي للزمان بوصفه أفقا لفهم الكينونة إنطلاقا من الزمانية بوصفها كينونة الدزاين الفاهم للكينونة." فماهية الزمان هي المصباح الذي يحمل النور لتجلي الكينونة. وهذه البداية لحركية يسميها هيدغر"بالحدث" للدزاين و إكتشاف بنية الحدث تعني فهم "تاريخية"الإنسان"؛ فالدزاين هو إذن موجود تاريخي في المحل الأول .إن الحدث التاريخي هو حدث الكائن الذي في الوجود .
فهيدغر يقوض الإنسداد الأنطولوجي للفترة الحديثة،لأنطولوجيا الزمان الداخلي للدزاين،في إختزال موضوعات حضور الكائن ،وقيامه الفعلي والواقعي ،والوجود يعني الخروج إلى انكشاف الدزاين المتزمن في أفق الزمان. وعليه فإن هيدغر ميز بين ثلاث أوليات خاصة بمسألة الكائن والزمان:
- أولية وجودية في البداية ،وهي أولية الدزاين الذي ما يزال في مواجهة ذاته مع إشكالية كينونته.
- أولية أنطولوجية ثانيا ،ذلك أن كل معرفة (علمية)بالموجود لابد أن تستند إلى الفهم المسبق للكائن ،بهذا الوجود .
- أولية أخيرة تسمى أولية أنطولوجية ،حيث نجد أن الدزاين ،وبوصفه المصدر الأول لكل فهم متعلق بالوجود سيعمل على تلبية شرط إمكان كل أنطولوجيا أخرى.
فهذا التصور التأسيسي الأول لأنطولوجيا الكائن ،كبنية أنطولوجيا أساسية جديدة ، متخارجة من عمق جذور ميتافيزيقا أصيلة لكينونة الكائن، لفهم تاريخية الإنسان في أبعاده المتشعبة عند هيدغر. كمسيرة التي ينطلق منها الدزاين نحو العدم- الموت - هذا الإشتغال الجوهري لهيدغر ،بدءا وعودا إلى السؤال عن ماهية الموجود الأصيل الذي ينطلق من الأنية كأول تجلي لتعينه .
قائمة المصادر والمراجع
1) Alain Boutot :Heidegger ,put Edition Delta ,Paris,3eme édition,1995.
2) Jean Beaufret : Dialogue avec Heidegger,Aproche de Heidegger, Munuit ,Paris,1974.
مارتن هيدغر:مبدا العلة ،ترجمة،نظير جاهل،دار (مجد) ،القاهرة،(دط)،(دن)،
مارتن هيدغر: كتابات أساسية ،ترجمة ،إسماعيل المصدق ، المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة ،(ط2) 2003،(ج1،ج2).
مارتن هيدغر:الكينونة والزمان،(ج1)
عبد الرزاق الدواي:موت الأنسان
فرانسواز داستور:هيدغر والسؤال عن الزمان،ترجمة ،سامي أدهم،دار (مجد)، بيروت،(ط1)،1993
أنطوان خوري:مدخل إلى الفلسفة الظاهراتية،دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت،(دط)،2008
إيدموند هوسرل:الفلسفة علما صارما ، ترجمة،محمود رجب،المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة (ط1)،2002
عبد السلام بنعبد العالي :أسس الفكر الفلسفي المعاصر،مجاوزة الميتافيزيقا ،دار توبقال للنشر، المغرب،(ط1)،1991
المنهج الظاهراتي: المصدر الأعلى لكل إثبات عقلي هو "الرؤية" ،أو الوعي المانح الأصلي ،ينبغي الإتجاه إلى "الأشياء ذاتها" ،هذه هي القاعدة الأولى والأساسية في المنهج الفينومينولوجي ولكلمة "شيء"هذا المعطى او ما نراه أمام وعينا .هذا المعطى يسمى "ظاهرة"فهي أمام الوعي ،ولا تدل كلمة شيء على أن هناك شيئا مجهولا خلف الظاهرة.
.م بوخنسكي :الفلسفة المعاصرة في أوربا ،
عبد الرحمان بدوي:الموسوعة الفلسفية ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت،(ط1) ، 1984،(ج2)،
ريجيس بوليفيه: المذاهب الوجودية من كيركجورد إلى جان بول سارتر،ترجمة ،فؤاد زكريا ،دار الآداب ،بيروت،(ط1)،1988
فرانسواز داستور: هيدغر والسؤال عن الزمان
يوسف كرم:العقل والوجود،دار المعارف بمصر ،القاهرة ،(دط)،1964
عبد المنعم الحفني :المعجم الفلسفي،الدار الشرقية،بيروت ،(دط)،1990
جميل صليبا:المعجم الفلسفي،(ج2)
تد هوندرتش : دليل إكسفورد للفلسفة ، ترجمة، نجيب الحصادي ،المكتب الوطني للبحث والتطوير، ليبيا،(دط) ،(دن)، (ج2)،
نقلا عن ريجيس بوليفيه:المذاهب الوجودية
جان غاراندان: المنعرج الهرمينوطيقي للفينومينولوجيا،
الأنية: ،أو الوجود هناك ،الموجود المنفرد العيني،أي هي دائما آنيتي انأ في الإمكانية العينية الكاملة لوجودي ،وهذا معناه أن للوجود
الأولوية على الماهية
Noeelle Braaqun ,Jacqueline Laffite : Dictionnaire de Philosophes, revenue et augmentée, Arland Colin,Paris، 2eme édition .
والله يوفق الجميع
بأيدينا
على الرغم من كون التساؤل حول الوجود ومعناه وحقيقته ،قد ظل الإشكالية الأم التي تشكلت حولها فلسفة هيدغر ،فإننا لا نكاد نعثر في نصوص تلك الفلسفة على تعريفات مختلفة لمفهوم الوجود، يكون في متناول الدراسة البحثية .التي تشير إلى الإشكالية الأساسية لفكر هيدغر، التي أصبح من مهامها تخليص التساؤل حول الوجود من النسيان الذي يلاقيه في الميتافيزيقا الغربية، الذي شغل المعول الهيدغري في التفكيك والتقويض لهذا الصرح الأنطولوجي،ومن خلال كتاب هيدغر "الوجود والزمان"1927 م ،فإنه يطرح على عاتق التفكير، هو تأمل الكون ككون ؛أي الوجود بكليته.
وفي هذا الصدد يقول هيدغر:" ...أو عن كون الكائن ،وفي معالجتها لهذا السؤال تنطلق الميتافيزيقا ضمنيا من قرار مسبق ،يؤول الكون إنطلاقًا من بعد واحد للزمان هو الحاضر، فنعتبر أن الكون يعني الحضور الدائم و هكذا فكون الشيء ما هو ما يبقى حاضرا بإستمرار رغم كل التغيرات التي تطرأ عليه . محور هذه الإبستيمية للميتافيزيقا في نظرتها للكون ذو البعد الواحد ،ومحور السؤال من الإنغلاق في الكائن إلى إنفتاح الكون ، أي إلى حقيقته. البحث الأنطولوجي التقليدي لم يعطي لمسألة الكينونة أوليتها الأنطولوجية، ويعلق هيدغر: "إن كل أنطولوجيا ، و إن توفرت على نسق من المقولات مهما كان ثريا .وثابت الترابط،إنما تبقى في أساسها عمياء وتبقى إنحراف عن مقصدها الأخص إذ هي لم توضح قبلًا معنى الكينونة كفاية ولم تتصور هذا الإيضاح بوصفه مهمته الأساسية".
كما رأينا سابقا أن هيدغر ينطلق من كينونة الكائن كإنفتاح على الوجود.فنجد قراءة هيدغر لبداية ميتافيزيقا الإنسان ونهاية الميتافيزيقا الكلاسيكية التي تهتم بالوجود (عالم الأشياء). مما يحيلنا إلى السؤال عن العلاقة التي تربط بين الوجود والزمان من خلال الإشكال الذي طرحه هيدغر ؟.
1ـ قراءة هيدغر في إكتمال حقيقة ماهية الكائن :
لقد إنطلق فكر هيدغر إلى شق دربا آخر للتفكير والتساؤل ،راميا بجاهزية الفكر ومحدوديته "...إن السؤال بحث نظري ،فمن الضروري أن نشكك ليتحدد المفهوم إلى المعنى الحقيقي ...ويسأل عن كيف يذهب الإستجواب إلى الهدف ..والسؤال الذي يطرح حول معنى الوجود يجب أن يطلب،لنجد أنفسنا أمام الحاجة لتوضيح المسألة ،في أن تجرى مقارنة هيكلية للبحث بالتالي يجب أن يكون معنى الوجود بالضرورة متاحا بالفعل". في تحدي آخر للسؤال للوصول إلى تجديد تأويل الوجود بدلالة الزمان،و تأويل الزمان بدلالة الوجود،لتتبلور كلمة المنعطف أحد أهم الركائز الأساسية في تطوير تحليل إكتمال الدزاين في الفكر الهيدغري الذي أدرجنا جزء مفاهيمي منه في ماهية الكينونة.
فهيدغر يبحث عن ماهية الحقيقة كنسق كلي للوجود بما فيه الإنسان ليورد موضحا:"ماهية الحقيقة هي حقيقة الماهية ،ولا ينبغي النظر إلى هذه الجملة على أنها مجرد تلاعب بالألفاظ كما أنه لا ينبغي فهمها بمعنى الفلسفة التقليدية للماهية التي ترى الحقيقة هي الأصل حقيقة الماهية بمعنى المثال الأفلاطوني". فهيدغر يهدم نظرة أفلاطون لماهية الحقيقة التي هي الصور الخالدة وتماثل للأشياء المحسوسة- راجع نظرية المثل لأفلاطون-
وحقيقة الدزاين عند هيدغر ،بقدر ما هو موجود فهو متناه(الموت)كرغبة عميقة في تجاوز إشكالية الذات الذاتية ،وجميع التصورات الميتافيزيقية عن الوجود وعن الإنسان،التي يلح هيدغر على إقتلاعها من الجذور
وتقويضها من الأساس .الذي يعقب عن ذلك قائلا:"إن الفلسفة قد تغاضت عن التفكير في مسألة الموت التي تفض مضجعها وتناست محدودية الإنسان في الزمان ، وأصبحت لا تهتم بالإنسان وبطموحاته وإنجازاته.."
لنطرح سؤالا أساسيا . كيف يمكن فهم الكينونة قد أصبح ممكنا بواسطة الزمان المتخارج من الدزاين؟. إنطلاقا من قول هيدغر:" الإنسان راعي الوجود" ؟ .
يقول هيدغر:"إننا لا نسأل الكينونة وحدها ولا الزمان لوحده، فنحن لا نستعلم أبدا عن الكينونة ولا عن الزمان، ولكننا على العكس نستعلم عن علاقتهما المتداخلة و الحميمة و ما ينبغي عنها".
إذن فهي إشكالية علاقات، فقبل أن نبدأ في تحديد العلاقة التي تربط بين الكيونة والزمان. فإننا سنتعرج أولا إلى إرهاصات هذا التحدي الهيدغري،ثم نلج إلى معاني الزمان والوجود في السياق الهيدغري ،لنخلص إلى العلاقة الملازمة بين الوجود والزمان.
فهيدغر الشاب خريج المدرسة اللاهوتية ليتحول إلى الفلسفة، فقد كرّس في البدء مجهوداته للمشاكل المنطقية وفي هذه الفترة سيطرت أفكار أستاذه هوسرل الفينومولوجية – الأشياء في ذاتها- ،أين أدرك هيدغر البعد التاريخي وعلاقته بالزمان.
ففد إختار هيدغر أن يكرس درس للتأهيل في 27تموز1915م"تصور الزمان في العلم التاريخي".هذا النص الأول الذي كرس بأكمله،هو بحث إبستمولوجي يستهدف إقامة نوعية تصور الزمان للعلم التاريخي. فمن التصورات التي وضعها هيدغر في إشكالية السؤال عن الوجود ،هو تقويض الطريق البرهاني التقليدي،بل سلك طريق فينومولوجي كنوع من الإيضاح.
قبل أن نتعرض للسياقات التقليدية لمفهوم الزمان ،سنحاول إعطاء صورة عن المهنج الفينومولوجي كأساس منهجي في وجودية هيدغر بإيجاز.
لقدر رأينا أن هيدغر أحد تلامذة إيدموند هوسرل أحد مؤسسي المنهج الظاهراتي ،وهو نظرية في المعرفة ،وهدفه الأساسي وصف العالم كما يظهر لنا، ولوعينا. كيف ذلك؟.
2ـ عمق المنهج الظاهراتي في قراءة هيدغر للحقيقة :
إنطلاقا من أن المنهج الفينومينولوجي ،أنه الرؤية الذهنية للأشياء؛ بمعنى للنظر.وفلسفة هيدغر تنطلق من الوجود الإنساني كموضوع للتأمل المنهجي. فشعار هوسرل هو:"العودة إلى الأشياء ذاتها، بالنظرة الأولى وبضربة واحدة . فمثال أن أنظر إلى شجرة ،فهذه الرؤية الناصعة أمامي". لنستشهد بقول آخر لهوسرل معلقا:" وفي نظرة متتالية أعاين الأوجه المختلفة لهذا الشيء ،و أتبين معالمه .فأنا لا أرى أولا جسما ،ثم وجها، ثم إمرأة و بالتالي زوجتي بل أراها هي أولا، ومن ثم أستطيع أن أتبين المقومات المختلفة لإنهاء ظهورها أمامي ".
فبهذا الأساس البنيوي يمكن للرؤية أن تنتظم وللمعاينة أن تتمنهج ، التي وجدت طريقا للفكر الوجودي أو بالأحرى إلى العلوم الإنسانية. دون الرجوع للمعارف الأخرى السابقة .حيث يقول هوسرل في هذا الموقف :" ... أعني أننا إذا كنا بالنزعة الجذرية المتعلقة بماهية العلم الفلسفي الحقيقي، لن نقبل شيئا تقليديا يمر على أنه بداية ،و لا ننبهر نحن أنفسنا بأية أسماء مهما تكن عظيمة، فإننا بالأحرى نحاول الوصول إلى البدايات مستسلمين إراديا للمشكلات ذاتها والمقتضيات التي تنشأ عنها."
إذن فهوسرل ينطلق من النظرة العلمية للفلسفة ،أي كيف تكون الفلسفة علما صارما دون معطيات قبلية للمعرفة ، فهذه الصرامة في وصف الظاهرة ذاتها بوعي ،و قصدية ،هي العودة للبدايات للفلسفة الأولى و ماهيات الأشياء،وتشخيصها بالمنهج الظاهراتي الذي إتخذه هيدغر طريقا للمساءلة .
وفي تعليق لسارتر معلقا على هوسرل :" كل شيء موجود في الخارج ،كل شيء ،حتى نحن أنفسنا ، في الخارج،في العالم،بين الآخرين ،إنما لانكشف أنفسنا في عماوالة ما،بل في الطريق،في المدينة ،وسط الجماهير ،شيئا بين الأشياء،أناسا بين البشر". فظاهرية هوسرل هدفها الأساسي هو، وصف العالم بما فيه الإنسان، بعين على ما يرى وأخرى على ما هو مخفي في وقفة واحدة .
و هذا منطلق هيدغر المنهجي في تحليله للأنطولوجيا الكلاسيكية الغربية .
إذن فالمنهج الظاهراتي يسير إلى إدراك مباشر لماهيات الأشياء عينها في الظاهر والواقع. " إن المنهجية الفينومينولوجية هي مسيرة العقل إلى الأشياء ذاتها، هذه المسيرة البلوغ فيها عيان ،والعيان في نهايتها إدراك مباشر لماهيات الأشياء عينها.رؤية ذهنية ،و إستبصار لحقيقة الشيء...". فلا يوجد هناك شيء مجهول من وراء الظاهرة المراد بحثها.
والفكرة العامة التي يقوم عليها منهج الظاهريات هو إذن "الرجوع إلى الأشياء نفسها أي الرجوع إلى الوقائع المحضة دون التأثر بالأحكام السابقة المتعلقة بها".
ظاهرية هوسرل فتحت الطريق لوجودية هيدغر وصرامته ،في فهم ووصف الوجود الإنساني وإخراجه من العتمة عن وعي و قصدية لعالم الأشياء ،و هيدغر يتجاوز الأفكار السابقة ويفكك تاريخ الأنطولوجيا الكلاسيكية ويقتلعها من جذورها،إنطلاقا من الوجود الإنساني منفتحا ،و مستغرقا الوجود بكليته ، في الإرتباط الأصيل بين الكائن والوجود.
3ـ الزمان الميتافيزيقي للدزاين:
ينطلق هيدغر في تفكيكه للزمن بالعودة إلى الفلسفة اليونانية و السكولائية ويرى:" إن الفلسفة اليونانية القديمة ،عند أفلاطون و أرسطو تزودنا بعناصر ثمينة للحل .أما في العصور التالية فإن الأنظار الأسكلائية عن الوجود لا تكفي بأنها لم تضف جديدا فحسب ،بل لقد وجهت البحث في سبل خاطئة ،بحيث غمر النسيان مشكلة في أيامنا هذه".
وقد واصل هيدغر تعقّب جذور نسيان الزمن الوجودي ،عن نظرة أرسطو لموضوعية الزمان للعالم الفيزيقي. " فمنذ أرسطو فإن الزمان قد عرف كزمان للطبيعة،كزمان للعالم الموضوعي . وبقدر ما تمسكنا طويلا بهذا المفهوم للزمان ،أي بقدر ما لم يفهم الزمان طويلا فهما حقيقيا على أن الدزاين ذاته،فقد ظل مستحيلا إدراك الرابطة الحميمة لكل فعل شعوري من الزمان".
هذا عن السياق الفلسفي لمفهوم الزمانية ،الذي إختماوال كزمان للطبيعة المادية فحسب. بدءا من الدزاين الذي لم يفهم أفق الزمان الذي ينفتح مع وجوده الداخلي.
أما في المجال العلمي، ففي الجزء الأول من درس"تصور الزمان في العلم التاريخي" فصل خصصه هيدغر عن دراسة الرياضيات والفيزياء ،فقد ثابر هيدغر على البرهنة بأنه إبتداء من جاليليو حتى أنشتاين ضمنا ، فإن تصور الزمان في الفيزياء لم يتغير:فكانت وظيفته جعل القياس ممكنا حيث يكون لحظة ضرورية في تعريف الحركة التي هي الموضوع ذاته لعلم الفيزياء.
لكن لكي يسمح الزمان بالقياس يجب أن يصبح قابلا للقياس ، لكنه لا يمكن أن يكون كذلك؛ إلا إذا أنكر أن يكون سيولة منتظمة ؛أي يكون له ماهية في المكان. فالتقويض الصارم لهيدغر يرجعه للفترة الحديثة ،من خلال ترويض العلوم ،أين يقول :" أول تقييم هو تقرب للحداثة،في ماهيات العلوم الحديثة ،ومشروع ترويض الطبيعة...الظاهرة الأساسية للزمن الحداثي هي للعلوم".
من هذا النقد الهيدغري للفترة الحديثة كما رأينا في إختزالها للزمان الوجودي على مرسى العلوم الطبيعية التي تأسست في ضوء المنطق الأرسطي منظورا خارجيا للأشياء،دون الزمن الوجودي الباطني للكائن، ليرد هيدغر ويقول :" إن الموجود الإنساني له علاقة خاصة جدا بالزمان الذي يمكن إبتداء منه فك شيفرة ما هو عليه الزمان فهو ليس إذن في الزمان كما هي الأشياء في الطبيعة،إنه في أساسه زماني ،إنه الزمان نفسه".
هيدغر من إعتباراته الأنطولوجية حول الزمان الحقيقي الذي ليس هو زمان الفيزياء (ثابت ومنتظم)،أو زمان العالم الطبيعي الأرسطي،بل هو زمان متغير ومتحول وغير متجانس للكائن،أي زمن الوجود الإنساني ،لا زمان الأشياء في الطبيعة.أما عن النظرة اللاهوتية للزمن، فقد فصل هيدغر بين الأماوال والزمان ـ كيف ذلك؟.
يحدد هيدغر في سلسلة محاضراته أمام جمعية رجال اللاهوت البروتستانت،ومنها هذه التي ألقيت في آذار عام 1927م،في تبتجن بعلاقة الفلسفة واللاهوت ،فالفلسفة هي علم بالموجود وهو ليس معطى أوليا للبحث العلمي فحصه، واللاهوت ليس علما أنطولوجيا لكنه أنطوقي ؛أي أنه علم بكائن معطى أوليا للبحث.فهو قريب جدا من العلوم الوضعية التي هي الرياضيات أو الكيمياء أكثر من قربه من الفلسفة.
فيستنتج هيدغر بعد تفسيرات كثيرة عن فكرة "فلسفة مسيحية"، من تباين في التصور. فالبعد الإيماني إذن فقط وما إنكشف من خلاله،هو الذي يسمح بالدخول إلى الأزلية الحقة التي تتطابق مع الله،و بالنسبة للفيلسوف فالأماوال ليس سوى التصور الفارغ لموجود دائم والذي هو أبعد من أن يكون أصل الزمان فهو في الواقع مشتق من تجربتنا العادية الزمانية.
وهيدغر لا يسأل عن أصل الزمان خارج عن أنفسنا ،ليتحول السؤال عن ماهية الزمان.وهذا تقويضا للتضاد والإختلاف بين الأماوال المتماسك ، والزمان المتنوع والغير متجانس، الذي أعقبه في بحثه عن علم التاريخ الذي يعتمد على الكم. وهذه من بين التداعيات التي كان لابد الإشارة إليها في البحث، ليتسنى لنا التعرض إلى معنى الزمان والوجود من المنظور الهيدغري. وهو المنطلق الذي سيتأسس عليها مشروع الأنطولوجيا الأساسية الجديد عند هيدغر.
يقول هيدغر:"طالما بقيت حقيقة الوجود منسية ،فإن الأنطولوجيا تبقى بدون أساس؛ولذلك فإن الذي يحاول في الوجود والزمان التفكير في إتجاه حقيقة الوجود،قد أطلق على نفسه أنطولوجيا أساسية". وهذا النداء أطلقه هيدغر على المغالطات التي تعبر عن حفيفة الوجود للفلسفة الغربية والتفكير الإنساني بكليته ،المنغمس في موضوعات الأشياء الجزئية، متناسيا حقيقة وجوده .كفاتح طريق النور للكشف عن هذا الوجود. لتنهار هذه الأنطولوجيا الأساسية ،التي بدون أساس أنطولوجيا الموجود (الكائن).
إن المنطلق الذي سيقوم عليه هيدغر في تفكيك جذور الأنطولوجيا التقليدية ، ونقطة البداية في تعريف مفهوم "أنطولوجيا أساسية" تقوم على قاعدة "الوجود والزمان"،بتصور الإنسان كإنفتاح على الوجود، والزمان كمجال لإنارته وكوسيط الذي عن طريقه تنار الأشياء فمشروعه يخص الدزاين بمكانة متميزة عند هيدغر،فهو راعي الوجود عنده . فكيف ذلك؟.
- التعريف بالوجود : ليس الوجود حد ،وليس له رسم :أما الحد فيتكون من جنس ومن فصل،والوجود أبسط المعاني ،ومن ثم أعمقها فلا جنس فوقه يعرف به ،و لا فصل نوعي يعرض له ويميزه، من حيث أن كل ما يعرض للوجود فهو وجود.
- لفظ الوجود يقال بمعنيين ،أحدهما كمصدر ،كل ما هو ظاهر والآخر كإسم ؛أي "الموجود" .
- الوجود حاصلا أو ممكنا ،سواء كان الموجود ذاتا أو فعل ومعنيا الوجود والموجود مرتبطين أوثق الارتباط.
- الوجود هو ما هو ،ولا يحد إلا بنفسه،فهو الذي يجب أن يكون موضوع ما بعد الطبيعة.
- أما في المعجم الفلسفي:نجد أن الوجود كلمة مشتقة من وجد ،يجد،وجودا بمعنى ظهر للعيان ؛أي أن هناك مقولة ظواهرية .
- ينقسم الوجود إلى وجود خارجي ووجود ذهني ،فالأول عبارة عن كون الشيء في الأعيان وهو الوجود المادي ،أما الثاني فهو عبارة عن كون الشيء في الأذهان ،وهو الوجود العقلي أو المنطقي.
الكينونة :مصطلح مركزي في الأنطولوجيا ،يشير وفق إحدى دلالاته إلى مجموع الوقع ،كل ما هو كائن،ويشير وفق دلالة إلى خاصية الوجود المراوغة ،التي تميز الأشياء الواقعية في الأشياء المتخيلة .
يورد هيدغر قائلا:"...بين أن المسألة كلها تتكون هنا في أن نعرف عن هذا الموجود.من بين جميع الموجودات الذي يجب أن يسترعي إنتباهنا بإعتباره الموجود الذي يحقق ماهية الوجود في أعلى مراتبها .ولكن يبدو أن هذا السؤال نفسه يدخلني في دوره،من حيث أنه يفترض إفتراضا سابق عن الوجود." فماهية الوجود كي تحقق أعلي مراتبها ،إلا بتلازم الزمن ،وهو الإفتراض المخفي .فكيف ذلك في قراءة هيدغر؟
فالسؤال الذي يطرحه هيدغر أصبح أكثر جذرية ،بالإنتقال من :ما هو الكائن؟إلى سؤال أساسي ما هو جوهر الزمان حتى تؤسس الكينونة داخله؟
- المفهوم التقليدي للأزل والمأخوذ ذاته من الفهم الشعبي للزمان ،أنه "آن ثابتة"الذي يحدده كسلسلة لانهائية لأنات منتظمة بدقة. فقراءة هيدغر ،أنه ليس من الأزل نستطيع أن نفكر بالزمان، لكن على العكس فإن الأماوال ذاته لا يفهم إلا إنطلاقا من الزمان إبتداء من زمانية مفكرة بطريقة أكثر أصلانية.
- الزمانية : الوجود هو الإنتساب إلى أحد الأبعاد الزمنية الثلاث،ماضي وحاضر ومستقبل.
- الزمان : ليس شيئا ،وإنما هو نفسه يتزمن على صورة المستقبل والماضي والحاضر التي هي أنات الزمانية الثلاث المتداخلة،لا بوصفها مرصوصة الواحدة بجوار الأخرى وموضوعة كلها في مستوى واحد ومتكررة إلى غير حد كما يتخيلها التصور الشائع،ولكنها متلائمة في وحدة عميقة ،هي وحدة تركيبها الأنطولوجي.
ويوضح هيدغر :" بعد إظهار أن الزمان هو أفق كل فهم للكينونة .يصبح المقصود بالمقابل هو إظهار أن الكائن يفهم إتداء من الزمان...الزمانية أن المقصود من هنا هو الإشارة إلى بداية الرابطة الإيجابية التي تقيمها كل أنماط الكينونة مع الزمان."
فالإفتراض السابق عن الوجود يكمن في الفرق بين الكائن والزمن ،"... يجب طرح مسألة معنى الكائن من حيث هو الفرق بين الكائن والوقت ، في إعطاء الأولوية للزمن من أجل التفكير في الكائن ،وليس في الأماوالية كما كان الحال في كل تاريخ الميتافيزيقا كان على هذه الأخيرة إلغاء الزمن بغية التأكد من الكائن بارزا على حقيقته . و لأنها كانت تبحث عن وجود مستقر، فلقد أعطت الأولية المطلقة لتثبيت الحاضر كمركز يؤمن بديمومة الحركة.لقد جعلت من الزمن كائن حاوي الطبيعة،زمن العلم قابل للقياس" .
إذن فسؤال الكائن يكسب صلابته بدءا من سؤال الزمان،فهو المنفتح على الوجود ، والمتحرك على أنماط الكينونة ؛ أي أن تجلي كينونة الكائن آو الدزاين هي التي تحتاج إلى تفسير أصلي للزمان بوصفه أفقأ لفهم الكينونة وبمعنى أكثر فالزمان يحمل الدزاين إلى النور، بوصفه أفق كل فهم للكينونة وتفسيرها في مفهوم الهيدغري للعلاقة الحميمة الكامنة بين الكائن والزمان ."أنه حين تتزمن الآنية ،يوجد أيضا عالم فإذا لم توجد بة آنية لم يعد للعالم وجود...وتناهي الزمان ينشأ من الهم بوصفه وجودا للموت".
فالدزاين متناه، يتجلى وينكشف بالتفكير في الموت الذي يأتي بوجود الهم ،الذي تناساه الفكر الغربي.فقد شبه هيدغر هذا التجلي والإنكشاف للكائن على الوجود بمثابة حضور للطبيعة في حركة فصولها الأربع في ظهور موجود ما.
ويقول "..فعندما ينبت العشب الأخضر في الحقل عند بداية الربيع أي عندما تظهر الحقول الخضراء ،فإن قدرة الطبيعة وحيويتها تتجلى في هذا الظهور،غير أننا نتنزه في الحقول الخضراء دون أن تظهر لنا الطبيعة نفسها بوصفها طبيعة". كتعبير مجازي عن الربيع، أن الوجود يحجب وينكشف من خلال إنفتاح الدزاين على الموجودات. فالإشكال هو الإرتباط الوثيق بين الموجود والكون .
ويورد هيدغر معلقا :" عندما نحن نتصور اليوم الإختلاف مرة و اللاإختلاف منذ فترة طويلة،نحن رجال الوجود و المتناهين في نفس الآن،فالرجل ليكن بمثابة الإله يرعى السماء والأرض ،مادام حاضرا يتطلب الإرتباط بالآخر ،في آخر كونيته." .وهذه نظرة أنطولوجية لاهوتية من هيدغر في إعداده لطريق إمكانية وجود الكائن راعي هذا العالم ،والمقترن به من خلال حضوره. ليكن سؤالا عن دق هذا المنعرج الجديد عند هيدغر،وهو المنحى اللاهوتي للكائن .يبقى سؤالا معلقا لحين إكتمال الشواهد التي دلّ عليها هيدغر في قراءاته.
فتفسير هذا الاإمتداد للموجود و إرتباطه بالآخرين ،لن يكون إلا بالرجوع إلى الزمانية، ليتحول السؤال إذن ، من هو الزمان ؟ بما أنه هو أفق فهم الكينونة ليتساءل هيدغر :"...أي آن نسأل أذا لم نكن نحن أنفسنا الزمان ، فإن الدزاين هو الزمان ... ".
وفي قول آخر لهيدغر:"يحتاج إإلى تفسير أصلي للزمان بوصفه أفقا لفهم الكينونة إنطلاقا من الزمانية بوصفها كينونة الدزاين الفاهم للكينونة." فماهية الزمان هي المصباح الذي يحمل النور لتجلي الكينونة. وهذه البداية لحركية يسميها هيدغر"بالحدث" للدزاين و إكتشاف بنية الحدث تعني فهم "تاريخية"الإنسان"؛ فالدزاين هو إذن موجود تاريخي في المحل الأول .إن الحدث التاريخي هو حدث الكائن الذي في الوجود .
فهيدغر يقوض الإنسداد الأنطولوجي للفترة الحديثة،لأنطولوجيا الزمان الداخلي للدزاين،في إختزال موضوعات حضور الكائن ،وقيامه الفعلي والواقعي ،والوجود يعني الخروج إلى انكشاف الدزاين المتزمن في أفق الزمان. وعليه فإن هيدغر ميز بين ثلاث أوليات خاصة بمسألة الكائن والزمان:
- أولية وجودية في البداية ،وهي أولية الدزاين الذي ما يزال في مواجهة ذاته مع إشكالية كينونته.
- أولية أنطولوجية ثانيا ،ذلك أن كل معرفة (علمية)بالموجود لابد أن تستند إلى الفهم المسبق للكائن ،بهذا الوجود .
- أولية أخيرة تسمى أولية أنطولوجية ،حيث نجد أن الدزاين ،وبوصفه المصدر الأول لكل فهم متعلق بالوجود سيعمل على تلبية شرط إمكان كل أنطولوجيا أخرى.
فهذا التصور التأسيسي الأول لأنطولوجيا الكائن ،كبنية أنطولوجيا أساسية جديدة ، متخارجة من عمق جذور ميتافيزيقا أصيلة لكينونة الكائن، لفهم تاريخية الإنسان في أبعاده المتشعبة عند هيدغر. كمسيرة التي ينطلق منها الدزاين نحو العدم- الموت - هذا الإشتغال الجوهري لهيدغر ،بدءا وعودا إلى السؤال عن ماهية الموجود الأصيل الذي ينطلق من الأنية كأول تجلي لتعينه .
قائمة المصادر والمراجع
1) Alain Boutot :Heidegger ,put Edition Delta ,Paris,3eme édition,1995.
2) Jean Beaufret : Dialogue avec Heidegger,Aproche de Heidegger, Munuit ,Paris,1974.
مارتن هيدغر:مبدا العلة ،ترجمة،نظير جاهل،دار (مجد) ،القاهرة،(دط)،(دن)،
مارتن هيدغر: كتابات أساسية ،ترجمة ،إسماعيل المصدق ، المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة ،(ط2) 2003،(ج1،ج2).
مارتن هيدغر:الكينونة والزمان،(ج1)
عبد الرزاق الدواي:موت الأنسان
فرانسواز داستور:هيدغر والسؤال عن الزمان،ترجمة ،سامي أدهم،دار (مجد)، بيروت،(ط1)،1993
أنطوان خوري:مدخل إلى الفلسفة الظاهراتية،دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت،(دط)،2008
إيدموند هوسرل:الفلسفة علما صارما ، ترجمة،محمود رجب،المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة (ط1)،2002
عبد السلام بنعبد العالي :أسس الفكر الفلسفي المعاصر،مجاوزة الميتافيزيقا ،دار توبقال للنشر، المغرب،(ط1)،1991
المنهج الظاهراتي: المصدر الأعلى لكل إثبات عقلي هو "الرؤية" ،أو الوعي المانح الأصلي ،ينبغي الإتجاه إلى "الأشياء ذاتها" ،هذه هي القاعدة الأولى والأساسية في المنهج الفينومينولوجي ولكلمة "شيء"هذا المعطى او ما نراه أمام وعينا .هذا المعطى يسمى "ظاهرة"فهي أمام الوعي ،ولا تدل كلمة شيء على أن هناك شيئا مجهولا خلف الظاهرة.
.م بوخنسكي :الفلسفة المعاصرة في أوربا ،
عبد الرحمان بدوي:الموسوعة الفلسفية ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت،(ط1) ، 1984،(ج2)،
ريجيس بوليفيه: المذاهب الوجودية من كيركجورد إلى جان بول سارتر،ترجمة ،فؤاد زكريا ،دار الآداب ،بيروت،(ط1)،1988
فرانسواز داستور: هيدغر والسؤال عن الزمان
يوسف كرم:العقل والوجود،دار المعارف بمصر ،القاهرة ،(دط)،1964
عبد المنعم الحفني :المعجم الفلسفي،الدار الشرقية،بيروت ،(دط)،1990
جميل صليبا:المعجم الفلسفي،(ج2)
تد هوندرتش : دليل إكسفورد للفلسفة ، ترجمة، نجيب الحصادي ،المكتب الوطني للبحث والتطوير، ليبيا،(دط) ،(دن)، (ج2)،
نقلا عن ريجيس بوليفيه:المذاهب الوجودية
جان غاراندان: المنعرج الهرمينوطيقي للفينومينولوجيا،
الأنية: ،أو الوجود هناك ،الموجود المنفرد العيني،أي هي دائما آنيتي انأ في الإمكانية العينية الكاملة لوجودي ،وهذا معناه أن للوجود
الأولوية على الماهية
Noeelle Braaqun ,Jacqueline Laffite : Dictionnaire de Philosophes, revenue et augmentée, Arland Colin,Paris، 2eme édition .
والله يوفق الجميع
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام