بقلم د. بوحوش عمار (**)
كلمة التنظيم تستعمل في غالب الأحيان، عندما نعبر عن رغبتنا في الجهد
الإنساني بقصد بلوغ الأهداف المنشودة في الحياة ( 1). ومهما اختلفت الأساليب وطرق
العمل لخدمة المصلحة العامة، فإنه بإمكاننا أن نقول بأن الخط ة العامة للتنظيم تقوم
أساسا على فكرة العمل الجدي لكي يصل الإنسان إلى مبتغاه.
ولعله قد اتضح من خلال الفترة السابقة بأن الدافع الكبير للتنظيم هو إشباع
حاجات الأفراد وتحقي ق رغباتهم، لأن الإنسان بطبعه يميل إلى الدفاع عن نفسه وعن
حقوقه، وبالتالي يحرص على تقوية نفوذه وحماية ممتلكاته وتحصين نفسه ضد أبناء
جنسه. وحسب هذا المفهوم، فإن الإنسان يحاول على الدوام أن ينظم نفسه ويستفيد من
طاقته العقلية وذلك لكي يضمن لنفسه ولعائلته العيش اللذيذ في الحياة.
وهنا يطرح السؤال العوي ص: كيف يمكن للإنسان أن ينجح في تحقيق مشاريعه
ما دامت الإمكانيات محدودة وعجلة الزمن تدور بسرعة يصعب إيقافها ؟ وأكثر من
ذلك، فإن الإنسان لا يتسابق مع الزمن فقط، بل يتنافس ويتناطح مع الأفراد الأقوياء
الذين أظهروا رغبة قوية في تغيير مجرى الأمور لصالحه م. والإجابة على ذلك هي أن
الإنسان قد حاول أن يتغلب على الفوضى والعوائق التي تعترض سبيل نجاحه عن
(*) دراسة منش ورة بمجلة العلوم القانونية والإقتصادية والسياسي ة، جامعة الجزائر، العدد 3، المجلد 16 (سبتمب ر)
.616- 1979 ، ص 599
(**) أستاذ محاضر بمعهد العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر.
1) الأستاذ علي محمد عبد الوهاب يرى بأن كلمة (تنظيم) ( ) تعني شيئين : وظيفة وشك لا. فالأولى (Organization
عبارة عن عملية جمع الناس في منظمة وتقسيم العمل فيما بينهم وتوزيع الأدوار عليهم حسب قدراتهم ورغباتهم
والتنسيق بين جهودهم وإنشاء شبكة متناسقة من الإتصالات بينهم حتى يستطيعوا أن يصلوا إلى أهداف محددة لهم
فيقصد به الجماعات والإدارات والأقسام التي يعمل بها (Structure) ومعروفة للجمي ع. أما الشكل أو هيكل ا لتنظيم
الناس والعلاقات التي تنظم أعمالهم بطريقة متعاونة منسقة ليصلوا إلى هدف محد د. أنظر كتابه القيم :
. السلوك الإنساني في الإدارة الذي نشرته مكتبة عين شمس بالقاهرة سنة 1976 (الطبعة الثانية)، ص 82
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
258
طريق تحديد الأهداف ومنح الأولويات للمشاريع التي يكون لها الأثر البالغ على
مستقبله. ومن خلال عمليات التصفية والمقارنة سيستطيع الإنسان أن يتعرف على
نوعية المشاريع التي في إمكانه تحقيقها ونوعية المشاريع التي يصعب تحقي قها في
المدى البعيد والمدى القصير.
ومع أن الناس يختلفون بشأن المقاييس التي يمكن الإعتماد عليها لترتيب
الرغبات، فإن علماء التنظيم قد قاموا بمحاولات عديدة لتصنيف الحاجات التي توجه
السلوك الإنساني وتؤثر في الإختيارات الأساسية للأفرا د. ومن جملة الأشياء التي
يحرص الأفراد على اقتنائها، قبل غيرها نخص بالذكر الحاجات الإجتماعية الآتية :
-1 في المستوى الأول، تأتي الحاجات العضوي ة التي تعتبر أشياء أساسية للحياة مثل
الغذاء والملابس والجنس.
-2 في المستوى الثاني، تأتي المسائل المتعلقة بالأمن الشخص ي والمحافظة على الذا ت
وذلك مثل اتخاذ الإجراءات الوقائية من خواطر البطالة والمرض والحوادث التي
يترتب عنها تهديد للوجود الإنساني.
-3 وفي المرتبة الثالثة، تأتي الحاجات الإجتماعي ة مثل مصادقة الأفراد والإنتماء
للجماعات القوية وإظهار الولاء والطاعة للشخصيات البارزة.
-4 وفي الدرج ة الرابعة، تأتي الأشياء التي تختص بمكانة الفرد في مجتمع ه وذلك في
مثل الحصول على منصب يكسب الفرد إحترام الآخرين والإنتماء إلى منظمات راقية
والإقامة في حي تسكنه الطبقات الأرستوقراطي ة. وفي جميع هذه الحالات، يسعى الفرد
ليثبت أهميته ويقنع الناس بضرورة إحترامه والإعتراف بمواهبه.
-5 وفي المستوى الخامس، يأتي دور المسائل التي تخص التحقيق الذات ي للمثل التي
يعتنقها الفرد والتي تتمثل في تحويل المشاريع الخيالية التي كانت تخامر الذهن من
.( نظريات تجريدية إلى أشياء واقعية ملموسة( 1
، 1) عبد الغفور يونس، دراسات في الإدارة العام ة، القاهرة دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1972 )
.42- ص 41
نظرية التنظيم
259
وإذا نظرنا بكل موضوعية إلى فكرة استخدا م التنظيم كقاعدة أساسية لإشباع
الحاجات الإنسانية، فإننا نجد أن الفرد يدرك منذ الصغر، بأن الحياة عبارة عن صراع
متواصل مع المشاكل والعراقيل التي تعترض سبيل نجاحه في الدني ا. ولهذا فإن الأنانية
التي سادت المجتمعات الإنسانية لا يمكن التغلب عليها إلا بسلاح التنظ يم ومعرفة
الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف الشخصي ة. وبكلمة مختصرة، فإن كل فرد مقتنع في
قرارة نفسه منذ الصغر بأن البقاء في الحياة للأصلح والأقوى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ه و: كيف يتأثر ويؤثر الفرد في تغيير الأمور ؟
لماذا يتحتم عليه أن ينظم نفسه للتسابق مع منافسيه الذين يزاحمونه ويخلقو ن الصعاب
يتحكمان Values and Environment في وجهه؟ والجواب على ذلك هو أن البيئة والقيم
في تصرفات كل فرد ويحددان المعالم الرئيسية لشخصي ة كل إنسان في الحيا ة. ففي
المحيط الإجتماعي الذي تسوده المنظمات العائلية والدينية والمدرسية يتع لم كل فرد
فنيات التنظيم وتبرز آراؤه الشخصية التي تدفعه تلقائيا إلى التعلق بأفكار ومبادئ تنسجم
مع فلسفته في الحياة.
كما أن القيم والجانب الخلقي للشخص هو الذي يحدد نظرته إلى القضايا
الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي يجابهها كل يو م. ونفس الشيء يمكن أن يق ال
عن المقياس الذي يستعمله الفرد لإختيار أصدقائه والإختلاط بمجموعات معينة من
الناس. فالقيم هي التي تتحكم في ذلك بصفة تلقائي ة. وبما أن التنظيم يستمد قوته من
الإرادة، فإن القيم هي التي تكون الحافز الرئيسي للعمل وتحقيق الأهداف النبيلة في
الحياة.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
260
وهذا يعني أن القيم هي التي تساهم في رفع المعنويات وتبرير التضحيات
.( والمواقف التي يتخذها الشخص في الأيام الصعاب( 1
المبادئ الأساسية للتنظيم
لعله قد اتضح من مقدمة الحديث عن التنظيم أن لهذا الموضوع عدة مفاهيم
وتعاريف مختلفة وذلك تبعا للإتجاهات الحديثة في ميدان ا لإدارة العام ة. كما أن للتنظيم
مستويات مختلفة وآراء متضاربة بشأن أهمية هذه التنظيمات الإجتماعي ة. ومن بين
النظريات السائدة في مجتمعنا الحديث نخص بالذكر المستويات الآتية للتنظيم :
1. التنظيم الإنساني.
2. التنظيم الفردي.
3. التنظيم الإجتماعي.
4. التنظيم الرسمي أو القانوني.
5. التنظيم الغير الرسمي.
ولكن تعدد المدارس والاتجاهات لا يمنعنا من تعريف التنظيم بأنه يعني تحديد
أنواع النشاط لتحقيق أي هدف أو خطة، وترتيب تلك النشاطات في شكل وحدات، ثم
.( تعيين الأفراد الذين يترأسون المصالح المسطرة في البرنامج العام( 2
والفكرة الأساسية التي يمكن إستخلاصها من هذا التعريف هي أن التنظيم، بصفة
عامة، يهدف إلى تجنيد الطاقات البشرية والمادية وتوجيههم، في الطريق الصحيح حتى
يتسنى للأفراد والجماعات أن يحققوا الأهداف المنشودة ( 3). ومع أن هذا التعريف يحمل
في طياته عدة جوانب أيجابية ودقيقة مكنتنا من أخذ فكرة محددة عن التنظيم، إلا أنه
لا يفىء بالغرض المطلوب من الجانب العمل ي. فالتنظيم ما هو إلا نظرية مثالية يمكن
(1) Robert N. Mc Murry, « Conflict in Human Values », Harvard Business Review, Volume 41
(July – August) 1963, pp 130-138.
(2) Luther Gulick in Basic Issues in Public Administration, Edited by Donald C. Rowat, New
York : The Mc Millan Company, 1961, p 101.
(3) Philip Selznick, « Leadership in Administration », in Public Administration (Edited by Gobert
T, Golembiewski), Chicago : Rand Mc Nally & Company, 1966, pp 412-419.
نظرية التنظيم
261
أن تتحول إلى حقيقة واقعية، كما يمكن أن تبقى تجريدي ة. ولهذا، فإن جوهر القضية
ليس في رسم الخطط على الأوراق، وإنما يكمن في تنظي م البشر الذين يعتبرون رأس
المال الأساسي لأي تنظيم ناج ح. فالإنسان المشرف على أي تنظيم لا يستطيع أن يجرد
أي فرد من طبائعه وتكوينه الثقافي لكي ينسجم مع الوظيفة التي تسند إلي ه. وهذا يحتم
عليه أن يأخذ بعين الإعتبار طبيعة الفرد ومزاجه قبل أن يكلفه بتحمل أية مسؤو لية
معينة.
إذا، يعتبر العنصر البشري في التنظيم من أهم العناصر التي يتوقف عليها نجاح
أية منظمة في تحقيق أماني وطموح أفرادها أو في فشلها في ذلك، وقد أشرنا أكثر من
مرة إلى الغاية من التنظيم وقلنا بأن الهدف منه هو تحقيق الأهداف المنشودة.
والسؤال المطروح هنا : ما هي هذه الأهداف ؟ وجوابا على ذلك يمكننا أن نقول
بأن أهداف التنظيم تتمثل في :
1. خلق الفعالية ومضاعفة الإنتاج.
2. تقديم الخدمات للعاملين في كل قطاع وتسوية مشاكلهم.
3. وضع الأسس والإجراات التي تكون قاعدة للعمل.
4. الحرص على فتح مجال الخدمات لجميع ال مواطنين بحيث لا تهضم حقوق
.( الضعفاء والفقراء( 1
5. تسطير برامج التنمية والإستثمارات التي تساعد على توفير الشغل وتوزي ع
الدخل القومي وتحقيق العدالة الإجتماعية.
6. توفير الأمن والاستقرار بحيث يتفرغ كل شخص لأداء واجبه.
7. تسهيل وسائل الإتصال بين المسؤولين في ميادين العمل والمسؤولية في
الإدارات المركزية.
8. تعميم نشر المعرفة بحيث يجيد كل فرد فن التغلب على المشاكل التقنية التي
.( تواجهه في أية لحظة( 2
(1) John D. Millet, in Elements of Public Administration, (Edited by Fritz Morstein Marx),
Englewood Cliffs, N.J. Prentice-Hall, Inc. 1959 (Second Edition), p 137.
(2) Victor A. Thompson, Modern Organization, New York : Alfred A. Knopf, 1961, p 8.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
262
وقبل أن أتعرض لمبادئ التنظيم، أرى أنه من واجبي أن أشير إلى أن أهداف
أية منظمة إجتماعية قد لا تكون هي نفسها أهد اف كل الأشخاص الذين التفوا حول
منظمة معين ة. فإذا كانت الغاية من إنشاء أية منظمة إجتماعية هي خدمة الصالح العام
وتقوية المؤسسة التي أنشئت بقصد الدفاع عن إختياراتها ومشاريعها الأساسية، فإن
العناصر الإنسانية التي تتشكل منها أية منظمة، لا يمكن اعتبارها بأنها مج موعة من
الأفراد تستخدم كأداة مطيعة للمنظمة، بل أن للأفراد الذين تسربوا إلى أية منظمة،
غايات وأغراض خاصة بهم، وفي إمكانهم استعمال المنظمة كأداة في أيديهم لتحقيق
مآربهم الشخصية.
ولهذا، فإن قوة أي تنظيم تكمن في مدى مقدرة القيادة على توجيه الأمور بلباقة
وحكمة كبيرة بحيث تتمكن المنظمة من التحكم في جميع التيارات وتقضي بطريقة
دبلوماسية على جميع الضغوط والاختلافات التي تبرز داخل كل منظم ة. ولا يفوتنا أن
نشير هنا إلى أن الطاقة المغذية لأية منظمة هي الطاقة البشري ة. ومن المستحيل أن
نستغني عن هذه القوة الإنسانية الداف عة لركب الحضارة الإنسانية، وبناء على ذلك، فإن
التوجيه السليم للطاقات الإنسانية هو الذي يساعدعلى نجاح المنظمات في تحقيق أهدافها
.( ويزيد في فعاليتها وفي انتعاشها( 1
وبالنسبة لجوهر الموضوع وهو المبادئ الأساسية للتنظي م، فإننا نستطيع أن
نوجزها فيما يلي:
المبدأ الأول والأساسي للتنظيم هو التخصص وتقسيم العم ل. لماذا تقسيم
العمل ؟
1. لأن للناس مستويات مختلفة في الذكاء والمواهب والأذواق.
2. لأن شخصا واحدا لا يستطيع أن يكون هنا وهناك في آن واحد.
3. لأن فردا واحدا لا يستطيع أن يقوم بعملين يدويين في وقت واحد.
4. لأن حياة الإنسان قصيرة ومن الصعب عليه أن يتقن كل شيء في هذه الدنيا.
(1) Philip Selznick, « Leadership in Administration », in Public Administration (Edited by Gobert
T, Golembiewski), Chicago : Rand Mc Nally & Company, 1966, pp 412-413.
نظرية التنظيم
263
5. لأن الآلات العصرية تتطلب التخصص في العمل والفعالية في تقديم الخدمات
.( أو مضاعفة الإنتاج( 1
المبدأ الثاني للتنظيم هو التنسيق في العمل وتوزيع المسؤوليات حسب مقاييس
ومثلما يوجد في العائلة المسؤول الأول ومساع ده الأول والثاني .(Hierarchy) دقيقة
والثالث، فإن كل منظمة إدارية تتكون من عناصر بشرية، كل واحد يتمتع بسلطات
معينة تسمح له بتحقيق الأهداف المرسوم ة. وبكلمة وجيزة، فإن كيفية استعمال السلطة
لتحقيق الفعالية تعتبر هي المحور الرئيسي لأي تنظيم ع ائلي أو إداري، وحسب خطط
التدرج في السلطة فإن :
1. كل شخص مسؤول يتلقى التعليمات من رئيسه فقط.
2. كل إنسان يحاسب على أعماله من طرف رئيسه المباشر.
3. كل فرد يتلقى التعليمات من رئيس المصلحة التي يشتغل فيها فقط.
وبفضل هذا النوع من التسلسل الإداري في السلط ة يمكن التحكم في زمام
الأمور وفرض مراقبة دقيقة تسمح للشخص المسؤول أن يعرف ما أنجزه وما ينتظره
من أعمال قادمة.
وفي الواقع إن المقياس العملي لتوزيع المسؤوليات وتحديد السلطات لا تبرز
متانته أو يظهر ضعفه إلا في المنظمات الكبيرة التي أصبحت ظاهرة عادية في
المجتمع الحدي ث. وإذا كان التعاون ضروريا لتحقيق الأهداف المنشودة، فإن
الصراعات التي تنشب بين الخبراء ورجال التسيير الذين بيدهم السلطة هي التي تقود
في غالب الأحيان إلى فشل المنظما ت. ولهذا، فإن التفاهم بين الرؤساء ومعاونيهم في
السلطة أو التجاوب بين المتخصصين وال مسيرين هو الأساس المتين لأي تنظيم
ناجح.
المبدأ الثالث للتنظيم هو القيادة أو الشخصي ة، وبدون شك فإن العالم الإنساني
يعتبر من أهم المقومات الأساسية لأي تنظيم، لماذا ؟
(1) Luther Gulick, « The Division and Co-ordination of Work » in Basic Issues in Public
Administration, New York : The Mc Millan Company, 1961, pp 49-55.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
264
1. لأن القائد هو الذي يضع الخطط ويحدد المعالم الرئيسية للمؤسسة التي يديرها.
2. لأن الشخ ص المسؤول في القمة هو الذي يضع الهياكل الأساسية التي تفئ بالحاجة،
ويقرر عدد المساعدين ونوعية الأعمال التي يقومون بها.
3. لأن الإنسان المسير هو الذي يختار الأشخاص الذين يتوقف عليهم مصير المؤسسة
وإمكانية تحقيق الآمال المعلقة عليها.
4. لأن رئيس المؤسسة هو الذي يعطي التعليمات وبغير مجرى الأمور سواء خلال
فترة البناء والتشييد أو أثناء أداء الأعمال الروتينية اليومية.
5. لأن القائد هو الذي يتولى تنسيق العمليات والتأكد بأن جميع المصالح تعمل بطريقة
منسجمة.
6. لأن السيد المدير هو الذي يكون بمثابة همزة وصل بين ك بار المسؤولين في دولته
وبين رؤوساء الأقسام التابعة لإدارت ه. وفي جميع الحالات، فإن الإتصالات التي
تجرى سواء مع القيادة السياسية أو المساعدين للمسؤول عن أي إدارة، تتم عن طريق
تلقي المعلومات وكتابة التقارير وإتخاذ الإجراءات التي يتوقف عليها مصير المؤسسة
العمومية التي يشرف عليها السيد المدير.
7. لأن القائد هو الذي يشرف على الميزانية ويؤثر في مسائل الأولويات والتخطيطات
.( المادية وكيفية استغلال الثروات المتوفرة لدى مؤسسته( 1
مزايا التنظيم
لعله قد اتضح من خلال حديثنا عن المبادئ الأساسية للتنظيم بأنه شيء م فيد
ولا يمكن للبشرية أن تستغني عن ه. وحرصا منا على إبراز الفوائد العديدة التي يجينيها
كل فرد ملتزم بالتنظيم، رأينا أنه من واجبنا أن نتعرض إلى مزايا التنظيم حتى تتضح
(1) Luther Gulick, « Notes on the Theory of Organization » in Papers on the Science of
Administration (Edited by Gulick and Urwick), Columbia University, 1937, p13.
نظرية التنظيم
265
الفكرة العامة ونعرف خصائص ه. وبإختصار، فإن ميزات التنظيم تكمن في العوامل
الآتية :
1. الدقة في العمل.
2. السرعة في التنفيذ.
3. إزالة الغموض.
4. الكفاءة والمعرفة التقنية.
5. الإستمرارية في العمل وعدم توقف النشاط بعد حصول أي تغيير في القيادة.
6. استعمال السلطة التقديرية في الوقت المناسب.
7. الإنتظام في العمل.
8. إتباع السلم التصاعدي في السلطة.
( 9. ربح الوقت وتخفيض نسبة التكاليف. ( 1
بهذه الوسائل الفعالة تستطيع بعض العناصر، سواء في إطار منظمات
بيروقراطية أو خارجها، أن تفرض نفسها على الأغلبية الساحقة من أبناء أي شعب
صناعي أو نام ي. وبناء عليه، فإن العمل المنظم هو الذي يخلق القوة ويسمح
للبيروقراطيين وللقادة البارعين، بصفة عامة، أن يتفوقوا على غيرهم ويتحكموا حتى
في الأفراد المنتخبين من طرف المجتمع المخول لهم اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية
وثقافية باسمهم.
وبطبيعة الحال، فإن معرفة عناصر التنظيم والإلمام بالنقاط التي تتكون منها
معالمه الرئيسية لا تكفي لجعل كل الناس ملتزمين بالنظام وقدوة لغيرهم في الأعمال
الناجحة. فلو قمنا بإلقاء نظرة على تصرفات بعض الأشخاص الذين نحتك بهم في
حياتنا اليومية لا تضح لنا أن كلهم يحبون النظام لكنهم ليسوا كلهم منظمين، والسبب
في ذلك أن التنظيم يتطلب الإرادة القوي ة، واستشارة م ن هم أكثر دراية بالمهنة، وإجادة
فن الإستفادة من تجربة وخبرة الأوائل، ثم العثور على العناصر الملتزمة بالعمل
(1) Max Weber in Basic Issues in Public Administration (Edited by Donald C. Rowat), New
York : The Mc Millan Company, 1961, p 95.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
266
والمتفانية في الخدم ة. كل هذه العوامل الهامة، التي يحاول العديد من البشر أن
يتجاهلها، تعتبر هي المحور الذي يتوقف عليه مصير الأفراد والمجتمعات الإنسانية.
ونستخلص من كل ما نقدم أن الهدف من التنظيم والحرص على إتباع
إستراتيجيات في غاية من الدقة والتنسيق، هو خلق القوة والنفوذ الذي يسمح للأفراد
والمنظمات أن يوجهوا المجتمعات ويؤثروا في تصرفات الأفراد والحكام بحيث
يحصلون في نهاية الأمر، على كسب التأييد الشعبي وانتصار القضايا التي تجندوا
للدفاع عنها وتحويلها من فكرة إلى حقيقة ملموسة.
التنظيم بخلق القوة
لقد حاولنا في الفقرات السابقة أن نتكلم عن التنظيم بدون أن نتعمق في ربط ذلك
والتي يمقتها الناس Strength بالقوة والنفوذ في المجتمعات الإنساني ة. والواقع أن القوة
لأسباب معقولة وذلك نظرا لإرتباط هذه الظاهرة بالإضطهاد والتعسف واستعمال العنف
من طرف الأقوياء لقهر الضعفاء، لا يمكن فصلها عن التنظي م. فبدون قوة تدعمه،
يتحول التنظيم إلى كلمة جوفاء لا معنى لها. وفي إمكان أي إنسان أن يلاحظ ويتأكد من
ذلك بنفسه وذلك عن طر يق المقارنة بين أحوال الأقوياء والضعفاء في بيئت ه.
فالأشخاص الذين لا يملكون قوة يصعب عليهم التأثير في مجرى الأمور لكن الأفراد
الذين نظموا أنفسهم، يخلقوا القوة التي تمكنهم من تحقيق أمانيهم في الحياة.
ومادامت القوة أساسية للتنظيم، فإنه يتحتم علينا، في هذا ا لسياق، أن نتطرق إلى
ظاهرة القوة لكي نلفت الإنتباه إلى أن هذه الكلمة تستعمل في ميدان التنظيم، بمعناها
الحسن ومعناها السي ء. فطريقة استعمال القوة والهدف من الإلتجاء إليها والنتيجة
المحققة، هي العوامل التي تحدد مفهوم القوة وتترك في النفوس انطباعات حسنة
أو سيئ ة. وعلى هذا الأساس، فإن القوة عبارة عن آلة طيعة في يد الأفراد الذين يمكنهم
أن يجيدوا استعمالها بقصد خدمة الصالح العام أو يسيئوا استعمالها ويحتكرونها بقصد
خدمة مصالحهم الخاصة.
نظرية التنظيم
267
ونستخلص من كل ما تقدم أن القوة تعني مقدرة أفراد على استعمال وتجنيد
الطاقات الإن سانية والثروات لتحقيق أهداف أولئك الذين يملكونها ( 1). ومع أن كلمة
" القوة " تنطوي على معنى سلبي، كما أشرنا آنفا، فإن الناس في العادة يقبلونها لأنهم
يرفضون بديلها الذي يسمى " بالفوضى " والسبب في ذلك أن انتشار (الفوضى) يعني
بالدرجة الأولى انعدام الأمن واستح الة الحصول على الفوائد والمزايا التي يجنيها
.( الأفراد عن طريق تنسيق المجهودات الإنسانية لتحقيق الأهداف المنشودة( 2
ولكي يكون الحديث عن القوة التي يخلقها التنظيم مكتملا، لا بد أن أشير إلى أن
هي الوليد الشرعي للقو ة. والفرق الجوهري بين الق وة والسلطة (Authority) السلطة
هو أن الأولى لا تعتمد بالدرجة الأولى على الأسس الشرعية والتفويض الرسمي بينما
تستند (السلطة) على الإجراءات القانونية وتحظى بتزكية من طرف السلطات العلي ا.
وحسب هذا المنطلق، فالسلطة هي وليدة القوة، والناس يعترفون بشرعية هذه الأخيرة
وذلك عندما تتم عل يها الموافقة من المؤسسات الرسمية والمنظمات الإجتماعية المتعرف
بها قانونيا.
وكيفما كان الحال فإن الشيء الذي يهمنا، بالنسبة للتنظيم هو أن تجمع القوة في
يد الأفراد والمنظمات هو العمل الأساسي والكفيل بخلق الفعالية والمقدرة على حسن
استغلال الطاقات الإنسانية و تجنيدها لخدمة الأهداف العام ة. وكل ما ينبغي أن نضيفه
إلى هذه الحقيقة هو أن مصادر القوة المتنوعة وكل مجموعة إنسانية أو قيادة تحاول أن
تعتمد على أكبر عدد ممكن من مصادر القوة حتى يتسنى لها أن تحصل على أكبر دعم
اجتماعي ممك ن. وبناء عليه، فإن القوة الأساسية لنجاح أي تنظيم يمكن أن تأتي من أحد
أنواع القوة التالية :
1. القوة الطبيعية : التي تستعملها الجيوش في الحروب ورجال الشرطة لتفريق
المتظاهرين أو ضد كل من يقوم بعمل يخل بالأمن العمومي.
(1) Herbert G. Hicks and C. Ray Gullett, Organizations : Theory and Behavior, Tokyo : Mcgraw-
Hill Kogakusha Limited, 1975, p 240.
(2) Weber definies power as : The Probability that one actor within a social relationship will be in a
position to carry out his own will despite resistance, See : Max Weber, The Theory of Social
and Economic Organization (Edited and Translated by Talcott Parsons), Glencoe, Illinois :
Free Press and Falcon’s Press Wing Press, 1947, p 152.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
268
2. القوة الإقتصادية : المتمثلة في الأموال المسخرة لمكافأة وتشجيع الأفراد ال عاملين،
أو المستعملة كوسيلة لمحاربة الخصوم والقيام بضغوط مالية.
3. القوة المستمدة من المعرفة والتخصص : وهو السلاح الفعال الذي يستغله قادة
المنظمات للتحكم في مساعديهم وفي الرأي العام بصفة خاص ة. فقائد أية منظمة يعتبر
في مركز قوة لأنه يملك المعلومات الدقيقة التي تسمح له بمعرفة أسرار إطارات
منظمته.
4. القوة المستمدة من المقدرة الفردية في العمل : أو المهارة بحيث أن الشخص
البارع الذي يظهر مهارته في الميدان العملي يحظى بإعجاب رؤسائه ويحصل على
ترقيات متوالية من قادة مؤسسته الذين يتوسمون فيه الخير والكفاءة.
5. القوة المستمدة من شخصية الفرد : والتي يطلق عليها في بعض الأحيان القيادة
وتبرز هذه الظاهرة بوضوح في مقدرة بعض (Charismatic Leadership) الملهمة
الأفراد على قيادة الناس وتنظيمهم بحيث يتمكنون، في النهاية، من الإستيلاء على
مشاعرهم ونيل ثقتهم بعد أن يثبتوا تفهمهم الكبير لمشاعرهم وقضاياهم المصيرية.
6. القوة النابعة من الإلتزام بمذهب عقائدي أو ديني : وخلافا للقوة المستمدة من
قوة الشخص، فإن القوة، في هذه الحالة، مستمدة من المذهب العقائدي وأنصاره الذين
يظهرون تعلقهم الكبير بقيمه ومبادئه.
7. القوة التي يكون مصدرها المنصب : وهذه القوة، في العادة، ترتبط بالمنصب
وليس بالضرورة بشخصية الفر د. فالطبيب الذي يجري عملية جراحية للمرضى يتحكم
في مصير ربائنه خلال المعالجة، لكنه لا يملك أية قوة ولا يتحكم فيهم بعد خروجهم
.( من مستشفى المعالجة( 1
ونخرج من كل هذا بنتيجة واضحة وهي أن النشاطات الإنسانية والأهداف
العامة، سواء للأفراد أو للمنظمات، تتأثر إلى حد كبير بأحد أنواع القوة التي ذكرناها
(1) Herbert G. Hicks and C. Ray Gullêtt : Theory and Organizations : Theory and Behavior,
Tokyo : MC Graw-Hill Kogakusha Limited, 1975, pp 246-248.
نظرية التنظيم
269
آنفا. وطبعا، فإن القوة التي تتجسد في المنظمات تأتي نتيجة للتحالفات والتكتلات التي
تحصل بين أنصار أية فئة إجتماعية.
ولهذا، فإن نجاح أي تنظيم يتوقف على مدى مقدرة قيادته على تحسين العلاقات
مع الأفراد، وتوضيح الأهداف، وتقديم الخدمات الجيدة للأعضاء حتى يؤازروا
منظمتهم بحيث تكون قوية وقادرة على تحقيق المزيد من الإنجازات الجديدة.
وما دمنا قد طرحنا قضية القوة وأثرها على ال تنظيم، فإن السؤال الذي يمكن أن
يطرح هنا : من أين تأتي قوة المنظمات ومقدرتهم على تنظيم الأفراد وتوجيههم حسبما
تقتضي مصلحتهم ؟ والجواب على ذلك هو أن المنظمات تعتمد على قوتها المتمثلة في
مكافأة العاملين في إطارها ومعاقبة الذين لا يلتزمون بتقديم الخدمات على أح سن
وجه( 1). فالإنسان إذا، يخضع لإرادة المنظمة التي يعمل في إطارها، وترقيته أو منحه
وظائف هامة تتوقف على مدى ولائه وطاعته لرؤسائه في منظمته.
أنواع التنظيم الإجتماعي
وفي مدخل الحديث عن التنظيمات الإجتماعية لابد أن نشير إلى أن تصرفات
الأفراد لا يمكن ضب طها أو وضع مقاييس محددة له ا. فمثلما تحاول المنظمات إخضاع
الأفراد وجعلهم آلة مسخرة لخدمة أغراضها، يسعى الأفراد، من جهتهم، لاستغلال نفوذ
منظماتهم وتحويلهم إلى أجهزة متخصصة في خدمة الأفكار والمبادئ التي
يؤمنون بها.
وبصفة عامة، فإن العلاقات الإجتماعية التي يترتب عنها تحديد نوعية
الإتصالات وتقوية الروابط التي تتحول إلى قوة إجتماعية متماسكة متجسمة في
منظمات تأخذ إحدى الأشكال الآتية :
1. التنظيم الرسم ي في إطار هيئة لها هياكل إجتماعية وقوانين تضبط أسس أنشطتها
وطرق الإنضمام إليها.
(1) Chris Argyris, Personality an Organization, New York : Harper and Row, 1957, p 103.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
270
2. التنظيم الغير الرسم ي الذي يستمد قوته من القيم والمعتقدات الراسخة التي تدفع
بالأفراد إلى التعاون فيما بينهم بقصد تقوية أواصر العلاقات التي تربط بينهم من دينية
.( وثقافية وسياسية واجتماعية وعقائدية( 1
وفي العادة يطلق على النوع الأول في التنظيم الرسم ي
وذلك لما يتميز به من الإستمرارية ووجود هياكل إدارية وقع (Formal Organization)
تصميمها وفقا لنوعية النشاط الذي تمارسه والذي يتفق الأفراد على تأسيسها أو الإنتماء
إليها. وبفضل القوانين التي تسير عليها المنظمات، تتحدد الأهداف وتبرز معالم السلم
التصاعدي للسلطة وتتضح المسؤوليات وتوزيع الوظائف على المشاركين في التسيي ر.
ولعل الفائدة الكبيرة التي يجنيها الأفراد من التنظيم الرسمي تكمن في إسناد الأدوار إلى
الشخصيات المقتدرة وذلك وفقا لاختصاصاتها ومؤهلاتها بحيث تكون نوعية العمل
.( مطابقة لنوعية الخدمات المقدمة من طرف كل فرد( 2
أما بالنسبة للنوع الثان ي من التنظيم الذي يعرف بالتنظيم الغير الرسمي
فيتمثل في القيم وشعور الأفراد وتصرفاتهم وهي أشياء (Informal Organization)
لا تتحكم فيها قوانين رسمية متكوبة وإنما تنبع من ضمائر الأشخاص مستمدة من
أخلاقهم والبيئة والأحداث التي يتفاعلون معها.
وإذا كان التنظيم الرسمي هو الذي يحظى على الدوام بالأهمية البالغة، فهذا
شيء طبيعي لأن التنظيم بدون قوانين وقواعد للعمل وأهداف محددة لا فائدة تجدي
منه. ولكن الحقيقة البديهية الي يعرفها كل شخص له يد في أي تنظيم هي أن التنظيم
الغير الرسمي يعتبر جزءا مكملا للتنظيم الرسمي.
وقبل أن نتطرق إلى المشاكل التي تبرز نتيجة لإنتشار المنظمات الغير الرسمية،
دعنا نركز ونتوسع في شرح ظاهرة التنظيم الغير الرسم ي. فلماذا، يا ترى تعطى
أهمية بالغة للتنظيم الرسمي ؟ والجواب على ذلك يمكن تلخيصه في الآتي :
(1) Peter M. Blau and W, Richard Scott, Formal Organization, San Fransisco : Chandler
Publishing Co, 1962, pp. 2-3.
(2) Herbert G Hicks, Organizations : Theory and Behavior, Tokyo : Mc Graw-Hill Kogakusha,
1975, pp. 62-80.
نظرية التنظيم
271
1. أن القوانين والهياكل الرسمية تتصف على ال دوام بالدقة والصرامة، وبمضي الوقت
تصير غير ملائمة ولا تفي بالغرض، ولذلك يضطر الأفراد إلى التحايل على تلك
.( القوانين وتعويضها بمفاهمات ثنائية تخدم أغراضهم وتجنبهم العواقب السيئة( 1
2. أن إحجام بعض المسؤولين عن تقديم الدعم لمساعديهم أو عدم توفر رغبة صادقة
لقبول الإقتراحات المقدمة من رؤساء المصالح إلى رؤسائهم بقصد خدمة المصلحة
العامة، قد تجبرهم على عدم إتباع السلم الإداري، والإتصال بأناس آخرين بالهاتف
أو مقابلتهم وعرض القضايا المعلقة عليهم فلعلهم يساهمون في حلها، وإلا فإن الهدف
المنشود لن يتحقق أبدا.
3. أن الإنسجام في العمل قد يأتي نتيجة الإتصالات والإحتكاك بين المسؤولين
ومساعديهم وليس نتيجة للترتيبات الإدارية الجاري بها العمل.
4. أن الضغط من الأصدقاء والأفراد المتعاطفين مع بعضهم البعض له مفعول أقوى
من مفعول القوانين الصارمة التي تكون في بعض الأحيان غير م تماشية مع روح
العصر. فإذا شعر الفرد أن رئيسه ليس جذير بالثقة أو لم يكن له أي حب وتقدير فإنه
قد يخفي عنه بعض المعلومات ولا يتطوع لإفادته وإبلاغه عن كل ما يجري داخل
.( مؤسسة العمل( 2
5. أن ال عمال قد يضطرون لحماية أنفسهم من القرارات الإدارية المجحفة وذلك عن
طريق التقلي من المجهودات التي تبذل لتحقيق الأهداف المنشودة بحيث يصعب على
أي مسؤول أن يعاقب أي فرد معين ما دامت ظاهرة الإستياء عامة ولا تنحصر في
شخص معي ن. فبهذا الأسلوب يستطيع الع مال أن يؤثروا في الإدارة ويحموا أنفسهم من
الإجراءات الإدارية التعسفية.
(1) Nicos P. Mouzelis, Organization and Bureaucracy London : Routledge and Kegan Paul,
1975, p. 101.
(2) Felix A. Negro, Modern Public Administration, New York : Harper and Row, Publishers,
1965, pp. 64-68.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
272
وإذا كان لكل شيء مزاياه وعيوبه، فإن نقائص التنظيم الغير الرسمي عديدة
ولا يمكن تجاهله ا. وأولى هذه النقائص أن استعمال الصداق ة وإطلاع الآخرين على
ما يجري داخل المؤسسة يخلق، في العادة، صعوبات ومشاكل للقيادة والمسؤولين في
مختلف المستويا ت. فعلى سبيل المثال، إذا كان ت إدارة معينة تنوي التخلص من أحد
موظفيها، وصادف أن أطلعه أحد زملائه على ذلك مقدما، فإن ذلك الشخص الغير
المرغوب فيه قد يستعمل جميع الحيل لعرقلة سير العمل بإدارته قبل أن يصله قرار
إبعاده.
العيب الثاني الذي يوجد في التنظيم الغير الرسمي هو الحرب النفسية التي يمكن
أن نسميها " حرب الإشاعات ". وسواء كانت المعلومات المتسربة إلى الخارج صحيحة
أو غير صحيحة، فإن نتيجتها الحتمية هي خلق جو مشحون بالتوتر وشل حركة العمل
والتأثير على معنويات العاملين بكل قطاع.
والعيب الثالث للإتصالات الخفية في كل مؤسسة هو القضاء على الم وضوعية
والتأثير على الأحكام والقرارات التي يتخذها كبار المسؤولين عند الترقية أو إسناد
المهمات إلى الشخصية العاملة في أية مؤسس ة. فإذا تلقى أي مدير معلومات خاطئة عن
أحد العاملين بإدراته فإنه قد يفضل عليه أحد الأشخاص المقربين إلي ه. وفي هذه الحالة
تكون النتيجة الحتمية لهذا التصرف هي الإساءة إلى إدارته والتأثير في معنويات
الموظفين وفي سير العمل.
والعيب الرابع للتنظيم الغير الرسمي هو أن الخلط بين العلاقات الشخصي ة
والتسلسل الإدار ي يؤدي في العادة، إلى خلق الإرتباك والفوضى في أوساط الفئات
العاملة. وقد أثبت العديد من الدراسات أن إنحياز كبار المسؤولين إلى فئة معينة من
الأفراد وتفضيلهم على غيرهم من العاملين الأكفاء، قد أدى إلى نتائج سلبية في العمل
وقلة الرغبة في تنفيذ القرارات بإخلاص ونزاهة.
وقبل أن نتطرق إلى أنواع التنظيم الرسمي، التي هي العمود الفقري لنجاح أية
خطة اجتماعية، دعنا نسلط بعض الأضواء على التنظيم البيروقراطي الذي يسود كل
المجتمعات الإنسانية سواء كانت متق دمة أو متخلف ة. وقد وقع التركيز على هذا النوع
نظرية التنظيم
273
من التنظيم نتيجة لرغبة الأغلبية الكبيرة من الأشخاص للإحتكام إلى العقل واستعمال
القدرات اليدوية والذهنية لتحقيق الأهداف المنشودة.
وبدون شك، فإن علماء التنظيم كانوا يطمحون من وراء استعمال القدرات
العقلية إلى التغلب على مشاكل الأنانية الفردية وخاصة إستئثار بعض الأفراد بالسلطة
واتخاذهم القرارات المصيرية بدون مراعاة للمصلحة العام ة. ولهذا نلاحظ أن كل
التنظيمات البير وقراطية تقوم على مبادئ أساسية للتغلب على المشاكل التي تعاني منها
مختلف المجموعات البشرية، وتتمثل قواعد العمل في :
1. التخصص.
2. ترتيب الوظائف حسب الكفاءات.
3. العمل وفق قوانين وتعليمات مكتوبة.
4. الكفاءة المهنية.
5. العمل يكون بمثابة مهنة دائمة.
6. تطبيق القوانين بدون مراعاة للرقابة أو العلاقات الشخصية.
.( 7. الترقية وفقا للمهارة في العمل( 1
وعند دراسة أي تنظيم، نجد أن أهداف مصالح الأشخاص أو مصالح الدولة
متعددة ومختلف ة. وتبعا لذلك، تتنوع التنظيمات الإجتماعية وتختلف نماذجها من قطاع
إلى آخ ر. وفي العاد ة يقسم العلماء التنظيمات الإجتماعية إلى خمسة نماذج تتمثل في
الآتي:
1. التنظيم العسكر ي الذي يقوم أساسا على السلطة الثابتة والرتب المتفاوتة في
القيمة.
2. التنظيم المهن ي والمتمثل في الجمعيات والنوادي التي تؤسس بقصد تقديم
الخدمات إلى أعضائها الذين يتمتعون بحقوق متساوية.
(1) Herbert G. Hicks and C. Ray Gullett, Organizations : Theory and Behavior, Tokyo :
Mc Graw-Hill Kogakusha Limited, 1975, pp 130-138.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
274
3. التنظيم الذي يخدم الفائدة العام ة وذلك مثل المستشفيات والجامعات التي
تحرص على تقديم الخدمات الإنسانية للمرضى والطلبة.
4. التنظيم العموم ي الذي يأخذ أشكالا مختلفة، ولعل أحسن مثل على هذا
النموذج هو الجمعيات التعاونية التي يدفع أعضاؤها الإشت راك فيها مقابل
الخدمات التي تقدم له م. وفي العادة يتكون مجلس الإدارة من الممثلين المساهمين
ومن المسيرين.
5. التنظيم التجار ي بين أفراد العائلات بقصد القيام بعمليات تجارية
.( مربحة( 1
إرادة الأفراد أقوى من السلطة الشرعية
هي التي تجسم التنظيم وتعطيه قيمته (Authority) ليس هناك جدال بأن السلطة
الفعلية. وبفضلها يستطيع الإنسان المسؤول :
1. أن يخطط ويضع مشاريع المستقبل.
2. أن يرسم الأهداف ويعمل على تحقيقها.
3. أن يتخذ القرارات الإلزامية.
4. أن يقوم بتعيين الأشخاص الأكفاء في المناصب المناسبة.
5. أن يوزع المسؤوليات ويقوم بتنسيق المجهودات في العمل بحيث لا يبقى أي
موظف تائه أو عرضه للأوامر المتضاربة التي قد تأتيه من بعض المسؤولين
الغير المنجسمين في العمل.
وقبل أن نتطرق إلى التعقيدات التي تصاحب السلطة، دعنا نعرفها حتى يسهل
علينا فهم محتواها. ما هي السلطة إذا ؟ إنها المقدرة (وليس القوة) على إتخاذ القرارات
الإلزامية التي تطبق من طرف الآخرين وإقناع الأفراد بالإمتثال والتماشي مع السياسة
(1) Blau and Scott, Formal Organizations. San Francisco : Chandler Publishing Co, 1962, p.41.
نظرية التنظيم
275
المرسومة( 1). والسلطة بهذا المعنى تنفرد بظاهرة هامة هي المرونة ثم كيفية فهمها
من طرف كل شخص.
وبما أن مقدرة كبار المسؤولين عل ى توجيه الأفراد متفاوتة وتختلف من قائد إلى
آخر، فإن هذه النسبية تبرز بوضوح في السلطة، أيض ا. ولعل الإشكا ل الأساسي يكمن
في اعتبار كل شيء قابل للأخذ والرد، والمساومات والمعاملة بالمثل.
ومن أبرز المسائل التي تزيد في تعقيدات السلطة، أن هذه الأخيرة تنبني على
الثقة والتفاهم بين المسؤولين ومساعديه م. ففي كل مسألة تتم المفاهمة بشأنها، يتناماوال
كل طرف عن جزء من أفكاره إلى درجة أن تلك المشاورات والمفاوضات قد تؤدي
إلى بروز خطة جديدة مغايرة للخطط السابق ة. كما أن الثقة ترمز إلى حرية
التصرف، والشخص الذي تعهد إليه المهمات هو الذي يعطي صبغة خاصة للسلطة
وذلك من خلال تصرفاته الفردية ونظرته إلى القضايا التي يعالجها.
وهنا أيضا مشكل آخر لا يمكن تجاهله عند الحديث عن السلطة وهو أنها
مرتبطة، إلى حد كبير، بالعلاقات الشخصية التي يمكن أن تقام بين مسؤولين تجمعهما
رابطة العم ل. فالإنسان المسؤول يحاول دائما أن يتكيف مع الظروف ويعمل ما
يرضى رؤسائه وضمير ه. فروح المبادرة في العمل لا تبرز إلى الوجود إلا إذا قرأ
لها الموظف ألف حساب وتأكد بأن الطرف الآخر لن يحرجه عندما يتقدم إليه
باقتراحاته وإنما سيرحب بما يعرض عليه من أفكار جديدة.
وفي جمي ع الحالات، فإن قبول مبادئ التنظيم والتماشي مع القرارات التي
تتخذها السلطات العليا يتوقف على نوعية المسائل التي تمس أفراد أي مجتمع.
ثم أن القيم الإجتماعية والعادات والتقاليد تؤثر هي الأخرى في نظرة الأفراد إلى
السلطة وتعلقهم بها أو نفورهم منه ا. وبناء عليه ، فإننا نعتبر التنظيم الفعال هو ذلك
الذي يعطي الدليل القوي للأفراد بأنه من مصلحتهم إطاعة القرارات والتماشي مع
السياسة العامة المرسومة.
(1) Robert Presthus, « Authority in Organizations » in The Administrative Process and
Democratic Theory, (Edited by Louis C. Gawthrop), New York : Houghton Mifflin
Company, 1970, p 170.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
276
وإذا نحن ألقينا نظرة على الدوافع التي تجعل الأفراد يطيعون ويتماشون مع
قرارات التنظيم، لوجدنا أن هناك عدة عوامل واعتبارا ت نفسية تتحكم في الإعتراف
بشرعية السلطات الرسمية في أي تنظيم اجتماعي، ومن أبرز ظواهر قبول القرارات
التي تتخذها أية سلطة العوامل الآتية :
العامل الأو ل هو أن الأفراد قد يطيعون قرارات السلطة وذلك لأنهم يثقون في
القائد الذي يتزعم منظمتهم، وفي العادة تتدعم تل ك الثقة بفضل المواقف البطولية للقائد
والكفاءة في العمل.
العامل الثان ي هو أن الأشخاص قد يمتثلون ويطيعون لأن الإنسان الذي اتخذ
القرار له مؤهلات مهنية تسمح له بأن يتخذ أي قرار تفرضه الضرورة وتقبل كلمته في
الحال. وهذه حالة الطبيب الذي يسمح له الأفراد بشقهم و إجراء العمليات الجراحية على
الأماكن الحساسة من أجسامه م. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الحلاق الذي لا يتردد
أي فرد في تقديم رقبته إليه ليمرر سكينه الحاد عليها.
العامل الثال ث هو أن الأفراد قد يطيعوا القرارات الصادرة من أعلى وذلك لأنها
جاءت من الشخص المسؤول ف ي القمة وذلك حق من حقوقه الطبيعي ة. وهذا النوع نجده
بكثرة في التنظيم الإداري التقليدي.
العامل الرابع هو أن الطاعة تأتي نتيجة لتعلق الأفراد بقائد معين يعتبرونه بمثابة
قائد عملهم ولا يمكن الإستغناء عن ه. وهذا النوع من الطاعة العمياء أو رفض إثارة
الشكوك في تصرفات القائد، يبرز بصفة خاصة، عند قيام بعض الزعماء بأدوار هامة
بحيث أن القائد، في مثل هذه الحالات، يؤثر في مجرى الأمور ويعطي طابعا خاصا
لشخصية شعبه.
العامل الخام س هو أن الطاعة قد تأتي تلقائيا وذلك بسبب انتماء الأشخاص إلى
منظمة معينة تأسست لكي تدافع عن م صالحهم وتحمي مكتسباته م. فمنظمات العمال،
مثلا، تتخذ قراراتها باسم العمال، وهي في العادة قرارات مكتسباته م. لصالحهم وذلك
لأن نقابات العمال وجدت بقصد حماية من أعضائها ومحاربة كل من يحاول النيل
منها.
نظرية التنظيم
277
العامل السادس هو أن الطاعة تأتي عن طريق الإجبار واستعمال البنود القانونية
التي تسمح لكل مسؤول أن يعاقب كل من لا يتماشى مع الخطة العامة للتنظي م. وهذا
النوع من العقوبات يأتي، في الغالب عن طريق التسلسل الإداري.
إن ما يمكن أن نستخلصه من هذه العوامل المتعددة لقبول قرارات التنظيم
والتماشي معها، هو أن نجاح أية مؤسسة ي توقف على مدى مقدرة الشخص المسير على
خلق التأييد الشعبي لمنظمته وجعل الأفراد يتماشون مع سياستها المرسومة طواعية
وبدون ضغوط خارجي ة. لهذا فمن الخطأ أن يعتمد أي مسؤول على القوة القانونية وحقه
في اتخاذ القرارات وحدهما لكي ينجح في عمله ويصل إلى هدفه المنشو د. فالسلطة كما
أشرت ساب قا، ظاهرة نسبية وموزعة بين مسؤولين في مختلف المستويا ت. ومثلما تنشأ
المنظمات ويتدعم وجودها بمرور السنين، فقد يحين الوقت الذي تفقد فيه أية منظمة
رصيدها القديم من التأييد الشعبي ويصعب على رؤسائها التحكم في مجرى الأمور
وخاصة عندما لا تتجدد اله ياكل وتصعب الإستجابة لرغبات الأفرا د. وفي هذه الحالات
تنشأ منظمات منافسة أو منشقة، وتنجح في جلب عطف وتأييد الشخصيات التي
تناصرها وتعزز مكانته ا. وهكذا تصير المنظمة الجديدة أداة في خدمة الموالين لها
ويصعب فصلها عن جمهورها الذي تسدد له الخدمات.
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام