خطة البحث:
مقدمة
الفصل الاول: ماهية العلاقات الدولية:
المبحثالاول: تعريف العلاقات الدولية
المبحث الثاني: نشاة العلاقات الدولية
المحث الثالث: مبادئ العلاقات الدولية
المبحث الرابع:العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
المبحث الخامس: فواعل العلاقات الدولية
المبحث السادس: علاقة العلاقات الدولية بالعلوم الاخرى.
الفصل الثاني:النظرية في العلاقات الدولية:
المبحث الاول: المصطلحات الاساسية
المبحث الثاني:مفهوم النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث الثالث: تاريخ تنظير العلاقات الدولية.
المبحث الرابع: تصنيف النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث الخامس:مناهج دراسة النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث السادس: اتجاهات العلاقات الدولية.
المبحث السابع: وظائف النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث الثامن: ازمة التنظير.
خاتمة
مقدمة:
ان الفرد هو الخلية الحية في المجتمع والمشكلة التي تواجه كل مجتمع سياسي دائم هي ايجاد نظام يتيح الفرصة لكل فرد ان ينتج بقدر ما يستطيع في جو من الاطمئنان وعلى هذا فان المصلحة العامة تقتضي وجود سلطة ذات مسؤولية في كل جماعة لتقوم بوظيفة الاشراف على الامن وتحقيق العلاقات السياسية ومصالح الجماعات في اطار الصراع والقوة بين الدول كما ان العلاقات السياسية الدولية هي جزء في علم السياسةباعتبارها دراسة السياسة الداخلية والخارجية و من هنا نطرح الاشكالية :
الى اي مدى ساهمت النظريات في تقديم تفسيرات واقعية ومقبولة لما يحدث في العلاقات الدولية ؟
: الفصل الاول: ماهية العلاقات الدولية:
المبحث الأول:تعريف العلاقات الدولية:
لقد عرفت العلاقات الدولية تعدد ف يالتعاريف نتيجة تعدد وتنوع المدارس والاتجاهات الفكرية ، واختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها كل مفكر لهذه العلاقات فكل مدرسة تختلف في نظرتها للعلاقات الدولية عن الاخرى فانصارالمدرسة الواقعية يعرفون العلاقات الدولية من خلال المتغير الرئيسي الذي يعتمدون عليه في تحليلهم للعلاقات الدولية الا وهو متغير القوة .فهم يعرفون العلاقات الدولية على انها علاقات صراع قوة ومن اجل القوة(1).اما انصار نظرية التكامل الدولي فانهم يعرفون العلاقات الدولية من خلال الموضوع الرئيسي للنظرية والمتمثل في التكامل الدولي ،حيث ينظرون الى هذه العلاقات على انها علاقات تكاملية .في حين ان انصار نظرية التبعية يفسرون العلاقات الدولية على انها علاقات سيطرة وتبعية سيطرة دول المركز على دول المحيط وتبعية هذه الاخيرة لدول المركز.
ومن بين بعض التعاريف التي تصب في طبيعة العلاقات الدولية تعريف الدكتور أحمد عباس البديع في كتابه:"العلاقات الدولية :أصولها وقضياها المعاصرة"، الذي يعرف العلاقات الدولية بأنها:"مجموعة من الأنشطة والتفاعلات والأفعال وردود الأفعال بين مختلف دول العالم وعبر الحدود الاقليمية ... ترتبط ارتباطا وثيقا بأمور الحياة الانسانية وتؤثر تأثيرا مباشرا على أمن العالم واستقراره حيث ان العلاقات المبنية على أسس من التعاون والتفاهم تؤدي الى ازدهار حياة الشعوب وتقدم الدول،على العكس العلاقات التي تعج بتفاعلات الصراع،والتي تستند لسياسة "مركز القوة "في العلاقات الدولية ،فانها تكون مصدرا لاثارة المنازعات الدولية، معرضة العالم لويلات الحروب ومعيقة لمسيرة الشعوب في طريق تقدمها وازدهارها ".(2)
ان هذا التعريف يركز على طبيعة العلاقات الدولية في كونها علاقات صراع وتعاون في نفس الوقت ،ويرجع ذلك الى الاختلافات الجوهرية بين الدول عقائديا ،مذهبيا ،ايديولوجيا ،اقتصاديا،عسكريا ،ثقافيا وتتكنولوجيا.هذه الاختلافات تولد الصراع بين دول والتعاون بين دول اخرى بيد ان العلاقات الدولية بهذا الشكل تكون هي الاخرى نتاجا للطبيعة الجيبولتيكية
(1) ناصف يوسف حتى،النظرية في العلاقات الدولية ، لبنان ، بيروت، دار الكتاب العربي،1985، ص11.
لهذه العلاقات ،وهي العنصر الأساسي للحكم على وجود مثل هذه العلاقة الدوليةمن دونها.فلا يمكن الحديث عن علاقات دولية بين الدولة (أ) والدولة (ب) بدون علاقات سياسية تأخد الطابع الدبلوماسي،كما لا يمكن أن تكون هناك علاقات دولية بين الدولة (أ) والدولة (ب) بدون مراعاة للجانب الجغرافي، سواء من حيث التقارب الجغرافي بينهما ،او من حيث ما تزخر به هذه الدولة او تلك من موقع جغرافي ممتاز ،وما يحتويه من ثروة معدنية او زراعية هائلة.وهذا ما يعبر عنه تعريف محمد سامي عبد الحميد للعلاقات الدولية في كتابه:"العلاقات الدولية:مقدمة لدراسة القانون الدولي العام"،في قوله:"كل علاقة ذات طبيعة سياسية من شأنها احداث انعكاسات واثار سياسية ،تمتد الى ما وراء الحدود الاقليمية لدولة واحدة."(1)وهناكبعض التعاريف تركز على الجانب الأخلاقي أي الانساني للعلاقات الدولية.في هذا المعنى يقول نيكولاس سبيكمان بأنها:"العلاقات بين أفراد ينتمون لدول مختلفة،والسلوك الدولي هو السلوك الاجتماعي لأشخاص أو مجموعات تستهدف أو تتأثر بوجود سلوك أفراد أو جماعات ينتمون الى دولة أخرى"(2).
ان تعدد التعاريف وصعوبة ايجاد تعريف دقيق وسليم للعلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية الأخرى،وخاصة منها العلوم السياسية،القانونية والاقتصادية،فضلا عن تعدد وتنوع المواضيع التي تهتم بدراستها العلاقات الدولية .فحسب تقرير منظمة اليونسكو بشأن العلوم السياسية أن مادة العلاقات الدولية تشمل ثلاثة مواضيع رئيسية وهي:السياسة الدولية وما تشمله من دراسة للسياسات الخارجية للدول وتفاعلها مع بعضها البعض، التنظيم الدولي زما يتضمنه من دراسة للمنظمات الدولية والاقليمية على حد سواء ،القانون الدولي وما يحتويه من دراسة للقواعد القانونية التي تقوم بتقنين علاقات الدول بعضها ببعض وعلاقتها بالتنظيمات الدولية .(3)
فهذه التعاريف بقدر ما تشير الى ذلك التعدد في تعريفات العلاقات الدولية وتعقدها ،فانها كذلك تشير الى علاقة التداخل بين العلاقات الدولية والسياسة الدولية من جهة ، ووالعلاقات الدولية والسياسة الخارجية من جهة أخرى ،بل أن هناك كثير من الباحثين والمحللين من يخلط بين العلاقات الدولية ،السياسة الدولية والسياسة الخارجية ويجعلها مرادفات لبعضها البعض.فأحيانا يستعملون مفهوم السياسة الدولية للدلالة على العلاقات الدولية ،وأحيانا أخرى يستعملون مفهوم السياسة الخارجية للدلالة على العلاقات الدولية.
(1) عبد الناصر جندلي،"انعكاسات تحولات الظام الدولي لما بعد الحرب الباردة على الاتجاهات النظرية الكبرى للعلاقات الدولية " اطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في العلوم السياسية ،فرع اللوم السياسية ، جامعة قسنطينة ،2004/2005
(2) جيمس دوفرتي وروبرت بالتسغراف،النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ، ترجمة: د/وليد عبد الحي ، الكويت ، كاظمة للنشر، 1985، ص26
(3) بطرس بطرس غالي،محمود خيري عيسى،المدخل في علم السياسة ،مصر،القاهرة،مكتبة الانجلو المصرية،1998،ص338
الا أن كل من بطرس بطرس غالي ومحمود خيري عيسى ، يفضلان اسم"العلاقات الدولية" على غيره ، لأن كلمة "علاقة"توضح فكرة الرابطة الوثيقة بين الدول ، ولأن كلمة "دولية" تحد دذ الموضوع الذي يدور حول الدول.(1)
مما يعنى بدوره أن كل منهما يجعل العلاقات الدولية ،السياسة الدولية والسياسة الخارجية مرادفات لبعضها البعض لأن هناك عبارة تفضيل .بيد أنه ومن خلال المواضيع التي تهتم بدراستها العلاقات الدولية ، يمكن القول أن العلاقات الدولية هي أشمل وأعم من السياسة الخارجية،وأشملوأعم من السياسة الدولية. فهذه الأخيرة تشمل ذلك التفاعل بين مجموعة من السياسات الخارجية للدول .أما السياسة الخارجية فهي مجال تطبيق العلاقات الدولية .فبدون السياسة الخارجية لا يمكن الحديث عن علاقة دولية بين الدول ة (أ) والدولة (ب).ويفهم من هذا أيضا أن العلاقات الدولية هي علاقات بين السياسات الخارجية لجميع الوحدات السياسية ذات السيادة التامة في المجتمع الدولي، وبالتالي فالعلاقة بين العلاقات الدولية والسياسة الدولية من جهة،وبين العلاقات الدولية والسياسة الخارجية من جهة أخرى هي علاقة تداخل وليست علاقة ترادف.
رغم ذلك التعدد في التعريفات وتنوعها ،يمكن أن نصل الى تعريف اجرائي للعلاقات الدولية بأنها " تلك العلاقات السياسية ،الاقتصادية ،العسكرية ،الثقافية والاجتماعية بين الدول في تعاملها وتفاعلها مع بعضها البعض .وقد تأخذ هذه العلاقات شكل تعاون أو تكامل كما هو الحال بالنسبة للعلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي أو غيرها من علاقات التكامل الأخرى .وقد تأخذ شكل الصراع كما هو الحال بالنسبة للعلاقات بين دول الشمال التقدم ودول الجنوب المتخلف.وقد تأخذ شكل الصراع منأجل القوة ،كما هو الحال بالنسبة للعلاقات بين الدولالقوية كتلك العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي..."(2)
(1) نفس المرجع ، ص 337.
(2) عبد الناصر الدين جندلي ، تحول النظريات والأفكار في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية ، فرع العلوم السياسية ، جامعة قسنطينة ، 2008-2009
المبحث الثاني : نشأة العلاقات الدولية:
اذا كانت العلاقات الدولية لم تتبلور كعلم في مجال المعرفة الانسانية الا في الربع الأول من القرن العشرين ، فان العلاقات السياسية نشأت منذ أن وجدت التكتلات البشرية، وقامت بين القبائل روابط جوار أو حصلت فيما بينها الغزوات، وذلك منذ نشأة الجماعة البشرية التي اضطرت من أجل الحفاظ على بقائها وتأمين حاجاتها الى التعامل مع غيرها من التكتلات.
بعد التطور التاريخي للمجتمع الانساني الذي تحول ، في ما بعد ، الى مجتمعات سياسية،تحولت بدورها الى وحدات متميزة شكلت النواة الأولى للدولة راحت تشعر هذه النواة بضرورة انشاء علاقات سلمية فيما بينها.
وقد أكدت الكشوفات الأثرية على وجود روابط وصلات بين ممالك الشرق القديم .وخير دليل على هذه الروابط ،المعاهدة التي أبرمت عام 1278 ق.م .بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحثيين، والتي أنهت العداوة بين الدولتين وأقامت بينهما تحالفا دفاعيا ضد أي عدوان خارجي باشتراطها تقديم المساعدة المتبادلة في حال تعرض أحدهما لمثل هذا العدوان .
وأقام الاغريق نوعا من العلاقات المتبادلة بين المدن اليونانية،فكانت هذهالمدن تتبع مبدأ الاكتفاء الذاتي بتبادل الدبلوماسيين فيما بينها دون أن تتبادلهم مع غيرها من الدول لأنها كانت ترى نفسها أرفع شأنا من الاخرين.
وكانت هذه العلاقات تخضع في زمن الحرب لبعض القواعد المفترض احتلرامها من المتحاربيين،كقاعدة أن الحرب لا تبدأالا بعد اعلانها ، وان المعابد والملاعب تعتبر أماكن مصونة ، ولا اعتداء على الجرحى .أما في وقت السلم فان هذه العلاقات كانت تقوم على التعاه وتبادل البعثات الدبلوماسية وفض النزاعات عن طريق التحكيم .ولعل أول تحكيم سجله التاريخ كان بين اسبرطه ومسينا(123 ق.م) .
وبقيام الدولة الرومانية انصاع لحكمها معظم أوروبا ،وفرضت ارادتها على غيرها من الشعوب التي كانت بنظرها أدنى منها مرتبة .ولم تدخل في أحلاف الا مع المدن أو الشعوب التي تغلبت عليها ،لتفرض بذلك نوعا من الاستعمار المتمثل بهيمنة الغالب على المغلوب.(1)
(1) محمد منذر، مبادئ في العلاقات الدولية من النظريات الى العولمة ، ص11 - 12
وبعد زوال سلطان روما (31 ق.م-18.م) ،
بعد قرنين من الزمن من حكمها،انتهى عصر السلام الروماني .ومع اعتناق شعوب القارة الأوروبية الديانة المسيحية ونشر دعوتها التي تدعو الى الاخاء والسلام ،بدأ عهد جديد في تطور العلاقات الدولية لعبت الكنيسة خلاله دورا كببيرا، الى حد أنها ساهمت في وضع قواعد للقانون الدولي من خلال دعوتها الى (( السلام الكنيسي))، الذي يقضي بتحريم الحرب في فترات معينة من السنة ،ثم أعقب ذلك ، بعد حين اعلان ((الهدنة الربانية )) التي تحرم الحرب في بعض فترات أخرى من السنة .
وبعد قيام الدولة الاسلامية وانتشار الدين الاسلامي ، قامت الحضارة الاسلامية وشكلت امبراطورية شااسعة الأرجاء امتدت من الجزيرة العربية الى بلاد المشرق لتصل الى الصين عام 751م،وتضم مختلف الأجناس والحضارات والتقاليد ، وقد استطاعت هذه الأمبراطورية أن تحافظ على السلام ، بدخولها في علاقات مباشرة مع أوروبا المسيحية سواء في علاقات حربية أم سلمية ، لتمثل طرفا أساسيا في العلاقات الدولية التي عرفتها هذه الحقبة التاريخية .فكانت علاقة حست الجوار بين العرب في الأندلس وأوروبا ، وما فيها من تبادل للمنافع والعلوم .وكان التعاون السلمي بين هارون الرشيد والأمبراطور الروماني شارلمان (742-814) .على أن الحروب الصليبية التي ضبغت العلاقات الدولية بين أوروبا المسيحية والشرق المسلم بالصبغة الحربية لم تمنع كلا المعسكرين من ابرام العديد من الاتفاقات بينهما ، فكانت هذه الحضارة تنطلق في دعوتها لقيام مثل هذه العلاقات من المبادئ التي نادى بها القرا الكريم والسنة النبوية الشريفة من خلال تأكيدهما على أهمية التعاون الانساني والتسامح الديني،استنادا الى الاية الكريمة "يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة"والاية الأخرى "وان جنحوا للسلم فاجنح لها".
عندما بدأت العصور الوسطى تدنو من نهايتها ، استعد المجتمع الأوروبي لاستقبال العصر الحديث ،عصر النهضة ،الذي شهد حروبا دينية بين الكاثوليك والبروتستنت،دامت حوالي الثلاثين عاما من 1618 حتى1648.وبعد نمو الروح القومية التي مع الاكتشافات الجغرافية وبدء الحركة الاستعمارية الأوروبية منذ القرن السادس عشر التي أسفرت عن سلسلة من الحروب ،بدأت تطرح فكرة التنظيم الدولي كفكرة للبحث عن سلام دائم بين الدول ، والتخلص من مساوئ الحروب أو التعبير عن أهداف خاصة تشد عضد الدول المشرذمة في سبيل تحقيق نصر على الخصم في الطرف الاخر.(1)
(1) نفس المرجع ، ص12 – 13.
مع أهمية هذه الطروحات ، فقد بقيت بمعظمها (( وضعية وانشائية))،بعيدة عن الواقع ، أكثر مما هي تحليلية علمية . لذلك ظلت أمنية يتجه اليها الفلاسفة عندما تعصف الحروب بين الدول .ولم تصبح حقيقية ممكنة التطبيق الا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين .
وشهدت العلاقات الدولية خلال القرن السابع عشر، تطورات هامة، وذلك بانعقاد مؤتمر وستالفيا عام 1648، الذي نتج عنه توقيع معاهدة وستالفيا حيث ينظر اليها على أنها من الاتفاقيات الدولية ذات الشأن ،لأهمية المواضيع التي عالجتها وللمبادئ التي أوجدتها ، حتى اعتبرت الى حد كبير ، لاأساس الذي قامت عليه العلاقات الدولية منذ التوقيع عليها حتى قيام الثورة الفرنسية.
لقد وضعت هذه المعاهدة حدا نهائيا للمشكلة الدينية ببقاء المذهبين الكاثوليكي والبروتستنتي متعايشين في أوروبا .وأطلقن فكرة الدولة القومية في العلاقات الدولية، وأسست نظام البعثات الدبلوماسية وذلك بقيام الدول بتبادل السفارات .كما أقرت بفكرة توازن القوى كمبدأ أساسي لفرض السلام في القارة الأوروبية ،بهدف منع أية دولة أوروربية منأن يكون لها الرجحان على الأخرى ،واعترفت هذه المعاهدة بتضامن المصالح بين الدول الأوروبية والأخذ بمبدأ التشاور المستمر لمعالجة قضاياها الداخلية والخارجية.
وهكذا كانت جميع المحادثات والمفاوضات المتعلقة بالسلام والصلح تجري منذ أوائل القرن الثامن عشر ، تحت شعار ((التوازن الأوروبي)) ، الذي اعتمدته معاهدات أوترخت عام 1713، مؤكدة عليه بشكل بارز وجعلته مرجعا لها .وعرفت العلاقات الدولية تطورا هاما خلال القرن التاسع باعتمادها أسلوب المؤتمرات كوسيلة معتادة لتحقيق التعاون الدولي .فمنذ انعقاد مؤتمر فيينا عام 1815، تكون قد بدأت مرحلة في التاريخ الأوروبي أطلق عليها المؤرخون اسم ((نظام المؤتمرات ))، تجلت في التاريخ بأبهى دعواتها في اقامة نوع من ((الحكومة العالمية ))،أو ما يشبه مجلس ((أمن)).
لكن هذه السياسة لم تستمر طويلا بعد انتشار الروح القومية في أوروبا .واتجاه الدول الأوروبية الى اعتماد سياسة ((التفاهم والعمل المشترك ))، التي تقتضي باحتفاظ كل دولة بحريتها التامة في العمل والتفاهم مع غيرها ، اذا بدأ ذلك العمل يحول دون النزاع المسلح .لكن هذا النظام لم يفلح في منع الحروب بين الدول ، ولكنه نجح في حصرها بين الأطراف المتنازعة وحال دون تحولها الى حرب عامة.(1)
(1) نفس المرجع ، ص14 - 15
لما كانت الثورة ايذانا بولادة عهد جديد في العلاقات الدواية ترتب عليها زيادة في العلاقات بين أجزاء العالم وعظم شأن الحركة السلمية ، جاءت الدعوات لاحلال التعاون محل التصادم والتعايش بين المصالح وفض المنازاعات بالطرق السلمية عن طريق التحكيم والوساطة .غير أن هذه الصورة السلمية لم تحقق أهدافها بسبب السباق في التسلح ،والزيادة في الحلركة الاستعمارية ،مما أدى الى الفوضى في المجتمع الدولي والى تفوق أسلوب القوة على بقية الأساليب في العلااقات الدولية.فكانت الحرب العالمية الأولى 1914-1919 احدى نتائجها، وكان انشاء((عصبة الأمم))1919 من نتاج هذه الحرب ،بهدف تنمية التعاون الدولي ، وكضمانة لتنفيذ الالتزامات الدولية عن طريق الأمن الجماعي الذي يحول دون قيام حرب جديدة.
لم تفلح هذه العصبة من منع الحروب بين الدول ،وفي حفظ السلام الدولي بدليل قيام الحرب العالمية الثانية 1939-1945،مما ولد ضرورة انشاء منظمة دولية جديدة ، هي هيئة الأمم المتحدة ،وتضمين ميثاقها ،مبدأ امتناع أعضائها جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديدبالقوة أو استعمالها ضد سلامة أراضي الغير ،ونص على الاستقلال السياسي لاية دولة.
هذه صورة مختصرة لتطور العلاقات الدولية منذ القدم حتى قيام الحرب العالمية الثانية.
(1) نفس المرجع ، ص 15
المبحث الثالث: مبادئ العلاقات الدولية:
من أهم المبادئ التي يتم تداولها يوميا في الحياة الدولية ويشار اليها في المؤتمرات والاتفاقيات الدولية والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة :
1- مبدأ المساواة في السيادة بين الدول: وهو من المبادئ التي يرتكز عليها القانون الدولي منذ مدة وكما هومؤكد عليه في المادة رقم 02 من ميثاق الأمم المتحدة " تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها .
2- مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها: ويعود هذا المبدأ الى القرن التاسع عشر .على اثر ظهور حركات الانفصال والاستقلال في بعض الأقاليم مثل : انفصال اليونان عن دولة عثمانية عام 1830 ، كما أن هذا المبدأ يشكل أحد المبادئ الأساسية العامة في القانون الدولي والمبادئ العامة الأخرى.فلقد كان له دور في تحرير الكثير من الشعوب التي كانت تترنح تحت طوء الاستعمار ،كما أن هذا المبدأ يوفر اظهار حن التعامل بين الدول و الشعوب ، وهو يأخد خق الأفضلية على مبدأ التعايش وينطبق هذا خاصة على الوضع في فلسطين.
3- مبدأ عدم اللجوء الى القوة أو مبدأ تحريم الاستعمال في العلاقات الدولية :لكن هذا لامبدأ لا يزال يعاني من الانتهاكات العديدة للدول وخاصة العظيمة منها ، فهذه لأخيرة تفضل في كثير من الأحيان اللجوء الى استعمال القوة في تنفيذ سياستها الخارجية أو تحقيق مصالحها أو التعامل مع الدول ،مثال : أمريكا في أزمة العراق حيث فرضت تسوية النزاع العراقي باستعمال القوة بدعوى أن العلراق لا يحترم ارادة المجتمع الدولي.
4- مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية: وهو يعود الى عصور قديمة ،فهو أعتبر بمثابة استثناء في الفكر الغربي طيلة العصور الحديثة الى أن جاء ميثاق الأمم المتحدة سنة 1941 يؤكد على أن مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية مبدأ أساسي و ليس استثنائي وهذا في المادة 02-03 من الميثاق "يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر" . حيث أن هذا المبدأ يقيد الدول من استعمال القوة لأنها تؤدي الى احداث اضطرابات في المجتمع مما يثير التفاعل الدولي.
كذلك يكون ثقافة سلمية دولية تساعد على نشر التفاعل الدولي بطرق سلمية باعطاء مصداقية أكثر لمبادئ القانون الدولي وتدعيم العلاقات بين الدول واحترام ارادة بعضها البعض.
5- مبدأ احترام حقوق الانسان :تأكدت حقوق الانسان بعد الثورتين الأمريكية والفرنسية وجاء ميثاق عصبة الأمم ليؤكد على هذا المبدأ ويجعل منه مبدأ أساسيا ، كذلك أصبح مسألة دولية وهذا يتماشى حقيقة مع الشريعة الاسلامية السماوية التي كرمت الانسان وجعلته أفضل المخلوقات عند الله الا أن مبدأ احترام حقوق الانسان كان ولا يزال في حاجة الى تدعيمه وتطويره عن طريق ايجاد أليات تقوم بتطوير هذه الحقوق وحمايتها وضمان تجسيدها عمليا وليس نصيا فقط.
6- مبدأ التعاون الدولي في اقرار السلم والتنمية: وفي مواجهة التطورات وهو مبدأحديث نسبيا من حيث التقنين ولكنه قد يتم من حيث التعامل به وقد تعاملت به الشعوب المختلفة عبر التاريخ ،وبتطور المجتمع الدولي و التنظيم الدولي أصبح التعامل الدولي من ضروريات العلاقات الدولية وهذا ما جعل الميثاق ينص على أن هذا المبدأ من أجل تحقيق التعاون في شتى المجالات ذات الطبعة الاقتصادية ،الاجتماعية ، الثقافية والسياسية ، وان دل هذا الشيء فانما يدل على أنه لم يعد في امكان دولة واحدة أو مجموعة من الدول على حل المشاكل الدولية وضمان توفير متطلبات بشرية جمعاء.
7- مبدأ حسن النية في التعامل الدولي وفي تنفيد الاتفاقيات الدولية: لقد أكد الاسلام على هذا المبدأ حين ما أعتبره مبدأ أساسي لأي التزام بين الأفراد والجماعات ، فبدون هذا المبدأ لا يمكن أن نتكلم عن تطبيق الالتزامات الدولية بصفة عامة أو الاتفاقيات الدولية على الخصوص تطبيقا سليما وعادلا ومتجاوبا مع حقوق الأطراف المعنية ، ومبدأ حسن النية هو مبدأ ثقافي أخلاقي أكثر منه قانوني أو أساسي وانما جاء القانون لصياغة في شكل واضح وصريح ويضع له ضوابط محددة.
8- مبدأ حسن الجوار : وهو مبدأ قديم كذلك ، وقد ورد التأكيد عليه في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة كما أنه من الشروط الأساسية للاستقرار التاعمل بين الدول وحسن العلاقات خاصة الدول المتجاورة ،فبدون هذا المبدأ ألا تستقر العشرية ولا تعزز الألفة و لا يسود التفاهم والتعاون والاحترام المتبادل ناهيك عن الأمن والطمأنينة .
9- مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول: وهو يعود الى العهود القديمة ولكن تأكد أكثر في القرن التاسع عشر ، جاء هذا المبدأ وضع حد لأفكار الثورة الفرنسية والخوف من اننتشارها في النظم الملكية المحافظة وأصبح بمرور الوقت بمثابة العملة المتداولة بين الدول والنظم المختلفة خاصة عندما أخد التدخل أشكال مختلفة ولم يقتصر على الشكل العسكري ويأتي التدخل من قبل جهات أخرى كالمنظمات الدولية.
المبحث الرابع: العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية:
ان العوامل التي سنتطرق اليها هي متغيرات رئيسية للاتجهات النظرية للعلاقات الدولية، تعتمد عليها في دراستها ومعالجتها للظاهرة الدولية قيد البحث. كما ان عدم التطرق الى هذه الظواهر يؤثر سلبا على البحث خاصة وما لها من تأثيرات سلبية أو ايجابية على العلاقات الدولية ،او بشكلمباشر أو غير مباشرعلى الاتجاهات النظرية الكبرى للعلاقات الدولية محل الدراسة والتحليل.وهذه العوامل تتمثل فيما يلي:
العامل الجغرافي:
ان الجغرافيا السياسية تهتم بدراسة وتحليل التغيرات التي تحصل للظاهرة الدولية في تعاقباتها وتناقلاتها الزماكنية،وفقا للتأثر والتفاعل المتبادلين بينها وبين مختلف ظواهر البيئة كموطن للانسان. وترجع فكرة ربط العامل الجغرافي بالمجال السياسي الى العهد الاغريقي وبالتحديد عن أرسطو في كتابه:"السياسة" عندما تطرق لنظرية العلاقة بين المناخ والحرية. وقد كان لهذه الفكرة تأثيرا ايجابيا كبيرا على العديدي من المفكرين في العصر الحديث، نذكر منهم المفكر الفرنسي جان بودان في كتابه:" الأداة الجديدة "والمفكر الفرنسي الاخر ميشال دي مونتسكيو في كتابه: "روح الشرائع".كما أصبح للجغلرافيا دور كبير عند المحللين السياسيين في اطار ما يعرف بفكرة الحتمية الجغرافية في مدرسة راتزال والمدرسة الجيبولتيكية فيما بعد. ولعل ما يؤكد على أهمية دور العامل الجغرافي في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم السياسية بشكل عام هو نابليون بونابارت في عبارته المأثورة :"ان سياسة الدول في جغرافيتها."
فجغرافية الاتحاد السوفياتي أوالولايات المتحدة أو بريطانيا تؤثر بشكل أو بأخر في علاقاتها مع الدول الأخرى،بل أن الجغرافيا أصبحت تستعمل أساسا لخوض الحرب،كما يؤكد ذلك "ايف لاكوست"في قوله:
" القول منذ البداية أن الجغرافيا تستخدم في المقام الأول لخوض الحرب لا يعني أنها تستخدم الا للقيام بالعمليات العسكرية ، انها تستخدم أيضا لتنظيم الأقاليم ، ليس فقط توقعا للمعارك التي يتعين خوضها ضد هذا الخصم أو ذلك ، بل وكذلك لمضاعفة التحكم في السكان الذين يفوضون جهازا لممارسة سلطته عليهم ."
في مقولته هذه يريد لاكوست أن يبين لنا تلك العلاقة الترابطية والجدلية بين الجغرافيا والسياسة .فلو تأملنا قليلا في خريطة العالم لوجدنا أن الموقع الجغرافي يشكل العنصر الأساسي لتقييم القدرات والامكانات الطبيعية التي تستحوذ عليها دولة معينة.بل فوق كل ذلك يساهم الموقع الجغرافي بدرجة كبيرة في رسم السياسة الخارجية للدول من حيث تأثيراته السياسية ،العسكرية ،الاقتصادية والتجارية .فالدولة المتصلة باليابسة يؤهلها موقعها لبناء قوتها العسكرية بناء دفاعيا بريا لوجود العمق البري الدفاعي كالموقع الذي تحتله كل من روسيا وألمانيا .أما موقع الولايات المتحدة الأمريكية يجعل منها قوة برية وبحرية في آن واحد .بينما الدولة غير المطلة على منافدذبحرية لا تكون لديها نفس التسهيلات التجارية والتبادلية التي تكون بحوزة دولة لديها موانئ.فالقنوات والخلجان والمضايق كفيلة بمنح الدولة بعدا اقتصاديا هائلا .
العامل الديموغرافي:
يعد العامل الديمغرافي نعمة بالنسبة لدول الشمال المتقدم أو ما يطلق عليها في نظرية التعية بدول المركز ،حيث يكون له تأثيرات ايجابية لأنها تملك فضلا عن القدرة البشرية المنتجة الهائلة ، امكانيات القوة في مجالات أخرى، وخاصة منها الاقتصادية،العسكرية والتكنولوجية ،وما لهذه المجالات من دور بارز وفعال في توظيف العامل الديمغرافي لصالحها .ويعد العامل الديمغرافي نقمة بالنسبة لدول الجنوب المتخلف أو ما يطلق عليها في نظرية التبعية بدول المحيط ،اذ يكون له تأثيرات سلبية على هذه الدول لأنها تملك مقومات القوة التي تملكها الدول المتقدمة في شتى المجالات ،وبالتالي فان الانفجار السكاني بها يشكل عقبة وحجر عثرة أمام نموها أو محاولة تطورها .وهنا نشير الى أنه حسب تقديرات المخابرات المركزية الأمريكية،فان عدد سكان العالم سيقفز الى 7 مليارات ومئة ألف نسمة بحلول عام 20155،95 بالمئة سوف تحدث في البلدان النامية و5 بالمئة ستحدث في العالم المتقدم.
كما يرتبط العامل الديمغرافي ارتباطا وثيقا بطبيعة النظام السياسي للدولة، ففي النظم السياسية الديكتاتورية ، نجد تهميشا شبه كاي للجماهير وابعادهم عن المشاركة في ممارسة السلطة وفي عملية صنع القرار التي تتميز بالأحادية القرارية.مما نتج عن ذلك اتساع الهوة بين الحاكم والمحكومين الناتجة عن فقدان عنصر الثقة المتبادلة بينهما .
الأمر الذي يؤدي الى حدوث اضطرابات وقلائل سياسية ، تقلل ن فاعلية العامل الديمغرافي الذي يفترض فيه أن يكون الأداة الرئيسية لتقوية الدولة وتعزيز موقعها ونفوذها داخليا وخارجيا .وما ينجم عن حالة عدم الاستقرار هذه نشوب حروب أهلية فهذا تأثير سلبي اخر يضاف الى السلبيات الديمقراطية كل الحرص على اشراك الجماهير في رسم المعالم الكبرى لسياسة الدولة وكذا في عملية صنع القرار .مما يترتب عن ذلك تحقيق نوع من الاستقرار السياسي في هذه الدول وما يينجم عنه من نمو وتطور وتقدم في شتى ميادين الحياة المتنوعة.
العامل الاقتصادي:
تكمن أهمية العامل الاقتصادي من المنظور الماركسي في أن : " تاريخ المجتمع الانساني هو في تاريخه الاقتصاي ، في تاريخ القوى الانتاجية ، انه تاريخ الصراع من أجل ملكية أدوات الانتاج."
لقد كان ومايزال العامل الاقتصادي المفسر الأساسي لظواهر العلاقات الدولية منذ اندلاع الثورة الصناعية في أوروبا وبالتحديد في انجلترا الى غاية مرحلة ما بعد نهاية الحلرب الباردة في العقد الأخير من القرن العشرين والبدايات الأولى من القرن الحادي والعشرين .ففي الفترة التي أعقبت الثورة الصناعية (1890-1914)،كانت الظاهرة الاستعمارية في احدى صورها مظهرا من مظاهر التفوق الاقتصادي لقوة معينة على حساب قوى أخرى ،كما أن العلاقات الاقتصادية بين الدول الاستعمارية والدول المستعمرة كانت في احدى صورها من صور التبعية الاقتصادية في السلع المصنعة وغيرها من المنتوجات الزراعية والمواد الأولية.وهي العلاقات اللامتكافئة التي ينتج عنها اتساع الهوة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة.ويرجع ذلك الى اعتماد هذه الأخيرة علىمنتوج واحد في صادراتها للخارج وعلى المواد الخام .الأمر الذي يجعل الدول الاستعمارية تتحكم في اقتصادياتها، بل وتخضعها لشروط تعجيزية تزيد الوضع تخلفا وتدهورا، من بينها: انخفاض قيمة العملة الوطنية وتسريح العمال...
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ظهرت الولايات المتحدة كقوة اقتصادية مؤثرة في العلاقات الدولية لفترة الحرب الباردة ،كما تمكنت من السيطرة على مؤسسة التنمية الدولة (International Développent Association)ومؤسسة التمويل
الدولية(International Financial Association) والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (General Agrément Tax and Trade).بالاضافة الى ذلك تسيطر الولايات المتحدة على كل من صندوق النقد الدولي(International Monetary Fund) والبنك العالمي (World Bank).فضلا عن سيطرتها على الشركات المتعددة الجنسيات (Multination Corporations).وهي اليات ووسائل تلجأ الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة الى تطبيقها لتكريس تبعية الدول المتخلفة لها وللحيلولة دون انتشاره الى أوروبا الغربية من جهة أخرى.
العامل التكنولوجي:
ان الهوة التكنولوجية بين دول الشمال المتقدم ودول الجنوب المتخلف هي في اتساع مستمر بسبب عدم امتلاك هذه الأخيرة للعامل التكنولوجي الذي يؤثر ايجابا على العلاقات بين دول الشمال ، ويؤثر سلبا على العلاقات بين دول الجنوب فيما بينها من جهة ،وبينها وبين دولالشمال من جهة أخرى. فالتكنولوجيا أنجع وسيلة تستخدمها الدول المتقدمة لبسط سيطرتها نفوذها على الدول المتخلفة.في هذه الحالة تكرس التكنولوجيا علاقات السيطرة والتبعية ،سيطرة الشمال المتقدم على الجنوب المتخلف ،وتبعية هذا الأخير للشمال المتقدم.
رغم انعقاد أول قمة عالمية تكنولوجية بجنيف في ديسمبر 2003 تحت اسم قمة مجتمع المعلومات بمشاركة أكثر من 175 دولة من الشمال المتقدم والجنوب المتخلف ، الا أن دول الشمال لم تتخذ في هذه القمة أية مبادرات عملية لتضييق الفجوة الحضارية والعلمية والتكنولوجية بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف، بل خرجت ببيانات خطابية لا تجد نفعا في هذا المجال ، شبيهة بتلك التي خرجت بها في أعقاب قمة كانون بالمكسيك عام 1982 في اطار ما كان يعرف بالحوار بين الشمال والجنوب في المجال الاقتصادي.
فضلا عن دعمه للعامل الاقتصاد ، يقوم العامل التكنولوجي بدور بالغ الأهمية في المساهمة في تطوير المجال العسكري .فسباق التسلح أمر قائم لأن التكنولوجيا العسكرية تطورت في كل المجالات العسكرية ، ولا سيما في مجال أسلحة الدمار الشامل بشتى أنواعها النووية ،الكيماوية والذرية .وفي مجال التنظير للعلاقات الدولية ، نجد أن العامل التكنولوجي ساهم بشكل كبير وفعال في بروز الاتجاه السلوكي.ولقد ترك التقدم التكنولوجي والعلمي تأثيرات ليجابية عليه، وبدورها تحاول العلاقات الدولية أن تتكيف مع طبيعة التحولات الدولية الناتجة عن تأثير العامل التكنولوجي وغيره من العوامل الأخرى بالايجاب أوالسلب .
العامل الدبلوماسي:
في الحقيقة أن الدبلوماسية ليست أداة فعالة لادارة العلاقات الدولية في وقت السلم فحسب ، وانما من أهم أدوات تنفيذ أدوات السياسة الخارجية للدول كذلك .ولعل هذه الأهمية تجد مكانتها في الاستعمال الشائع الذي يخلط بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية نفسها ، رغم الاختلاف الواضح بينهما والنتج عن كون الدبلوماسية جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية .فهي مجرد الية من اليات تنفيذ السياسة الخارجية. والدبلوماسية هي فن ادارة المفاوضات بين الدول .والدبلوماسية الحديثة برزت مع ظهور البعثات الدائمة بين الدول في القرن الخامس عشر.وهو التعريفالذي يتطابق مع التعريف الذي انتقاه كل من الدكتور بطرس بطرس غالي والدكتور محمود خيري عيسى في كتابيهما الموسوم ب : "المدخل في علم السياسة "والقائل بأن الدبلوماسية،هي : " عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار ارادتها لعلاقاتها الدولية "
يفهم من هذا التعريف أن التمثيل والتفاوض هما الركيزتان الأساسيتان للدبلوماسية ، حيث تلجأ اليهما الدول وكذا المنظمات الدولية والاقليمية والجهوية لفض النزاعات والصراعات الدولية التي تنشب بين الدول ، وما يترتب عنها من توقيع وابرام لمعاهدات ثنائية أو متعددة الأطراف .فالعامل الدبلوماسي هو العامل الرئيس الذي تلجأ اليه عادة الدول قبل خوضها لحرب أو نزاع .فهو يلعب دورا كبيرا في تحقيق الاستقرار الدولي ومن ثم تكريس السلم والأمن العالميين.
العامل العسكري:
أكاديميا اعتمد العامل العسكري من طرف العديد من المنظرين الاستلراتيجيين في الدراسات الاستراتيجية من خلال توظيفه في نظريات الصراع الدولي والتي وجدت مالها للتجسيد في قوالب استراتيجية لادارة اصراع الدولي بين القوتين العظيميين من قبل الادارات الأمريكية المتعاقبة منذ ادارة فرانكلين وهاري ترومان ، مرورا بادارتي ايزنهاور وجون كنيدي، وصولا الى ادارتي ليندل جونسون وريتشارد نيكسون.فكل ادارة من هذه الادارات تزامنت مع ظهور نظرية من نظريات الصراع الدولي اعتمدتها كاستراتيجية لادارة علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي بصفة خاصة ،والمعسكر الاشتراكي بصفة عامة.فالعامل العسكري كان له الأثر البالغ على واقع العلاقات الدولية لفترة الحرب الباردة أكثر من العامل الاقتصادي أكاديميا وممارستيا.
حيث تبرز فعالية العامل العسكري في حالتي الحرب والتهديد باستخدام القوة العسكرية.فهذه الأخيرة توفر للدولة الثقة الكافية واللازمة لاتخادها مواقف وقرارات دولية من مركز قوة،دون مراعاة ما يتمخض عن تلك المواقف والقرارت من ردود المحيط الدوالي.كما يعمل العاملالعسكري على حماية أمن الدولة من أي عدوان داخلي أوخارجي ،و هو مايذهب اليه انصار المدرسة الواقعية الكلاسيكية و على رأسهم هانس مورغانثو .
بالمقابل ، فان استمرار الانفاق على تعزيز وتدعيم القوة العسكرية للدولة يشكل عبئا ثقيلا على وضعها الاقتصادي . فالنفاق الهائل على العامل العسكري ينتج عنه تراجعا للقوة الاقتصادية ، وبالتالي للعامل الاقتصادي الى درجة التدهور والانهيار ، كما حصل للاتحاد السوفياتي بقيادة ميخائيل غورباتشوف حيث كان الانفاق العسكري الضخم سببا مباشرا في تدهور الوضع الاقتصادي الوفياتي،وما يترتب عنه من انهيار للاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين.
العامل الديني:
يقدم العامل الديني مرجعية فكرية من القيم تؤثر بشكل أو بأخر على توجهات وسلوكيات صناع القرار في السياسة الخارجية.فلو تأملنا قليلا في خريطة العالم ، لأحصينا أمثلة عديدة بخصوص الدور الذي يلعبه العامل الديني في العلاقات الدولية من أهمها:
مواقف الغرب من اسرائيل ومنقضايا الأقليات الاسلامية ، الحروب الصليبية بين المسيحية والاسلام، التوسع الوفياتي الشيوعي في اسيا الوسطى والذي كان يواجه الاسلام بشدة لأن الايديولوجيا الماركسية – اللينينية تعتبر الاسلام أخطر الأديان التي تواجهها ، الحروب بين الاستعمار ومستعمراته من الدول الاسلامية والتي تقوم أساسا على القضاء على المقوم الرئيس لهويتها المتمثل في الدين الاسلامي والغزو الثقافي الذي تبثه الدول القوية عن طريق الفضائيات الهوائية وشبكات الأنترنت يراد منه طمس مقومات الهوية العربية الاسلامية.
ولئن كان وما يزال الدين المكون الأساسي لأية حضارة أو ثقافة ، فان دور العامل الديني ظهر بشكل بارز للعيان في عالم ما بعد لبحرب الباردة في اطار ما أصبح يعرف بالصراع الحضاري أو صدام الحضارات ولا سيما بين الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية. وهو ما تجسد بوضوح في أطروحة صاموئيل هانتنغتون في مقواته:"صدام الحضارات" والتي طورها الى كتاب بعنوان:" صدام اتلحضارات واعادة صياغة النظام العالمي الجديد ."
العامل الايديولوجي:
قبل أن نبرز الدور الذي أصبح يلعبه العامل الايديولوجي في التأثير على العلاقات الدولية ، يجدر بنا أن نحدد المقصود بفهوم الايديولوجيا .فالاديولوجيا هي كلمة فرنسية وهي تعني علم الأفكار .وقد استعملت لأول مرة في نهاية القرن الثامن عشر ، وبالتحديد في عام 1795، أي مباشرة عقب انتهاء الثورة الفرنسية من طرف الفيلسوف الفرنسي دوستوت دوتراسي .
يعرف لويس ألتسير الأيديولوجيا ،بأنها: "منظومة من التصورات لها منطقها ودقتها المميزين وتتمتع بوجود تاريخي في مجتمع معين"
فالايديولوجيا بهذا المعنى هي حصيلة الاراء وووجهات النظرالسياسية ،الاقتصادية ،الاجتماعية،الفلسفية، القانونية، الدينية والأخلاقية التي يتبناها مجتمع معين أو نظام سياسي معين .
لقد برز دور العامل الايديولوجي في تأكيده على أهمية بعض العوامل والتقليل من أهمية البعض الاخر، وتهميش عوامل أخرى من أي تأثير فعلي لها. وبرز هذا الدور خاصة في فترة الحرب الباردة أين منح العامل اليديولوجي أهمية كبرى للعامل العسكري وقلل من شأن العامل القتصادي وقام بتهميش العامل الديني. فالحرب الباردة كانت حربا بين ايديولوجيتين ماديتين لا تعيرا أي اهتمام للعامل الديني مانحين بالمقابل عناية كبيرة للعامل العسكري من خلال سياسة السباق نحو التسلح .
المبحث الخامس : الفواعل في العلاقات الدولية:
دراسة الفاعلين الدولين انما هي في الواقع دراسة بنية النظام الدولي.النظام الدولي هو مجمل العلاقات التي تقوم بين متغيرات تدعى الفاعلين .
الدول:
يؤكد ريموند أرون أن " مركز العلاقات الدولية هو ما سميناه علاقات بين الدول ، أي تلك العلاقات التي تقوم بين الوحدات السياسية بوصفها وحدات قائمة بذاته ".
نجد الدولة اذن في صلب العلاقات الدولية ،وهي الفاعل الرئيسي .ويضيف قائلا أن العلاقات بين الدول" تعبر عن نفسها في تصرفاتها وبتصرفات خاصة ، هي تصرفات شخصيين أسميهما شخصيتين رمزيتين، هما الدبلوماسي والجندي . هناك رجلان ، فقط رجلان يعملان في صورة تامة ليس بوصفهما عضويين عاديين ،وانما بوصفهما ممثلين للجماعات التي ينتميان اليها :السفير في ممارسة وظائفه هو الوحدة السياسية التي يتحدث باسمها ، والجندي في ساحة المعركة هو الوحدة السياسية التي يتحدث باسمها ،والجندي في ساحة المعلركة هو الوحدة السياسية التي يقتل باسمها نظيره ..السفير والجندي يعايشان العلاقات الدولية ويرمزان اليها، تلك العلاقات التي تتخلص من حيث هي علاقات بين الدول في الدبلوماسية والحرب".
الدولة اذن هي البنية الاساسية للعلاقات الدولية.القانون الدولي يزودنا بالمقاييس القانونية لتعريف الدولة: لابد من اقليم ،وسكان ، وحكومة تعبر عن سيادتها .غير أن عالم السياسة جورج بوردو يعتقد ان الدولة " ليست اقليما ولا سكانا ولا مجموعة قواعد الزامية ... ان الدولة بناء عقلي يعظم الطاعة" الدولة عند الكاتب دعامة السلطة السياسية ، وهي بوصفها مقر السلطة أصبحت رهانا للصراعات السياسية.
المنظمات الدولية:
هناك مفهومان لمصطلح "المنظمة الدولية" .مفهوم واسع يعني الصورة التي اتخدتها تنظيم المجتمع الدولي، والتعبير الدقيق في هذا المعنى هو "التنظيم الدولي" ومفهوم ضيق يقصد به كيان معين أو مؤسسة محددة .
يبدو أنه لا يوجد تعريف واحد للمنظمة الدولية يتفق عليه الجميع .ومع ذلك يمكن تقديم
تعريف أولي لهذا الكيان .المنظمة هي:" جمعية من الدول ، أقيمت باتفاق بين أعضائها ، وتتمتع بجهاز دائم من الهيئات المكلفة بالعمل على تحقيق الأهداف المصلحية المشتركة بواسطة التعاون بينهم". وقد أوضح صاحب هذا التعريف النقاط الخمس التي تميز المنظمة الدولية .هذه النقاط هي" قاعة اشتراك الدول، وقاعدة الارادة، ووجود جهاز دائم، والاستقلالية ، ووظيفة التعاون."
المنظمات الدولية تربط فقط بين الدول تتمتع كل واحدة منها بارادة حرة في الانتماء أو عدم الانتماء الى هذه أو تلك المؤسسة الدولية .ولهذه المؤسسة بنية ادارية وأجهزة دائمة تميزها من المؤتمر الدولي مثلا .يكون للمنظمة الدولية مقرها الخاص،وادارتها الخاصة ،وموظفيها ، فهي اذن مستقلة عن الدول التي كانت أساسا لقيامها . وتقاس لاستقلالية بالقرارات التي تتخذها الدول الأعضاء . أخيرا هناك النهوض بالتعاون الدولي الذي يشكل الوظيفة الأولى للمنظمة الدولية.
القوى العابرة للدول:
نقصد بتعبير "عابرة للدول" كل التيارات التي لا تخضع بالضرورة للدول أو الحكومات .وقد عرف مارسيل ميرل القوى العابرة للدول على أنها " الحركات والتيارات التضامنية ذات المنشأ الخاص التي تحاول الانتشار عبر الحدود وتعمل على ابداء وجهة نظرها للنظام الدولي أو انجاحها ".وتقسم القوى العابرة للدول الى ثلاث فئات هي المنظمات غير الحكومية والشركات المتعددة القومية والرأي العام العالمي.
المنظمات غير الحكومية :
تتكون المنظمات غير الحكومية من تجمعات وجمعيا للخواص بغية تحقيق هدف غير ربحي .المنظمات غير الحكومية ، كما يدل على ذلك اسمها، ليس تابعة من الوجه القنونية لأي سلطة حكومية .غير أنه من الممكن أن تتعرض لضغوط أو تلاعبات تقيد قدرتها على المناورة لأن الدول ترى أن عمل هذه المنظمات لابد أن يكون مكملا لسياستها، لا متناقضا معها أو معارضا لها.
هناك منضمات غير حكومية تلعب دورا خاصا في العلاقات الدولية المعاصرة .ونضرب لذلك مثل المؤتمر اليهودي . الهدف الظاهري لهذه المنظمة هو الدفاع عن مصالح اليهود في العالم ، لكنها أصبحت بفضل ما تملكه من وسائل مالية وبفضل انتشار اليهود في مختلف الحكومات الغربية جماعة ظاغطة دولية قوية تمكنت بواسطة وسائل الاعلام من فرض رؤية معينة على اللاأي العام الغربي الموالي لاسرائيل هذه المنظمة قادرة على زعزعة الاستقرار أو خلق المتاعب لكل دولة أو شخصية سياسية لا تدور في فلكها .واخر مثال على ذلك هو الرئيس النمساوي كورت فالد هايم، الامين العام السابق للأمم المتحدة ، الذي اتهمته المنظمة الصهيونية العالمية بأنه من قدماء النازيين .
الشركات المتعددة القومية:
هناك تعريفات عديدة للشركات المتعددة القومية نختار منها التعريفالتالي: نقصد بالشركة المتعددة القومية "كل مؤسسة من بلد معين لها نشاطات مستقرة وخاضعة لرقابتها في بلدين اجنبيين على الأقل ، وتحقق في هذين البلدين أكثر من 10 بالمئة من رقم أعمالها"
فيما يتعلق بالشركة المتعددة القومية ، ينبغي التمييز بين المؤسسة أو الشركة الأم والفروع القائمة في البلدان التي تعمل بها .تخضع الفروع لرقابة مالية عن طريق المشاركة في أغلب رأس المال ، أو رقابة بموجب عقد تسيير ، أو لرقابة تكنولوجية بواسطة نقل التكنولوجيا .الشركات المتعددة القوميات لا تكون فقط مؤسسات خاصة بل تكون أيضا ملكا لدولة.وليس ثمة مصطلح واحد للدلالة على هذه المؤسسات ، بل تستخدم تعاريف عديدة للدلالة على واقع واحد ، فيقال شركة ومؤسسة .
المبحث السادس: علاقة العلاقات الدولية بالعلوم الأخرى:
تهتم العلاقات الدولية ببحث المسائل الدولية فتلتقي بذلك وتتداخل مع العلوم الأخرى التي تتناول جانبا من هذه المسائل وتختلف عنها كونها تطمح الى تجاوز الجوانب الخاصة للالمام بالمجموع:
العلاقات الدولية والقانون الدولي العام:
يقصد بالقانون مجموعة القواعد المنظمة للعلاقات والروابط الاجتماعية في مجتمع معين والدولي كل ما هو بين الدول ليصبح القانون الدولي. وهومنظم للعلاقة بين أعضاء المجتمع الدولي سواء كانوا دولا أو منظمات دولية أو غيرها من الجماعات السياسية المختلفة الموجودة في هذا المجتمع. فبالاضافة الى تنظيمه هذه العلاقة ، فهو يبين ما لهم من حقوق وما عليهم من الالتزامات ، شأنه
مقدمة
الفصل الاول: ماهية العلاقات الدولية:
المبحثالاول: تعريف العلاقات الدولية
المبحث الثاني: نشاة العلاقات الدولية
المحث الثالث: مبادئ العلاقات الدولية
المبحث الرابع:العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
المبحث الخامس: فواعل العلاقات الدولية
المبحث السادس: علاقة العلاقات الدولية بالعلوم الاخرى.
الفصل الثاني:النظرية في العلاقات الدولية:
المبحث الاول: المصطلحات الاساسية
المبحث الثاني:مفهوم النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث الثالث: تاريخ تنظير العلاقات الدولية.
المبحث الرابع: تصنيف النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث الخامس:مناهج دراسة النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث السادس: اتجاهات العلاقات الدولية.
المبحث السابع: وظائف النظرية في العلاقات الدولية.
المبحث الثامن: ازمة التنظير.
خاتمة
مقدمة:
ان الفرد هو الخلية الحية في المجتمع والمشكلة التي تواجه كل مجتمع سياسي دائم هي ايجاد نظام يتيح الفرصة لكل فرد ان ينتج بقدر ما يستطيع في جو من الاطمئنان وعلى هذا فان المصلحة العامة تقتضي وجود سلطة ذات مسؤولية في كل جماعة لتقوم بوظيفة الاشراف على الامن وتحقيق العلاقات السياسية ومصالح الجماعات في اطار الصراع والقوة بين الدول كما ان العلاقات السياسية الدولية هي جزء في علم السياسةباعتبارها دراسة السياسة الداخلية والخارجية و من هنا نطرح الاشكالية :
الى اي مدى ساهمت النظريات في تقديم تفسيرات واقعية ومقبولة لما يحدث في العلاقات الدولية ؟
: الفصل الاول: ماهية العلاقات الدولية:
المبحث الأول:تعريف العلاقات الدولية:
لقد عرفت العلاقات الدولية تعدد ف يالتعاريف نتيجة تعدد وتنوع المدارس والاتجاهات الفكرية ، واختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها كل مفكر لهذه العلاقات فكل مدرسة تختلف في نظرتها للعلاقات الدولية عن الاخرى فانصارالمدرسة الواقعية يعرفون العلاقات الدولية من خلال المتغير الرئيسي الذي يعتمدون عليه في تحليلهم للعلاقات الدولية الا وهو متغير القوة .فهم يعرفون العلاقات الدولية على انها علاقات صراع قوة ومن اجل القوة(1).اما انصار نظرية التكامل الدولي فانهم يعرفون العلاقات الدولية من خلال الموضوع الرئيسي للنظرية والمتمثل في التكامل الدولي ،حيث ينظرون الى هذه العلاقات على انها علاقات تكاملية .في حين ان انصار نظرية التبعية يفسرون العلاقات الدولية على انها علاقات سيطرة وتبعية سيطرة دول المركز على دول المحيط وتبعية هذه الاخيرة لدول المركز.
ومن بين بعض التعاريف التي تصب في طبيعة العلاقات الدولية تعريف الدكتور أحمد عباس البديع في كتابه:"العلاقات الدولية :أصولها وقضياها المعاصرة"، الذي يعرف العلاقات الدولية بأنها:"مجموعة من الأنشطة والتفاعلات والأفعال وردود الأفعال بين مختلف دول العالم وعبر الحدود الاقليمية ... ترتبط ارتباطا وثيقا بأمور الحياة الانسانية وتؤثر تأثيرا مباشرا على أمن العالم واستقراره حيث ان العلاقات المبنية على أسس من التعاون والتفاهم تؤدي الى ازدهار حياة الشعوب وتقدم الدول،على العكس العلاقات التي تعج بتفاعلات الصراع،والتي تستند لسياسة "مركز القوة "في العلاقات الدولية ،فانها تكون مصدرا لاثارة المنازعات الدولية، معرضة العالم لويلات الحروب ومعيقة لمسيرة الشعوب في طريق تقدمها وازدهارها ".(2)
ان هذا التعريف يركز على طبيعة العلاقات الدولية في كونها علاقات صراع وتعاون في نفس الوقت ،ويرجع ذلك الى الاختلافات الجوهرية بين الدول عقائديا ،مذهبيا ،ايديولوجيا ،اقتصاديا،عسكريا ،ثقافيا وتتكنولوجيا.هذه الاختلافات تولد الصراع بين دول والتعاون بين دول اخرى بيد ان العلاقات الدولية بهذا الشكل تكون هي الاخرى نتاجا للطبيعة الجيبولتيكية
(1) ناصف يوسف حتى،النظرية في العلاقات الدولية ، لبنان ، بيروت، دار الكتاب العربي،1985، ص11.
لهذه العلاقات ،وهي العنصر الأساسي للحكم على وجود مثل هذه العلاقة الدوليةمن دونها.فلا يمكن الحديث عن علاقات دولية بين الدولة (أ) والدولة (ب) بدون علاقات سياسية تأخد الطابع الدبلوماسي،كما لا يمكن أن تكون هناك علاقات دولية بين الدولة (أ) والدولة (ب) بدون مراعاة للجانب الجغرافي، سواء من حيث التقارب الجغرافي بينهما ،او من حيث ما تزخر به هذه الدولة او تلك من موقع جغرافي ممتاز ،وما يحتويه من ثروة معدنية او زراعية هائلة.وهذا ما يعبر عنه تعريف محمد سامي عبد الحميد للعلاقات الدولية في كتابه:"العلاقات الدولية:مقدمة لدراسة القانون الدولي العام"،في قوله:"كل علاقة ذات طبيعة سياسية من شأنها احداث انعكاسات واثار سياسية ،تمتد الى ما وراء الحدود الاقليمية لدولة واحدة."(1)وهناكبعض التعاريف تركز على الجانب الأخلاقي أي الانساني للعلاقات الدولية.في هذا المعنى يقول نيكولاس سبيكمان بأنها:"العلاقات بين أفراد ينتمون لدول مختلفة،والسلوك الدولي هو السلوك الاجتماعي لأشخاص أو مجموعات تستهدف أو تتأثر بوجود سلوك أفراد أو جماعات ينتمون الى دولة أخرى"(2).
ان تعدد التعاريف وصعوبة ايجاد تعريف دقيق وسليم للعلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية الأخرى،وخاصة منها العلوم السياسية،القانونية والاقتصادية،فضلا عن تعدد وتنوع المواضيع التي تهتم بدراستها العلاقات الدولية .فحسب تقرير منظمة اليونسكو بشأن العلوم السياسية أن مادة العلاقات الدولية تشمل ثلاثة مواضيع رئيسية وهي:السياسة الدولية وما تشمله من دراسة للسياسات الخارجية للدول وتفاعلها مع بعضها البعض، التنظيم الدولي زما يتضمنه من دراسة للمنظمات الدولية والاقليمية على حد سواء ،القانون الدولي وما يحتويه من دراسة للقواعد القانونية التي تقوم بتقنين علاقات الدول بعضها ببعض وعلاقتها بالتنظيمات الدولية .(3)
فهذه التعاريف بقدر ما تشير الى ذلك التعدد في تعريفات العلاقات الدولية وتعقدها ،فانها كذلك تشير الى علاقة التداخل بين العلاقات الدولية والسياسة الدولية من جهة ، ووالعلاقات الدولية والسياسة الخارجية من جهة أخرى ،بل أن هناك كثير من الباحثين والمحللين من يخلط بين العلاقات الدولية ،السياسة الدولية والسياسة الخارجية ويجعلها مرادفات لبعضها البعض.فأحيانا يستعملون مفهوم السياسة الدولية للدلالة على العلاقات الدولية ،وأحيانا أخرى يستعملون مفهوم السياسة الخارجية للدلالة على العلاقات الدولية.
(1) عبد الناصر جندلي،"انعكاسات تحولات الظام الدولي لما بعد الحرب الباردة على الاتجاهات النظرية الكبرى للعلاقات الدولية " اطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في العلوم السياسية ،فرع اللوم السياسية ، جامعة قسنطينة ،2004/2005
(2) جيمس دوفرتي وروبرت بالتسغراف،النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ، ترجمة: د/وليد عبد الحي ، الكويت ، كاظمة للنشر، 1985، ص26
(3) بطرس بطرس غالي،محمود خيري عيسى،المدخل في علم السياسة ،مصر،القاهرة،مكتبة الانجلو المصرية،1998،ص338
الا أن كل من بطرس بطرس غالي ومحمود خيري عيسى ، يفضلان اسم"العلاقات الدولية" على غيره ، لأن كلمة "علاقة"توضح فكرة الرابطة الوثيقة بين الدول ، ولأن كلمة "دولية" تحد دذ الموضوع الذي يدور حول الدول.(1)
مما يعنى بدوره أن كل منهما يجعل العلاقات الدولية ،السياسة الدولية والسياسة الخارجية مرادفات لبعضها البعض لأن هناك عبارة تفضيل .بيد أنه ومن خلال المواضيع التي تهتم بدراستها العلاقات الدولية ، يمكن القول أن العلاقات الدولية هي أشمل وأعم من السياسة الخارجية،وأشملوأعم من السياسة الدولية. فهذه الأخيرة تشمل ذلك التفاعل بين مجموعة من السياسات الخارجية للدول .أما السياسة الخارجية فهي مجال تطبيق العلاقات الدولية .فبدون السياسة الخارجية لا يمكن الحديث عن علاقة دولية بين الدول ة (أ) والدولة (ب).ويفهم من هذا أيضا أن العلاقات الدولية هي علاقات بين السياسات الخارجية لجميع الوحدات السياسية ذات السيادة التامة في المجتمع الدولي، وبالتالي فالعلاقة بين العلاقات الدولية والسياسة الدولية من جهة،وبين العلاقات الدولية والسياسة الخارجية من جهة أخرى هي علاقة تداخل وليست علاقة ترادف.
رغم ذلك التعدد في التعريفات وتنوعها ،يمكن أن نصل الى تعريف اجرائي للعلاقات الدولية بأنها " تلك العلاقات السياسية ،الاقتصادية ،العسكرية ،الثقافية والاجتماعية بين الدول في تعاملها وتفاعلها مع بعضها البعض .وقد تأخذ هذه العلاقات شكل تعاون أو تكامل كما هو الحال بالنسبة للعلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي أو غيرها من علاقات التكامل الأخرى .وقد تأخذ شكل الصراع كما هو الحال بالنسبة للعلاقات بين دول الشمال التقدم ودول الجنوب المتخلف.وقد تأخذ شكل الصراع منأجل القوة ،كما هو الحال بالنسبة للعلاقات بين الدولالقوية كتلك العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي..."(2)
(1) نفس المرجع ، ص 337.
(2) عبد الناصر الدين جندلي ، تحول النظريات والأفكار في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية ، فرع العلوم السياسية ، جامعة قسنطينة ، 2008-2009
المبحث الثاني : نشأة العلاقات الدولية:
اذا كانت العلاقات الدولية لم تتبلور كعلم في مجال المعرفة الانسانية الا في الربع الأول من القرن العشرين ، فان العلاقات السياسية نشأت منذ أن وجدت التكتلات البشرية، وقامت بين القبائل روابط جوار أو حصلت فيما بينها الغزوات، وذلك منذ نشأة الجماعة البشرية التي اضطرت من أجل الحفاظ على بقائها وتأمين حاجاتها الى التعامل مع غيرها من التكتلات.
بعد التطور التاريخي للمجتمع الانساني الذي تحول ، في ما بعد ، الى مجتمعات سياسية،تحولت بدورها الى وحدات متميزة شكلت النواة الأولى للدولة راحت تشعر هذه النواة بضرورة انشاء علاقات سلمية فيما بينها.
وقد أكدت الكشوفات الأثرية على وجود روابط وصلات بين ممالك الشرق القديم .وخير دليل على هذه الروابط ،المعاهدة التي أبرمت عام 1278 ق.م .بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحثيين، والتي أنهت العداوة بين الدولتين وأقامت بينهما تحالفا دفاعيا ضد أي عدوان خارجي باشتراطها تقديم المساعدة المتبادلة في حال تعرض أحدهما لمثل هذا العدوان .
وأقام الاغريق نوعا من العلاقات المتبادلة بين المدن اليونانية،فكانت هذهالمدن تتبع مبدأ الاكتفاء الذاتي بتبادل الدبلوماسيين فيما بينها دون أن تتبادلهم مع غيرها من الدول لأنها كانت ترى نفسها أرفع شأنا من الاخرين.
وكانت هذه العلاقات تخضع في زمن الحرب لبعض القواعد المفترض احتلرامها من المتحاربيين،كقاعدة أن الحرب لا تبدأالا بعد اعلانها ، وان المعابد والملاعب تعتبر أماكن مصونة ، ولا اعتداء على الجرحى .أما في وقت السلم فان هذه العلاقات كانت تقوم على التعاه وتبادل البعثات الدبلوماسية وفض النزاعات عن طريق التحكيم .ولعل أول تحكيم سجله التاريخ كان بين اسبرطه ومسينا(123 ق.م) .
وبقيام الدولة الرومانية انصاع لحكمها معظم أوروبا ،وفرضت ارادتها على غيرها من الشعوب التي كانت بنظرها أدنى منها مرتبة .ولم تدخل في أحلاف الا مع المدن أو الشعوب التي تغلبت عليها ،لتفرض بذلك نوعا من الاستعمار المتمثل بهيمنة الغالب على المغلوب.(1)
(1) محمد منذر، مبادئ في العلاقات الدولية من النظريات الى العولمة ، ص11 - 12
وبعد زوال سلطان روما (31 ق.م-18.م) ،
بعد قرنين من الزمن من حكمها،انتهى عصر السلام الروماني .ومع اعتناق شعوب القارة الأوروبية الديانة المسيحية ونشر دعوتها التي تدعو الى الاخاء والسلام ،بدأ عهد جديد في تطور العلاقات الدولية لعبت الكنيسة خلاله دورا كببيرا، الى حد أنها ساهمت في وضع قواعد للقانون الدولي من خلال دعوتها الى (( السلام الكنيسي))، الذي يقضي بتحريم الحرب في فترات معينة من السنة ،ثم أعقب ذلك ، بعد حين اعلان ((الهدنة الربانية )) التي تحرم الحرب في بعض فترات أخرى من السنة .
وبعد قيام الدولة الاسلامية وانتشار الدين الاسلامي ، قامت الحضارة الاسلامية وشكلت امبراطورية شااسعة الأرجاء امتدت من الجزيرة العربية الى بلاد المشرق لتصل الى الصين عام 751م،وتضم مختلف الأجناس والحضارات والتقاليد ، وقد استطاعت هذه الأمبراطورية أن تحافظ على السلام ، بدخولها في علاقات مباشرة مع أوروبا المسيحية سواء في علاقات حربية أم سلمية ، لتمثل طرفا أساسيا في العلاقات الدولية التي عرفتها هذه الحقبة التاريخية .فكانت علاقة حست الجوار بين العرب في الأندلس وأوروبا ، وما فيها من تبادل للمنافع والعلوم .وكان التعاون السلمي بين هارون الرشيد والأمبراطور الروماني شارلمان (742-814) .على أن الحروب الصليبية التي ضبغت العلاقات الدولية بين أوروبا المسيحية والشرق المسلم بالصبغة الحربية لم تمنع كلا المعسكرين من ابرام العديد من الاتفاقات بينهما ، فكانت هذه الحضارة تنطلق في دعوتها لقيام مثل هذه العلاقات من المبادئ التي نادى بها القرا الكريم والسنة النبوية الشريفة من خلال تأكيدهما على أهمية التعاون الانساني والتسامح الديني،استنادا الى الاية الكريمة "يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة"والاية الأخرى "وان جنحوا للسلم فاجنح لها".
عندما بدأت العصور الوسطى تدنو من نهايتها ، استعد المجتمع الأوروبي لاستقبال العصر الحديث ،عصر النهضة ،الذي شهد حروبا دينية بين الكاثوليك والبروتستنت،دامت حوالي الثلاثين عاما من 1618 حتى1648.وبعد نمو الروح القومية التي مع الاكتشافات الجغرافية وبدء الحركة الاستعمارية الأوروبية منذ القرن السادس عشر التي أسفرت عن سلسلة من الحروب ،بدأت تطرح فكرة التنظيم الدولي كفكرة للبحث عن سلام دائم بين الدول ، والتخلص من مساوئ الحروب أو التعبير عن أهداف خاصة تشد عضد الدول المشرذمة في سبيل تحقيق نصر على الخصم في الطرف الاخر.(1)
(1) نفس المرجع ، ص12 – 13.
مع أهمية هذه الطروحات ، فقد بقيت بمعظمها (( وضعية وانشائية))،بعيدة عن الواقع ، أكثر مما هي تحليلية علمية . لذلك ظلت أمنية يتجه اليها الفلاسفة عندما تعصف الحروب بين الدول .ولم تصبح حقيقية ممكنة التطبيق الا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين .
وشهدت العلاقات الدولية خلال القرن السابع عشر، تطورات هامة، وذلك بانعقاد مؤتمر وستالفيا عام 1648، الذي نتج عنه توقيع معاهدة وستالفيا حيث ينظر اليها على أنها من الاتفاقيات الدولية ذات الشأن ،لأهمية المواضيع التي عالجتها وللمبادئ التي أوجدتها ، حتى اعتبرت الى حد كبير ، لاأساس الذي قامت عليه العلاقات الدولية منذ التوقيع عليها حتى قيام الثورة الفرنسية.
لقد وضعت هذه المعاهدة حدا نهائيا للمشكلة الدينية ببقاء المذهبين الكاثوليكي والبروتستنتي متعايشين في أوروبا .وأطلقن فكرة الدولة القومية في العلاقات الدولية، وأسست نظام البعثات الدبلوماسية وذلك بقيام الدول بتبادل السفارات .كما أقرت بفكرة توازن القوى كمبدأ أساسي لفرض السلام في القارة الأوروبية ،بهدف منع أية دولة أوروربية منأن يكون لها الرجحان على الأخرى ،واعترفت هذه المعاهدة بتضامن المصالح بين الدول الأوروبية والأخذ بمبدأ التشاور المستمر لمعالجة قضاياها الداخلية والخارجية.
وهكذا كانت جميع المحادثات والمفاوضات المتعلقة بالسلام والصلح تجري منذ أوائل القرن الثامن عشر ، تحت شعار ((التوازن الأوروبي)) ، الذي اعتمدته معاهدات أوترخت عام 1713، مؤكدة عليه بشكل بارز وجعلته مرجعا لها .وعرفت العلاقات الدولية تطورا هاما خلال القرن التاسع باعتمادها أسلوب المؤتمرات كوسيلة معتادة لتحقيق التعاون الدولي .فمنذ انعقاد مؤتمر فيينا عام 1815، تكون قد بدأت مرحلة في التاريخ الأوروبي أطلق عليها المؤرخون اسم ((نظام المؤتمرات ))، تجلت في التاريخ بأبهى دعواتها في اقامة نوع من ((الحكومة العالمية ))،أو ما يشبه مجلس ((أمن)).
لكن هذه السياسة لم تستمر طويلا بعد انتشار الروح القومية في أوروبا .واتجاه الدول الأوروبية الى اعتماد سياسة ((التفاهم والعمل المشترك ))، التي تقتضي باحتفاظ كل دولة بحريتها التامة في العمل والتفاهم مع غيرها ، اذا بدأ ذلك العمل يحول دون النزاع المسلح .لكن هذا النظام لم يفلح في منع الحروب بين الدول ، ولكنه نجح في حصرها بين الأطراف المتنازعة وحال دون تحولها الى حرب عامة.(1)
(1) نفس المرجع ، ص14 - 15
لما كانت الثورة ايذانا بولادة عهد جديد في العلاقات الدواية ترتب عليها زيادة في العلاقات بين أجزاء العالم وعظم شأن الحركة السلمية ، جاءت الدعوات لاحلال التعاون محل التصادم والتعايش بين المصالح وفض المنازاعات بالطرق السلمية عن طريق التحكيم والوساطة .غير أن هذه الصورة السلمية لم تحقق أهدافها بسبب السباق في التسلح ،والزيادة في الحلركة الاستعمارية ،مما أدى الى الفوضى في المجتمع الدولي والى تفوق أسلوب القوة على بقية الأساليب في العلااقات الدولية.فكانت الحرب العالمية الأولى 1914-1919 احدى نتائجها، وكان انشاء((عصبة الأمم))1919 من نتاج هذه الحرب ،بهدف تنمية التعاون الدولي ، وكضمانة لتنفيذ الالتزامات الدولية عن طريق الأمن الجماعي الذي يحول دون قيام حرب جديدة.
لم تفلح هذه العصبة من منع الحروب بين الدول ،وفي حفظ السلام الدولي بدليل قيام الحرب العالمية الثانية 1939-1945،مما ولد ضرورة انشاء منظمة دولية جديدة ، هي هيئة الأمم المتحدة ،وتضمين ميثاقها ،مبدأ امتناع أعضائها جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديدبالقوة أو استعمالها ضد سلامة أراضي الغير ،ونص على الاستقلال السياسي لاية دولة.
هذه صورة مختصرة لتطور العلاقات الدولية منذ القدم حتى قيام الحرب العالمية الثانية.
(1) نفس المرجع ، ص 15
المبحث الثالث: مبادئ العلاقات الدولية:
من أهم المبادئ التي يتم تداولها يوميا في الحياة الدولية ويشار اليها في المؤتمرات والاتفاقيات الدولية والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة :
1- مبدأ المساواة في السيادة بين الدول: وهو من المبادئ التي يرتكز عليها القانون الدولي منذ مدة وكما هومؤكد عليه في المادة رقم 02 من ميثاق الأمم المتحدة " تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها .
2- مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها: ويعود هذا المبدأ الى القرن التاسع عشر .على اثر ظهور حركات الانفصال والاستقلال في بعض الأقاليم مثل : انفصال اليونان عن دولة عثمانية عام 1830 ، كما أن هذا المبدأ يشكل أحد المبادئ الأساسية العامة في القانون الدولي والمبادئ العامة الأخرى.فلقد كان له دور في تحرير الكثير من الشعوب التي كانت تترنح تحت طوء الاستعمار ،كما أن هذا المبدأ يوفر اظهار حن التعامل بين الدول و الشعوب ، وهو يأخد خق الأفضلية على مبدأ التعايش وينطبق هذا خاصة على الوضع في فلسطين.
3- مبدأ عدم اللجوء الى القوة أو مبدأ تحريم الاستعمال في العلاقات الدولية :لكن هذا لامبدأ لا يزال يعاني من الانتهاكات العديدة للدول وخاصة العظيمة منها ، فهذه لأخيرة تفضل في كثير من الأحيان اللجوء الى استعمال القوة في تنفيذ سياستها الخارجية أو تحقيق مصالحها أو التعامل مع الدول ،مثال : أمريكا في أزمة العراق حيث فرضت تسوية النزاع العراقي باستعمال القوة بدعوى أن العلراق لا يحترم ارادة المجتمع الدولي.
4- مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية: وهو يعود الى عصور قديمة ،فهو أعتبر بمثابة استثناء في الفكر الغربي طيلة العصور الحديثة الى أن جاء ميثاق الأمم المتحدة سنة 1941 يؤكد على أن مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية مبدأ أساسي و ليس استثنائي وهذا في المادة 02-03 من الميثاق "يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر" . حيث أن هذا المبدأ يقيد الدول من استعمال القوة لأنها تؤدي الى احداث اضطرابات في المجتمع مما يثير التفاعل الدولي.
كذلك يكون ثقافة سلمية دولية تساعد على نشر التفاعل الدولي بطرق سلمية باعطاء مصداقية أكثر لمبادئ القانون الدولي وتدعيم العلاقات بين الدول واحترام ارادة بعضها البعض.
5- مبدأ احترام حقوق الانسان :تأكدت حقوق الانسان بعد الثورتين الأمريكية والفرنسية وجاء ميثاق عصبة الأمم ليؤكد على هذا المبدأ ويجعل منه مبدأ أساسيا ، كذلك أصبح مسألة دولية وهذا يتماشى حقيقة مع الشريعة الاسلامية السماوية التي كرمت الانسان وجعلته أفضل المخلوقات عند الله الا أن مبدأ احترام حقوق الانسان كان ولا يزال في حاجة الى تدعيمه وتطويره عن طريق ايجاد أليات تقوم بتطوير هذه الحقوق وحمايتها وضمان تجسيدها عمليا وليس نصيا فقط.
6- مبدأ التعاون الدولي في اقرار السلم والتنمية: وفي مواجهة التطورات وهو مبدأحديث نسبيا من حيث التقنين ولكنه قد يتم من حيث التعامل به وقد تعاملت به الشعوب المختلفة عبر التاريخ ،وبتطور المجتمع الدولي و التنظيم الدولي أصبح التعامل الدولي من ضروريات العلاقات الدولية وهذا ما جعل الميثاق ينص على أن هذا المبدأ من أجل تحقيق التعاون في شتى المجالات ذات الطبعة الاقتصادية ،الاجتماعية ، الثقافية والسياسية ، وان دل هذا الشيء فانما يدل على أنه لم يعد في امكان دولة واحدة أو مجموعة من الدول على حل المشاكل الدولية وضمان توفير متطلبات بشرية جمعاء.
7- مبدأ حسن النية في التعامل الدولي وفي تنفيد الاتفاقيات الدولية: لقد أكد الاسلام على هذا المبدأ حين ما أعتبره مبدأ أساسي لأي التزام بين الأفراد والجماعات ، فبدون هذا المبدأ لا يمكن أن نتكلم عن تطبيق الالتزامات الدولية بصفة عامة أو الاتفاقيات الدولية على الخصوص تطبيقا سليما وعادلا ومتجاوبا مع حقوق الأطراف المعنية ، ومبدأ حسن النية هو مبدأ ثقافي أخلاقي أكثر منه قانوني أو أساسي وانما جاء القانون لصياغة في شكل واضح وصريح ويضع له ضوابط محددة.
8- مبدأ حسن الجوار : وهو مبدأ قديم كذلك ، وقد ورد التأكيد عليه في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة كما أنه من الشروط الأساسية للاستقرار التاعمل بين الدول وحسن العلاقات خاصة الدول المتجاورة ،فبدون هذا المبدأ ألا تستقر العشرية ولا تعزز الألفة و لا يسود التفاهم والتعاون والاحترام المتبادل ناهيك عن الأمن والطمأنينة .
9- مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول: وهو يعود الى العهود القديمة ولكن تأكد أكثر في القرن التاسع عشر ، جاء هذا المبدأ وضع حد لأفكار الثورة الفرنسية والخوف من اننتشارها في النظم الملكية المحافظة وأصبح بمرور الوقت بمثابة العملة المتداولة بين الدول والنظم المختلفة خاصة عندما أخد التدخل أشكال مختلفة ولم يقتصر على الشكل العسكري ويأتي التدخل من قبل جهات أخرى كالمنظمات الدولية.
المبحث الرابع: العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية:
ان العوامل التي سنتطرق اليها هي متغيرات رئيسية للاتجهات النظرية للعلاقات الدولية، تعتمد عليها في دراستها ومعالجتها للظاهرة الدولية قيد البحث. كما ان عدم التطرق الى هذه الظواهر يؤثر سلبا على البحث خاصة وما لها من تأثيرات سلبية أو ايجابية على العلاقات الدولية ،او بشكلمباشر أو غير مباشرعلى الاتجاهات النظرية الكبرى للعلاقات الدولية محل الدراسة والتحليل.وهذه العوامل تتمثل فيما يلي:
العامل الجغرافي:
ان الجغرافيا السياسية تهتم بدراسة وتحليل التغيرات التي تحصل للظاهرة الدولية في تعاقباتها وتناقلاتها الزماكنية،وفقا للتأثر والتفاعل المتبادلين بينها وبين مختلف ظواهر البيئة كموطن للانسان. وترجع فكرة ربط العامل الجغرافي بالمجال السياسي الى العهد الاغريقي وبالتحديد عن أرسطو في كتابه:"السياسة" عندما تطرق لنظرية العلاقة بين المناخ والحرية. وقد كان لهذه الفكرة تأثيرا ايجابيا كبيرا على العديدي من المفكرين في العصر الحديث، نذكر منهم المفكر الفرنسي جان بودان في كتابه:" الأداة الجديدة "والمفكر الفرنسي الاخر ميشال دي مونتسكيو في كتابه: "روح الشرائع".كما أصبح للجغلرافيا دور كبير عند المحللين السياسيين في اطار ما يعرف بفكرة الحتمية الجغرافية في مدرسة راتزال والمدرسة الجيبولتيكية فيما بعد. ولعل ما يؤكد على أهمية دور العامل الجغرافي في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم السياسية بشكل عام هو نابليون بونابارت في عبارته المأثورة :"ان سياسة الدول في جغرافيتها."
فجغرافية الاتحاد السوفياتي أوالولايات المتحدة أو بريطانيا تؤثر بشكل أو بأخر في علاقاتها مع الدول الأخرى،بل أن الجغرافيا أصبحت تستعمل أساسا لخوض الحرب،كما يؤكد ذلك "ايف لاكوست"في قوله:
" القول منذ البداية أن الجغرافيا تستخدم في المقام الأول لخوض الحرب لا يعني أنها تستخدم الا للقيام بالعمليات العسكرية ، انها تستخدم أيضا لتنظيم الأقاليم ، ليس فقط توقعا للمعارك التي يتعين خوضها ضد هذا الخصم أو ذلك ، بل وكذلك لمضاعفة التحكم في السكان الذين يفوضون جهازا لممارسة سلطته عليهم ."
في مقولته هذه يريد لاكوست أن يبين لنا تلك العلاقة الترابطية والجدلية بين الجغرافيا والسياسة .فلو تأملنا قليلا في خريطة العالم لوجدنا أن الموقع الجغرافي يشكل العنصر الأساسي لتقييم القدرات والامكانات الطبيعية التي تستحوذ عليها دولة معينة.بل فوق كل ذلك يساهم الموقع الجغرافي بدرجة كبيرة في رسم السياسة الخارجية للدول من حيث تأثيراته السياسية ،العسكرية ،الاقتصادية والتجارية .فالدولة المتصلة باليابسة يؤهلها موقعها لبناء قوتها العسكرية بناء دفاعيا بريا لوجود العمق البري الدفاعي كالموقع الذي تحتله كل من روسيا وألمانيا .أما موقع الولايات المتحدة الأمريكية يجعل منها قوة برية وبحرية في آن واحد .بينما الدولة غير المطلة على منافدذبحرية لا تكون لديها نفس التسهيلات التجارية والتبادلية التي تكون بحوزة دولة لديها موانئ.فالقنوات والخلجان والمضايق كفيلة بمنح الدولة بعدا اقتصاديا هائلا .
العامل الديموغرافي:
يعد العامل الديمغرافي نعمة بالنسبة لدول الشمال المتقدم أو ما يطلق عليها في نظرية التعية بدول المركز ،حيث يكون له تأثيرات ايجابية لأنها تملك فضلا عن القدرة البشرية المنتجة الهائلة ، امكانيات القوة في مجالات أخرى، وخاصة منها الاقتصادية،العسكرية والتكنولوجية ،وما لهذه المجالات من دور بارز وفعال في توظيف العامل الديمغرافي لصالحها .ويعد العامل الديمغرافي نقمة بالنسبة لدول الجنوب المتخلف أو ما يطلق عليها في نظرية التبعية بدول المحيط ،اذ يكون له تأثيرات سلبية على هذه الدول لأنها تملك مقومات القوة التي تملكها الدول المتقدمة في شتى المجالات ،وبالتالي فان الانفجار السكاني بها يشكل عقبة وحجر عثرة أمام نموها أو محاولة تطورها .وهنا نشير الى أنه حسب تقديرات المخابرات المركزية الأمريكية،فان عدد سكان العالم سيقفز الى 7 مليارات ومئة ألف نسمة بحلول عام 20155،95 بالمئة سوف تحدث في البلدان النامية و5 بالمئة ستحدث في العالم المتقدم.
كما يرتبط العامل الديمغرافي ارتباطا وثيقا بطبيعة النظام السياسي للدولة، ففي النظم السياسية الديكتاتورية ، نجد تهميشا شبه كاي للجماهير وابعادهم عن المشاركة في ممارسة السلطة وفي عملية صنع القرار التي تتميز بالأحادية القرارية.مما نتج عن ذلك اتساع الهوة بين الحاكم والمحكومين الناتجة عن فقدان عنصر الثقة المتبادلة بينهما .
الأمر الذي يؤدي الى حدوث اضطرابات وقلائل سياسية ، تقلل ن فاعلية العامل الديمغرافي الذي يفترض فيه أن يكون الأداة الرئيسية لتقوية الدولة وتعزيز موقعها ونفوذها داخليا وخارجيا .وما ينجم عن حالة عدم الاستقرار هذه نشوب حروب أهلية فهذا تأثير سلبي اخر يضاف الى السلبيات الديمقراطية كل الحرص على اشراك الجماهير في رسم المعالم الكبرى لسياسة الدولة وكذا في عملية صنع القرار .مما يترتب عن ذلك تحقيق نوع من الاستقرار السياسي في هذه الدول وما يينجم عنه من نمو وتطور وتقدم في شتى ميادين الحياة المتنوعة.
العامل الاقتصادي:
تكمن أهمية العامل الاقتصادي من المنظور الماركسي في أن : " تاريخ المجتمع الانساني هو في تاريخه الاقتصاي ، في تاريخ القوى الانتاجية ، انه تاريخ الصراع من أجل ملكية أدوات الانتاج."
لقد كان ومايزال العامل الاقتصادي المفسر الأساسي لظواهر العلاقات الدولية منذ اندلاع الثورة الصناعية في أوروبا وبالتحديد في انجلترا الى غاية مرحلة ما بعد نهاية الحلرب الباردة في العقد الأخير من القرن العشرين والبدايات الأولى من القرن الحادي والعشرين .ففي الفترة التي أعقبت الثورة الصناعية (1890-1914)،كانت الظاهرة الاستعمارية في احدى صورها مظهرا من مظاهر التفوق الاقتصادي لقوة معينة على حساب قوى أخرى ،كما أن العلاقات الاقتصادية بين الدول الاستعمارية والدول المستعمرة كانت في احدى صورها من صور التبعية الاقتصادية في السلع المصنعة وغيرها من المنتوجات الزراعية والمواد الأولية.وهي العلاقات اللامتكافئة التي ينتج عنها اتساع الهوة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة.ويرجع ذلك الى اعتماد هذه الأخيرة علىمنتوج واحد في صادراتها للخارج وعلى المواد الخام .الأمر الذي يجعل الدول الاستعمارية تتحكم في اقتصادياتها، بل وتخضعها لشروط تعجيزية تزيد الوضع تخلفا وتدهورا، من بينها: انخفاض قيمة العملة الوطنية وتسريح العمال...
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ظهرت الولايات المتحدة كقوة اقتصادية مؤثرة في العلاقات الدولية لفترة الحرب الباردة ،كما تمكنت من السيطرة على مؤسسة التنمية الدولة (International Développent Association)ومؤسسة التمويل
الدولية(International Financial Association) والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (General Agrément Tax and Trade).بالاضافة الى ذلك تسيطر الولايات المتحدة على كل من صندوق النقد الدولي(International Monetary Fund) والبنك العالمي (World Bank).فضلا عن سيطرتها على الشركات المتعددة الجنسيات (Multination Corporations).وهي اليات ووسائل تلجأ الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة الى تطبيقها لتكريس تبعية الدول المتخلفة لها وللحيلولة دون انتشاره الى أوروبا الغربية من جهة أخرى.
العامل التكنولوجي:
ان الهوة التكنولوجية بين دول الشمال المتقدم ودول الجنوب المتخلف هي في اتساع مستمر بسبب عدم امتلاك هذه الأخيرة للعامل التكنولوجي الذي يؤثر ايجابا على العلاقات بين دول الشمال ، ويؤثر سلبا على العلاقات بين دول الجنوب فيما بينها من جهة ،وبينها وبين دولالشمال من جهة أخرى. فالتكنولوجيا أنجع وسيلة تستخدمها الدول المتقدمة لبسط سيطرتها نفوذها على الدول المتخلفة.في هذه الحالة تكرس التكنولوجيا علاقات السيطرة والتبعية ،سيطرة الشمال المتقدم على الجنوب المتخلف ،وتبعية هذا الأخير للشمال المتقدم.
رغم انعقاد أول قمة عالمية تكنولوجية بجنيف في ديسمبر 2003 تحت اسم قمة مجتمع المعلومات بمشاركة أكثر من 175 دولة من الشمال المتقدم والجنوب المتخلف ، الا أن دول الشمال لم تتخذ في هذه القمة أية مبادرات عملية لتضييق الفجوة الحضارية والعلمية والتكنولوجية بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف، بل خرجت ببيانات خطابية لا تجد نفعا في هذا المجال ، شبيهة بتلك التي خرجت بها في أعقاب قمة كانون بالمكسيك عام 1982 في اطار ما كان يعرف بالحوار بين الشمال والجنوب في المجال الاقتصادي.
فضلا عن دعمه للعامل الاقتصاد ، يقوم العامل التكنولوجي بدور بالغ الأهمية في المساهمة في تطوير المجال العسكري .فسباق التسلح أمر قائم لأن التكنولوجيا العسكرية تطورت في كل المجالات العسكرية ، ولا سيما في مجال أسلحة الدمار الشامل بشتى أنواعها النووية ،الكيماوية والذرية .وفي مجال التنظير للعلاقات الدولية ، نجد أن العامل التكنولوجي ساهم بشكل كبير وفعال في بروز الاتجاه السلوكي.ولقد ترك التقدم التكنولوجي والعلمي تأثيرات ليجابية عليه، وبدورها تحاول العلاقات الدولية أن تتكيف مع طبيعة التحولات الدولية الناتجة عن تأثير العامل التكنولوجي وغيره من العوامل الأخرى بالايجاب أوالسلب .
العامل الدبلوماسي:
في الحقيقة أن الدبلوماسية ليست أداة فعالة لادارة العلاقات الدولية في وقت السلم فحسب ، وانما من أهم أدوات تنفيذ أدوات السياسة الخارجية للدول كذلك .ولعل هذه الأهمية تجد مكانتها في الاستعمال الشائع الذي يخلط بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية نفسها ، رغم الاختلاف الواضح بينهما والنتج عن كون الدبلوماسية جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية .فهي مجرد الية من اليات تنفيذ السياسة الخارجية. والدبلوماسية هي فن ادارة المفاوضات بين الدول .والدبلوماسية الحديثة برزت مع ظهور البعثات الدائمة بين الدول في القرن الخامس عشر.وهو التعريفالذي يتطابق مع التعريف الذي انتقاه كل من الدكتور بطرس بطرس غالي والدكتور محمود خيري عيسى في كتابيهما الموسوم ب : "المدخل في علم السياسة "والقائل بأن الدبلوماسية،هي : " عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار ارادتها لعلاقاتها الدولية "
يفهم من هذا التعريف أن التمثيل والتفاوض هما الركيزتان الأساسيتان للدبلوماسية ، حيث تلجأ اليهما الدول وكذا المنظمات الدولية والاقليمية والجهوية لفض النزاعات والصراعات الدولية التي تنشب بين الدول ، وما يترتب عنها من توقيع وابرام لمعاهدات ثنائية أو متعددة الأطراف .فالعامل الدبلوماسي هو العامل الرئيس الذي تلجأ اليه عادة الدول قبل خوضها لحرب أو نزاع .فهو يلعب دورا كبيرا في تحقيق الاستقرار الدولي ومن ثم تكريس السلم والأمن العالميين.
العامل العسكري:
أكاديميا اعتمد العامل العسكري من طرف العديد من المنظرين الاستلراتيجيين في الدراسات الاستراتيجية من خلال توظيفه في نظريات الصراع الدولي والتي وجدت مالها للتجسيد في قوالب استراتيجية لادارة اصراع الدولي بين القوتين العظيميين من قبل الادارات الأمريكية المتعاقبة منذ ادارة فرانكلين وهاري ترومان ، مرورا بادارتي ايزنهاور وجون كنيدي، وصولا الى ادارتي ليندل جونسون وريتشارد نيكسون.فكل ادارة من هذه الادارات تزامنت مع ظهور نظرية من نظريات الصراع الدولي اعتمدتها كاستراتيجية لادارة علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي بصفة خاصة ،والمعسكر الاشتراكي بصفة عامة.فالعامل العسكري كان له الأثر البالغ على واقع العلاقات الدولية لفترة الحرب الباردة أكثر من العامل الاقتصادي أكاديميا وممارستيا.
حيث تبرز فعالية العامل العسكري في حالتي الحرب والتهديد باستخدام القوة العسكرية.فهذه الأخيرة توفر للدولة الثقة الكافية واللازمة لاتخادها مواقف وقرارات دولية من مركز قوة،دون مراعاة ما يتمخض عن تلك المواقف والقرارت من ردود المحيط الدوالي.كما يعمل العاملالعسكري على حماية أمن الدولة من أي عدوان داخلي أوخارجي ،و هو مايذهب اليه انصار المدرسة الواقعية الكلاسيكية و على رأسهم هانس مورغانثو .
بالمقابل ، فان استمرار الانفاق على تعزيز وتدعيم القوة العسكرية للدولة يشكل عبئا ثقيلا على وضعها الاقتصادي . فالنفاق الهائل على العامل العسكري ينتج عنه تراجعا للقوة الاقتصادية ، وبالتالي للعامل الاقتصادي الى درجة التدهور والانهيار ، كما حصل للاتحاد السوفياتي بقيادة ميخائيل غورباتشوف حيث كان الانفاق العسكري الضخم سببا مباشرا في تدهور الوضع الاقتصادي الوفياتي،وما يترتب عنه من انهيار للاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين.
العامل الديني:
يقدم العامل الديني مرجعية فكرية من القيم تؤثر بشكل أو بأخر على توجهات وسلوكيات صناع القرار في السياسة الخارجية.فلو تأملنا قليلا في خريطة العالم ، لأحصينا أمثلة عديدة بخصوص الدور الذي يلعبه العامل الديني في العلاقات الدولية من أهمها:
مواقف الغرب من اسرائيل ومنقضايا الأقليات الاسلامية ، الحروب الصليبية بين المسيحية والاسلام، التوسع الوفياتي الشيوعي في اسيا الوسطى والذي كان يواجه الاسلام بشدة لأن الايديولوجيا الماركسية – اللينينية تعتبر الاسلام أخطر الأديان التي تواجهها ، الحروب بين الاستعمار ومستعمراته من الدول الاسلامية والتي تقوم أساسا على القضاء على المقوم الرئيس لهويتها المتمثل في الدين الاسلامي والغزو الثقافي الذي تبثه الدول القوية عن طريق الفضائيات الهوائية وشبكات الأنترنت يراد منه طمس مقومات الهوية العربية الاسلامية.
ولئن كان وما يزال الدين المكون الأساسي لأية حضارة أو ثقافة ، فان دور العامل الديني ظهر بشكل بارز للعيان في عالم ما بعد لبحرب الباردة في اطار ما أصبح يعرف بالصراع الحضاري أو صدام الحضارات ولا سيما بين الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية. وهو ما تجسد بوضوح في أطروحة صاموئيل هانتنغتون في مقواته:"صدام الحضارات" والتي طورها الى كتاب بعنوان:" صدام اتلحضارات واعادة صياغة النظام العالمي الجديد ."
العامل الايديولوجي:
قبل أن نبرز الدور الذي أصبح يلعبه العامل الايديولوجي في التأثير على العلاقات الدولية ، يجدر بنا أن نحدد المقصود بفهوم الايديولوجيا .فالاديولوجيا هي كلمة فرنسية وهي تعني علم الأفكار .وقد استعملت لأول مرة في نهاية القرن الثامن عشر ، وبالتحديد في عام 1795، أي مباشرة عقب انتهاء الثورة الفرنسية من طرف الفيلسوف الفرنسي دوستوت دوتراسي .
يعرف لويس ألتسير الأيديولوجيا ،بأنها: "منظومة من التصورات لها منطقها ودقتها المميزين وتتمتع بوجود تاريخي في مجتمع معين"
فالايديولوجيا بهذا المعنى هي حصيلة الاراء وووجهات النظرالسياسية ،الاقتصادية ،الاجتماعية،الفلسفية، القانونية، الدينية والأخلاقية التي يتبناها مجتمع معين أو نظام سياسي معين .
لقد برز دور العامل الايديولوجي في تأكيده على أهمية بعض العوامل والتقليل من أهمية البعض الاخر، وتهميش عوامل أخرى من أي تأثير فعلي لها. وبرز هذا الدور خاصة في فترة الحرب الباردة أين منح العامل اليديولوجي أهمية كبرى للعامل العسكري وقلل من شأن العامل القتصادي وقام بتهميش العامل الديني. فالحرب الباردة كانت حربا بين ايديولوجيتين ماديتين لا تعيرا أي اهتمام للعامل الديني مانحين بالمقابل عناية كبيرة للعامل العسكري من خلال سياسة السباق نحو التسلح .
المبحث الخامس : الفواعل في العلاقات الدولية:
دراسة الفاعلين الدولين انما هي في الواقع دراسة بنية النظام الدولي.النظام الدولي هو مجمل العلاقات التي تقوم بين متغيرات تدعى الفاعلين .
الدول:
يؤكد ريموند أرون أن " مركز العلاقات الدولية هو ما سميناه علاقات بين الدول ، أي تلك العلاقات التي تقوم بين الوحدات السياسية بوصفها وحدات قائمة بذاته ".
نجد الدولة اذن في صلب العلاقات الدولية ،وهي الفاعل الرئيسي .ويضيف قائلا أن العلاقات بين الدول" تعبر عن نفسها في تصرفاتها وبتصرفات خاصة ، هي تصرفات شخصيين أسميهما شخصيتين رمزيتين، هما الدبلوماسي والجندي . هناك رجلان ، فقط رجلان يعملان في صورة تامة ليس بوصفهما عضويين عاديين ،وانما بوصفهما ممثلين للجماعات التي ينتميان اليها :السفير في ممارسة وظائفه هو الوحدة السياسية التي يتحدث باسمها ، والجندي في ساحة المعركة هو الوحدة السياسية التي يتحدث باسمها ،والجندي في ساحة المعلركة هو الوحدة السياسية التي يقتل باسمها نظيره ..السفير والجندي يعايشان العلاقات الدولية ويرمزان اليها، تلك العلاقات التي تتخلص من حيث هي علاقات بين الدول في الدبلوماسية والحرب".
الدولة اذن هي البنية الاساسية للعلاقات الدولية.القانون الدولي يزودنا بالمقاييس القانونية لتعريف الدولة: لابد من اقليم ،وسكان ، وحكومة تعبر عن سيادتها .غير أن عالم السياسة جورج بوردو يعتقد ان الدولة " ليست اقليما ولا سكانا ولا مجموعة قواعد الزامية ... ان الدولة بناء عقلي يعظم الطاعة" الدولة عند الكاتب دعامة السلطة السياسية ، وهي بوصفها مقر السلطة أصبحت رهانا للصراعات السياسية.
المنظمات الدولية:
هناك مفهومان لمصطلح "المنظمة الدولية" .مفهوم واسع يعني الصورة التي اتخدتها تنظيم المجتمع الدولي، والتعبير الدقيق في هذا المعنى هو "التنظيم الدولي" ومفهوم ضيق يقصد به كيان معين أو مؤسسة محددة .
يبدو أنه لا يوجد تعريف واحد للمنظمة الدولية يتفق عليه الجميع .ومع ذلك يمكن تقديم
تعريف أولي لهذا الكيان .المنظمة هي:" جمعية من الدول ، أقيمت باتفاق بين أعضائها ، وتتمتع بجهاز دائم من الهيئات المكلفة بالعمل على تحقيق الأهداف المصلحية المشتركة بواسطة التعاون بينهم". وقد أوضح صاحب هذا التعريف النقاط الخمس التي تميز المنظمة الدولية .هذه النقاط هي" قاعة اشتراك الدول، وقاعدة الارادة، ووجود جهاز دائم، والاستقلالية ، ووظيفة التعاون."
المنظمات الدولية تربط فقط بين الدول تتمتع كل واحدة منها بارادة حرة في الانتماء أو عدم الانتماء الى هذه أو تلك المؤسسة الدولية .ولهذه المؤسسة بنية ادارية وأجهزة دائمة تميزها من المؤتمر الدولي مثلا .يكون للمنظمة الدولية مقرها الخاص،وادارتها الخاصة ،وموظفيها ، فهي اذن مستقلة عن الدول التي كانت أساسا لقيامها . وتقاس لاستقلالية بالقرارات التي تتخذها الدول الأعضاء . أخيرا هناك النهوض بالتعاون الدولي الذي يشكل الوظيفة الأولى للمنظمة الدولية.
القوى العابرة للدول:
نقصد بتعبير "عابرة للدول" كل التيارات التي لا تخضع بالضرورة للدول أو الحكومات .وقد عرف مارسيل ميرل القوى العابرة للدول على أنها " الحركات والتيارات التضامنية ذات المنشأ الخاص التي تحاول الانتشار عبر الحدود وتعمل على ابداء وجهة نظرها للنظام الدولي أو انجاحها ".وتقسم القوى العابرة للدول الى ثلاث فئات هي المنظمات غير الحكومية والشركات المتعددة القومية والرأي العام العالمي.
المنظمات غير الحكومية :
تتكون المنظمات غير الحكومية من تجمعات وجمعيا للخواص بغية تحقيق هدف غير ربحي .المنظمات غير الحكومية ، كما يدل على ذلك اسمها، ليس تابعة من الوجه القنونية لأي سلطة حكومية .غير أنه من الممكن أن تتعرض لضغوط أو تلاعبات تقيد قدرتها على المناورة لأن الدول ترى أن عمل هذه المنظمات لابد أن يكون مكملا لسياستها، لا متناقضا معها أو معارضا لها.
هناك منضمات غير حكومية تلعب دورا خاصا في العلاقات الدولية المعاصرة .ونضرب لذلك مثل المؤتمر اليهودي . الهدف الظاهري لهذه المنظمة هو الدفاع عن مصالح اليهود في العالم ، لكنها أصبحت بفضل ما تملكه من وسائل مالية وبفضل انتشار اليهود في مختلف الحكومات الغربية جماعة ظاغطة دولية قوية تمكنت بواسطة وسائل الاعلام من فرض رؤية معينة على اللاأي العام الغربي الموالي لاسرائيل هذه المنظمة قادرة على زعزعة الاستقرار أو خلق المتاعب لكل دولة أو شخصية سياسية لا تدور في فلكها .واخر مثال على ذلك هو الرئيس النمساوي كورت فالد هايم، الامين العام السابق للأمم المتحدة ، الذي اتهمته المنظمة الصهيونية العالمية بأنه من قدماء النازيين .
الشركات المتعددة القومية:
هناك تعريفات عديدة للشركات المتعددة القومية نختار منها التعريفالتالي: نقصد بالشركة المتعددة القومية "كل مؤسسة من بلد معين لها نشاطات مستقرة وخاضعة لرقابتها في بلدين اجنبيين على الأقل ، وتحقق في هذين البلدين أكثر من 10 بالمئة من رقم أعمالها"
فيما يتعلق بالشركة المتعددة القومية ، ينبغي التمييز بين المؤسسة أو الشركة الأم والفروع القائمة في البلدان التي تعمل بها .تخضع الفروع لرقابة مالية عن طريق المشاركة في أغلب رأس المال ، أو رقابة بموجب عقد تسيير ، أو لرقابة تكنولوجية بواسطة نقل التكنولوجيا .الشركات المتعددة القوميات لا تكون فقط مؤسسات خاصة بل تكون أيضا ملكا لدولة.وليس ثمة مصطلح واحد للدلالة على هذه المؤسسات ، بل تستخدم تعاريف عديدة للدلالة على واقع واحد ، فيقال شركة ومؤسسة .
المبحث السادس: علاقة العلاقات الدولية بالعلوم الأخرى:
تهتم العلاقات الدولية ببحث المسائل الدولية فتلتقي بذلك وتتداخل مع العلوم الأخرى التي تتناول جانبا من هذه المسائل وتختلف عنها كونها تطمح الى تجاوز الجوانب الخاصة للالمام بالمجموع:
العلاقات الدولية والقانون الدولي العام:
يقصد بالقانون مجموعة القواعد المنظمة للعلاقات والروابط الاجتماعية في مجتمع معين والدولي كل ما هو بين الدول ليصبح القانون الدولي. وهومنظم للعلاقة بين أعضاء المجتمع الدولي سواء كانوا دولا أو منظمات دولية أو غيرها من الجماعات السياسية المختلفة الموجودة في هذا المجتمع. فبالاضافة الى تنظيمه هذه العلاقة ، فهو يبين ما لهم من حقوق وما عليهم من الالتزامات ، شأنه
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام