مدخل
الليبرالية التي ظهرت في القرن التاسع عشر كانت إنتاجا لزمن طويل من التأمل والتفكير عند عدد كبير من الكتاب المختلفين بشكل كبير في التفكير .
وقبل التحدث عن الليبرالية نستطيع تحديد أو رؤية ما يمكن تسميته الفكر الليبرالي ، أفكار وحقائق أو تأكيدات ، التي ستؤسس فيما بعد هيكل أو جسم المذهب الليبرالي. إذا لا يمكن أن نقول أن هناك أول إنسان ليبرالي ، أو نحدد تاريخ لظهور الليبرالية ، ولكن يمكن ملاحظة بعض الحركات الليبرالية عند العديد من الكتاب أو الاتجاهات في القرون الوسطى. الليبرالية في الواقع انطلاقها كان من موقف نقدي يتعلق بالسلطة ، كل السلطات .
يقول مارنيت : " الليبرالية دخلت إلى العالم كنقد ، نقد مؤسسات السلطة السياسية والدينية ونقد النظام القديم ". إن تثبيت الحق الطبيعي في مواجهة الحق الإلهي سيكون الأساس لليبرالية. وهنا يدخل الثاني مع الأول في حالة صراع من حيث أن الثاني يبرر الحكم الاستبدادي المطلق. استطاعت الثورة الفرنسية خلق " دوامة " أو تفجير أفكار عدة و إيجاد مذاهب سياسية في عصرها ، والتي يمكن أن نجدها أو نتفهمها في العديد من الظواهر السياسية اليوم . فيما يتعلق بالليبرالية علاقتها مع أفكار الثورة كانت معقدة ويمكن أن تعطي تفسيرات عدة. ولكن الإنسان الذي أعطيت له الحرية ليس باعتباره فردا منعماوالا ، بل كإنسان عضو في عائلة " الإنسان العائلة" وعضو في الدولة أو الأمة ، ومن ضمنها يمارس حقوقه ويشارك في الشؤون المشتركة .
إن الارتباط ما بين الثورة الفرنسية 1789 والليبرالية يحمل معنيين :
- الثورة بإعلانها وثيقة حقوق الإنسان والمواطن ، قدمت كناتج للأفكار الليبرالية المجهزة مسبقا ، هذه الأفكار التي طورت على ضوء ما سمي العقل النقدي أو العقل الناقد ، والتي سهلت وحضرت لقيام الثورة.
- بشكل معكوس ، الليبرالية فيما بعد ستتغذى على مبادئ الثورة ، وستشكل الثورة قاعدة للفكر والعمل السياسي.
ولكن لا بد من القول أن التطابق بين الليبرالية والثورة لم يظهر مباشرة في الثورة ، بل رفض الثوريون مبادئ الليبرالية ونخص من بينهم " الثورة اليعقوبية " فالفكر اليعقوبي كان في معارضة تامة مع الليبرالية وفي نفس الوقت مع الحرية والمساواة والملكية والسيادة. لكن الثورة طرحت سؤالا جديدا على الليبراليين " كيف تمارس أو ستمارس هذه السيادة الوطنية ؟ " والتي تصبح محررة للمرة الأولى ، كيف ستمارس من غير العودة لمصادرة الحقوق الفردية و الأمنية والملكية؟ من وجهة نظر الفكر السياسي هذه الفترة مهمة جدا ، حيث يتجمع الليبراليون حول قيادة واحدة ، سميت لأول مرة " الأيديولوجية " أنصار مذهب فكري واحد ، ولو أن هذه الكلمة لم تحمل آنذاك نفس المعنى تماما الذي تحمله اليوم .
حتى الثلث الأول من القرن التاسع عشر ، لم تلق الليبرالية منافسة في عملية نقدها للسلطة ، فهي التي أرادت إصلاح النظام،لكن هذا الأمر لم يستمر طويلا حيث بدأت الاشتراكية الحديثة النشأة بمنافسة الليبرالية كأيديولوجية ، وسنجد الليبرالية نفسها في موقع الاتهام من الاشتراكية التي ستتهمها بترك الفرد من دون حماية ودفاع وتسليمه للقوى الاقتصادية.
والثورة الصناعية من جانبها زودت الاشتراكيين بالحجج اللازمة : فالإنسان أكثر اضطهادا مما كان عليه في النظام القديم حسب الاشتراكية ، والتي أعلنت فيما بعد " اغتراب الإنسان " .
" مؤسس " فكرة الليبرالية
في فجر( مطلع ) القرن التاسع عشر، عام 1779، اصدر التيولوجي البروتستانتي الألماني Friedrich Schleiermacher كتابه "خطابات حول الدين"، أطروحته في هذه الكتاب أضرمت النار في عقول وأرواح أتباع المذهب العقلاني والذين كان لهم استعدادا مسبقا لتلقي هذه الأفكار. يِؤِكد التيولوجي الألماني " الدين ليس فكرا ولا عملا ، طقس شعائري بل تأمل وأحاسيس ومشاعر " ووفق هذا الفيلسوف الألماني المشاعر الدينية هي خبرة وتجربة شخصية والتي تترجم من خلال الارتباط المطلق بالله والإدراك الحدسي للانهاية.
ضمن هذا الإطار، العقائد لا تشكل نهائيا أي حقائق موضوعية ، بل اكتشافات أو" أشياء" تاريخية، والتي تستطيع رغم ذلك أن تضع نفسها في خدمة وتغذية " التقوى" . مع هذه النظرية استطاع التيولوجي الألماني أن يفتح عصرا جديا داخل الفكر البروتستانتي، ويؤسس فكريا للمذهب الليبرالي وقد قال عنه التيولوجي الشهير" Karl Barth ( 1886-1968) :" انه يعتبر الأب الحقيقي لليبرالية "libéralisme ". هذه الحركة الليبرالية والتي سعت وبحثت عن تصالح ما بين المسيحية والاكتشافات العلمية ، وما بين التأويل والتفسير الديني مع الفلسفة وذلك في القرن التاسع عشر. ويكفي أن نقول أن: عند التيولوجي الألماني Schleiermacher، الدين محصور في مكان المشاعر والأحاسيس ولا يمكن أن يبني حداثة "modernité ".
في القرن التاسع عشر، "اللاهوتية" البروتستانتية الألمانية عرفت تطورا عظيما في ما يتعلق بالليبرالية. فبعد Schleiermacher جاء العديد من المفكرين الألمان المدهشين وأكدوا أنهم يريدون إعطاء المشاعر الدينية قاعدة عقلية من شانها أن تتطابق أو تتقولب مع المحيط الجديد والحديث من الأفكار الليبرالية والتحررية ، ومن شأنها أن تخضع القديم للجديد ، وأن يكون الإرث الديني واتجاهاته خاضع للنقد التاريخي.
من المفكرين من يعتبر أن الليبرالية مذهب اقتصادي في أساسه، يحمي الحرية الفردية والحقوق الطبيعية والتي على الدولة أن تقوم بحمايتها. وفلاسفة "الحق الطبيعي" وعلى رأسهم John Locke من القرن السابع عشر أعطوا الليبرالية أولى أسسها ومكوناتها، من خلال العقد الاجتماعي بين الدولة والأفراد حيث على الدولة احترام حقوق الناس الطبيعية وأهمها الحرية والعدالة والملكية الخاصة، هذه المفاهيم ذاتها نجدها في إعلان حقوق الإنسان والمواطنة التي جاءت بها الثورة الفرنسية 1789وعمد المنظرون الأوائل لليبرالية إلى تقسيمها إلى نوعين:
الليبرالية السياسية: وهي من المبادئ النظرية لليبرالية خاصة في فرنسا، وهذا ما جاء به Benjamin Constant في القرن التاسع عشر، عندما دعى إلى فكرة الفصل الضروري بين السلطات من أجل ضمان الحريات العامة.
الليبرالية الاقتصادية: حيث تسعى الليبرالية إلى الدفاع عن الحرية الفردية فيما يتعلق بالسوق . ففي بداية القرن الثامن عشر، بعض الاقتصاديين من المذهب الفزيوقراطي Physiocrate ( وهو مذهب يعتبر الزراعة أساس الثروة) مثل P .Boisguillebert و F Quesnay عارض وقاوم الميركنتيلية Mercantilisme آنذاك المنطوية تحت زعامة Colbert والتي تعتبر الثروة ملك الدولة، ثم ناضلوا لعدم التدخل الاقتصادي للدولة.
في نهاية القرن الثامن عشر تحدث Adam Smith عن اليد الخفية للسوق، والتي تؤمن وتضمن الترتيب وتنظيم المصالح الفردية وتقود إلى نتيجة فيها منفعة للجميع ، دون حضور وسيط أو فاعل معين مكلف بمسؤولية حماية المصالح العامة . ويعرف A.Smithدور الدولة بمقولته " Etat gendarme " " دولة شرطية" ولها وظيفة واحدة وهي السهر على حماية واحترام عمليات المنافسة الحقيقية والشرعية ، وتسهيل ممارسة الحرية الفردية. أما في السنوات 1914-1820 فقد كانت تمثل العمر الذهبي لليبرالية الاقتصادية.
ابتداء من القرن التاسع عشر ، بدأ نظام الديمقراطية الليبرالية بالانتشار ، من خلال تبني عدة دول له واستمر هذا حتى القرن العشرين. هذا النظام جاء تحت شعار حماية الحريات الفردية، وعمليا عرفه الغرب وطوره منذ بداية القرن السادس عشر .فهو يضمن من خلاله مبادئه السياسية التمثيلية الحرية السياسية ( حرية الصحافة ، والاجتماع، والاعتقاد، والتعبير..) بحيث تعبر عن رأيك دون أن تنتابك حالة الوهم والقلق الدائم.
عرفت الليبرالية منذ ظهورها العديد من المعارضين، وكان أهمهم أتباع المذهب الاشتراكي، حيث رأى هؤلاء الليبرالية ، أيديولوجية الطبقات الخاصة " البرجوازية" ، والتي "تنتفع" من الحرية من أجل زيادة نموها وازدهارها وسيطرتها على الطبقات الأخرى. والحرية عندهم " الاشتراكيون" ، حرية المنافسة من أجل استغلال الناس الأكثر ضعفا والتي على الدولة أن تتدخل بشكل دائم لحمايتهم ، وهنا ابتدع الاشتراكيون نموذج "الدولة التدخلية" التسلطية في أعلى مراحلها. منذ نهاية القرن التاسع عشر ، الماركسية استطاعت أن تضعف الثقة بآليات عمل السوق والتي سميت " التسيير الذاتي" للسوق autorégulations.
وفي عام 1936 جاءJ.M.Keynesونشر (نظريته العامة) مبينا الأخطاء التي لا يمكن تلافيها في نظام السوق ومن هنا لابد من تدخل الدولة حسب رأيه، هذا التدخل الذي أصبح ضروريا للنمو خاصة بعد الحرب العالمية الثانية لا سيما في المجال الاجتماعي والاقتصادي. فالدولة حسبJ.M.Keynesليس فقط دولة لتحقيق الأمن وحماية المنافسة ، فهي دولة "عناية" . ولكن منذ نهاية الستينات ، الكينزية بدأت بالتراجع لعدم قدرتها إلى العودة لحالة الازدهار الاقتصادي فتركت مكانها لموجة جديدة من الليبرالية مع وصول مارغريت تاتشر ورولاند ريغان إلى السلطة في بريطانيا والولايات المتحدة مع بداية الثمانينات ( والذي سيكون موضوع هذه الدراسة في مرحلة متقدمة).
إذا الليبرالية هي أكثر من نظرية سياسية، فهي مفهوم اقتصادي للإدارة و الإنتاج وتنظيم العلاقات الاجتماعية الناتجة عنها.وقد انحدرت بشكل المتكامل من صعود البرجوازية كقوة في نهاية القرن الثامن عشر. وبداية القرن التاسع عشر. والنظرية الليبرالية تتعارض بشكل واضح مع المفاهيم الإقطاعية للسياسة والاقتصاد، حيث أعلنت مفاهيمها عن حرية الإنسان والمساواة أمام القانون.
عمد منظرو الليبرالية إلى تطوير مفهومهم عن المجتمع من خلال اعتبار أن كل إنسان يمثل نفسه كفرد منفصل عن الآخرين ومصالحه تتعارض معهم. المنافسة والمزاحمة نموذجان يميزان إدارة وعلاقة الإنسان داخل هذا النظام libéralisme ، حيث تصبح المزاحمة العالمية النموذج الأوحد الممكن للوجود والحياة. الفكرة هي الحرية ولكن ليس العدالة المؤسسة على تقسيم الموارد الموجودة، لذلك الليبرالية تلاقي قبولا كبيرا عند الأشخاص الذين يملكون رأس المال للاستثمار، ورفض من هؤلاء الذين لا يملكون شيئا سوى قوة عملهم التي يبيعونها في ظروف بائسة وسيئة. من هنا تؤسس الليبرالية الاقتصادية لأيديولوجية سياسية ، وضمن هذا المعنى تصبح الليبرالية السياسية انعكاسا لليبرالية الاقتصادية، والتي تقوم على التنظيم الرأسمالي للإنتاج.
الناظر لليبرالية بشكلها الخارجي كمذهب فلسفي سياسي يراها نظاما "أليفا" ولطيفا بالإنسان. الحرية هي أهم ما تفكر به والأولوية دائما للاستقلال كل شئ عن الأخر . لكن إذا دققنا في جوهرها الاقتصادي نجدها حالة من أكبر حالات الصراع، الكل ضد الكل، "فك مفترس" يطحن دون توقف( أيضا الماركسية كانت نظاما فكريا جيدا، ولكن ماذا أعطت على ارض الواقع ؟) في الواقع تستطيع القول أن الليبرالية قد أفسدت عندما بدأت اتصالها بالأشياء الاقتصادية، ولكن الإشكالية هنا أكثر تعقيدا من ذلك، فمن أفسد الأخر؟ الليبرالية أم الاقتصاد؟؟.
الطرح هنا يعني ألا نرى المشكلة بشكل مقلوب، بمعنى لا يوجد نظام اقتصادي فكري " économisme مستقل عن محيطه وكلي القدرة omnipotente ، لأنه وجد ويوجد دائما " أفكار" اجتماعية وسياسية لها دور كبير في تحديد اتجاه الفكر الاقتصادي، لذلك مصطلح économisme هنا يمكن تعريفه على أنه ( مذهب يعطي أو يعرف الأعمال والأفعال الاقتصادية من خلال رؤيته وشرحه لها، و إعطائها صفة الظواهر الاجتماعية والسياسية).
إذا كانت الليبرالية أفسدت بتماسها مع السوق، فهل هذا يعني أنها لا تحمل الجينات التي تجعلها مستعدة للتحول إلى وحش، ربما يأكل نفسه في النهاية؟ هناك من يرى أن السوق ليست ظاهرة طبيعية فهو المولود الأكثر تشوهاً لليبرالية. نقطة أخرى مهمة ضمن نفس النطاق لابد من الإشارة إليها، وهي أن الليبرالية السياسية أرادت أن تكون أكثر إنسانية، بينما الليبرالية الاقتصادية تورطت مرات كثيرة مع الأنظمة الأكثر ريبة في العالم. فقد رأى أحد فقهاء الاقتصاد:" أن اليابان هي ديمقراطية بنيت على أساس البضائع المجانية التي جاءتها ومن ثم تاجرت بها أو استنسختها، وهي ألان تدار باتجاهات مافيوية" .
ربما بمعنى ما نتفق مع هذا الطرح، إذا عدنا للتاريخ وتذكرنا جيداً وبعمق الاتفاق بين الصناعيين الألمان النظام النازي. حيث أن كبار رؤساء الشركات الألمانية آنذاك لا يستطيعون إقناعنا أنهم كانوا مع الليبرالية إلا من خلال تسويق ما لديهم.إنها فقط ليبرالية اقتصادية، على قاعدة " دعني على طريقتي أسحق كل من يضايقني وكل من لا يعترف بي". إن القضية تبقى واحدة مع اختلاف الزمن، فهل العالم اقل نازية الآن من قبل؟؟.
هناك من يختماوال الليبرالية في قراءتها إلى ليبرالية اقتصادية حصراً. وخاصة فيما يتعلق في العلاقة بين الاقتصاد والدولة. في الواقع ومنذ القرن التاسع عشر الليبرالية تقدم كفلسفة عامة تريد الإجابة على جميع اهتمامات و انشغالات المجتمع الإنساني. ومن هنا يمكن أن نقدم تعريفات أولية لبعض مكونات المفهوم الليبرالي Libéralisme:
- السياسية: وفق الليبرالية ، المجتمع السياسي يجب أن يبنى على أسس من الحريات والحقوق الفردية، حيث يجد الفرد من يضمن حقوقه ومبررات التزامه بالليبرالية داخل مؤسساتها نفسها. السلطة يجب أن تكون محددة، ومقسمة بشكل منظم بين القوى المتساوية أو المتعادلة. كما يجب أن تعرض السلطة و امتداداتها وتفرعاتها بشكل جليّ ومعروف أمام الجميع، وتكون مراقبة من خلال القضاء. وهذا يحمي المجتمع من السلطة المطلقة التي يأسرها طاغية لنفسه، ويحميه من ممارسة " السلطة الشعبية".
- المجتمع: ضمن مفهوم أن مصالح الأفراد يجب أن تقدم على الجماعة أو على المتطلبات الجماعية. وحرية التصرف تتحدد هنا بحسب ما يملكه الفرد من وسائل فكرية، جسدية، مادية. ضمن هذا السياق المجتمع الليبرالي هو مجتمع برجوازي يلجأ للمحافظة على اللامساواة، لاسيما في الذي يقيدّ أو يمنع الأفعال الجماعية من أن تصبح أقل ضعفاً.
- التاريخ: ترى الليبرالية أن التاريخ لا تصنعه حركات القوى الجماعية بل يصنع بواسطة الفردية اللامعة والبراقة أو يصنع الأفراد السيئون. والبناء هنا سيكون أو سيؤسس على التربية وعلى المثال الأعلى . وبالتالي يكون العمل لملء إطار لصورة ما تكون قد صنعت أمة أو تقدماً ما.
- المعرفة: والتي يجب أن يبحث عنها بحرية، دون خوف من أي معتقد أو دين. وهنا الدين ومؤسساته سيلعبان دوراً مهما في مقارعة هذا الاتجاه لأنه سيحد من سيطرة الدين ورجاله على العقول. ولأن المدارس أو الجامعات هي الكفيلة بضمان هذه الحرية وذلك التفكير الليبرالي، كما أنها ستشجعه. كما أن المعرفة وحدها تعلي من قيمة المجتمع وذلك بواسطة الجهود الفردية المبذولة.
- الحقيقة: الناتجة عن المواجهة بين الأفكار، والليبرالية تتبع مفهوم نسبية الحقيقة. حيث لا يوجد حقيقة كاملة بل متقلبة، والتي تبني بالجهود الدائمة، وتكون مقبولة لأنها تجيب على ضرورات اللحظة أو المرحلة. ضمن هذا المعنى كان مفهوم البرلمانية parlementarisme هو الترجمة السياسية للإيمان بأهمية الحوار في الوصول إلى الحقيقية.
يمكن تعريف الليبرالية بأشكال مختلفة، ولكن مهما كان شكل التعريف ومضمونه يجب علينا أن نبقى متيقظين، أن التعريف سيخضع بالتأكيد لاستعمال اللغة السياسية المحللة للمفاهيم السياسية المسيطرة على العالم أو النظام المهيمن يرتكز في الواقع كثيراً أو قليلاً على معرفة كل شخص للمفاهيم المستخدمة وعلى كل ما ينفع من أجل السيطرة على الجدل القائم أو من أجل كسب الدعاية لفكرة ما أو اتجاه ما.
على الصعيد النظري والثقافي، الليبرالية الكلاسيكية تقتسم مع الاشتراكية إرث عصر الأنوار. النفعيون Utilitaristes مثل جون ستيوارت ميل ، حاولوا في السابق الامتداد نحو حلول من النموذج الاشتراكي في القرن التاسع عشر أخذين مسافة مع أسطورة الطبيعيين وسذاجة تنظيم العلاقات الاقتصادية. بعد الحرب العالمية الثانية ، الليبرالية العقلية في الغرب أصبحت معادية للشيوعية رغم أنها كانت تنحو أكثر فأكثر باتجاه اليسار. يقول في هذا الصددI.Berlin : "إننا عقّلنا المفهوم الليبرالي للحرية السلبية". ويقولR.Avon :" أننا قدرنا الحركة الاجتماعية كموضوع سياسي". ويقولJ.Rawls : "إننا دمجنا إلى الليبرالية فكرة العدالة الاجتماعية".
في آن واحد، تيار تعاقبيا تتابعيا، اعتبر من قبل كثيرين كتيارات منشقة وخارجة، ارتبط اسمه بـ Friedrich von Hayek. أدى في العديد من الأوقات إلى حقائق ونتائج نظرية ومبينا ًالتهديدات الاجتماعية على دول (العناية) أو دول الرفاه. عرف هذا التيار جذرية في أفكاره، واضعاً موضع الشك المفاهيم السياسية للعقد الاجتماعي.
الليبرالية الاقتصادية
في فرنسا انتشرت الليبرالية الاقتصادية في بداية القرن الثامن عشر، حيث ظهرت إسهامات هذا المذهب الاقتصادية بشكل هام وكبير، معتمداً على نظرية الحقوق الطبيعية للفرد، وعلى بعض الاقتصاديين الفيزيوقراط مثل Pierre de Boisguillebert أو François Quesnay الذين حاولوا مقاومة الميركانتيلية معارضين التدخل الاقتصادي للدولة.
وبالنسبة لهؤلاء الكتاب الليبراليين، الأفراد يجب أن يتركوا أحراراً لملاحقة مصالحهم الشخصية، وهذا ما يقود في النهاية إلى نظام اجتماعي أفضل ما يمكن أن يكون. في الواقع يوجد قوانين طبيعية تسمح بالتصالح ما بين المصالح الشخصية وبين الرفاه بشكل عام، هذه القوانين هي قوانين السوق التي تدار بواسطة مبادئ المنافسة.
إن المقولة الشهيرة " دعه يعمل، دعه يمر " التي وضعها الفيزيوقراطي Vincent de Gournay، تلخص التوجهات الأولى لليبرالية بمحتواها الاقتصادي. وقد أعيدت هذه الأفكار على يد الاقتصاديين الكلاسيكيين البريطانيين منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن التاسع عشر. في كتابه " la richesse des nations ثروة الأمم " المنشور في عام 1776، يتحدث آدم سميث عن اليد الخفية للسوق والتي بواسطة الأسعار تكفل تنظيم المصالح الفردية وتقود إلى نتيجة رابحة بالنسبة للجميع دون توسط أي جهة أخرى تكلف نفسها بحماية المصالح العامة. وهنا السوق سيضمن الرفاه والسعادة وإلغاء حالات الصراع. ضمن هذا النطاق، تدخّل الدولة يجب أن يكون في حدوده الدنيا . فيما بعد أتى دافيد ريكاردو، مالتوس، جون ستيوارت ميل في بريطانيا، جان بابتيست في فرنسا، لينقلوا أفكار آدم سميث إلى القرن التاسع عشر، حتى يمكننا اعتبار 1820 - 1914 هي العمر الذهبي بالنسبة لليبرالية الاقتصادية.
التصالح ما بين الليبرالية والاقتصادية يمكن أن يظهر كإشكالية عندما نحاول تطبيقهما على المسائل المبدئية. دولة تضع في التنفيذ سياسة اقتصادية يقال أنها ليبرالية، تستطيع تماما في الحقيقة، أن تضع ضمن نفس النطاق نظاماً لا يتناسب أو يتماشى مع مبادئ الليبرالية السياسية. تأثير وسيطرة الليبرالية في القرن التاسع عشر، سيكون أفضل ، مع الانتشار التصاعدي للديمقراطية الليبرالية، هذا النظام الذي بواسطته تم تحقيق المصالحة ما بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية. ففي أوربا مع نهاية القرن التاسع عشر، باستثناء أسبانيا وألمانيا إضافة لاستثناء أمريكا الجنوبية، كانت الديمقراطية الليبرالية قد انتشرت وعمت وهذا ما استمر حتى القرن العشرين.
أما نظام الديمقراطية الليبرالية فيعرف قبل كل شئ من خلال المشاركة المباشرة أو غير المباشرة للمواطنين في الحياة السياسية.مع هذا يمكن اعتبار النظام الذي يسعى للحفاظ وللدفاع عن الحريات الفردية أنه نظام ديمقراطي كما كان سائداً في الغرب في نهاية القرن السادس عشر.الحريات السياسية ( حرية الصحافة، حرية الاجتماع، والاعتقاد، والتعبير، لن تكون مصانة ومضمونة إلا في الأنظمة السياسية التمثيلية، التي تملك دستوراً وبرلماناً مستقلا يمثل المواطنين عن طريق الانتخاب، وهؤلاء المنتخبون سوف يكون لهم وحدهم الحق في تشريع القوانين والضرائب أيضاً .
أما الحريات الاقتصادية عندما تتواجد بشكل ثنائي مع الحرية السياسية. سيكون هناك سبيل أفضل للمبادرات الفردية ومعها الملكية الخاصة. وفيما يتعلق بالحرية الاجتماعية التي تشكل النصف الأخر للحرية السياسية، تتفق مع النظرية القائلة أن الدولة يجب ألا تتدخل في العلاقات الاجتماعية،وبشكل خاص بين أرباب العمل وأصحاب الدخل.
الشكل السياسي للسلطة أو للنظام يمكن أن يختلف من دولة إلى أخرى، هناك ديمقراطيات ملكية وأخرى جمهورية ولكن في كل مكان من هذه الديمقراطية هناك مبادئ أساسية لا يمكن الحياد عنها. ولكن لابد من القول هنا، أن الليبرالية ليست المذهب السياسي الأوحد الذي طبع القرن التاسع عشر والعشرين بطابعه، فهي متعددة على الصعيد السياسي والاقتصادي.
دون شك الليبرالية وقعت في منافسة كبيرة مع اتجاهات أخرى، وكان أهمها الاشتراكية. حيث فضل منظروا هذه الأخيرة العدالة والمساواة على الحرية، الجماعة على الأفراد، والعلاقات الاقتصادية بتوجيه وتنظيم سياسي.ووفق تنظيراتهم الليبرالية هي أيديولوجية الطبقات الخاصة، لا سيما البرجوازية التي لديها حرية شكلية لا حقيقية وهي باسم الحرية تصادر المساواة والعدالة من الجميع لتحقيق ازدهارها وسيطرتها على ثروات الآخرين أو الطبقات الاجتماعية الأخرى.
سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت دورا تدخليا كبيرا للدولة في الحقل الاقتصادي والاجتماعي من خلال الاقتصاديين الذين استلهموا الكينزية . وفي نهاية عام 1960 رأي العديد من الاقتصاديين "Friedman, Friedrich Auguste von Hayek " التغيرات الكبرى التي طرأت على الاقتصاد العالمي ، مقترحين العودة إلى منابع الليبرالية وهذا ما جاء بزخم كبير في عهد مارغريت تاتشر ورولاند ريغان .
الليبرالية التي ظهرت في القرن التاسع عشر كانت إنتاجا لزمن طويل من التأمل والتفكير عند عدد كبير من الكتاب المختلفين بشكل كبير في التفكير .
وقبل التحدث عن الليبرالية نستطيع تحديد أو رؤية ما يمكن تسميته الفكر الليبرالي ، أفكار وحقائق أو تأكيدات ، التي ستؤسس فيما بعد هيكل أو جسم المذهب الليبرالي. إذا لا يمكن أن نقول أن هناك أول إنسان ليبرالي ، أو نحدد تاريخ لظهور الليبرالية ، ولكن يمكن ملاحظة بعض الحركات الليبرالية عند العديد من الكتاب أو الاتجاهات في القرون الوسطى. الليبرالية في الواقع انطلاقها كان من موقف نقدي يتعلق بالسلطة ، كل السلطات .
يقول مارنيت : " الليبرالية دخلت إلى العالم كنقد ، نقد مؤسسات السلطة السياسية والدينية ونقد النظام القديم ". إن تثبيت الحق الطبيعي في مواجهة الحق الإلهي سيكون الأساس لليبرالية. وهنا يدخل الثاني مع الأول في حالة صراع من حيث أن الثاني يبرر الحكم الاستبدادي المطلق. استطاعت الثورة الفرنسية خلق " دوامة " أو تفجير أفكار عدة و إيجاد مذاهب سياسية في عصرها ، والتي يمكن أن نجدها أو نتفهمها في العديد من الظواهر السياسية اليوم . فيما يتعلق بالليبرالية علاقتها مع أفكار الثورة كانت معقدة ويمكن أن تعطي تفسيرات عدة. ولكن الإنسان الذي أعطيت له الحرية ليس باعتباره فردا منعماوالا ، بل كإنسان عضو في عائلة " الإنسان العائلة" وعضو في الدولة أو الأمة ، ومن ضمنها يمارس حقوقه ويشارك في الشؤون المشتركة .
إن الارتباط ما بين الثورة الفرنسية 1789 والليبرالية يحمل معنيين :
- الثورة بإعلانها وثيقة حقوق الإنسان والمواطن ، قدمت كناتج للأفكار الليبرالية المجهزة مسبقا ، هذه الأفكار التي طورت على ضوء ما سمي العقل النقدي أو العقل الناقد ، والتي سهلت وحضرت لقيام الثورة.
- بشكل معكوس ، الليبرالية فيما بعد ستتغذى على مبادئ الثورة ، وستشكل الثورة قاعدة للفكر والعمل السياسي.
ولكن لا بد من القول أن التطابق بين الليبرالية والثورة لم يظهر مباشرة في الثورة ، بل رفض الثوريون مبادئ الليبرالية ونخص من بينهم " الثورة اليعقوبية " فالفكر اليعقوبي كان في معارضة تامة مع الليبرالية وفي نفس الوقت مع الحرية والمساواة والملكية والسيادة. لكن الثورة طرحت سؤالا جديدا على الليبراليين " كيف تمارس أو ستمارس هذه السيادة الوطنية ؟ " والتي تصبح محررة للمرة الأولى ، كيف ستمارس من غير العودة لمصادرة الحقوق الفردية و الأمنية والملكية؟ من وجهة نظر الفكر السياسي هذه الفترة مهمة جدا ، حيث يتجمع الليبراليون حول قيادة واحدة ، سميت لأول مرة " الأيديولوجية " أنصار مذهب فكري واحد ، ولو أن هذه الكلمة لم تحمل آنذاك نفس المعنى تماما الذي تحمله اليوم .
حتى الثلث الأول من القرن التاسع عشر ، لم تلق الليبرالية منافسة في عملية نقدها للسلطة ، فهي التي أرادت إصلاح النظام،لكن هذا الأمر لم يستمر طويلا حيث بدأت الاشتراكية الحديثة النشأة بمنافسة الليبرالية كأيديولوجية ، وسنجد الليبرالية نفسها في موقع الاتهام من الاشتراكية التي ستتهمها بترك الفرد من دون حماية ودفاع وتسليمه للقوى الاقتصادية.
والثورة الصناعية من جانبها زودت الاشتراكيين بالحجج اللازمة : فالإنسان أكثر اضطهادا مما كان عليه في النظام القديم حسب الاشتراكية ، والتي أعلنت فيما بعد " اغتراب الإنسان " .
" مؤسس " فكرة الليبرالية
في فجر( مطلع ) القرن التاسع عشر، عام 1779، اصدر التيولوجي البروتستانتي الألماني Friedrich Schleiermacher كتابه "خطابات حول الدين"، أطروحته في هذه الكتاب أضرمت النار في عقول وأرواح أتباع المذهب العقلاني والذين كان لهم استعدادا مسبقا لتلقي هذه الأفكار. يِؤِكد التيولوجي الألماني " الدين ليس فكرا ولا عملا ، طقس شعائري بل تأمل وأحاسيس ومشاعر " ووفق هذا الفيلسوف الألماني المشاعر الدينية هي خبرة وتجربة شخصية والتي تترجم من خلال الارتباط المطلق بالله والإدراك الحدسي للانهاية.
ضمن هذا الإطار، العقائد لا تشكل نهائيا أي حقائق موضوعية ، بل اكتشافات أو" أشياء" تاريخية، والتي تستطيع رغم ذلك أن تضع نفسها في خدمة وتغذية " التقوى" . مع هذه النظرية استطاع التيولوجي الألماني أن يفتح عصرا جديا داخل الفكر البروتستانتي، ويؤسس فكريا للمذهب الليبرالي وقد قال عنه التيولوجي الشهير" Karl Barth ( 1886-1968) :" انه يعتبر الأب الحقيقي لليبرالية "libéralisme ". هذه الحركة الليبرالية والتي سعت وبحثت عن تصالح ما بين المسيحية والاكتشافات العلمية ، وما بين التأويل والتفسير الديني مع الفلسفة وذلك في القرن التاسع عشر. ويكفي أن نقول أن: عند التيولوجي الألماني Schleiermacher، الدين محصور في مكان المشاعر والأحاسيس ولا يمكن أن يبني حداثة "modernité ".
في القرن التاسع عشر، "اللاهوتية" البروتستانتية الألمانية عرفت تطورا عظيما في ما يتعلق بالليبرالية. فبعد Schleiermacher جاء العديد من المفكرين الألمان المدهشين وأكدوا أنهم يريدون إعطاء المشاعر الدينية قاعدة عقلية من شانها أن تتطابق أو تتقولب مع المحيط الجديد والحديث من الأفكار الليبرالية والتحررية ، ومن شأنها أن تخضع القديم للجديد ، وأن يكون الإرث الديني واتجاهاته خاضع للنقد التاريخي.
من المفكرين من يعتبر أن الليبرالية مذهب اقتصادي في أساسه، يحمي الحرية الفردية والحقوق الطبيعية والتي على الدولة أن تقوم بحمايتها. وفلاسفة "الحق الطبيعي" وعلى رأسهم John Locke من القرن السابع عشر أعطوا الليبرالية أولى أسسها ومكوناتها، من خلال العقد الاجتماعي بين الدولة والأفراد حيث على الدولة احترام حقوق الناس الطبيعية وأهمها الحرية والعدالة والملكية الخاصة، هذه المفاهيم ذاتها نجدها في إعلان حقوق الإنسان والمواطنة التي جاءت بها الثورة الفرنسية 1789وعمد المنظرون الأوائل لليبرالية إلى تقسيمها إلى نوعين:
الليبرالية السياسية: وهي من المبادئ النظرية لليبرالية خاصة في فرنسا، وهذا ما جاء به Benjamin Constant في القرن التاسع عشر، عندما دعى إلى فكرة الفصل الضروري بين السلطات من أجل ضمان الحريات العامة.
الليبرالية الاقتصادية: حيث تسعى الليبرالية إلى الدفاع عن الحرية الفردية فيما يتعلق بالسوق . ففي بداية القرن الثامن عشر، بعض الاقتصاديين من المذهب الفزيوقراطي Physiocrate ( وهو مذهب يعتبر الزراعة أساس الثروة) مثل P .Boisguillebert و F Quesnay عارض وقاوم الميركنتيلية Mercantilisme آنذاك المنطوية تحت زعامة Colbert والتي تعتبر الثروة ملك الدولة، ثم ناضلوا لعدم التدخل الاقتصادي للدولة.
في نهاية القرن الثامن عشر تحدث Adam Smith عن اليد الخفية للسوق، والتي تؤمن وتضمن الترتيب وتنظيم المصالح الفردية وتقود إلى نتيجة فيها منفعة للجميع ، دون حضور وسيط أو فاعل معين مكلف بمسؤولية حماية المصالح العامة . ويعرف A.Smithدور الدولة بمقولته " Etat gendarme " " دولة شرطية" ولها وظيفة واحدة وهي السهر على حماية واحترام عمليات المنافسة الحقيقية والشرعية ، وتسهيل ممارسة الحرية الفردية. أما في السنوات 1914-1820 فقد كانت تمثل العمر الذهبي لليبرالية الاقتصادية.
ابتداء من القرن التاسع عشر ، بدأ نظام الديمقراطية الليبرالية بالانتشار ، من خلال تبني عدة دول له واستمر هذا حتى القرن العشرين. هذا النظام جاء تحت شعار حماية الحريات الفردية، وعمليا عرفه الغرب وطوره منذ بداية القرن السادس عشر .فهو يضمن من خلاله مبادئه السياسية التمثيلية الحرية السياسية ( حرية الصحافة ، والاجتماع، والاعتقاد، والتعبير..) بحيث تعبر عن رأيك دون أن تنتابك حالة الوهم والقلق الدائم.
عرفت الليبرالية منذ ظهورها العديد من المعارضين، وكان أهمهم أتباع المذهب الاشتراكي، حيث رأى هؤلاء الليبرالية ، أيديولوجية الطبقات الخاصة " البرجوازية" ، والتي "تنتفع" من الحرية من أجل زيادة نموها وازدهارها وسيطرتها على الطبقات الأخرى. والحرية عندهم " الاشتراكيون" ، حرية المنافسة من أجل استغلال الناس الأكثر ضعفا والتي على الدولة أن تتدخل بشكل دائم لحمايتهم ، وهنا ابتدع الاشتراكيون نموذج "الدولة التدخلية" التسلطية في أعلى مراحلها. منذ نهاية القرن التاسع عشر ، الماركسية استطاعت أن تضعف الثقة بآليات عمل السوق والتي سميت " التسيير الذاتي" للسوق autorégulations.
وفي عام 1936 جاءJ.M.Keynesونشر (نظريته العامة) مبينا الأخطاء التي لا يمكن تلافيها في نظام السوق ومن هنا لابد من تدخل الدولة حسب رأيه، هذا التدخل الذي أصبح ضروريا للنمو خاصة بعد الحرب العالمية الثانية لا سيما في المجال الاجتماعي والاقتصادي. فالدولة حسبJ.M.Keynesليس فقط دولة لتحقيق الأمن وحماية المنافسة ، فهي دولة "عناية" . ولكن منذ نهاية الستينات ، الكينزية بدأت بالتراجع لعدم قدرتها إلى العودة لحالة الازدهار الاقتصادي فتركت مكانها لموجة جديدة من الليبرالية مع وصول مارغريت تاتشر ورولاند ريغان إلى السلطة في بريطانيا والولايات المتحدة مع بداية الثمانينات ( والذي سيكون موضوع هذه الدراسة في مرحلة متقدمة).
إذا الليبرالية هي أكثر من نظرية سياسية، فهي مفهوم اقتصادي للإدارة و الإنتاج وتنظيم العلاقات الاجتماعية الناتجة عنها.وقد انحدرت بشكل المتكامل من صعود البرجوازية كقوة في نهاية القرن الثامن عشر. وبداية القرن التاسع عشر. والنظرية الليبرالية تتعارض بشكل واضح مع المفاهيم الإقطاعية للسياسة والاقتصاد، حيث أعلنت مفاهيمها عن حرية الإنسان والمساواة أمام القانون.
عمد منظرو الليبرالية إلى تطوير مفهومهم عن المجتمع من خلال اعتبار أن كل إنسان يمثل نفسه كفرد منفصل عن الآخرين ومصالحه تتعارض معهم. المنافسة والمزاحمة نموذجان يميزان إدارة وعلاقة الإنسان داخل هذا النظام libéralisme ، حيث تصبح المزاحمة العالمية النموذج الأوحد الممكن للوجود والحياة. الفكرة هي الحرية ولكن ليس العدالة المؤسسة على تقسيم الموارد الموجودة، لذلك الليبرالية تلاقي قبولا كبيرا عند الأشخاص الذين يملكون رأس المال للاستثمار، ورفض من هؤلاء الذين لا يملكون شيئا سوى قوة عملهم التي يبيعونها في ظروف بائسة وسيئة. من هنا تؤسس الليبرالية الاقتصادية لأيديولوجية سياسية ، وضمن هذا المعنى تصبح الليبرالية السياسية انعكاسا لليبرالية الاقتصادية، والتي تقوم على التنظيم الرأسمالي للإنتاج.
الناظر لليبرالية بشكلها الخارجي كمذهب فلسفي سياسي يراها نظاما "أليفا" ولطيفا بالإنسان. الحرية هي أهم ما تفكر به والأولوية دائما للاستقلال كل شئ عن الأخر . لكن إذا دققنا في جوهرها الاقتصادي نجدها حالة من أكبر حالات الصراع، الكل ضد الكل، "فك مفترس" يطحن دون توقف( أيضا الماركسية كانت نظاما فكريا جيدا، ولكن ماذا أعطت على ارض الواقع ؟) في الواقع تستطيع القول أن الليبرالية قد أفسدت عندما بدأت اتصالها بالأشياء الاقتصادية، ولكن الإشكالية هنا أكثر تعقيدا من ذلك، فمن أفسد الأخر؟ الليبرالية أم الاقتصاد؟؟.
الطرح هنا يعني ألا نرى المشكلة بشكل مقلوب، بمعنى لا يوجد نظام اقتصادي فكري " économisme مستقل عن محيطه وكلي القدرة omnipotente ، لأنه وجد ويوجد دائما " أفكار" اجتماعية وسياسية لها دور كبير في تحديد اتجاه الفكر الاقتصادي، لذلك مصطلح économisme هنا يمكن تعريفه على أنه ( مذهب يعطي أو يعرف الأعمال والأفعال الاقتصادية من خلال رؤيته وشرحه لها، و إعطائها صفة الظواهر الاجتماعية والسياسية).
إذا كانت الليبرالية أفسدت بتماسها مع السوق، فهل هذا يعني أنها لا تحمل الجينات التي تجعلها مستعدة للتحول إلى وحش، ربما يأكل نفسه في النهاية؟ هناك من يرى أن السوق ليست ظاهرة طبيعية فهو المولود الأكثر تشوهاً لليبرالية. نقطة أخرى مهمة ضمن نفس النطاق لابد من الإشارة إليها، وهي أن الليبرالية السياسية أرادت أن تكون أكثر إنسانية، بينما الليبرالية الاقتصادية تورطت مرات كثيرة مع الأنظمة الأكثر ريبة في العالم. فقد رأى أحد فقهاء الاقتصاد:" أن اليابان هي ديمقراطية بنيت على أساس البضائع المجانية التي جاءتها ومن ثم تاجرت بها أو استنسختها، وهي ألان تدار باتجاهات مافيوية" .
ربما بمعنى ما نتفق مع هذا الطرح، إذا عدنا للتاريخ وتذكرنا جيداً وبعمق الاتفاق بين الصناعيين الألمان النظام النازي. حيث أن كبار رؤساء الشركات الألمانية آنذاك لا يستطيعون إقناعنا أنهم كانوا مع الليبرالية إلا من خلال تسويق ما لديهم.إنها فقط ليبرالية اقتصادية، على قاعدة " دعني على طريقتي أسحق كل من يضايقني وكل من لا يعترف بي". إن القضية تبقى واحدة مع اختلاف الزمن، فهل العالم اقل نازية الآن من قبل؟؟.
هناك من يختماوال الليبرالية في قراءتها إلى ليبرالية اقتصادية حصراً. وخاصة فيما يتعلق في العلاقة بين الاقتصاد والدولة. في الواقع ومنذ القرن التاسع عشر الليبرالية تقدم كفلسفة عامة تريد الإجابة على جميع اهتمامات و انشغالات المجتمع الإنساني. ومن هنا يمكن أن نقدم تعريفات أولية لبعض مكونات المفهوم الليبرالي Libéralisme:
- السياسية: وفق الليبرالية ، المجتمع السياسي يجب أن يبنى على أسس من الحريات والحقوق الفردية، حيث يجد الفرد من يضمن حقوقه ومبررات التزامه بالليبرالية داخل مؤسساتها نفسها. السلطة يجب أن تكون محددة، ومقسمة بشكل منظم بين القوى المتساوية أو المتعادلة. كما يجب أن تعرض السلطة و امتداداتها وتفرعاتها بشكل جليّ ومعروف أمام الجميع، وتكون مراقبة من خلال القضاء. وهذا يحمي المجتمع من السلطة المطلقة التي يأسرها طاغية لنفسه، ويحميه من ممارسة " السلطة الشعبية".
- المجتمع: ضمن مفهوم أن مصالح الأفراد يجب أن تقدم على الجماعة أو على المتطلبات الجماعية. وحرية التصرف تتحدد هنا بحسب ما يملكه الفرد من وسائل فكرية، جسدية، مادية. ضمن هذا السياق المجتمع الليبرالي هو مجتمع برجوازي يلجأ للمحافظة على اللامساواة، لاسيما في الذي يقيدّ أو يمنع الأفعال الجماعية من أن تصبح أقل ضعفاً.
- التاريخ: ترى الليبرالية أن التاريخ لا تصنعه حركات القوى الجماعية بل يصنع بواسطة الفردية اللامعة والبراقة أو يصنع الأفراد السيئون. والبناء هنا سيكون أو سيؤسس على التربية وعلى المثال الأعلى . وبالتالي يكون العمل لملء إطار لصورة ما تكون قد صنعت أمة أو تقدماً ما.
- المعرفة: والتي يجب أن يبحث عنها بحرية، دون خوف من أي معتقد أو دين. وهنا الدين ومؤسساته سيلعبان دوراً مهما في مقارعة هذا الاتجاه لأنه سيحد من سيطرة الدين ورجاله على العقول. ولأن المدارس أو الجامعات هي الكفيلة بضمان هذه الحرية وذلك التفكير الليبرالي، كما أنها ستشجعه. كما أن المعرفة وحدها تعلي من قيمة المجتمع وذلك بواسطة الجهود الفردية المبذولة.
- الحقيقة: الناتجة عن المواجهة بين الأفكار، والليبرالية تتبع مفهوم نسبية الحقيقة. حيث لا يوجد حقيقة كاملة بل متقلبة، والتي تبني بالجهود الدائمة، وتكون مقبولة لأنها تجيب على ضرورات اللحظة أو المرحلة. ضمن هذا المعنى كان مفهوم البرلمانية parlementarisme هو الترجمة السياسية للإيمان بأهمية الحوار في الوصول إلى الحقيقية.
يمكن تعريف الليبرالية بأشكال مختلفة، ولكن مهما كان شكل التعريف ومضمونه يجب علينا أن نبقى متيقظين، أن التعريف سيخضع بالتأكيد لاستعمال اللغة السياسية المحللة للمفاهيم السياسية المسيطرة على العالم أو النظام المهيمن يرتكز في الواقع كثيراً أو قليلاً على معرفة كل شخص للمفاهيم المستخدمة وعلى كل ما ينفع من أجل السيطرة على الجدل القائم أو من أجل كسب الدعاية لفكرة ما أو اتجاه ما.
على الصعيد النظري والثقافي، الليبرالية الكلاسيكية تقتسم مع الاشتراكية إرث عصر الأنوار. النفعيون Utilitaristes مثل جون ستيوارت ميل ، حاولوا في السابق الامتداد نحو حلول من النموذج الاشتراكي في القرن التاسع عشر أخذين مسافة مع أسطورة الطبيعيين وسذاجة تنظيم العلاقات الاقتصادية. بعد الحرب العالمية الثانية ، الليبرالية العقلية في الغرب أصبحت معادية للشيوعية رغم أنها كانت تنحو أكثر فأكثر باتجاه اليسار. يقول في هذا الصددI.Berlin : "إننا عقّلنا المفهوم الليبرالي للحرية السلبية". ويقولR.Avon :" أننا قدرنا الحركة الاجتماعية كموضوع سياسي". ويقولJ.Rawls : "إننا دمجنا إلى الليبرالية فكرة العدالة الاجتماعية".
في آن واحد، تيار تعاقبيا تتابعيا، اعتبر من قبل كثيرين كتيارات منشقة وخارجة، ارتبط اسمه بـ Friedrich von Hayek. أدى في العديد من الأوقات إلى حقائق ونتائج نظرية ومبينا ًالتهديدات الاجتماعية على دول (العناية) أو دول الرفاه. عرف هذا التيار جذرية في أفكاره، واضعاً موضع الشك المفاهيم السياسية للعقد الاجتماعي.
الليبرالية الاقتصادية
في فرنسا انتشرت الليبرالية الاقتصادية في بداية القرن الثامن عشر، حيث ظهرت إسهامات هذا المذهب الاقتصادية بشكل هام وكبير، معتمداً على نظرية الحقوق الطبيعية للفرد، وعلى بعض الاقتصاديين الفيزيوقراط مثل Pierre de Boisguillebert أو François Quesnay الذين حاولوا مقاومة الميركانتيلية معارضين التدخل الاقتصادي للدولة.
وبالنسبة لهؤلاء الكتاب الليبراليين، الأفراد يجب أن يتركوا أحراراً لملاحقة مصالحهم الشخصية، وهذا ما يقود في النهاية إلى نظام اجتماعي أفضل ما يمكن أن يكون. في الواقع يوجد قوانين طبيعية تسمح بالتصالح ما بين المصالح الشخصية وبين الرفاه بشكل عام، هذه القوانين هي قوانين السوق التي تدار بواسطة مبادئ المنافسة.
إن المقولة الشهيرة " دعه يعمل، دعه يمر " التي وضعها الفيزيوقراطي Vincent de Gournay، تلخص التوجهات الأولى لليبرالية بمحتواها الاقتصادي. وقد أعيدت هذه الأفكار على يد الاقتصاديين الكلاسيكيين البريطانيين منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن التاسع عشر. في كتابه " la richesse des nations ثروة الأمم " المنشور في عام 1776، يتحدث آدم سميث عن اليد الخفية للسوق والتي بواسطة الأسعار تكفل تنظيم المصالح الفردية وتقود إلى نتيجة رابحة بالنسبة للجميع دون توسط أي جهة أخرى تكلف نفسها بحماية المصالح العامة. وهنا السوق سيضمن الرفاه والسعادة وإلغاء حالات الصراع. ضمن هذا النطاق، تدخّل الدولة يجب أن يكون في حدوده الدنيا . فيما بعد أتى دافيد ريكاردو، مالتوس، جون ستيوارت ميل في بريطانيا، جان بابتيست في فرنسا، لينقلوا أفكار آدم سميث إلى القرن التاسع عشر، حتى يمكننا اعتبار 1820 - 1914 هي العمر الذهبي بالنسبة لليبرالية الاقتصادية.
التصالح ما بين الليبرالية والاقتصادية يمكن أن يظهر كإشكالية عندما نحاول تطبيقهما على المسائل المبدئية. دولة تضع في التنفيذ سياسة اقتصادية يقال أنها ليبرالية، تستطيع تماما في الحقيقة، أن تضع ضمن نفس النطاق نظاماً لا يتناسب أو يتماشى مع مبادئ الليبرالية السياسية. تأثير وسيطرة الليبرالية في القرن التاسع عشر، سيكون أفضل ، مع الانتشار التصاعدي للديمقراطية الليبرالية، هذا النظام الذي بواسطته تم تحقيق المصالحة ما بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية. ففي أوربا مع نهاية القرن التاسع عشر، باستثناء أسبانيا وألمانيا إضافة لاستثناء أمريكا الجنوبية، كانت الديمقراطية الليبرالية قد انتشرت وعمت وهذا ما استمر حتى القرن العشرين.
أما نظام الديمقراطية الليبرالية فيعرف قبل كل شئ من خلال المشاركة المباشرة أو غير المباشرة للمواطنين في الحياة السياسية.مع هذا يمكن اعتبار النظام الذي يسعى للحفاظ وللدفاع عن الحريات الفردية أنه نظام ديمقراطي كما كان سائداً في الغرب في نهاية القرن السادس عشر.الحريات السياسية ( حرية الصحافة، حرية الاجتماع، والاعتقاد، والتعبير، لن تكون مصانة ومضمونة إلا في الأنظمة السياسية التمثيلية، التي تملك دستوراً وبرلماناً مستقلا يمثل المواطنين عن طريق الانتخاب، وهؤلاء المنتخبون سوف يكون لهم وحدهم الحق في تشريع القوانين والضرائب أيضاً .
أما الحريات الاقتصادية عندما تتواجد بشكل ثنائي مع الحرية السياسية. سيكون هناك سبيل أفضل للمبادرات الفردية ومعها الملكية الخاصة. وفيما يتعلق بالحرية الاجتماعية التي تشكل النصف الأخر للحرية السياسية، تتفق مع النظرية القائلة أن الدولة يجب ألا تتدخل في العلاقات الاجتماعية،وبشكل خاص بين أرباب العمل وأصحاب الدخل.
الشكل السياسي للسلطة أو للنظام يمكن أن يختلف من دولة إلى أخرى، هناك ديمقراطيات ملكية وأخرى جمهورية ولكن في كل مكان من هذه الديمقراطية هناك مبادئ أساسية لا يمكن الحياد عنها. ولكن لابد من القول هنا، أن الليبرالية ليست المذهب السياسي الأوحد الذي طبع القرن التاسع عشر والعشرين بطابعه، فهي متعددة على الصعيد السياسي والاقتصادي.
دون شك الليبرالية وقعت في منافسة كبيرة مع اتجاهات أخرى، وكان أهمها الاشتراكية. حيث فضل منظروا هذه الأخيرة العدالة والمساواة على الحرية، الجماعة على الأفراد، والعلاقات الاقتصادية بتوجيه وتنظيم سياسي.ووفق تنظيراتهم الليبرالية هي أيديولوجية الطبقات الخاصة، لا سيما البرجوازية التي لديها حرية شكلية لا حقيقية وهي باسم الحرية تصادر المساواة والعدالة من الجميع لتحقيق ازدهارها وسيطرتها على ثروات الآخرين أو الطبقات الاجتماعية الأخرى.
سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت دورا تدخليا كبيرا للدولة في الحقل الاقتصادي والاجتماعي من خلال الاقتصاديين الذين استلهموا الكينزية . وفي نهاية عام 1960 رأي العديد من الاقتصاديين "Friedman, Friedrich Auguste von Hayek " التغيرات الكبرى التي طرأت على الاقتصاد العالمي ، مقترحين العودة إلى منابع الليبرالية وهذا ما جاء بزخم كبير في عهد مارغريت تاتشر ورولاند ريغان .
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام