"مجتمع المعلومات، المفهوم، الخصائص، و التحديات"
إعداد: إبراهيم بعزيز
أستاذ مساعد بقسم الإعلام و الاتصال- جامعة الجزائر
الملخص:
تهدف هذه المداخلة إلى تقديم أهم مميزات مجتمع المعلومات، من خلال تحديد مفهومه، خصائصه، و أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس مدى ولوج بلد ما في مرحلة المجتمع المعلوماتي، بالإضافة إلى تحديد المجالات الواجب تحديثها و الاعتناء بها بغرض الانتقال إلى مجتمع معلومات في ظل العولمة، و أخيرا تحاول هذه المداخلة تحديد الفرص المتاحة لأي بلد في ظل التطورات الحاصلة في قطاع تكنولوجيا المعلومات و الاتصال، و تحديد المخاطر الناجمة عن إرساء مجتمع المعلومات و الانعكاسات السلبية المترتبة عن إدماج هذه التكنولوجيات الحديثة في مختلف القطاعات، و هذا دون إغفال الانعكاسات الايجابية لاستعمال تكنولوجيا المعلومات في مختلف المجالات، و أخيرا سنحاول إبراز الميادين التي ينبغي للجزائر كبلد نامي الاهتمام بها لإقامة مجتمع معلومات يتماشى مع التحولات الحالية في ظل العولمة.
مقدمة:
عرف العالم في النصف الثاني من القرن العشرين تحولا اجتماعيا غير مسبوق، بفعل الثورة الحاصلة في مجال تكنولوجيات الإعلام و الاتصال، و التي لم تترك مجالا من مجالات الحياة إلا و اقتحمته بقوة، و أرغمتنا على التعامل معها كواقع لابد منه، فلا مناص من ضرورة إيجاد السبل اللازمة و الطرق الملائمة للتكيف مع هذا الواقع، و محاولة التموقع الجيد في خضم التحولات السريعة الإيقاع، التي تسببها في الأساس العولمة بمختلف أشكالها.
إن هذا التحول الاجتماعي و التطور الذي جاء بعد مرحلة ما يسمى بالمجتمع الصناعي، و قبلها المجتمع الزراعي، اتفق معظم المختصون و الكتاب في هذا الشأن على تسميته بمجتمع المعلومات، و للإشارة فإن هناك عدة مصطلحات و تسميات أخرى تطلق على هذه المرحلة أو على هذا المجتمع، كمجتمع ما بعد الصناعي(post-industrial society)، مجتمع ما بعد الحداثةpostmodern society))، مجتمع المعرفة(knowledge society)، المجتمع الرقمي((digital society، مجتمع الشبكاتnetwork society... إلى غير ذلك من التسميات، التي تعبر كلها عن تلك المرحلة التي تلت مرحلة المجتمع الصناعي، و التي أصبحت تحتل فيها المعلومة مكانة ذات قيمة عالية، و تمثل المادة الخام لعدة أنشطة و صناعات، و القطاع الأساسي الذي أصبح يجذب غالبية أفراد الطبقة العاملة، و يشكل المصدر الرئيسي للثروة و القيمة المضافة، و الدخل الوطني الخام.
و نظرا للدور المتعاظم للمعلومة في كافة ميادين الحياة، فإن المجتمع الدولي قد أصبح يولي اهتماما كبيرا و يخصص ميزانيات كبيرة لوضع السياسات و الخطط التي تمكن من إرساء مجتمع معلومات، و لذلك نلاحظ مثلا تزايد عدد الندوات و الملتقيات المنظمة حول هذا الموضوع، كان أهمها القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف سنة 2003م، و تونس 2005م، و الملتقى الدولي المنعقد في 19/20 فيفري 2007م بواغادوغو، بعنوان: "إفريقيا و مجتمع المعلومات".
و يعتبر العامل الأساسي الذي سبب هذا التحول الجذري في مجتمعات اليوم، الاكتشافات و الاختراعات الكثيرة التي تشهدها تكنولوجيات الاتصال، و التي لا تكاد تتركنا نتأقلم و نتكيف مع تقنية ما حتى تظهر تقنية أخرى أحسن منها و أحدث بكثير، محدثة بذلك ثورة معلوماتية يقول عنها كل من 'جون جيروم' و 'رونودولابوم' بأنها "ثورة بدون ملامح و معالم"(1) ، ذلك لأنها تجعل من الصعب علينا التكهن و التنبؤ بما ستحدثه في المستقبل، من أمور جديدة.
و قد أصبحت بناء على هذا تكنولوجيات الاتصال و المعلومات من بين أهم مقومات النهوض، و تحقيق الازدهار في شتى الميادين، "و هذا ما يقودنا إلى التسليم بأن القوة المعلوماتية قوة في حد ذاتها، إذ تقاس قوة الدول و المجتمعات بما تملكه من تقانة معلوماتية و تنتجه من معرفة"(2)، و تصنف حسب ما تتحكم فيه من تقنيات و معارف حديثة.
و لهذا يعد اقتصاد المعرفة (knowledge economy)من التوجهات الحديثة و الرئيسية في اقتصاديات الدول المتقدمة، التي أصبحت تعمل جاهدة لتنميته، خاصة مع التخوفات من نفاذ مصادر الطاقة الحالية من بترول و غاز و غيره من الموارد الطبيعية، الشيء الذي يجعل من الضروري إيجاد حلول و بدائل طاقوية، و التي يتفق المختصون أنها ترتكز في معظمها على المعلومة و المعرفة بشكل أساسي، و تقنيات الاتصال و أنظمة المعلومات التي تسمح بالاستغلال الأمثل لها، و التوظيف الفعال في مختلف الميادين، لتحقيق القيمة المضافة و تنمية الناتج المحلي الخام.
"و يشير التقرير العالمي لقياس مجتمع المعلومات و استعمال تكنولوجيات الاتصال، الذي أصدره الاتحاد الدولي للاتصالات في 2009م، إلى أن العالم قد توصل مع نهاية سنة 2008م إلى مستويات غير مسبوقة في استعمال و تبني تكنولوجيات الاتصال الحديثة، حيث أن ربع سكان العالم يستعملون شبكة الانترنت، و حوالي 04 بليون فرد يملكون هاتف نقال، و 1.3 بليون خط هاتفي ثابت. لكن يبين التقرير من جهة أخرى أن هناك فجوة رقمية معتبرة بين الدول الفقيرة و الغنية، فمعظم الدول التي حققت تقدما هاما في إدماج و استعمال تكنولوجيات الاتصال هي من قارة أوروبا، و لاسيما الشمالية منها، و أشار كذلك إلى وجود علاقة وطيدة بين مستوى الدخل و استعمال تكنولوجيات الاتصال"(3)، حيث أنه كلما زاد الدخل كلما زاد امتلاك التكنولوجيات الحديثة، و بالتالي زادت نسبة استعمالها.
و سعيا منها إلى تقليص هذه الفجوة الرقمية التي تفصلها عن الدول الشمالية المتقدمة، بدأت الدول العربية في السنوات الأخيرة، بزيادة اهتمامها بتكنولوجيات الاتصال و الإعلام الحديثة، "فقد أصبحت تهتم البلدان العربية بإدماج هذه التكنولوجيات في مختلف الأنشطة و استغلالها بشكل جيد، بهدف تقليص الفجوة الرقمية بين أفرادها، و جعلهم يتماشون مع التطورات الحديثة" (4).
و بناء على هذا فإنه يتوجب على الجزائر أن تحذو حذو هذه الدول الأخرى، التي تطمح أن تحقق طفرة معتبرة في مختلف الميادين الاجتماعية، و أن تتكيف مع هذه التغيرات الحاصلة، و تتموقع جيدا في ظل العولمة و تحولاتها المتسارعة الوتيرة، و أن تحدد إستراتيجية واضحة المعالم لإقامة مجتمع معلومات في الجزائر.
و لدلك فإننا سنحاول من خلال هذه المداخلة أن نبرز أهم المجالات و الميادين التي يجب علينا كبلد نامي أن نعتني بها و نطورها، للولوج في مجتمع المعلومات، و أهم الفرص المتاحة لنا لتحقيق ذلك، كما سنبين أهم الانعكاسات المترتبة عن ذلك، و المخاطر المختلفة التي تنجر عن هذا التحول الاجتماعي نحو المجتمع المعلوماتي، و سبل تجنبها أو على الأقل التخفيف من حدتها.
و في البداية سنحاول أن نحدد ما المقصود بمجتمع المعلومات، و أهم خصائصه و سماته، ثم المؤشرات التي تحدد مدى دخول بلد معين فيما نسميه مجتمع المعلومات.فما هو إذا مفهوم مجتمع المعلومات؟
1-
مفهوم مجتمع المعلومات(information society) :
كما يشير اسمه، فإن مفهوم مجتمع المعلومات يستخدم للتعبير عن ذلك المجتمع الذي تعتبر فيه المعلومة الشيء الجوهري و الأساسي، الذي تقوم عليه مختلف الأنشطة و الميادين، فبعد أن مر الإنسان بمرحلة المجتمع الزراعي، الذي كانت فيه الأراضي و المزارع المصدر الأساسي للثروة و القوة، ثم بمرحلة المجتمع الصناعي الذي يقوم على المعامل و المصانع، التي تتخذ من الموارد الطبيعية من بترول و غاز و معادن، مادتها الأساسية الخام لخلق القيمة المضافة، جاء العصر الذي لا نقول بأنه لا يعتمد على الزراعة و الصناعة، بل تعاظمت فيه أهمية المعرفة و المعلومات المعالجة بشكل كبير، فأصبحت الميادين المتعلقة بصناعة المعلومات تدر أرباحا و تحقق تقدما أكثر من قطاعي الصناعة و الزراعة، بل حتى هذين القطاعين قد أصبحا يقومان في معظم الأحيان على المعارف و المعلومات الناتجة عن البحوث و الدراسات المختلفة ( مثلا استغلال نتائج دراسات الهندسة الوراثية لتهجين الحبوب، ...)، بالإضافة إلى كون قطاع صناعة المعلومات يشغل أكبر نسبة من اليد العاملة مقارنة بالقطاعات الأخرى. إذن فهو كما يقول 'محمد فتحي عبد الهادي'"مفهوم يرى التحول من مجتمع صناعي إلى مجتمع حيث المعلومات-في أكثر أشكالها اتساعا و تنوعا- هي القوة الدافعة و المسيطرة"(5).
و هو ذلك المجتمع الذي يقوم أساسًا على نشر المعرفة و إنتاجها و توظيفهابكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي (الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياةالخاصة،'ويقصد بمجتمع المعلومات أيضا جميع الأنشطة والموارد والتدابيروالممارسات المرتبطة بالمعلومات إنتاجاً ونشراً وتنظيماً واستثماراً . ويشمل إنتاجالمعلومات أنشطة البحث علي اختلاف مناهجها وتنوع مجالاتها، بالإضافة إلي الجهودوالتطوير والابتكار علي اختلاف مستوياتها كما يشمل أيضاً الجهود الإبداعية،والتأليف الموجه لخدمة الأهداف التعليمية والتثقيفية والتطبيقية.
كما عُرفمجتمع المعلومات بأنه " المجتمع الذي يعتمد في تطوره بصوره أساسية علي المعلوماتوشبكات الاتصال والحواسيب"أي أنه يعتمد علي ما يسميه البعض " بالتقنية الفكرية " ، "تلك التي تضم سلعًا وخدمات جديدة مع التزايد المستمر في القوة العاملةالمعلوماتية" (أي تعظيم شأن الفكر والعقل الإنساني بالحواسيب والاتصال والذكاءالاصطناعي(expert system)(6).
و يعرف كذلك بأنه المجتمع الذي أعتمدأساسا على المعلومات وتقنيات المعلومات والتكنولوجيا الحديثة، و أصبحت المعلومات فيهلازمة لكل فرد وتعاظم دورها في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية
والاجتماعية.ووجدنا أنفسنا في هذا المجتمع أمام تغيرات اجتماعية وتكنولوجيةكبيرة بسبب ما يسمى "بالثورة المعلوماتية أو الانفجار المعلوماتي" و أصبحت صناعةالمعلومات من أهم الصناعات في اقتصاد الأمم المتقدمة ذلك إن لم تكن أهمها علىالإطلاق"(7).
و من خلال كل هذه التعاريف يبدو جليا أن السمة الأساسية التي تميز هذه المرحلة الجديدة أو هذا المجتمع الحديث، هي تعاظم قيمة المعلومات في شتى الميادين، و استخدامها "بكثافة كوجه للحياةالاقتصادية
والاجتماعية والثقافية والسياسية، (...) و كمورد استثماري، وكسلعة إستراتيجية، وكخدمة، وكمصدر للدخلالقومي، وكمجال للقوى العاملة"(
.
و يقول في هذا السياق 'زكي حسن الوردي'و 'مجبل لازم المالكي':"لقد أصبحت المعلومات تمثل ثروة وطنية و رافدا أساسيا من روافد التقدم و البناء الحضاري في مختلف مجالات الحياة، و لقد أدركت الدول المتقدمة أهمية المعلومات على اعتبارها موردا استراتيجيا لا يقل أهمية عن الموارد الأخرى، و لكونها عنصرا لا غنى عنه في الحياة اليومية، و في اتخاذ القرارات و دعم نشاطات البحث العلمي، و الركيزة الأساسية لتقدم البحث العلمي و الحضاري، و من يمتلك المعلومات و يستثمرها بشكل أفضل ، و من يمتلك تقنيات و نظم معلومات متطورة هو الأقوى، لأن قدرة الإنسان على استثمار الموارد الأخرى مرهون بقدرته على استثمار هذه الثروة(…)و يذهب البعض عند تقييمه للمقومات الأساسية للإنتاج القومي و هي المادة، الطاقة، المعلومات، إلى أن هذه الأخيرة أصبحت تتبوأ مكان الصدارة من حيث الأهمية"(9).
و قد يتساءل سائل عن سر اكتساب المعلومة و المعرفة لهذه الأهمية البالغة، و عن سر تمكنها من منافسة المواد الخام الأخرى، و نقول بأن السر يكمن في كون المعلومات تتميز بميزة لا نجدها في غيرها من المواد، و هي ميزة اللانفاذ و اللانضوب، أو بصيغة أخرى"التزايد وعدم النقصان؛ بمعنى أنه عندما يتم أخذ معلومة من مصدرما فإن الآخذ تزداد مصادره المعلوماتية، بجانب أن المصدر المأخوذ منه لا ينقص بليزيد لديه نمط من أنماط المعرفة التي تؤثر فيه بشكل واضح وكبير. فالآخذ يربحوالمعطي يربح أيضاً. كما أن المعلومة تزداد أهمية بزيادة رواجها أحياناً، وأحياناًأخرى من خلال اقتصار رواجها بين وسط محدد وضيق كالمعلومات العسكرية والسياسية"(10). كما أن أحسن مثال على كون المعلومة و المعرفة أصبحت لها من الأهمية ما يفوق في الكثير من الأحيان أهمية الموارد الطبيعية و الطاقوية الأخرى، ما حققته العديد من البلدان من تقدم و نمو اقتصادي، و ارتفاع دخلها الوطني الخام جراء اعتماد اقتصادياتها بشكل أساسي على المعرفة، و على القطاعات المتعلقة بصناعة المعلومات و تكنولوجيات الاتصال الحديثة، و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، دول أوروبا الشمالية كالسويد، فنلندا، و دول جنوب شرق آسيا، كماليزيا، سنغافورة و إندونيسيا.
و قد تنامت كذلك الشركات و المؤسسات التي تشتغل في ميدان صناعة المعلومات و تقنياتها بشكل مذهل، مثل شركة 'Microsoft'، و'Sony'فنجد مثلا شركة"Yahoo قد بلغت قيمتها سنة 1999م حوالي 40
مليار دولار، متجاوزة بذلك قيمة بعض الشركات التي أنشأت منذ عقود من الزمن مثل شركة General Motors'، بالإضافة إلى موقع e-bay الذي بلغت قيمته 16 مليار دولار، أي أكثر من شركات Nike و Nissan. وقد أعدت المجلة الأمريكية fortune في عددها الثاني من سبتمبر 1999م، تصنيفا لأربعين ملياردير ممن لا يفوق سنهم 40 عاما، فوجدت أنه باستثناء شخصيتين رياضيتين، تتمثل الأغلبية الساحقة منهم من أشخاص أسسوا شركات تعمل عبر شبكة الانترنت"(11)، بالإضافة إلى هذا تبين أن في "سنة 2000م أصبحت خمس مؤسسات من بين العشر الأوائل من حيث القيمة المالية في البورصة، و هي مؤسسات ذات نشاط متعلق بهندسة و تشغيل شبكة الواب و تسيير مختلف خدماتها"(12). و يمكن أن نستخلص من كل هذه الأمثلة أن العنصر الأساسي و الاستراتيجي في المجتمعات المعاصرة، هو المعلومة و المعرفة بكل أشكالها، و كل التقنيات المتعلقة إما بتصنيعها أو استغلالها.
2- خصائص مجتمع المعلومات: يتميز مجتمع المعلومات بمجموعة من السمات و الخصائص التي تحدد طبيعته أهمها:
-زيادة أهمية المعلومات كمورد حيوي استراتيجي.
- نمو المجتمعات والمنظمات المعتمدة على المعلومات.
- استخدام تقنيات المعلومات والنظم المتطورة.
- تنامي النشر الإلكتروني ومصادر المعلومات الإلكترونية(13)، و التضخم في حجم الإنتاج الفكري"(14).
- يتميز مجتمع المعلومات كذلك بتراجع استخدام الورق، من خلال استعمال نقود الكترونية، جرائد و كتب الكترونية، إلى غير ذلك من الأمور التي ألغت أو قلصت استعمال مثيلاتها الورقية، و هذا ما جعل العديد من الكتاب يسمون مجتمع المعلومات بالمجتمع اللاورقي(paperless society)، خاصة مع ظهور ما يسمى "بالحكومة الالكترونية و الإدارة الالكترونية"(15)، والطريق السريع للمعلومات(information (superhighway(16).
- تزايد حجم القوى العاملة و النشطة في قطاع صناعة المعلومات، و التي تتجاوز في بعض الدول المتقدمة
50 %،منمجموع القوى العاملة في المجالات الاقتصاديةالتقليدية وهي الزراعة والصناعة والخدمات(17).
- يتميز كذلك بكون المعرفة و المعلومة من أهم مصادر الثروة و القوة، بالإضافة إلى انفجار ثورة النشر بكل الأشكال و اللغات و الأوعية، و في كل الميادين و التخصصات.
-حدوث انفجار اتصالي هائل تصاحبه تطورات لامتناهية في ميدان الالكترونيات و الاتصالات عن بعد(18).
- ظهور مؤسسات الشخص الواحد.
-يتسم بوجود ما يسمى بالتعليم المستمر مدى الحياة، لضمان البقاء في عصر يشهد تغيرات سريعة، تعطي الأولوية للأكثر كفاءة و مهارة و ليس للأقدمية.
-تزايد الأنشطة التي تنجز عن بعد كالعمل عن بعد، التجارة عن بعد، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح(19)، أو التعليم الافتراضي(20).
- هذا و يتميز كذلك مجتمع المعلومات باستعمال مكثف لشبكات الاتصال و أنظمة المعلومات، في الإدارات و الهيئات و المؤسسات.
2- المؤشرات التي تحدد مدى الولوج في مجتمع المعلومات:(information society indicators):
هناك مجموعة من المؤشرات و المحددات التي تبين مدى دخول مجتمع ما فيما يطلق عليه مجتمع المعلومات، فعلى سبيل المثال يعتمد" الاتحاد الدولي في تقريره الصادر في 2009م، و الخاص بقياس مجتمع المعلومات على مجموعة من المؤشرات التالية:
-عدد الخطوط الهاتفية، سواء الثابت أو النقال.
-نسبة أو عدد المشتركين في شبكة الانترنت.
-البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصال.
-نسبة الأشخاص الذين يمتلكون جهاز حاسوب منماوالي.
-نسبة الأشخاص الذين لهم اشتراك منماوالي للانترنت.
-مدى تحكم الأفراد في مهارات استعمال تكنولوجيات الاتصال.
- نسبة مساهمة تكنولوجيات الاتصال في الاقتصاد و الدخل الوطني.
- أسعار أجهزة تكنولوجيات الإعلام و الاتصال.
- عدد المستعملين لشبكة الانترنت المهنيين و العاديين.
- عدد ممولي خدمة الانترنت(providers).(21)
- نسبة العمالة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
و هناك من يحدد كذلك مؤشرات دخول مجتمع ما إلى مرحلة المجتمع المعلوماتي فيما يلي:
- جاهزية الانتقال و الاستفادة من تقنيات الإعلام و الاتصال.
- كثافة استخدام هذه التقنيات في مختلف المجالات.
- اثر استخدام هذه التقنيات، أي النتائج المترتبة.
- المحصلة أو النتيجة الختامية المتعلقة إما بالإنتاج أو الأثر الاجتماعي العام(22).
تهيئة تكنولوجيا الاتصال( البنية التحتية، الإتاحة)
ICT readiness (infrastructure, Access)
استعمال تكنولوجيا الاتصال
ICT use (intensity)
الانعكاسات و النتائج
ICT impact (outcomes)
مهارات استعمال تكنولوجيا الاتصال
ICT Capability, skills
الشكل : يمثل ثلاث مراحل للولوج في مجتمع المعلومات(المصدر الاتحاد الدولي للاتصالات)(23)
4- المجالات الواجب تحديثها و الاعتناء بها بغرض الانتقال إلى مجتمع معلومات في ظل العولمة:
"إن بناء مجتمع المعلومات هو الهدف الإستراتيجي لبلدان كثيرة ، لكن بناء هذا المجتمع لا يمثل عملية قائمة بذاتها وإنما يرتبط بالسياسات الاجتماعية الأخرى والتغيرالاجتماعي خاصة عندما يكون سريعا بشكل تحديات جديدة دائمة لمتخذي القرار. وهناك حاجة إلى معرفة الوضع الراهن والمعارف الأساسية عنه وكذلك إلى حقائق ذات صلة موثوق بها عن الاتجاهات الإنمائية في المجتمع، والقدرة على التجديد المستمر ومواكبة احتياجات أفراد المجتمع المتغيرة"(24).
و لذلك فإن الجزائر كغيرها من الدول الراغبة في إرساء قواعد مجتمع معلومات، لابد و أن تحدد قبل كل شيء، موقع الجزائر و مكانتها في مجال استعمال التقنيات الاتصالية الحديثة، من خلال الإحصائيات الدقيقة و الميدانية بعيدا عن الخطابات السياسية، فكما يقال ما لا يمكن رؤيته لا يمكن قياسه، و ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته. و بالإضافة إلى أن إقامة مجتمع المعلومات يتطلب منح المزيد من العناية ببعض القطاعات الحساسة، و ضرورة تحديثها بشكل يتماشى مع المستجدات، و هي تتمثل فيما يلي:
- أول ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار قبل أي شيء، هو مراعاة الخصوصية الإقليمية للجزائر، فليست أي خطة أو إستراتيجية تم تطبيقها و إتباعها في بلدان أخرى يمكن أن تطبق في الجزائر.
-تهيئة وسط ملائم ومقبول لنشر استعمال واستغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة للإعلام والاتصال في الاقتصاد الوطني وداخل المجتمع.
- إقامة بنية تحتية ملائمة للاتصالات و الشبكات.
-العمل على إتاحة مصادر المعلومات التقنية و العلمية، من خلال تحديث شبكات المعلومات بين الجامعات و مراكز البحث، و المدارس و المؤسسات الثقافية.
_إكمال الترتيبات التشريعية القانونية، من خلال تشريع قوانين خاصة بحماية الملكية الفكرية، خاصة ما تعلق منها بالموارد الالكترونية.
-الاهتمام بقطاع التربية والتعليم، لأنه كما يقول 'بشار عباس' "بوابة مجتمع المعلومات"(25)، من خلال تحديث مناهجه و ووسائله، و خصوصا إعادة تأهيل المدرسين بشكل يجعلهم يسايرون التطورات الحاصلة في تكنولوجيات الاتصال، و يتيح لهم إمكانية و سهولة إدراجها في العملية التعليمية و التربوية.حيث أن "الانتقال إلى مجتمع المعرفة يفرض على الأمم أن تواجه بنجاح تحديا يتمثل في تحسين نوعية التعليم على نحو ملموس، فالمساهمة الحاسمة للتربية في تحقيق أهداف التنمية تغدو أكثر جلاءا في عالم عززت فيه ثورة تكنولوجيات
المعلومات و الاتصال ترابط الأمم و تشابك المصالح، و لم يعد أي واحد من مجالات النشاط الإنساني بمنأى عن السيل العرم للتكنولوجيا، سواء تعلق الأمر بالخدمات الصناعية و المالية، أو بالسياسة أو العلم أو الصحة أو
الثقافة، فقد تعولمت المبادلات التجارية و اشتد التنافس فيها، مما يجبر (…) الشعوب على التكيف و تحسين قدراتها على نحو مستمر لكي يتأتى لها البقاء داخل حلبة السباق، (…) فالمجتمعات و هي تبتعد تدريجيا عن النمط التقليدي للاقتصاد الصناعي، أصبحت تكتشف أن الامتياز و النجاح يصاحبان أولئك الذين يستطيعون ابتكار معارف جديدة، و تطبيقها بسرعة على أنواع كثيرة من النشاطات، بفضل استغلال المعلومات و الاتصالات السلكية و اللاسلكية.و تعزز العولمة التي تحركها بالأساس تكنولوجيا الإعلام و الاتصال قيمة المعرفة باعتبارها حاملة للثروة. و تهتم الحكومات حاليا- و بعد أن وعت أهمية المعرفة بالنسبة للتقدم الاقتصادي- بتكوين عمالة متخصصة بدرجة عالية، (…) أن التكنولوجيا تدفع إلى ابتكار تنظيم للعمل يكون أكثر مرونة، و تستوجب استمرارا و ثباتا في تكوين العاملين في مختلف القطاعات ليتأتى لهم مسايرة الإيقاع السريع للتغيير.و إن السرعة التي تطبع تغير ميدان الأعمال، بالإضافة إلى التجديدات التكنولوجية تجعل من الصعب التنبؤ بالكفاءات و المهارات الضرورية مستقبلا. هذا و لا تطال العولمة ميدان الاقتصاد فقط، بل أنها تعني أيضا تدويل المبادلات بين البشر و تناقل الأفكار كما يتجلى ذلك في قيام مجتمع مدني عالمي، إذاك قد تفتح العولمة آفاقا جديدة في مجال التعليم و التعلم"(26).
-حث الشركات المصنعة لتكنولوجيا الإعلام و الاتصال على التعاون مع مؤسسات التعليم و تزويدها بالتجهيزات بأسعار منخفضة.
- الاعتناء بالتعليم المستمر، و التعليم الجامعي المفتوح، خاصة بالنسبة للعمال و الإطارات، وتكثيف عملية رسكلة و إعادة تأهيل وتكوين العمال في قطاع الاتصالات السلكية و اللاسلكية، و تعميم التكوين في مجال تكنولوجيا إعلام و الاتصال، و عدم حصره في شريحة معينة (المهندسين..).
- تعزيز العلاقة بين قطاع التعليم و القطاع الاقتصادي خاصة فيما يخص التكوينات والتربصات في تكنولوجيا الإعلام و الاتصال.
-"تشجيع خدمات المعلومات ذات القيمة المضافة، و تحديث شبكات المعلومات الخاصة بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة، تطوير نظام إحصاء وطني، و كذا الاستفادة من فرص التعاون الدولي في مجال المجتمع المعلوماتي"(27).
- تدعيم الدولة لأسعار الأجهزة و التكنولوجيات الحديثة، كالحواسيب و قيمة الاشتراك في شبكة الانترنت.
-"الاهتمام بمشاريع الشراكة و التعاون في قطاع تكنولوجيات الاتصال و بنياتها التحتية بين مختلف البلدان"(28).
- وضع سياسة وطنية فاعلة لإعداد تقارير و احصاءيات في مختلف المجالات، خاصة تلك المتعلقة بقطاع الاتصالات.
- محاربة الجرائم الالكترونية و محاولات الاختراق وقرصنة الأعمال الفكرية، فالعامل الأساسي الذي أعاق إرساء مجتمع معلومات بالجزائر، هو كثرة الجرائم و القرصنة في الأنظمة الإعلامية التي تم تطبيقها إلى حد الآن في بعض المجالات، مثل البنوك، الحسابات البريدية، التأمين، بطاقات العلاج، بالإضافة إلى محاولات الاختراق التي تتعرض لها أنظمة المعلومات، و قواعد البيانات التابعة للإدارات و المؤسسات، "و لهذا يتعين إيجاد توازن بين حماية الحقوق المعنوية و الاقتصادية من جهة، و استمرار نفاذ العموم إلى الأعمال الأدبية و العلمية و الفنية، و إلى الخدمات الثقافية أيضا"(29).
- الاهتمام بمحاربة الأمية المعلوماتية(information illiteracy)،فهي من بين المعوقات الأساسية لإرساء مجتمع معلومات، و العمل على نشر ثقافة معلومات بين الأفراد، من خلال تكوين و تحسيس المجتمع في مجال استخدامات التقنيات المستحدثة، و ضرورة المحافظة عليها.
-"تشجيع الاستثمارات الخاصة، و إتاحة الوصول الحر لكل الأفراد للشبكات، وتشجيع تنويع المحتويات"(30).
- التطوير والحث على تحديث تجهيزات الإعلام الآلي في المؤسسات.
-تدعيم التجهيز المنماوالي بالتكنولوجيات الحديثة، من خلال تخفيض الرسوم على أجهزة الإعلام الآلي، و حث المتعاملين على توفير خدمات متعددة للاشتراك، وتطويره بالقروض الاستهلاكية في قطاع تكنولوجيا الإعلام و الاتصال.
- حث الإدارة على تصميم مواقع للمعلومات المؤسساتية و المعلومات الخاصة بالإدارات العمومية، مما يسمح بتقريب المواطن من مؤسسات الدولة ( الحكومة الالكترونية(e-government.
- تعزيز المحتوى المحلي و العربي على الشبكات الالكترونية.
-تشجيع إنشاء مؤسسات محلية في مجال التكنولوجيات الحديثة و المتقدمة.
- تثمين و تشجيع التعاون البيني و عروض الخدمات مع الشركات الأجنبية.
-توسيع التغطية بشبكة الانترنت و زيادة المتعاملين العموميين والخواص.
- استعمال تكنولوجيا الإعلام و الاتصال في مرا كز التوثيق و المكتبات الجامعية بهدف تحسين تسيير مصادر المعلومات، و تسهيل إتاحة المصادر الالكترونية.
- العمل على إقامة شبكات علمية للتواصل بين الباحثين، و شبكات معلوماتية تربط بين المكتبات و مراكز البحث و الجامعات، على غرار ما يحدث في الدول المتقدمة.
-تكييف المحيط الاقتصادي مع التجارة الالكترونية، و تحديث نظام مالي بين البنوك، و إنشاء أنظمة معلوماتية أمنية لمحاربة الجرائم في هذا المجال.
- و أخيرا ضمان المتابعة المنتظمة و التقييم الدوري لإرساء قواعد مجتمع المعلومات، و متابعة تحديث قطاع الاتصالات السلكية و اللاسلكية، لأن التجهيز و إقامة البنى التحتية دون المتابعة و التحديث لا يجدي نفعا كثيرا، خاصة في هذا العصر الذي يشهد تغيرات و اكتشافات سريعة الوتيرة.
3- الفرص المتاحة للجزائر في ظل مجتمع المعلومات:
إذا ما تم وضع سياسة ناجعة و إستراتيجية فعالة، تساهم بالمضي قدما بمجتمع المعلومات في الجزائر، فإنه يمكن القول أن العديد من الفرص ستتاح للجزائر لتحقيق عدة تطورات و تحديث مختلف القطاعات، من خلال إدماج تكنولوجيات الاتصال الحديثة في مختلف الأنشطة و المهام. و من بين هذه الفرص و الايجابيات التي يمكن للجزائر أن تستفيد منها في ظل مجتمع المعلومات نذكر:
- "إتاحة النفاذ الشامل للمعرفة"(31)، بكل أشكالها و أوعيتها، و في كل التخصصات العلمية، و بالتالي الإتاحة السهلة و السريعة لمصادر المعلومات و المعرفة.
- تطوير الاقتصاد القائم على المعرفة (32)، و الذي يمكن من التحرر من الارتباط بالمواد الأولية الأخرى، و يساهم في تحقيق تنمية وطنية مستدامة، بل و يساهم حتى في تنمية و تطوير القطاعات الأخرى، كالقطاع الزراعي، الاقتصادي، و قطاع الخدمات.
- "تسهيل العمليات التجارية و اختزال التكاليف"(33)، و تسهيل عمليات التسويق و الترويج عبر شبكة الانترنت، التي أصبحت تستقطب نسبة لابأس بها من الاشهارات.
- اختزال التكاليف و الوقت في عدة أعمال و أنشطة، خاصة في تلك التي يمكن القيام بها عن بعد، كمختلف أشكال العمل عن بعد(tele-travail)، التعليم الافتراضي(virtual learning)، التجارة الالكترونية(e-commerce)، إلى غير ذلك.
- تحسين مستوى العمال و الإطارات من خلال تفعيل سياسات تشجع التعليم المفتوح(open learning)، و التعليم المستمر مدى الحياة.
- تنمية قطاع التعليم و البحث العلمي، من خلال تزويد مختلف المؤسسات و المراكز و الجامعات، بأحدث التقنيات في مجال تكنولوجيا الاتصال و المعلومات، و تسهيل عملية التواصل بين الباحثين، سواء المتواجدون منهم بالداخل أو الخارج، و تيسير الحصول على آخر ما توصلت إليه البحوث و الدراسات في مختلف المجالات.
- و من بين الانعكاسات التي يمكن اعتبارها ايجابية كذلك، توفير المزيد من مناصب الشغل خاصة تلك التي ترتبط بالتقنيات الحديثة.
- يتيح مجتمع المعلومات المزيد من الحرية في التعبير، و الكتابة و النشر، خاصة مع ما تتيحه على سبيل المثال شبكة الانترنت من خلال تطبيقاتها المتعددة، كمنتديات المحادثة الالكترونية، المدونات الالكترونية(blog) أو ما يسمى بصحافة المواطن(citizen journalism)، و التي تمكن أي فرد من صناعة محتوى إعلامي و بثه عبر التقنيات الاتصالية الحديثة.
-
وعموما فإن هذه بعض من الايجابيات و الفرص التي يوفرها الدخول في مجتمع المعلومات و المعرفة، و التي من دون شك لها ما يقابلها من انعكاسات سلبية، و مخاطر ناجمة عن تطبيقات مختلف التقنيات الحديثة، و هي التخوفات التي أدت إلى ارتفاع الكثير من الأصوات المنادية بالكف عن إدماج هذه التقنيات و التكنولوجيات الحديثة في المجتمع، و التي أعاقت في جانب منها عملية الولوج في مجتمع المعلومات، وسنحاول إيجاز هذه المخاطر و الانعكاسات السلبية في العنصر التالي.
5- المخاطر الناجمة عن إرساء مجتمع المعلومات و الانعكاسات السلبية المترتبة:
كما يقول "معن النقر" فإن لعصر المعلومات آثاره و تأثيراته الاجتماعية و النفسية و الأخلاقية و القانونية...الخ"(34)، فلا يمكن لأحد أن يدعي بأن الدخول في مجتمع المعلومات، سيكون دون أثار سلبية و غير مرغوبة، و أول هذه الآثار تلك التي تتعلق بالميدان الاجتماعي، فيعتبر الكثير من علماء الاجتماع أن المجتمع المعلوماتي يعمل على "إزالة الروابط الاجتماعية"(35)، و تفكيك النسيج الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، بسبب تزايد نسبة الاتصالات عن بعد و تقليص نسبة الاحتكاك المباشر وجها لوجه، و يعمل كذلك على زيادة النزعة "الفردانية"(36) بين الأفراد، و انعزال الأشخاص عن محيطهم الاجتماعي القريب، و لذلك يسمي العديد من الكتاب هذا النوع من بالمجتمع المتفرد(la société individuel liste) ، أو كما يسميه "معن خليل" المجتمع الجماهيري المتفرد"(37) . و إذا أخذنا أمريكا كمثال على المجتمع المعلوماتي المتقدم، فنجد أن الدراسات تثبت وجود شرخ اجتماعي كبير بين الأفراد، فقد بينت إحدى الدراسات التي "أجرتها فرقة بحث بقيادة (robert Kant) و (pittsburg) بأمريكا، حول 256 شخص لمدة سنتين، و التي بينت أن استعمال الانترنت قلص من دائرة العلاقات الاجتماعية القريبة و البعيدة، و زاد من وحدتهم و إحساسهم بالإحباط"(38).
- و يرى العديد من الكتاب أن مجتمع المعلومات ما هو إلا امتداد للعولمة و للقيم الامبريالية، فحسبهم يعتبر "عاملي انفجار تكنولوجيات الاتصال الحديثة، و عولمة الاقتصاد من بين المحركات الأساسية للاقتصاد العالمي الحديث"(39)كما يرى البعض الآخر أنها"العامل الذي يسهل و يسرع حدوث العولمة"(40)، فإذا كانت العولمة
تهدف لإزالة الحدود بين الدول و حرية انتقال السلع و الأشخاص و فتح الأسواق العالمية، فإن تكنولوجيات الاتصال من أهم الوسائل التي تتيح تحقيق كل ذلك، "لأنها تجعل كل الاتصالات و التعاملات المختلفة، و العمليات التجارية و المهنية تحدث في الوقت الحقيقي و بغض النظر عن الحدود الجغرافية، فهي تجعل العالم صغيرا و مندمجا مع بعضه البعض"(41)، بالإضافة إلى مساهمتها في التدفق السريع للمعلومات، و الذي لا يعتبر عاملا سلبيا لولا أنه من جانب واحد، أي تدفقا أفقيا من الغرب إلى الدول الأخرى، و هو ما يعرضنا لمخاطر الغزو الثقافي و الاختراق الفكري، و هذا ما يجعلنا نلح على ضرورة وضع سياسة مستعجلة، لتعزيز المحتوى العربي و المحلي على شبكة الانترنت و الوسائل الإعلامية الأخرى، و إعادة إحياء ثقافاتنا و تراثنا، لكي نتمكن من التحصن من السيل الجارف للعولمة.
و قد"حذر تقرير صدر عن منظمة اليونسكو في 21 فبراير 2006م بباريس من خطر اندثار ما يقارب 6000 لغة عبر العالم، و ذلك بسبب عولمة الثقافة و طغيان البعد التقني في مجتمع المعلومات، و كذلك بسبب التحول الجذري الذي يحدث من المجتمع الصناعي إلى المجتمع القائم على المعلومات، خصوصا و أن المجتمعات
الصغيرة في البلدان النامية لا تملك القدرة على حماية خصوصيتها الثقافية و مصالحها الاقتصادية،"(انظر الدراسة التي قام بها خالد زعموم، بعنوان: مجتمع المعلومات، الواقع و التحديات،الأستاذ بجامعة عجمان).
- هناك كذلك تخوفات متعلقة بالجانب القانوني، حيث تطرح في ظل التطورات الحديثة للتقنيات الاتصالية عدة إشكاليات، خاصة تلك المرتبطة بمجال حقوق الملكية الفكرية و الحقوق المجاورة، و التي تجعل من الصعب تطبيق الآليات التي تسمح بالحماية من القرصنة، و سرقة الأعمال الفكرية و العلمية و الأدبية.
- هناك تخوفات كذلك من "محاولات انتهاك خصوصيات الأفراد، خاصة في عصر الشبكات و التي تحتوي كثير من المعلومات الشخصية للأفراد"(42).أو ما يسمى "بخطر الجنوح المعلوماتي la délinquance informationnelle"'(43).
- "و يتوقع الخبراء أن تتحول الفيروسات إلى نوع من الإرهاب الالكتروني"(44) نظرا لخطورتها الكبيرة و للخسائر المادية الفادحة الناتجة عنها.
- و هناك من يحذر"من أن يقوم مجتمع المعلومات بفعل التوظيف المكثف للتكنولوجيات الحديثة بتهميش الأشخاص الغير مستفيدين من التكوين أو قليلو الكفاءات"(45)، و إمكانية اختفاء عدد معتبر من المهن و الوظائف التقليدية.
- هناك تخوفات كذلك من إمكانية استعمال الجماعات الإرهابية للتكنولوجيات الاتصالية لتنفيذ أعمالها الإرهابية(46)، فقد أثبتت بعض الإحصائيات و الدراسات، ازدياد استغلال المنظمات الإرهابية
للتكنولوجيات الحديثة، و لاسيما شبكة الانترنت، و ذلك إما للاتصال أو بث بياناتها أو الترويج لمعتقداتها و أفكارها.
و في الأخير يمكن أن نقول أن التحديث و التجديد لابد و أن يكون، على الرغم من هذه الانعكاسات و المآخذ التي تحسب على عملية الدخول في مجتمع المعلومات، لأن تطور أي مجتمع يتطلب إحداث تغيير،"فالتغيير من شروط الازدهار بل و البقاء، فينبغي أن نعترف بالحاجة الملحة للتغيير كمرحلة أولى، و أن نعرف طبيعة التغيير المطلوب القيام به كمرحلة ثانية، ثم ننتقل في الأخير إلى تفعيل هذا التغيير"(47).
و عليه فإن مسايرة الركب العالمي يتطلب إجراء التعديلات التي تلائم خصوصية مجتمعنا و إمكانياتنا، فلا مجال اليوم للتهرب من الواقع الذي فرض نفسه ليس فقط علينا، بل على العالم أجمع، و لا مناص من الاندماج في المسار الذي تتبعه معظم دول العالم، و التأقلم مع تحدياته و متطلباته، لأن "عصر الانعزالقد انقضى، ومن لم يتقن علوم العصر الجديد سيحكم على نفسه بالانقراض بالمعنى التاريخيللكلمة"(48)، و لهذا فإن الدخول في المجتمع المعلوماتي شيء لا مفر منه، مما يحتم علينا ضرورة التفكير في كيفية الاستفادة منه في مختلف الميادين و الاستفادة من ايجابياته قبل أن تطغى علينا سلبياته و تفرض نفسها علينا، شريطة أن يتم وضع إستراتيجية محددة تعطي الأهمية ليس فقط للجانب و البعد التقني، بل للبعد الثقافي و الاجتماعي و القيمي على الخصوص، لأن
إقامة مجتمع المعرفة أبعد بكثير من مجرد التجهيز بأحدث التقنيات و التكنولوجيات، و هو عبارة عن جهود متعددة من مختلف الأطراف و الفئات الاجتماعية، و التي يجب أن تتكامل و تتناسق بشكل جيد.
بالإضافة إلى ضرورة إنتاج المحتوى و المضمون المعرفي و العلمي و الثقافي، الذي سيتم تداوله و تناقله عبر قنوات و شبكات هذا المجتمع المعلوماتي، لأن الاعتماد على المضامين و المعلومات التي تأتي غالبا من العالم الغربي ، تجعلنا عرضة لمخاطر التغريب و الغزو الثقافي، و هو ما يتعارض مع طموحات إقامة الدولة الوطنية التي تقوم أساسا على وجود وحدة ثقافية بين أفراد المجتمع، كما يعرضنا هذا كذلك إلى التبعية التامة لمنتجي المحتوى و المزودين بالمضمون(الرقمي)، و هو ما يساهم كذلك في تراجع الإبداع و التطوير الذاتي في مختلف المجالات، و يجعلنا مستهلكين بشكل دائم و مستوردين لما ينتجه الآخر، حتى و إن كان متعلقا بمجتمعاتنا، فقد أصبحنا في الكثير من الأحيان نلجأ إلى مصادر معلومات و إحصائيات و تقارير قامت بها هيئات أجنبية حول شؤون و قضايا خاصة بنا، و لهذا فإنه من الأهمية بمكان الاعتناء بإنتاج المضامين من معارف و معلومات بنفس القدر الذي نعتني به بالتجهيزات التقنية و البنيات التحتية.
و من خلال كل ما سبق يمكن القول أنه من الضروري على الجزائر كبلد سائر في طريق النمو، أن تعمل جاهدة على إيجاد السبل الكفيلة بتحديث المجتمع، من خلال دمج تكنولوجيات الاتصال الحديثة في مختلف القطاعات، و رفع الاهتمام بالمعرفة و التعليم، و بقطاع صناعة المعلومات، في عصر العولمة و التغيرات المصاحبة لها، و في عصر أصبحت فيه المعلومات الجوهر الأساسي و العملة القيمة ليس فقط في المجال الاقتصادي، بل حتى في المجالات الأخرى بما فيها السياسية و العسكرية، و لنا في تصريح الوزير الإسرائيلي الأسبق "شيمون بيريز "ما نستخلصه من دلالات و معاني فيما يخص الأهمية الإستراتيجية التي تكتسبها المعلومات في وقتنا الحالي، و الذي قال بأن"المعلومات أقوى من المدفع"(49).
و في الختام نستخلص أن تحديات إرساء مجتمع معلومات في ظل السيل الجارف للعولمة، أكبر بكثير مما قد يتصوره البعض، كما أن انعكاساته و تأثيراته على الحياة الاجتماعية تتعدد و تختلف في حدتها من مجال لآخر، و هو ما يجعل من الصعب التكهن بما يخفيه المستقبل من أشياء جديدة، و ما يمكن أن يفرضه علينا من رهانات جديدة، و تغيرات حديثة خاصة في الجانب الثقافي و الاجتماعي، و لهذا فإن مستقبل الدولة الوطنية في ظل كل هذه التحولات، يلفه كثير من الغموض و يعتريه كثير من الشك و الحذر مما قد يطاله من تغيرات و تبدلات.
الهوامش و المراجع:انظر:
(1)J-J. Bertolus, Renaud de la Baume : la révolution sans visage, Paris : Belfond, 1997.
(2) حنان الصادق بيزان:" عصر المعلوماتية : ماذا يخفي بين طياته ؟" مجلة المعلوماتية، عدد 06، (2005م، 1426 ه).
(3)International Telecommunication Union :measuring the information society, ICT development index, Geneva, 2009, p.71.
(4)Yves GONZALEZ-QUIJANO La révolution de l’information arabe aura-t-elle lieu ? POLITIQUE ÉTRANGÈRE,1/2002, pp.136-148.
(5) محمد فتحي عبد الهادي: المعلومات و تكنولوجيا المعلومات على أعتاب قرن جديد، القاهرة: مكتبة الدار العربية للكتاب، 2000م، ص 18.
(6) محمد محمود مكاوي: "البيئة الرقمية بين سلبيات الواقع وآمال المستقبل" مجلة المعلوماتية، عدد 09،(2005م، 1462ه)، ص ص 01-02.
(7) http://www.alyaseer.net/vb/showthread.php ?t=4882
(
عصام أحمد فريحات: "إعداد القوى العاملة لمجتمع المعلومات"، مجلة المعلوماتية،عدد 09،( 2005م، 1426 ه).
(9) زكي حسين الوردي، مجبل لازم المالكي: المعلومات و المجتمع، عمان: الوراق للنشر، 2002م، ص23
(10) أحمد حسين بكر المصري: "المعلومات متعددة الجوانب والتأثيرات" مجلة المعلوماتية، عدد 06، (2005م، 1426ه).
(11) Hélène Constanty : Internet, les nouveaux maîtres de la planète, paris : seuil, 2000, pp.10-14.
(12) Jean-Marie Chevalier et al. : Internet et nos fondamentaux, paris : presse universitaire de
, 2002, p.86
(13) زكي حسين الوردي، مجبل لازم المالكي: مرجع سابق.
(14) عيسى عيسى العسافين: المعلومات و صناعة النشر، مع إشارة خاصة للواقع السوري، دمشق: دار الفكر، 2001م، ص 44.
(15) انظر: -Nicolas c, P-Alain (M) : la société de l’information, paris : la documentation française, 2004, p.55.
(16) انظر :- محمد لعقاب: الانترنت و عصر ثورة المعلومات، الجزائر: دار هومة، 1999م، ص 54.
-الصادق رابح: الإعلام و التكنولوجيات الحديثة، العين: دار الكتاب الجامعي، 2004م، ص 153.
(17) عصام أحمد فريحات: مرجع سابق.
(18) انظر:
Philippe bretton, serge proulx : l’explosion de la communication, Alger : ed.Casbah, 2000, pp.283-292.
(19) انظر: تيسير الكيلاني: نظام التعليم المفتوح و التعليم عن بعد، لبنان:ط مكتبة لبنان ناشرون، 2001م.
-احمد إسماعيل حجي:التعليم الجامعي المفتوح عن بعد، القاهرة: عالم الكتب، 2003م.
(20)مجدي صلاح طه المهدي: التعليم الافتراضي، الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة، 2007م.
(21) International Telecommunication Union p.cit, pp.10-69.
(22) انظر :هند علوي. مؤشرات قياس مجتمع المعلومات : رؤية المكتبيين بجامعة منتوري بقسنطينة بالجزائر.- cybrarians journal .- ع 10 (سبتمبر 2006)، 07/04/2009م.
(23) International Telecommunication Union p.cit. p14.
(24) هند علوي: مرجع سابق.
(25)عباس، بشار: ثورة المعرفة و التكنولوجيا، التعليم بوابة مجتمع المعلومات، دمشق: دار الفكر، 2001.
(26)سينتيا غتمن: تحديات التربية في مجتمع المعلومات، باريس:منشورات اليونسكو، 2003م، ص ص12-22.
(27) Moussa ben hamadi : l’algerie et la société de l’information
http://www.webreview.dz/IMG/pdf/_information-3.pdf, pp.01-09., 07/04/2009.
(28) انظر : لجنةالامم المتحدة الاجتماعية و الاقتصادية لغربي آسيا: خطة العمل الإقليمية لبناء مجتمع المعلومات، 2004م.
(29) اليونسكو: التنوع الثقافي و اللغوي في مجتمع المعلومات، تر.علال الإدريسي، باريس: منشورات اليونسكو، 2003م، ص 09.
(30)-Moussa ben hamadi :l’Algérie et la société de l’information
, p.02, (07/04/2009) http://www.webreview.dz/IMG/pdf/_information-3.pdf
(31) اليونسكو: من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة، باريس:مطبوعات اليونسكو، 2005م، ص 180.
(32) انظر: عبد الخالق فاروق: اقتصاد المعرفة في العالم العربي، أبو ضبي: مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الإعلام، 2005م.
(33) Emmanuel C.L., Margaret N. :The information age, Malaysia :UNDP-APDIP, 2003, p.12.
(34) معن النقري: المعلوماتية و المجتمع، مجتمع ما بعد الصناعة و مجتمع المعلومات، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2001م، ص 62.
(35) Dominique W. :Internet et après ?une théorie critique des nouveaux medias, France : Flammarion, 1999, p.107.
(36) عزي عبد الرحمان و آخرون: فضاء الإعلام، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية،1994م، ص 235.
(37) معن خليل العمر: التفكك الاجتماعي، عمان: دار الشروق، 2005، ص 46.
(38) Philippe Breton :le culte de l’Internet,une menace pour le lien social ?paris :la découverte, 2000. pp.122-123.
(39) CRDI :Introduction L’entrée du continent dans la société de l’information, http://www.idrc.ca/fr/ev-1-201-1-DO_TOPIC.html, 007/04/2009.
(40)Philippe Quéau : « La régulation de la société de l’information en vue de « l’intérêt général mondial » http://economie.fgov.be/information_society/presidency/SU_Queau.doc
(41) Emmanuel C.L., Margaret N p.cit, p.26.
(42) أسامة الخولي:"تكنولوجيا المعلومات، ما بين التهوين و التهويل"، العرب و ثورة المعلومات،بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005م، ص 19.
انظر كذلك: فريد ه.كيت: الخصوصية في عصر المعلومات،تر.محمد محمود شهاب، القاهرة:مركز الأهرام، 1999م، ص.14
(43) Dominique W. :Internet et après ? Op . p.114.
(44) شريف درويش اللبان: تكنولوجيا الاتصال، المخاطر و التحديات و التأثيرات الاجتماعية، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية،2000، ص123.
(45) كمال بونعجة:"مجتمع المعلومات"، الجزائر: مركز البحث في الإعلام العلمي و التقني،
http://www.webreview.dz/IMG/pdf/_information-2.pdf
(46) انظر الدراسات التالية:
Jean Guisenel :guerres dans le cyberspace, services secrets et Internet, paris :la découverte, 1995
-Mathieu G.:« cyber terrorism: hype or reality? »Computer fraud& security, February 2007,p.09-12
- Mathieson S.A:”terrorists exploit internet” computer fraud &security ,20
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام