السلام عليكم و رحمة الله الفلسفة الهندية:كان من أهم الأسس والخصائص التي قامت عليها الفلسفة الهندية ما يلي:
ا -
مشكلة الخلاص: الخلاص من المعاناة وأنواع العذب، وهو يمثل الأصل الذي انبعثت عنه الفلسفات الهندية بمدارسها وأنساقها المتنوعة، فإذا كانت مشكلة الخلاص قد وجدت لها حلا في الفكر المصري القديم يتمثل في مقاومة الموت عن طريق وسائل التخليد التي ابتكروها، فإن الفلسفة الهندية قد تعمقت في دراسة هذه المشكلة، وبينت مفهوم الخلاص، ومعنى المعاناة وأسبابها وكيفية توقيها، والوصول إلى الخلاص النهائي منها، وعلى هذا الأساس تعددت المدارس الفلسفية وتنوعت الحلول بين عملية ومنطقية وزهدية عرفانية، وظهرت مدارس الاتحاد ووحدة الوجود، التي كان لها أثر كبير في الفلاسفة المسلمين كما سيتضح فيما بعد. (انظر: مدخل إلى الفلسفة، ص81).
ب -
عقيدة التناسخ: وتعني انتقال الروح من الجسد عند الموت إلى جسد آخر، وتستمر هكذا في التنقل بين الأجساد حتى تستقر في أصلها الأول الذي صدرت منه، فإذا كانت الفلسفات "البراهمانية" قد انطلقت من سعي الحكماء الدائب للخلاص من كل أشكال المعاناة الإنسانية, فإن عقيدة التناسخ كانت هي الأخرى حلا لكل ضروب المعاناة التي تحفل بها الحياة، والتي يمثل التغلب عليها المشكلة الجوهرية لدى "البوذية"، وهذه العقيدة كان لها أثر كبير في بعض المدارس الفلسفية والتصوفية الإسلامية. (المصدر السابق: ص82 وما بعدها).
2) الفلسفة اليونانية:تنقسم الفلسفة اليونانية إلى ثلاث مراحل:
تبدأ بالمرحلة السابقة علي سقراط: وإن كانت لا تشمل السوفسطائيين الذين كانوا معاصرين وسابقين في آنٍ واحد علي سقراط، وتمثل مدة ظهور الفلسفة اليونانية، ثم المرحلة الممتدة من السوفسطائيين إلي أرسطو، والتي تشمل سقراط وأفلاطون، ثم مرحلة ما بعد أرسطو والتي تشكل سقوط وانهيار الفكر القومي.
وفي تتبع النمو والتطور الفكري لهذه الفلسفات كان هناك هذه المدارس الفلسفية اليونانية: الأيونيون: مثل الفلاسفة الثلاثة: (طاليس، انكسماندريس، انكسمانس) ، وكانوا ينحدرون جميع من أيونيا (ساحل آسيا الصغري) ومن هنا جاء سر تسمية المدرسة بهذا الاسم، التي يُعد طاليس فيلسوفها الأول والأب الشرعي للمدرسة الأولي الفلسفية في التاريخ، وقد امتاز الفلاسفة الأيونيون بنزعتهم المادية، فهم كثيرا ما يسمون بأصحاب النزعة المادية الحية Hyliocists م الكلمة اليونانية Hule وتعني المادة.
الفيثاغوريون: فيثاغورس فيلسوف حيَّر الفلاسفة قبل غيرهم، في كل عصر له فلسفة، وفي كل فلسفة له شخصية مختلفة ومباديء ونظريات مختلفة، وجميع سيره وأبرزها ثلاث كُتِبَتْ جميعُها بلغة الخيال التي مفرداتها الرموز المدعمة بقصص المعجزات والأعاجيب التي قام بها، والتي تكشفت حول حياته من بدايتها وحتي هذه اللحظة.
الأيليون: كان بارمنيدس وزينون الممثلين الرئيسيين لهذه المدرسة ينتميان الي المنطقة المسماة غيليا، ومع الأيليين نخطو أول مرة علي أرض الفلسفة الحقة، فإذا كان مؤسسها المشهور هو أكزينوفان فإن بارمنيدس مبدعها الأول الذي ذهب بعيدا في المباديء الأولية لأكزينوفان الذي كان يعبر عنها شعرا, وخاصة فيما يتعلق بمبدأ وحدة الوجود ، فلو لم يبق من أكزينوفان غير مقولته (الكل هو واحد) فإن مكانه سيظل محفوظا أعلي مراتب الفلاسفة العظام، أما بارمنيدس فإنه وإن لم يأت بنتائج جديدة إلا أنه جاء بطرق تفكير جديدة ذات أهمية قصوي للفلسفة، لقد ترك لنا عددا من الحجج والبراهين كانت بمثابة فتح لأفق جديد من آفاق التفلسف، دلت علي النضج الذي بلغته الفلسفة اليونانية علي يد هذا الفيلسوف كما حققته علي يد غيره.
جاء بعد الأيليين مفكر آخر كبير استطاع أن يؤسس له مذهبا فلسفيا جبارا وهو هرقليط، ويرجح أنه جاء تاليا لأكزينوفان ومعاصرا لبارمنيدس ومناقضا للأيليين الذين أنكروا الصيرورة، امتاز هرقليطس بأسلوب كتابته الرائع الذي لم يبق منه إلا شذرات وأقوال مأثورة قصيرة حبلى بالمعاني، سارت كما الأمثال بين الناس وأثرت في أغلب الفلاسفة من بعده مثل (نحن ننزل في النهر الواحد ولا ننزل فيه، فما من إنسان ينماوال في النهر الواحد مرتين)، وقد بلغت ماديته النسبية ذروة هبوطها حينما وصل إلى فكرة (الوهم) واستمر في إنكاره لثبات الأشياء، ولكن بقيت فكرته الجبارة تهز العقول البشرية علي مر العصور كلما فكرت تلك العقول بصيرورة الأشياء، تلك الصيرورة التي ليس لها إلا الظهور بنقيضين: قيام الأشياء، انقضائها، انبعاثها وانحلالها. (موقع الزمان، بتصرف).
وكان هناك بعد ذلك مذاهب فلسفية كبرى وهي: الأفلاطونية والرواقية والأرسطوطالية والأبيقورية، وهذه الأخيرة انطلقت من أساس تحرير الإنسان من مخاوفه المتعددة: الخوف من الله ومن العقاب على أعماله، والخوف من الموت لسبب ما قيل له عن الحياة بعد الموت، وضيعت هذه المخاوف عليه سعادته، وكان عليه أن يعمل لإزالتها لأنها أكبر عائق يعوق سعادته، كما أنهم كانوا لا يرون في الوجود سوى المادة، فكل شيء مكوّن من ذرات، والنفس ذاتها ليست إلا مجموعة ذرات تتفرق عند الموت، وعليه ألا يخاف الموت وأن لا يفكر في الآخرة؛ لأن الإنسان يضمحل بعد الموت، لذا فعليه أن يبحث كيف يعيش سعيداً في أيامه التي يعيشها هنا والآن، فشددوا على اللذة، وجعلوها وحدها غاية الإنسانية، فانطلقوا يسرفون في هذا الطلب حتى صار لفظ "أبيقوري" عنواناً للإلحاد والاستهتار والفسق والدعارة بكل أشكالها. (موقع: "كلمة الحياة" -بوذي-)
هذا وبصفة عامة فقد كان من أهم سمات الفلسفة اليونانية أنها تؤمن بقدرة العقل على إدراك الغيبيات الماورائية، أو عالم المثُل بحسب تعبير أفلاطون، وأن الفلاسفة السابقين لسقراط كانوا كمعظم المعاصرين لهم، لا يؤمنون بوجود آلهة أو قوى فوق الطبيعة تتسبب فيما يقع من أحداث، فعوضًا عن ذلك كانوا يلتمسون للظاهرة الطبيعية تفسيرًا مستمدًا من الطبيعة، فكان منهم من يقول بأن المبدع الأول هو الماء، وقد نظر هؤلاء الفلاسفة إلى الكون باعتباره مجموعة من الظواهر الموحدة التي يستطيع الإنسان بفكره أن يوجد لها تفسيرًا ما، وقد أعطوا العديد من الأجوبة المختلفة المتضاربة للمسائل الفلسفية الأساسية، غير أن أهمية الفلاسفة السابقين لسقراط لا ترجع إلى صدق أجوبتهم بقدر ما ترجع إلى كونهم اهتموا قبل كل شيء ببحث المسائل، علماً بأنه لم تتوفر لهم آنذاك تقاليد فلسفية يستفيدون منها، بل إن أفكارهم هي التي تحولت إلى تراث ينهل منه الفلاسفة اللاحقون.
أبرز فلاسفة اليونان:
سقراط:لم يترك أي أثر مكتوب رغم أنه كان دائمًا ينهمك في المناقشات الفلسفية، وقد وصلتنا أفكاره ومناهجه عن طريق مجالس الحوار، التي كتبها تلميذه أفلاطون، حيث برز سقراط شخصًا رئيسيًا يشرف على الحوار، ويشرح عملية البحث عن الحقيقة.
عاش سقراط في أثينا، وعلّم في الشوارع والأسواق والملاعب الرياضية بطريقة السؤال والجواب، كما حاول أن يضع تعريفًا دقيقًا لبعض الأفكار التجريدية مثل المعرفة والفضيلة والعدل والحكمة، كل ذلك عن طريق أسئلة محكمة صارمة متلاحقة، من نوع :ماذا تعني؟ كيف عرفت ذلك؟ إن هذا الإجراء الذي يسمى الطريقة السقراطية مالبث أن أصبح من الطرائق الفلسفية النموذجية التي تُعنى بالمناقشة والحوار.
أراد سقراط أن يستبدل بالآراء الغامضة أفكارًا واضحة، وكثيرًا ما كان يجادل بعض أعيان أثينا, ويفضح ادعاءهم الفارغ للمعرفة والحكمة، مما سبب له العداوة بينهم، فحُكِمَ عليه بالموت بدعوى أنه يشكل خطرًا على الدولة، وبذلك أصبح رمزًا للفيلسوف الذي يواصل باستمرار بحثه عن الحقيقة مهما كان الثمن.
أفلاطون:كان يعتقد أنه لا يمكن التوصل إلى معرفة حقيقة الأشياء عن طريق الحواس؛ لأن الأشياء المدركة عن طريقها سريعة الزوال ومتغيرة باستمرار، ويرى أن الإنسان لا يستطيع أن يتوصل إلى المعرفة الأصيلة إلا فيما يخص الأشياء التي لا تتغير، مثل الحقيقة والجمال والخير وغير ذلك من الأمور التي ندركها بالعقل، التي سماها الأفكار أو الأشكال، يقول أفلاطون:
إن الأفكار وحدها مطابقة للحقيقة، وإن الأشياء الأخرى كلها إنما هي صور منعكسة عن الأفكار، وقد أصبحت وجهة النظر هذه تُعرف باسم المثالية، ويرى أفلاطون أن أعظم الأفكار هي فكرة الخير، وأن موضوع الخير هو الأجدر بالبحث، بل هو الهدف الذي تخضع له كل الأشياء الأخرى، ويرى أيضًا أن الحياة المثلى هي التي يُكرسها الإنسان للتأمل في الحقائق الأبدية، على أنه يعتقد أن الإنسان إذا وصل إلى هذا المستوى، ينبغي له أن يعود إلى دنيا الناس، ويستعمل قدراته ومعلوماته في خدمة الإنسانية، كذلك يعتقد أفلاطون أن الروح خالدة، وأن الجسم وحده هالك عند الممات، وقد أسهمت أفكاره في إثراء تصورات الغربيين الفلسفية عن الجسم والروح والحقائق الخالدة، التي تناولها اللاهوت النصراني فيما بعد بمزيد من الشرح.
أرسطو:يُعتبر أعظم تلامذة أفلاطون، فقد تطرق لجميع المواضيع المعروفة في زمانه، وهو الذي ابتكر فكرة العلم واختلاف العلوم، بحيث ينفرد كل واحد منها بمبادئه، ويتناول المواد الخاصة به، ولذلك فإنه ألَّف في مختلف المواضيع كالفيزياء وعلم الفلك وعلم النفس وعلم الأحياء وعلم وظائف الأعضاء وعلم التشريح، كما أنه بحث في ما سمّاه الفلسفة الأولى التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم الميتافيزيقا.
يُعد أرسطو أول من أنشأ منظومة فلسفية، حيث قال: إن كل فروع البحث والمعرفة إنما هي أجزاء من منظومة شاملة، وهي مترابطة فيما بينها بجملة من المفاهيم والمبادئ، ويعتقد أرسطو أن جميع الأشياء ما وُجِدت في الطبيعة إلا لأداء غرض معين، وبمقتضى فلسفته فإن الخصائص الطبيعية للأشياء تابعة للغرض الذي من أجله وجدت، لذلك فجميع الأشياء تسعى إلى إبراز خصائصها بالسعي لتأدية ذلك الغرض.
يتمثل المنهج الأساسي الذي اعتمده أرسطو في بحوثه في الانطلاق مما نعرفه، أو نعتقد بأننا نعرفه، ثم الانتقال للسؤال: كيف؟ ماذا؟ ولماذا؟ أما في كتابه (الميتافيزيقا) ما وراء الطبيعة، فقد شرح فكرة السبب الأول الذي في حد ذاته ليس ناتجًا عن أي سبب آخر، حيث وجد فيه التفسير النهائي للوجود، وقد تبنى اللاهوتيون النصارى فيما بعد هذه الفكرة برهانًا أساسيًا على وجود الله.
ويقول أرسطو: إن كل إنسان يسعى لما يراه خيرًا وإن السعادة لا تكمن في اللّذة، بل في العمل الصالح، ويعني به السلوك بمقتضى الوسط بين الطرفين؛ أي أن خير الأمور أوسطها، على سبيل المثال: فالشجاعة هي الوسط بين الطرفين: الجبن والتهور، لكن الإنسان السعيد حقًا هو ذلك الذي يستعمل عقله في التفكير التأملي. (البحث السابق).
فلسفة القرون الوسطى:تطورت الفلسفة الغربية أثناء العصور الوسطى بكيفية جعلتها جزءًا من اللاهوت النصراني، أكثر من كونها فرعا مستقلا من البحث العلمي، وهكذا لم يبق للفلسفة اليونانية والرومانية من آثار سوى ما تركته من أثر على الفكر الديني.
كان القديس (أوغسطين) أشهر الفلاسفة في أوائل العصور الوسطى، ففي كتابه (مدينة الله) الذي ألّفه في بداية القرن الخامس الميلادي أعطى للتاريخ البشري تفسيرًا من حيث إنه صراع بين النصارى الذين يعيشون في مدينة الله، والوثنيين والمرتدين الذين يعيشون في مدينة الدنيا.
يقول أوغسطين: إن أصحاب (مدينة الله) سوف يكون جزاؤهم الخلاص الأبدي، أما أصحاب مدينة الدنيا فسوف ينالون العذاب المستديم، إن هذا الكتاب قد زعزع الوثنية السائدة في روما، وساعد في انتشار النصرانية خلال ذلك الوقت.
في فلسفة القرون الوسطى سادت منظومة من الفكر تسمى المدرسية بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر الميلاديين، والمدرسية تُشير إلى منهج فلسفي للاستقصاء، استعمله أساتذة الفلسفة واللاهوت في الجامعات الأولى التي ظهرت في أوروبا الغربية، وكانوا يُسمّون المدرسيين.
يعتمد المنهج المدرسي على التحليل الدقيق للمفاهيم، مع التمييز البارع بين المدلولات المختلفة لتلك المفاهيم، وقد استعمل المدرسيون المحاكمة الاستنتاجية انطلاقًا من المباديء التي وضعوها بمنهجهم، بقصد إيجاد الحلول للمشكلات العارضة.
نشأت المدرسية نتيجة لترجمة أعمال أرسطو إلى اللاتينية التي هي لغة الكنيسة النصرانية في العصر الوسيط، فهذه الأعمال حثت المفكرين آنذاك على التوفيق بين أفكار أرسطو الرئيسية والتوراة والعقيدة النصرانية، إن أشهر المدرسيين هو القديس توما الأكويني، حيث اجتمع في فلسفته فكر أرسطو والفكر اللاهوتي، حتى إنها أصبحت هي الفلسفة الرسمية للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
قدّم المدرسيون إسهامات قيِّمة في تطور الفلسفة، منها ما قدّموه من أعمال في مجال فلسفة اللغة، حيث بينوا كيف يمكن لخصائص اللغة أن تؤثر في تصورنا للعالم، كما أنهم ركزوا على أهمية المنطق في البحوث الفلسفية.
نشأة الفلسفة الإسلامية كانت الفتنة الكبرى التي استشهد فيها الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" رضي الله عنه من أخطر الأزمات التي تعرض لها المجتمع الإسلامي آنذاك، فقد كان مما تمخض عن هذه الفتنة نشوء ثلاث فرق إسلامية هي: الخوارج: وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه في قضية التحكيم، والشيعة: وهم الذين شايعوا سيدنا علي رضي الله عنه، ثم المرجئة: وقيل في سبب تسميتهم بهذا الاسم إنهم قدموا القول وأَخَّروا العمل.
وكان من الجدل الديني والسياسي الذي دار بين هذه الفرق- بالإضافة إلى فرق المعتماوالة التي ظهرت خلال النصف الأول من القرن الثاني للهجرة، وفرقة الأشعرية التي نشأت خلال القرن الثالث - من الجدل الذي دار بين هذه الفرق أن نشأ ميدان أساسي من ميادين الفكر الإسلامي، وهو الذي أطلق عليه فيما بعد "علم الكلام".
وقد كان ظهور هذه الفرق وخاصة المعتماوالة عاملا له أهميته في ظهور ميدان جديد للفكر الإسلامي هو "ميدان الفلسفة" بمعناها الخاص أو التقليدي، والتي قد تسمى بالفلسفة المدرسية أو المشَّائية، وتتمثل في ذلك النتاج الفكري الذي خلفه لنا فلاسفة الإسلام مثل: الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن طفيل وابن باجة.
وبالإضافة إلى دور الفرق الكلامية - لاسيما المعتماوالة - في التمهيد لنشأة هذا المجال من مجالات الفكر الإسلامي، أسهمت كذلك في نشأته حركة الترجمة التي نشطت بشكل مباشر في القرن الثاني الهجري على أيدي العباسيين، وبخاصة كبار خلفائهم الثلاثة الأُوَل: المنصور (158هـ)، والرشيد (193هـ)، والمأمون (218هـ). (انظر: إبراهيم مدكور، في الفلسفة الإسلامية، ج2، ص77 ، 78 ، ومدخل إلى الفلسفة، العجمي والحجر، ص109، 110).
فقد شرع المسلمون في ترجمة الكثير من كتب اليونان والفرس والهنود وغيرهم إلى العربية، وعلينا أن نوضح في هذا المقام أنه لا يقلل من قيمة الحضارة الإسلامية مطلقا أنها أقامت بنيانها في بعض المجالات - كالفلسفة والعلوم التجريبية أو العقلية على أسس غير إسلامية، من معارف السابقين ذميين كانوا أو وثنيين؛ ذلك أن ارتقاء الحضارة البشرية يقوم على مبدأ استفادة الخلف من جهود السلف، وبفضل ذلك ارتفع صرح الحضارة البرية طبقة بعد أخرى، ولو التزم كل جيل بأن يبدأ المسيرة الحضارية من نقطة الصفر، معرضا عما توصل إليه السابقون من إنجازات، لما نماوال الإنسان في القرن العشرين على سطح القمر، ولوجدنا أنفسنا اليوم نشعل النار عن طريق قدح حجرين بعضهما ببعض، أحلوة بما فعل الإنسان الأول، ولكن عظمة الحضارة الإسلامية تنبع من أن دورها لم يقتصر على النقل عن السابقين، وإنما تعدى ذلك إلى التصحيح والربط والتوفيق، ثم الابتكار والخلق والإبداع والإضافة.
ثم إن بناة الحضارة الإسلامية لم يفعلوا كما فعل رجال الكنيسة والأديرة من إحراق كتب الوثنيين وهدم معابدهم ونبذ تراثهم، دون تفرقة بين الصالح منه وغير الصالح, وإنما احترم علماء المسلمين ما خلَّفه السابقون- وثنيين كانوا أو ذميين- من تراث، وأشادوا بعلمائهم واعترفوا بفضل أولي الفضل منهم، دون تعصب لدين أو لمذهب، ودون اعتبار لجنس أو ملة، فالعلم النافع في نظرهم يأتي فوق كافة الاعتبارات العقائدية أو العنصرية. (موقع: "إسلام ست").
إذن ففي بيئتي الترجمة والمتكلمين نشأت المدرسة الفلسفية الإسلامية في القرن الثالث للهجرة، وكان الكندي (252هـ) أول فيلسوف عربي مسلم معتماواليا وفيلسوفا في آن واحد، كما كان له دوره البارز في حركة الترجمة.
وقد شهد هذا القرن (القرن الثالث للهجرة) كذلك اكتمال ميدان آخر من ميادين الفكر الإسلامي هو ميدان "علم التصوف" الذي بدأ من القرن الأول الهجري، نتيجة عوامل معينة، ممثلاً في جماعة من المسلمين جدّوا في السير على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه سلم وصحابته من الزهد في الدنيا والعكوف على الطاعات والقربات.
وهذا الاتجاه في الواقع لم يكن جديدًا على الحياة الإسلامية، وإنما برزت صورته بسبب ما جدّ على حياة المسلمين من ترف وثراء نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية وغناها، وسعي الكثيرين منهم إلى التمتع بطيبات الحياة، بل ووقوع البعض أسرى لزينة الحياة الدنيا.
وإذا كان التصوف قد اتسم بالبساطة وغلبة النزعة العملية لدى الحسن البصري وغيره من أوائل الصوفية، فإنه قد اتجه في القرن الثالث إلى بناء فلسفة روحية تتناول الكشف عن أحوال النفس من خوف ورجاء وحب وجد ونحوها، ويقوم على الذوق والعرفان طريقًا إلى المعرفة كما اتضح ذلك عند أمثال المحاسبي 242هـ وذي النون المصري 244هـ والبسطامي 260هـ وغيرهم، هذا ويضيف البعض إلى هذه الميادين ميدانًا آخر هو "أصول الفقه" الذي بدأ التدوين والتأليف فيه كعلم مستقل بذاته منذ عهد الإمام الشافعي (توفي سنة 204 هـ).
ولم تكن هذه الظروف التي عرضنا لها بالإجمال هي وحدها التي فتحت الطريق لقيام فلسفة إسلامية، فقد كان القرآن الكريم قبل كل هذه العوامل سببًا رئيسيًا في توجيه المسلمين نحو بناء فكر فلسفي بالمعنى العام لهذه الكلمة، فالقرآن الكريم قد تناول قضايا تعتبرها الفلسفة من صميم موضوعاتها، فعرض قضية الألوهية في صورتها النهائية، وقدم الحقائق النهائية المتعلقة بالكون والإنسان والمبدأ والمصير والخلق من العدم.
وباختصار فإن القرآن الكريم لم يترك موضوعًا مما شغل به الفكر الإنساني عبر تاريخه الطويل إلا وقد أوضح كل ما يتصل به من حقائق، بالإضافة إلى ما قرره من قواعد لحياة الناس الدينية والأخلاقية.
ففضلاً عن حثه المسلمين على النظر والتدبر في ملكوت السموات والأرض، فقد احتفى القرآن الكريم بالعقل وكرم من يُعمِلُونه في طلب الحق وذم من يعطلونه ولا ينتفعون به، واعتبرهم (كالأنعام بل هم أضل..)، والإعلاء من شأن العقل ـ إلى جانب الحواس ـ كوسيلة لا غنى عنها للمعرفة كل ذلك أحدث أثره في توجيه المسلمين نحو بناء فلسفة إسلامية بالمعنى العام لكلمة فلسفة.
وهكذا نشأ الفكر الفلسفي منطلقًا أصلاً من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومتأثرًا بما تعرض له المسلمون الأوائل من خلافات سياسية نتجت عنها انقسامات دينية فَرَّخت طوائف الشيعة والخوارج والمرجئة ثم المعتماوالة والأشاعرة على نحو ما أوضحنا من قبل، هذا ولم يكن العامل الخارجي المتمثل في (ترجمة علوم الأوائل( غائبًا عن ميدان التأثير في نشأة هذا الفكر، وانطلاقًا من هذه العوامل اكتمل البناء الفكري، وتحددت معالمه وخصائصه، واتضحت ميادينه.
(انظر: إبراهيم مدكور، في الفلسفة الإسلامية، ج2، ص77 ، 78 ، ومصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، ص47، وعلي النشار، نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام، ج1، ص6 وما بعدها، ومدخل إلى الفلسفة، العجمي والحجر، ص109- 112).
تطور الفلسفة الإسلامية وأهم ميادينها لم يقتصر دور علماء المسلمين على الإفادة من جهود غيرهم، ونقل مؤلفات السابقين إلى لغتهم، وإنما يأتي إسهامهم العظيم في ميدان الحضارة في تفنيد ما في هذه الكتب والمؤلفات من معلومات، وتصحيح ما فيها من أخطاء، والربط بين ما جاء في أطرافها من معارف متناثرة وشذرات متباعدة ، وشرح تفسير ما قد يكون غامضا منها.. ثم إضافة الجديد من المعلومات التي توصل إليها علماء المسلمين ولم يعرفها غيرهم من السابقين، وبذلك نجح علماء المسلمين في إقامة بناء حضاري لا يمكن أن يوصف إلا بأنه بناء إسلامي، كانت هذه أهم ميادينه: (موقع: "إسلام ست" بتصرف).
1) الفلسفة:
الفلسفة بمعناها التقليدي أو المشَّائي -إن صح هذا التعبير- هي أشهر ميادين الفكر الإسلامي تعرضًا للبحوث والدراسات المتنوعة في العصر الحديث، ولا شك أن فرسان هذا الميدان سواء في المشرق العربي أو المغرب والأندلس قد وجهوا جانبًا من عنايتهم للفلسفة اليونانية، وعبروا عن إعجابهم الشديد بها، لكنهم مع ذلك لم يكونوا ـ كما حاول بعض المستشرقين تصويرهم ـ مجرد حفظة للتراث اليوناني، أو قنطرة عبر عليها هذا التراث من اليونانية القديمة إلى أوروبا في العصور الوسطى وما أعقبها من عصور.
ومن يقف على تراث الكندي أو الفاربي أو ابن سينا أو ابن رشد مثلاً فإنه سوف يكتشف أن هؤلاء الفلاسفة ـ حتى في شروحهم وتلخيصاتهم للفلسفة اليونانية كان لهم ابتكارتهم التي تكشف عن أصالتهم، وذلك أمر لم يعد يحتمل الإنكار إلا أن يكون ممن تأصلت فيهم نزعة التعصب المقيت والبغض لكل ما هو شرقي أو إسلامي.
ولعل من أبرز مظاهر الأصالة في فلاسفة هذا الميدان ما يتجلى في نتاج محاولاتهم التوفيق بين الفلسفة والدين، أو بين العقل والوحي، وهي المحاولات التي سبقتها جهود أخرى للتوفيق بين أفلاطون ذي النزعة المثالية الصوفية - كما فهموه - وبين أرسطو صاحب الاتجاه العقلي. (حامد طاهر، مدخل لدراسة الفلسفة الإسلامية، ص21).
2) علم الكلام:
إذا كان الميدان السابق قد بدأ فيه الاستلهام الواعي للفكر اليوناني، إلى جانب الركيزة الإسلامية التي انطلق منها، فإن هذا الميدان قد خلف لنا تراثًا يعتبر نتاجًا إسلاميًا خالصًا، فمباحثه الرئيسية قد اكتملت قبل أن تنقل إلى المحيط الإسلامي فلسفة اليونان ومعارفهم، ويعتبر علم الكلام أو التوحيد أو علم أصول الدين فوق أنه الممثل الحقيقي للتفكير الفلسفي الإسلامي الخالص الذي أنتجته قرائح المسلمين أنفسهم قبل أن يتصلوا بالفلسفة اليونانية يعتبر هذا العلم فوق ذلك أغنى الميادين وأغزرها مادة. (إبراهيم مدكور، في الفلسفة الإسلامية، ج2، ص
.
وقد خلف علماء هذا الميدان من مختلف الفرق ـ المعتماوالة، والأشاعرة، والسلفية والشيعة والخوارج والمرجئة.. خلفوا تراثًا ينطوي على نظريات دقيقة ومذاهب محكمة تعتبر في صميم البحث الفلسفي، الأمر الذي اضطر معه الفيلسوف (أرنست رينان) - وهو المشهور بعدائه للمسلمين عمومًا - إلى الاعتراف بأن الحركة الفلسفية الحقيقية في الإسلام ينبغي أن تلتمس في مذاهب المتكلمين. (مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة، ص12).
ويرتبط بهذا الميدان مجالان، أحدهما قريب الصلة به وهو (مقالات الفرق الدينية)، وثانيهما هو: (مقارنة الأديان) الذي يعني في المقام الأول لدى المسلمين بالدفاع عن الدين الإسلامي في مواجهة أصحاب الأديان الأخرى الذين هاجموه, أو حاولوا الطعن فيه. (حامد طاهر، مدخل لدراسة الفلسفة، ص24، 25).
3) ميدان التصوف:
بدأ هذا الميدان منذ القرن الأول الهجري ـ كما وضحت سابقًا ـ ومَرَّ بمراحل عدة لكل منها أعلامها، حتى جاء القرن السادس الهجري وما بعده وقد أخذ التصوف وجهة فلسفية واضحة، وظهر فلاسفة متصوفة كالسهروردي وابن سبعين وابن عربي، ممن أعلنوا نظريتهم في وحدة الوجود، وفيها سووا بين الحق والخلق، ولم يفرقوا بينهما إلا بحسب الجهة، كما يتضح ذلك - مثلاً ـ في كتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي، هذا مع استمرار تيار التصوف الاتباعي أو السني مع هذا الاتجاه الأخير. (انظر: مدخل إلى الفلسفة، ص120).
4) أصول الفقه:
علم أصول الفقه هو ذلك العلم الذي يبحث في الأدلة الشرعية وهي الكتاب والسنة والإجماع، ويبين مراتب هذه الأدلة وشرائط الاستدلال بها، وكيفية معارضتها وترجيحها، ووجوه دلالتها على الأحكام، ويمثل هذا العلم منهجًا من مناهج البحث في التشريع الإسلامي، ويفسح المجال لعمل العقل واجتهاده في ضوء النصوص الشرعية، ومن أول رجاله وأشهرهم الإمام الشافعي الذي صنف فيه رسالته المشهورة، ثم تتابعت التصانيف فيه بعد ذلك.
وتكشف لنا طبيعة هذا العلم عن حقيقة مهمة: هي أنه يحمل الخصائص المعيارية التي تجعله بالنسبة للتشريع بمثابة المنطق بالنسبة للفلسفة، فهو تقنين عام يراعي أصول الاستدلال الاستنباطي والاستقرائي.
ويعتبر أول من نادى بضم هذا الميدان من ميادين الدراسات الإسلامية إلى الفلسفة هو الشيخ مصطفى عبد الرازق.
5) الأخلاق الإسلامية:
علم الأخلاق هو العلم الذي يبحث عن الأسس أو المعايير التي تجعلنا نحكم على فعل من الأفعال بأنه خير أو شر، فهو يعني ببيان أساس الإلزام الأخلاقي ومصدره، وما يستتبع ذلك مما يترتب على الفعل من مسئولية أخلاقية.
وقد كان في التراث الصوفي بناءٌ أخلاقيٌّ إسلاميٌّ أصيلٌ يمكن الوقوف عليه لدى أمثال المحاسبي والجنيّد وذي النون المصري وبشر بن الحارث وسهل التستري والغزالي، وغيرهم ممن لا يحصي عددهم.
وبالإضافة إلى هذه الميادين السابقة كان هناك أيضًا ميادين أخرى للفلسفة الإسلامية ولكن أقل شهرة باستثناء المنطق الذي يعد علما يونانيا، وكان منها: فلسفة التاريخ، مجال تصنيف العلوم، ومناهج البحث. (انظر: مدخل إلى الفلسفة ص113 وما بعدها)
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام