International monetary relations
بسم الله الرحمن الرحيم
هيمنة النظام الاقتصادي الرأسمالي على العالم و أثره على العلاقات النقدية الدولية
بقلم أ . سالم السالم
كلية فلسطين التقنية / العروب
العناصر :-
1- الكتلة النقدية و ارتباط العملات بالدولار .
2- دور البنوك ( العمود الفقري للنظام الاقتصادي الرأسمالي )
3- دور المؤسسات المالية الدولية - صندوق النقد و البنك الدوليين .
4- دور أمريكا في العلاقات النقدية الدولية .
5- أسواق العملات و أسعار الصرف .
العلاقات النقدية الدولية :
لمحة تاريخية : -
شهدت العلاقات النقدية استقرارا بعيد الحرب العالمية الثانية ، وذلك لانخفاض الأزمات بين دول المعسكر الرأسمالي في أوروبا ، مما أدى إلى النمو الاقتصادي المتواصل في تلك الدول ، فوجد ما يسمى بمنطقة الإسترليني و منطقة الفرنك الفرنسي حتى العام 1958 م . أما على الجانب الآخر من الأطلسي فكان العجز في "ميزان المدفوعات الأمريكي" سيد الموقف منذ العام 1950 م . حيث النفقات العامة أكبر من الإيرادات العامة بسبب الإنفاق العسكري بالدرجة الأولى ، حيث بلغت ذروة العجز تلك في حرب فيتنام بسبب زيادة الإنفاق العسكري ، حيث اتبعت الإدارة الأمريكية في حينه أسلوبا لتغطية العجز في ميزان مدفوعاتها و ذلك : بإصدار نقد مكشوف ( دون غطاء بالذهب ) يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية للعملة و بالتالي ارتفاع في أسعار السلع و الخدمات ثم تضخم مالي في الدولة .
لقد انتقل التضخم إلى دول العالم جنبا إلى جنب مع انتقال الدولار إليها ، و ذلك بسبب كون الدولار عملة عالمية يتم من خلالها و بواسطتها قبض قيمة الصادرات و دفع قيمة المستوردات في التجارة الدولية .
سوق اليورو دولار : (European Dollar)
عالجت أمريكا العجز في ميزان مدفوعاتها بإصدار نقد مكشوف على مدار السنوات ، خصوصا في خمسينات و ستينيات القرن الماضي ، مما أدى إلى تسرب الدولار إلى دول العالم ، وخصوصا دول أوروبا . ثم أصبح في خزائن البنوك الأوروبية المركزية منها و التجارية بكميات كبيرة جدا .
في بداية الأمر رغب الأوروبيون بالاحتفاظ بالدولار في خزائنهم ، بل و فضلوه عن الذهب و ذلك للأسباب التالية :-
1- قابلية التحويل إلى الذهب من الخزانة الأمريكية في أي لحظة - لكونه كان مرتبط جزئيا بالذهب (ما يسمى بالورقة النقدية الوثيقة) بنسبة لا تتجاوز 25% من قيمة الدولار .
2- وجود اعتقاد آخر بأنه أفضل من الذهب لوجود ميزة السيولة ، و إمكانية جني الفوائد جراء استثماره في السوق النقدي .
هذا بشأنه أدى إلى بروز سوق "اليورو دولار" في أوروبا ، حيث التعامل بالدولار الأمريكي في أوروبا على نطاق واسع ، مما أدى بان أصبح تحويل الدولار من عملة إلى أخرى في هذا السوق حسب توقعات المضاربين ، وليس حسب القوانين المالية و النقدية للدول ، و بهذا الشكل يتم تحديد سعر صرفه ، و يرجع ذلك لما يلي :
أ ) الدولارات في (سوق اليورو دولار) لا تخضع لقوانين البنوك المركزية الأوروبية لأنها ليست عملة أوروبية .
ب ) لا تخضع للنظم الأمريكية لأنها خارج بلدها أمريكا .
هذا ... ولقد بلغ احتياطي أوروبا من الدولار في العام 1971 م مبلغ 303 بليون $ دولار ، في حين بلغ احتياطي أمريكا من الذهب 10 بليون $ دولار فقط .
وأدى ذلك في بداية السبعينات بان اعترف الأوروبيون بخطئهم في تكديس كميات كبيرة من الدولارات في خزائنها .
النتيجة :
التذبذب في أسعار الصرف ، انخفاض في قيمة العملة ، العسر المالي ، أزمة النقد .
لقد اصبح العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي سياسة أمريكية ، جنبا إلى جنب مع إصدار دولارات مكشوفة دون غطاء . حتى أدى في عام 1964 إلى أن تتساوى موجودات الدولار في احتياطي بنوك الدول الأجنبية = مع احتياطي الولايات المتحدة من الذهب . عند 15 بليون دولار .
و هذا يعني أن أي زيادة في موجودات البنوك المركزية من الدولار - عبر العالم و تحديدا الأوروبية منها - ، لا تصاحبها زيادة في احتياطي أمريكا من الذهب ، و يكون نقدا ورقيا مكشوفا . مما أدى بعد ذلك بان فقدت الدولارات المكدّسة في بنوك أوروبا شيئا من قيمتها .
لقد انتبه الأوروبيون مبكرا لتلك الأزمة و ما قد يلحق بهم من خسائر حالية أو مستقبلية محتمله في اقتصاداتهم ، بسبب دولار أمريكا المكدّس في بنوكهم فيما لو انهارت قيمته .
أدركت أوروبا أن ما تملكه من الدولارات (اليورو دولار) سمٌ في دسم ، مما دفع الرئيس الفرنسي السابق "ديغول" بان يسمي الفرق في قيمة الدولار الأوروبي بالضريبة القسرية التي يدفعها العالم للولايات المتحدة .
إلا أن العجز استمر في ميزان المدفوعات الأمريكي لثلاثة أسباب رئيسية :-
1- النفقات العسكرية .
2- المساعدات الاقتصادية للدول الأخرى ( وذلك لحفظ مستواها كدولة أولى في العالم) .
3- راس المال الأمريكي الباحث عن الاستثمار .
--- وضعت أمريكا اللوم على الدول الأخرى بسبب احتفاظها بالدولار في خزائنها بدل إعادته لها ثمنا لمشترياتها من الأسواق الأمريكية . ---
اقتراحات و حلول لمشكلة العجز و السيولة :-
1- تشجيع الصادرات :
كانت الصادرات تشكل 10 % من الناتج القومي الأمريكي ، و لم تكن أمريكا مستعدة لرفع نسبة الصادرات و ذلك لسببين : -
أ ) زيادة الصادرات لا تغطي العجز في ميزان المدفوعات .
ب ) عدم استعداد أمريكا لاتخاذ اجراءآت من شأنها التأثير على اقتصادها . ( مثل التضخم ، تخفيض قيمة العملة ، و تغيير السياسة الداخلية لها ) .
2- تحمّل عبء نفقات الدفاع :-
طلبت أمريكا من حلفائها بان يتحملوا جزءا من نفقات الدفاع الأمريكية ، و بشكل خاص الدول الأوروبية ، حيث قامت برفع مساهمتهم في نفقات الدفاع الأمريكية عن أوروبا ، إلا أن هذا الاقتراح لم يوجد حلولا جذرية للعجز في ميزان المدفوعات ، و إنما كانت الحلول آنية .
3- طرح فكرة ( حقوق السحب الخاص) SDR من صندوق النقد الدولي : -
وهي عبارة عن حصص يتم منحها للدول الأعضاء في الصندوق ، وذلك بقدر مساهمتهم فيه ، حيث يحق لكل دولة عضو في الصندوق (IMF ) أن تقوم بالسحب منه بقدر حصة متفق عليها مسبقا لكل دولة عضو لمعالجة مشكلة السيولة لديها .
ويتم تقييم "وحدة السحب الخاصة" SDR بحسب أسعار سلة من العملات المقترحة من الدول الدائمة العضوية في صندوق النقد الدولي و بحصة لا تقل عن 40% لدولار أمريكا .
وضعت حقوق السحب الخاصة في الخدمة عام 1969 ، و اعتقد الخبراء الاقتصاديون في ذلك الوقت أن تصبح ال SDR عملة دولية . إلا أن هذه الفكرة أخفقت ، لأنها لا تصلح لان تكون عملة دولية لكونها لا تختزن في ذاتها أية قيمة ، إلا أنها كانت مسكّن يطيل من عمر نظام النقد الدولي ليس إلا .
فك ارتباط الدولار بالذهب ( القرار التاريخي) :-
قرر الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في 15/8/1971 فك ارتباط الدولار بالذهب نهائيا بعد أن كان مغطى جزئيا بما لا يزيد عن 25% من قيمته ، ( بعد أن كان الدولار ابتداءا من سنة 1946 م مغطى بالذهب بنسبة 100% ، و بقي كذلك حتى سنة 1960 ).
هذا القرار التاريخي للرئيس نيكسون لم يكن عبثيا ، حيث اتضح في أوائل العام 1971 – بحسب تقرير لجنة فرعية تابعة للكونغرس - بان قيمة الدولار الفعلية أقل من قيمة الدولار الرسمية ، و هذا يعني انخفاض القيمة الشرائية للدولار، و بالتالي ارتفاع أسعار السلع و الخدمات ، و هذا بعينه التضخم المالي .
لذلك جاء قرار نيكسون للتحرر من ارتباط الدولار بالذهب من جهة ، ومن جهة أخرى أرسى دولار أمريكا عملة عالمية دون أي دور للذهب ، بحيث تتمكن من طرح أي كمية من الدولارات المكشوفة ( دون غطاء نقدي ) في الأسواق لتغطية مشكلتي السيولة و العجز ، حيث تصبح قيمة تلك الأوراق النقدية الإلزامية نابعة من قوة الاقتصاد الأمريكي ، و كذلك للدور العالمي لأمريكا في النظام النقدي الدولي بسبب موقعها كدولة أولى في العالم .
بالإضافة إلى ذلك نستطيع القول بأنه بمقدار ما يتم تداوله من دولارات خارج أمريكا ، أو يستثمر من قبل مالكين أجانب في أصول تجارية أمريكية ، بمقدار ما يتوجب على بقية العالم أن يزود الولايات المتحدة بالبضائع و الخدمات مقابل هذه الدولارات المكشوفة . حيث لا تتكلف أمريكا بشيء في إنتاج الدولارات و ضخها في السوق ، وهي ميزة انفردت بها الإدارة الأمريكية من دون الدول ، هذا يعني أن أمريكا تستورد كميات ضخمة من السلع و الخدمات من دول العالم بدون مقابل ، في واقع الأمر. كون دولارها هو العملة العالمية الوحيدة في النظام النقدي الدولي .
ردة فعل أوروبا على القرار : -
لكون الأوروبيين مرتبطين ارتباطا وثيقا بالدولار لما ذكر سالفا ، لم يكن بإمكان العالم و الأوروبيين بالتحديد ، إلا بقبول القرار ، و حتى تحين الفرصة و تتخلص أوروبا من الدولارات المكدّسة في بنوكها المركزية .
كان ذلك التفكير نواة ولادة العملة الأوروبية الموحدة ، و التي وجدت جنبا إلى جنب مع فكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي ، من خلال خطة فيرنر التي طرحها رئيس الوزراء اللوكسمبورغي "بيير فيرنر " ، و أصبحت نواة الاتحاد الاقتصادي و النقدي الأوروبي .
أنشئ الاتحاد الأوروبي بشقيه السياسي و الاقتصادي من فكرة إنشاء السوق الأوروبية المشتركة ابتداءا ، حيث تبلورت فكرة الاتحاد الأوروبي ليجمع أوروبا الموحدة سياسيا و اقتصاديا ، وهذا يعني إيجاد عملة أوروبية موحدة اصطلح على تسميتها فيما بعد " اليورو" ، لتكون عملة عالمية تواجه الدولار في النظام النقدي الدولي.
بل و توجه له ضربة قوية كعمله عالمية وحيدة . بعد أن كان الدولار منفردا كعملة عالمية في نظام النقد الدولي بعد فك ارتباطه بالذهب ، خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي .
اليورو و الاتحاد الأوروبي :
الذي ساعد على ولادة العملة الأوروبية الموحدة كعملة عالمية و إدخالها حيز التنفيذ في التسعينات من القرن الماضي بشكل قوي في نظام النقد الدولي ، هو كون اقتصاد دول الاتحاد مجتمعة ، اكبر من الاقتصاد الأمريكي .
هذا الحدث اوجد حلا للمشكلة الكبرى في أوروبا بإمكانية أن تعاد الدولارات الأوروبية في سوق اليورودولار إلى أمريكا بعد أن تلفظها البنوك الأوروبية المركزية و التجارية .
ذلك الحلم الأوروبي اصبح ممكنا بعد سيطرة "اليورو" كعملة أساس لدول الاتحاد الأوروبي ، و طموحهم أن تكون عملة عالمية بديلة للدولار .
و أن الانخفاض الشديد في سعر الدولار مؤخرا ، أدى إلى ارتفاع في سعر صرف اليورو ، ما يدل على عدم تأثره من هذا الانخفاض ، و إنما ثبات في قيمته .
أمريكا اكبر مدين في العالم :
استمرت أمريكا في سياسة العجز في ميزان المدفوعات ، وذلك بهدف تمويل دورها العسكري و السياسي و دعم عملائها عبر العالم ، وكذلك دورها كشرطي العالم . و كانت تتم تغطية العجز بإصدار النقد المتواصل المكشوف ، إلا أن أمريكا وافقت جزئيا على عدم إصدار النقد المكشوف ، حيث كان البديل لتغطية العجز كالتالي :-
1- سياسة الاقتراض وذلك بإصدار و بيع أذونات الخزينة ، حيث لا تلجأ الإدارة الأمريكية إلى تمويل العجز بالضرائب و تثير الشعب الأمريكي .
2- إصدار سندات الدين الحكومية و الحصول على التمويل من خلال بيعها للمستثمرين المحليين و الدوليين .
هذه السياسة جعلت أمريكا اكبر مدين في العالم ، حيث بلغت ديونها في تسعينات القرن الماضي حوالي 5 تريليونات دولار و هذا يساوي إنتاجها القومي .
في العام 1994م يبلغ إجمالي الموجودات الأجنبية في أمريكا أكبر من الموجودات الأمريكية في الخارج . ثم جاء الرئيس كلينتون متعهدا بإصلاح الاقتصاد الأمريكي ، و ذلك من خلال تحرير التجارة الدولية لجعل دول العالم و الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية ( WTO) بشكل خاص ، سوقا للسلع و الخدمات الأمريكية لعل هذا الإجراء يخفض من العجز في ميزانها التجاري .
ولدت منظمة التجارة الدولية ( WTO) من رحم الاتفاقات التجارية الدولية التي سبقتها ، على رأسها اتفاقية الجات GATT أو ما يعرف بدورة الاوروغواى لتحرير التجارة الدولية و العولمة و الخصخصة ، و فتح الأسواق بحرية للشركات و البضائع الأمريكية .
الأهداف الرئيسية :-
1- إنعاش الاقتصاد الأمريكي و معالجة العجز في ميزان المدفوعات دون إصدار النقد المكشوف كما أسلفنا .
2- إلغاء التعرفة الجمركية مع الدول الأعضاء في الاتفاقية .
3- فتح الأسواق للبضائع الأمريكية .
و من الجدير ذكره أن الولايات المتحدة تسيطر على ثلاثة مؤسسات مالية رئيسية : البنك الدولي ( W.B ) ، صندوق النقد الدولي ( IMF ) ، و منظمة التجارة العالمية ( WTO ) . و كثيرا ما تنصح هذه المؤسسات الدول الأخرى أن تكون متعقلة ، بان لا يكون لديها عجز في ميزان المدفوعات أو في الإنفاق الحكومي ، بالرغم من وجود العجز لدى الأمريكان منذ عشرات السنين ، و كما قال العرب قديما " رمتني بدائها و انسلّت" .
أزمة التضخم المالي الأمريكي و انهيار سعر صرف الدولار :
وجدت أزمة التضخم المالي الأمريكي ابتداءا ، بسبب إصدار النقد الأمريكي المكشوف - دون تغطية – و ذلك لتغطية العجز في ميزان المدفوعات ، حيث انتشرت حالة التضخم المالي الأمريكي تلك عبر العالم مع الارتفاع الشديد في أسعار السلع و الخدمات و انخفاض قيمة الدولار في أسعار الصرف بسبب انخفاض القوة الشرائية له كعملة عالمية .
أدى الانخفاض الشديد في سعر صرف الدولار مقابل العملات ، إلى انخفاض أسعار صرف العملات المرتبطة به من العملات العربية و العالمية الأخرى بشكل طبيعي و بنفس النسبة ، مما دفع ببعض المسؤولين الخليجيين مثلا للمناداة بعدم ربط عملتهم المحلية بالدولار ، كما حصل في دولة الإمارات العربية المتحدة و دولة الكويت .
أما اليورو فقد ارتفع سعر صرفة مقابل الدولار بشكل غير مسبوق حيث بلغ سعر صرف اليورو مقابل الدولار 1.55 $ دولار بتاريخ 13/03/2008 . هذا بعد أن كان يعادل دولار واحدا أو 95 سنتا ، أي بنسبة انخفاض تعادل 55% تقريبا ، حيث اثر ذلك على ارتفاع أسعار السلع التي يتم تقييمها بالدولار ، مثل النفط و الذهب حيث تجاوز سعر برميل النفط 100 $ في الأعوام الأخيرة ، وعليه فان نسبة لا تقل عن 35 % من ارتفاع أسعار النفط يعود إلى تراجع القيمة التبادلية للدولار مقابل كافة العملات و خاصة اليورو .
و كذلك سعر الذهب سيزيد عند انخفاض الدولار لان تسعير الذهب يتم بالدولار .
التضخم يعبث باقتصاديات الدول :
التضخم يشكل تحديا كبيرا للدول خاصة الخليجية ، حيث ارتفاع إيراداتها بسبب الزيادة غير المسبوقة في أسعار النفط و انخفاض قيمة عملاتها الوطنية مع تراجع سعر الدولار و ذلك لكونها مرتبطة به ، مما أدى ببعض المسئولين الخليجيين بالمطالبة بعدم ربط عملاتهم بالدولار ، و استبداله باليورو كعملة رئيسية في التبادل التجاري العالمي ، بل و تسعير برميل النفط به . يقول الخبير الاقتصادي احمد اليوشع : "أن جزءا غير قليل من أسباب التضخم تعود إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية بسبب تراجع الدولار" .
ومن الجدير بالذكر ... أن أهم تأثير لانخفاض الدولار على الدول الخليجية ، هو تراجع القيمة الحقيقية للعوائد النفطية للدول المصدرة بالدولار و ارتفاع كلفة الواردات الخليجية من الدول التي انخفض الدولار مقابل عملاتها المحلية مثل الاتحاد الأوروبي و اليابان و الصين . مما دفع الدول الخليجية أن تعالج التضخم (ارتفاع الأسعار) لديها بالتالية :
1- رفع رواتب الموظفين و صرف إعانات عاجلة لمواجهة غلاء الأسعار .
2- تقليل حجم السيولة .
3- خفض الإنفاق الحكومي .
4- رفع سعر الفائدة الأساسية .
إلا أن هذه الاجراءآت محفوفة بالمخاطر و يتطلب نجاح بعضها قرارا جماعيا لدول الخليج الستة ، فعلى سبيل المثال : رفع سعر الفائدة يعتبر احد الحلول و هو عبارة عن سلاح بيد السلطات النقدية للدول لكبح جماح التضخم ، لكن ارتباط عملات دول الخليج بالدولار يجعل السلطات النقدية غير قادرة على اتخاذ هذه الخطوة ، لأنها تريد خفض أسعار الفائدة بعد تراجع قيمة عملاتها .
كلمة أخيرة:
مما سبق يتبين هشاشة النظام الاقتصادي الرأسمالي ، وانه يعيش في جو من عدم الاستقرار و الثبات ، و انه مهدد بالانهيار،علاوة على خطورة عدم تغطية النقد بالذهب ( الورقة النقدية النائبة ) ، و التحول إلى الأوراق النقدية الإلزامية التي تفقد قيمتها في أية لحظة مهما كان لها من مكانة في النظام النقدي الدولي ، أو كان ورائها اقتصاد قوي تستظل بظلّه . كذلك الاقتصاد المالي ( الوهمي ) ، الذي جاء مع النظام الرأسمالي حيث يتم التداول فيه بمليارات الدولارات ، و هو اوهن من بيت العنكبوت و إمكانية انهياره واردة ، و ما انهيار قيم الأسهم لشركات الأموال في بورصات شرق آسيا و بورصات الخليج ببعيد.
إلا انه يوجد أسئلة تفرض نفسها بعد الأحداث الاقتصادية الأخيرة و انهيار سعر صرف الدولار كما ذكرنا ، و اهتزاز عرش النقد الدولي من تحت أقدام الدولار .
و هي كالتالي :-
1 ) هل انخفاض الدولار يشكل سياسة أمريكية مقصودة ؟؟ ( لرفع الصادرات و ما شاكلها من الأهداف الاقتصادية الأمريكية) ؟؟
2 ) هل انخفاض الدولار خرج عن السيطرة الأمريكية ؟؟
3 ) إلى أين يتجه دولار أمريكا اليوم ؟؟
و للإجابة عل هذه الأسئلة نقول :
لقد امتد تأثير اليورو إلى الاقتصاد العالمي ، مما يجعل كلفة الاقتراض به منخفضة ، حيث يعزز فرص الاستثمار به ، و تحديدا كعملة دولية تقف في مركز الندية و المنافسة للدولار ، و ربما مهددة للميزة التي انفرد بها الدولار كعملة عالمية طوال السنين السابقة و التي جعلت من أمريكا مصرف لجميع دول العالم ، على اعتبار أن الدولار هو (العملة الصعبة ) للدول أو عملة الاحتياطات الدولية الرئيسية ، الأمر الذي سيفضي إلى انخفاض الطلب على الدولار ، مما يجعل أمريكا غير قادرة على تغطية العجز في ميزان المدفوعات بإصدار النقد المكشوف ، فتضطر إلى المزيد من المديونية .
إلا انه ومن جهة أخرى على عكس حالة القلق السائدة في أوروبا و اليابان بسبب تدهور قيمة الدولار ، فان حالة من الهدوء تسود صناع القرار في واشنطن ، فلم تصدر أي إشارة عن وزير الخزانة الأمريكية جون سنو أو الرئيس الأمريكي بوش أو غيرهما إلى اعتزام الإدارة الأمريكية مثلا استخدام احتياطاتها النقدية البالغة قيمتها 82 مليار $ دولار ، لدعم الدولار من خلال الدخول إلى أسواق الصرف العالمية و شرائهم للعملة الأمريكية .
ومن جهة أخرى صرح "ديفد ديروسا" أستاذ المالية في جامعة ييل الأمريكية : " إن ما يحدث مجرد تعديل في سعر الدولار و ليس له أي دلالة اقتصادية و لا سياسية أخرى " .
في حين يرى آخرون أن الخسارة محدودة الآن وان الخسارة الأكبر تتمثل في فقدان الثقة العالمية في الدولار ، و تزحزحه عن عرش التفرد في قيادة النظام النقدي الدولي .
إن وجود الثقة في العملة الأمريكية حيوي للغاية من اجل تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق المالية الأمريكية ، ففي السنوات الأخيرة ضخ المستثمرون الأجانب أكثر من 6 آلاف مليار دولار إلى الأسواق الأمريكية للاستثمار ، و بشكل رئيسي في القطاع العقاري مما أدى إلى نمو الناتج القومي الأمريكي خلال العشر سنوات الأخيرة .
لقد كانت الاستثمارات الأجنبية في أمريكا أحد العوامل الرئيسية لقوة الدولار حتى العام الماضي تقريبا ، لكن العجز الهائل في الموازنة الأمريكية ، وكذلك العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي بسبب الإنفاق العسكري (خاصة الحرب على أفغانستان والعراق) حيث بلغ العجز بحسب آخر إحصائية حوالي 620 مليار دولار ، جعل هؤلاء المستثمرين اكثر حرصا و اقل اندفاعا في إرسال أموالهم للاستثمار في أمريكا، تجنبا للخسارة، مما يجعل مستقبل العملة الأمريكية في النظام النقدي الدولي غامضا .
***
بسم الله الرحمن الرحيم
هيمنة النظام الاقتصادي الرأسمالي على العالم و أثره على العلاقات النقدية الدولية
بقلم أ . سالم السالم
كلية فلسطين التقنية / العروب
العناصر :-
1- الكتلة النقدية و ارتباط العملات بالدولار .
2- دور البنوك ( العمود الفقري للنظام الاقتصادي الرأسمالي )
3- دور المؤسسات المالية الدولية - صندوق النقد و البنك الدوليين .
4- دور أمريكا في العلاقات النقدية الدولية .
5- أسواق العملات و أسعار الصرف .
العلاقات النقدية الدولية :
لمحة تاريخية : -
شهدت العلاقات النقدية استقرارا بعيد الحرب العالمية الثانية ، وذلك لانخفاض الأزمات بين دول المعسكر الرأسمالي في أوروبا ، مما أدى إلى النمو الاقتصادي المتواصل في تلك الدول ، فوجد ما يسمى بمنطقة الإسترليني و منطقة الفرنك الفرنسي حتى العام 1958 م . أما على الجانب الآخر من الأطلسي فكان العجز في "ميزان المدفوعات الأمريكي" سيد الموقف منذ العام 1950 م . حيث النفقات العامة أكبر من الإيرادات العامة بسبب الإنفاق العسكري بالدرجة الأولى ، حيث بلغت ذروة العجز تلك في حرب فيتنام بسبب زيادة الإنفاق العسكري ، حيث اتبعت الإدارة الأمريكية في حينه أسلوبا لتغطية العجز في ميزان مدفوعاتها و ذلك : بإصدار نقد مكشوف ( دون غطاء بالذهب ) يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية للعملة و بالتالي ارتفاع في أسعار السلع و الخدمات ثم تضخم مالي في الدولة .
لقد انتقل التضخم إلى دول العالم جنبا إلى جنب مع انتقال الدولار إليها ، و ذلك بسبب كون الدولار عملة عالمية يتم من خلالها و بواسطتها قبض قيمة الصادرات و دفع قيمة المستوردات في التجارة الدولية .
سوق اليورو دولار : (European Dollar)
عالجت أمريكا العجز في ميزان مدفوعاتها بإصدار نقد مكشوف على مدار السنوات ، خصوصا في خمسينات و ستينيات القرن الماضي ، مما أدى إلى تسرب الدولار إلى دول العالم ، وخصوصا دول أوروبا . ثم أصبح في خزائن البنوك الأوروبية المركزية منها و التجارية بكميات كبيرة جدا .
في بداية الأمر رغب الأوروبيون بالاحتفاظ بالدولار في خزائنهم ، بل و فضلوه عن الذهب و ذلك للأسباب التالية :-
1- قابلية التحويل إلى الذهب من الخزانة الأمريكية في أي لحظة - لكونه كان مرتبط جزئيا بالذهب (ما يسمى بالورقة النقدية الوثيقة) بنسبة لا تتجاوز 25% من قيمة الدولار .
2- وجود اعتقاد آخر بأنه أفضل من الذهب لوجود ميزة السيولة ، و إمكانية جني الفوائد جراء استثماره في السوق النقدي .
هذا بشأنه أدى إلى بروز سوق "اليورو دولار" في أوروبا ، حيث التعامل بالدولار الأمريكي في أوروبا على نطاق واسع ، مما أدى بان أصبح تحويل الدولار من عملة إلى أخرى في هذا السوق حسب توقعات المضاربين ، وليس حسب القوانين المالية و النقدية للدول ، و بهذا الشكل يتم تحديد سعر صرفه ، و يرجع ذلك لما يلي :
أ ) الدولارات في (سوق اليورو دولار) لا تخضع لقوانين البنوك المركزية الأوروبية لأنها ليست عملة أوروبية .
ب ) لا تخضع للنظم الأمريكية لأنها خارج بلدها أمريكا .
هذا ... ولقد بلغ احتياطي أوروبا من الدولار في العام 1971 م مبلغ 303 بليون $ دولار ، في حين بلغ احتياطي أمريكا من الذهب 10 بليون $ دولار فقط .
وأدى ذلك في بداية السبعينات بان اعترف الأوروبيون بخطئهم في تكديس كميات كبيرة من الدولارات في خزائنها .
النتيجة :
التذبذب في أسعار الصرف ، انخفاض في قيمة العملة ، العسر المالي ، أزمة النقد .
لقد اصبح العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي سياسة أمريكية ، جنبا إلى جنب مع إصدار دولارات مكشوفة دون غطاء . حتى أدى في عام 1964 إلى أن تتساوى موجودات الدولار في احتياطي بنوك الدول الأجنبية = مع احتياطي الولايات المتحدة من الذهب . عند 15 بليون دولار .
و هذا يعني أن أي زيادة في موجودات البنوك المركزية من الدولار - عبر العالم و تحديدا الأوروبية منها - ، لا تصاحبها زيادة في احتياطي أمريكا من الذهب ، و يكون نقدا ورقيا مكشوفا . مما أدى بعد ذلك بان فقدت الدولارات المكدّسة في بنوك أوروبا شيئا من قيمتها .
لقد انتبه الأوروبيون مبكرا لتلك الأزمة و ما قد يلحق بهم من خسائر حالية أو مستقبلية محتمله في اقتصاداتهم ، بسبب دولار أمريكا المكدّس في بنوكهم فيما لو انهارت قيمته .
أدركت أوروبا أن ما تملكه من الدولارات (اليورو دولار) سمٌ في دسم ، مما دفع الرئيس الفرنسي السابق "ديغول" بان يسمي الفرق في قيمة الدولار الأوروبي بالضريبة القسرية التي يدفعها العالم للولايات المتحدة .
إلا أن العجز استمر في ميزان المدفوعات الأمريكي لثلاثة أسباب رئيسية :-
1- النفقات العسكرية .
2- المساعدات الاقتصادية للدول الأخرى ( وذلك لحفظ مستواها كدولة أولى في العالم) .
3- راس المال الأمريكي الباحث عن الاستثمار .
--- وضعت أمريكا اللوم على الدول الأخرى بسبب احتفاظها بالدولار في خزائنها بدل إعادته لها ثمنا لمشترياتها من الأسواق الأمريكية . ---
اقتراحات و حلول لمشكلة العجز و السيولة :-
1- تشجيع الصادرات :
كانت الصادرات تشكل 10 % من الناتج القومي الأمريكي ، و لم تكن أمريكا مستعدة لرفع نسبة الصادرات و ذلك لسببين : -
أ ) زيادة الصادرات لا تغطي العجز في ميزان المدفوعات .
ب ) عدم استعداد أمريكا لاتخاذ اجراءآت من شأنها التأثير على اقتصادها . ( مثل التضخم ، تخفيض قيمة العملة ، و تغيير السياسة الداخلية لها ) .
2- تحمّل عبء نفقات الدفاع :-
طلبت أمريكا من حلفائها بان يتحملوا جزءا من نفقات الدفاع الأمريكية ، و بشكل خاص الدول الأوروبية ، حيث قامت برفع مساهمتهم في نفقات الدفاع الأمريكية عن أوروبا ، إلا أن هذا الاقتراح لم يوجد حلولا جذرية للعجز في ميزان المدفوعات ، و إنما كانت الحلول آنية .
3- طرح فكرة ( حقوق السحب الخاص) SDR من صندوق النقد الدولي : -
وهي عبارة عن حصص يتم منحها للدول الأعضاء في الصندوق ، وذلك بقدر مساهمتهم فيه ، حيث يحق لكل دولة عضو في الصندوق (IMF ) أن تقوم بالسحب منه بقدر حصة متفق عليها مسبقا لكل دولة عضو لمعالجة مشكلة السيولة لديها .
ويتم تقييم "وحدة السحب الخاصة" SDR بحسب أسعار سلة من العملات المقترحة من الدول الدائمة العضوية في صندوق النقد الدولي و بحصة لا تقل عن 40% لدولار أمريكا .
وضعت حقوق السحب الخاصة في الخدمة عام 1969 ، و اعتقد الخبراء الاقتصاديون في ذلك الوقت أن تصبح ال SDR عملة دولية . إلا أن هذه الفكرة أخفقت ، لأنها لا تصلح لان تكون عملة دولية لكونها لا تختزن في ذاتها أية قيمة ، إلا أنها كانت مسكّن يطيل من عمر نظام النقد الدولي ليس إلا .
فك ارتباط الدولار بالذهب ( القرار التاريخي) :-
قرر الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في 15/8/1971 فك ارتباط الدولار بالذهب نهائيا بعد أن كان مغطى جزئيا بما لا يزيد عن 25% من قيمته ، ( بعد أن كان الدولار ابتداءا من سنة 1946 م مغطى بالذهب بنسبة 100% ، و بقي كذلك حتى سنة 1960 ).
هذا القرار التاريخي للرئيس نيكسون لم يكن عبثيا ، حيث اتضح في أوائل العام 1971 – بحسب تقرير لجنة فرعية تابعة للكونغرس - بان قيمة الدولار الفعلية أقل من قيمة الدولار الرسمية ، و هذا يعني انخفاض القيمة الشرائية للدولار، و بالتالي ارتفاع أسعار السلع و الخدمات ، و هذا بعينه التضخم المالي .
لذلك جاء قرار نيكسون للتحرر من ارتباط الدولار بالذهب من جهة ، ومن جهة أخرى أرسى دولار أمريكا عملة عالمية دون أي دور للذهب ، بحيث تتمكن من طرح أي كمية من الدولارات المكشوفة ( دون غطاء نقدي ) في الأسواق لتغطية مشكلتي السيولة و العجز ، حيث تصبح قيمة تلك الأوراق النقدية الإلزامية نابعة من قوة الاقتصاد الأمريكي ، و كذلك للدور العالمي لأمريكا في النظام النقدي الدولي بسبب موقعها كدولة أولى في العالم .
بالإضافة إلى ذلك نستطيع القول بأنه بمقدار ما يتم تداوله من دولارات خارج أمريكا ، أو يستثمر من قبل مالكين أجانب في أصول تجارية أمريكية ، بمقدار ما يتوجب على بقية العالم أن يزود الولايات المتحدة بالبضائع و الخدمات مقابل هذه الدولارات المكشوفة . حيث لا تتكلف أمريكا بشيء في إنتاج الدولارات و ضخها في السوق ، وهي ميزة انفردت بها الإدارة الأمريكية من دون الدول ، هذا يعني أن أمريكا تستورد كميات ضخمة من السلع و الخدمات من دول العالم بدون مقابل ، في واقع الأمر. كون دولارها هو العملة العالمية الوحيدة في النظام النقدي الدولي .
ردة فعل أوروبا على القرار : -
لكون الأوروبيين مرتبطين ارتباطا وثيقا بالدولار لما ذكر سالفا ، لم يكن بإمكان العالم و الأوروبيين بالتحديد ، إلا بقبول القرار ، و حتى تحين الفرصة و تتخلص أوروبا من الدولارات المكدّسة في بنوكها المركزية .
كان ذلك التفكير نواة ولادة العملة الأوروبية الموحدة ، و التي وجدت جنبا إلى جنب مع فكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي ، من خلال خطة فيرنر التي طرحها رئيس الوزراء اللوكسمبورغي "بيير فيرنر " ، و أصبحت نواة الاتحاد الاقتصادي و النقدي الأوروبي .
أنشئ الاتحاد الأوروبي بشقيه السياسي و الاقتصادي من فكرة إنشاء السوق الأوروبية المشتركة ابتداءا ، حيث تبلورت فكرة الاتحاد الأوروبي ليجمع أوروبا الموحدة سياسيا و اقتصاديا ، وهذا يعني إيجاد عملة أوروبية موحدة اصطلح على تسميتها فيما بعد " اليورو" ، لتكون عملة عالمية تواجه الدولار في النظام النقدي الدولي.
بل و توجه له ضربة قوية كعمله عالمية وحيدة . بعد أن كان الدولار منفردا كعملة عالمية في نظام النقد الدولي بعد فك ارتباطه بالذهب ، خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي .
اليورو و الاتحاد الأوروبي :
الذي ساعد على ولادة العملة الأوروبية الموحدة كعملة عالمية و إدخالها حيز التنفيذ في التسعينات من القرن الماضي بشكل قوي في نظام النقد الدولي ، هو كون اقتصاد دول الاتحاد مجتمعة ، اكبر من الاقتصاد الأمريكي .
هذا الحدث اوجد حلا للمشكلة الكبرى في أوروبا بإمكانية أن تعاد الدولارات الأوروبية في سوق اليورودولار إلى أمريكا بعد أن تلفظها البنوك الأوروبية المركزية و التجارية .
ذلك الحلم الأوروبي اصبح ممكنا بعد سيطرة "اليورو" كعملة أساس لدول الاتحاد الأوروبي ، و طموحهم أن تكون عملة عالمية بديلة للدولار .
و أن الانخفاض الشديد في سعر الدولار مؤخرا ، أدى إلى ارتفاع في سعر صرف اليورو ، ما يدل على عدم تأثره من هذا الانخفاض ، و إنما ثبات في قيمته .
أمريكا اكبر مدين في العالم :
استمرت أمريكا في سياسة العجز في ميزان المدفوعات ، وذلك بهدف تمويل دورها العسكري و السياسي و دعم عملائها عبر العالم ، وكذلك دورها كشرطي العالم . و كانت تتم تغطية العجز بإصدار النقد المتواصل المكشوف ، إلا أن أمريكا وافقت جزئيا على عدم إصدار النقد المكشوف ، حيث كان البديل لتغطية العجز كالتالي :-
1- سياسة الاقتراض وذلك بإصدار و بيع أذونات الخزينة ، حيث لا تلجأ الإدارة الأمريكية إلى تمويل العجز بالضرائب و تثير الشعب الأمريكي .
2- إصدار سندات الدين الحكومية و الحصول على التمويل من خلال بيعها للمستثمرين المحليين و الدوليين .
هذه السياسة جعلت أمريكا اكبر مدين في العالم ، حيث بلغت ديونها في تسعينات القرن الماضي حوالي 5 تريليونات دولار و هذا يساوي إنتاجها القومي .
في العام 1994م يبلغ إجمالي الموجودات الأجنبية في أمريكا أكبر من الموجودات الأمريكية في الخارج . ثم جاء الرئيس كلينتون متعهدا بإصلاح الاقتصاد الأمريكي ، و ذلك من خلال تحرير التجارة الدولية لجعل دول العالم و الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية ( WTO) بشكل خاص ، سوقا للسلع و الخدمات الأمريكية لعل هذا الإجراء يخفض من العجز في ميزانها التجاري .
ولدت منظمة التجارة الدولية ( WTO) من رحم الاتفاقات التجارية الدولية التي سبقتها ، على رأسها اتفاقية الجات GATT أو ما يعرف بدورة الاوروغواى لتحرير التجارة الدولية و العولمة و الخصخصة ، و فتح الأسواق بحرية للشركات و البضائع الأمريكية .
الأهداف الرئيسية :-
1- إنعاش الاقتصاد الأمريكي و معالجة العجز في ميزان المدفوعات دون إصدار النقد المكشوف كما أسلفنا .
2- إلغاء التعرفة الجمركية مع الدول الأعضاء في الاتفاقية .
3- فتح الأسواق للبضائع الأمريكية .
و من الجدير ذكره أن الولايات المتحدة تسيطر على ثلاثة مؤسسات مالية رئيسية : البنك الدولي ( W.B ) ، صندوق النقد الدولي ( IMF ) ، و منظمة التجارة العالمية ( WTO ) . و كثيرا ما تنصح هذه المؤسسات الدول الأخرى أن تكون متعقلة ، بان لا يكون لديها عجز في ميزان المدفوعات أو في الإنفاق الحكومي ، بالرغم من وجود العجز لدى الأمريكان منذ عشرات السنين ، و كما قال العرب قديما " رمتني بدائها و انسلّت" .
أزمة التضخم المالي الأمريكي و انهيار سعر صرف الدولار :
وجدت أزمة التضخم المالي الأمريكي ابتداءا ، بسبب إصدار النقد الأمريكي المكشوف - دون تغطية – و ذلك لتغطية العجز في ميزان المدفوعات ، حيث انتشرت حالة التضخم المالي الأمريكي تلك عبر العالم مع الارتفاع الشديد في أسعار السلع و الخدمات و انخفاض قيمة الدولار في أسعار الصرف بسبب انخفاض القوة الشرائية له كعملة عالمية .
أدى الانخفاض الشديد في سعر صرف الدولار مقابل العملات ، إلى انخفاض أسعار صرف العملات المرتبطة به من العملات العربية و العالمية الأخرى بشكل طبيعي و بنفس النسبة ، مما دفع ببعض المسؤولين الخليجيين مثلا للمناداة بعدم ربط عملتهم المحلية بالدولار ، كما حصل في دولة الإمارات العربية المتحدة و دولة الكويت .
أما اليورو فقد ارتفع سعر صرفة مقابل الدولار بشكل غير مسبوق حيث بلغ سعر صرف اليورو مقابل الدولار 1.55 $ دولار بتاريخ 13/03/2008 . هذا بعد أن كان يعادل دولار واحدا أو 95 سنتا ، أي بنسبة انخفاض تعادل 55% تقريبا ، حيث اثر ذلك على ارتفاع أسعار السلع التي يتم تقييمها بالدولار ، مثل النفط و الذهب حيث تجاوز سعر برميل النفط 100 $ في الأعوام الأخيرة ، وعليه فان نسبة لا تقل عن 35 % من ارتفاع أسعار النفط يعود إلى تراجع القيمة التبادلية للدولار مقابل كافة العملات و خاصة اليورو .
و كذلك سعر الذهب سيزيد عند انخفاض الدولار لان تسعير الذهب يتم بالدولار .
التضخم يعبث باقتصاديات الدول :
التضخم يشكل تحديا كبيرا للدول خاصة الخليجية ، حيث ارتفاع إيراداتها بسبب الزيادة غير المسبوقة في أسعار النفط و انخفاض قيمة عملاتها الوطنية مع تراجع سعر الدولار و ذلك لكونها مرتبطة به ، مما أدى ببعض المسئولين الخليجيين بالمطالبة بعدم ربط عملاتهم بالدولار ، و استبداله باليورو كعملة رئيسية في التبادل التجاري العالمي ، بل و تسعير برميل النفط به . يقول الخبير الاقتصادي احمد اليوشع : "أن جزءا غير قليل من أسباب التضخم تعود إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية بسبب تراجع الدولار" .
ومن الجدير بالذكر ... أن أهم تأثير لانخفاض الدولار على الدول الخليجية ، هو تراجع القيمة الحقيقية للعوائد النفطية للدول المصدرة بالدولار و ارتفاع كلفة الواردات الخليجية من الدول التي انخفض الدولار مقابل عملاتها المحلية مثل الاتحاد الأوروبي و اليابان و الصين . مما دفع الدول الخليجية أن تعالج التضخم (ارتفاع الأسعار) لديها بالتالية :
1- رفع رواتب الموظفين و صرف إعانات عاجلة لمواجهة غلاء الأسعار .
2- تقليل حجم السيولة .
3- خفض الإنفاق الحكومي .
4- رفع سعر الفائدة الأساسية .
إلا أن هذه الاجراءآت محفوفة بالمخاطر و يتطلب نجاح بعضها قرارا جماعيا لدول الخليج الستة ، فعلى سبيل المثال : رفع سعر الفائدة يعتبر احد الحلول و هو عبارة عن سلاح بيد السلطات النقدية للدول لكبح جماح التضخم ، لكن ارتباط عملات دول الخليج بالدولار يجعل السلطات النقدية غير قادرة على اتخاذ هذه الخطوة ، لأنها تريد خفض أسعار الفائدة بعد تراجع قيمة عملاتها .
كلمة أخيرة:
مما سبق يتبين هشاشة النظام الاقتصادي الرأسمالي ، وانه يعيش في جو من عدم الاستقرار و الثبات ، و انه مهدد بالانهيار،علاوة على خطورة عدم تغطية النقد بالذهب ( الورقة النقدية النائبة ) ، و التحول إلى الأوراق النقدية الإلزامية التي تفقد قيمتها في أية لحظة مهما كان لها من مكانة في النظام النقدي الدولي ، أو كان ورائها اقتصاد قوي تستظل بظلّه . كذلك الاقتصاد المالي ( الوهمي ) ، الذي جاء مع النظام الرأسمالي حيث يتم التداول فيه بمليارات الدولارات ، و هو اوهن من بيت العنكبوت و إمكانية انهياره واردة ، و ما انهيار قيم الأسهم لشركات الأموال في بورصات شرق آسيا و بورصات الخليج ببعيد.
إلا انه يوجد أسئلة تفرض نفسها بعد الأحداث الاقتصادية الأخيرة و انهيار سعر صرف الدولار كما ذكرنا ، و اهتزاز عرش النقد الدولي من تحت أقدام الدولار .
و هي كالتالي :-
1 ) هل انخفاض الدولار يشكل سياسة أمريكية مقصودة ؟؟ ( لرفع الصادرات و ما شاكلها من الأهداف الاقتصادية الأمريكية) ؟؟
2 ) هل انخفاض الدولار خرج عن السيطرة الأمريكية ؟؟
3 ) إلى أين يتجه دولار أمريكا اليوم ؟؟
و للإجابة عل هذه الأسئلة نقول :
لقد امتد تأثير اليورو إلى الاقتصاد العالمي ، مما يجعل كلفة الاقتراض به منخفضة ، حيث يعزز فرص الاستثمار به ، و تحديدا كعملة دولية تقف في مركز الندية و المنافسة للدولار ، و ربما مهددة للميزة التي انفرد بها الدولار كعملة عالمية طوال السنين السابقة و التي جعلت من أمريكا مصرف لجميع دول العالم ، على اعتبار أن الدولار هو (العملة الصعبة ) للدول أو عملة الاحتياطات الدولية الرئيسية ، الأمر الذي سيفضي إلى انخفاض الطلب على الدولار ، مما يجعل أمريكا غير قادرة على تغطية العجز في ميزان المدفوعات بإصدار النقد المكشوف ، فتضطر إلى المزيد من المديونية .
إلا انه ومن جهة أخرى على عكس حالة القلق السائدة في أوروبا و اليابان بسبب تدهور قيمة الدولار ، فان حالة من الهدوء تسود صناع القرار في واشنطن ، فلم تصدر أي إشارة عن وزير الخزانة الأمريكية جون سنو أو الرئيس الأمريكي بوش أو غيرهما إلى اعتزام الإدارة الأمريكية مثلا استخدام احتياطاتها النقدية البالغة قيمتها 82 مليار $ دولار ، لدعم الدولار من خلال الدخول إلى أسواق الصرف العالمية و شرائهم للعملة الأمريكية .
ومن جهة أخرى صرح "ديفد ديروسا" أستاذ المالية في جامعة ييل الأمريكية : " إن ما يحدث مجرد تعديل في سعر الدولار و ليس له أي دلالة اقتصادية و لا سياسية أخرى " .
في حين يرى آخرون أن الخسارة محدودة الآن وان الخسارة الأكبر تتمثل في فقدان الثقة العالمية في الدولار ، و تزحزحه عن عرش التفرد في قيادة النظام النقدي الدولي .
إن وجود الثقة في العملة الأمريكية حيوي للغاية من اجل تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق المالية الأمريكية ، ففي السنوات الأخيرة ضخ المستثمرون الأجانب أكثر من 6 آلاف مليار دولار إلى الأسواق الأمريكية للاستثمار ، و بشكل رئيسي في القطاع العقاري مما أدى إلى نمو الناتج القومي الأمريكي خلال العشر سنوات الأخيرة .
لقد كانت الاستثمارات الأجنبية في أمريكا أحد العوامل الرئيسية لقوة الدولار حتى العام الماضي تقريبا ، لكن العجز الهائل في الموازنة الأمريكية ، وكذلك العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي بسبب الإنفاق العسكري (خاصة الحرب على أفغانستان والعراق) حيث بلغ العجز بحسب آخر إحصائية حوالي 620 مليار دولار ، جعل هؤلاء المستثمرين اكثر حرصا و اقل اندفاعا في إرسال أموالهم للاستثمار في أمريكا، تجنبا للخسارة، مما يجعل مستقبل العملة الأمريكية في النظام النقدي الدولي غامضا .
***
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام