التنمية السياسية بالجزائر : بين المضامين النظرية للمفهوم و متطلبات التطبيق
قراءة سوسيوسياسية
مــقـدمة :
لقد حظي مفهوم التنمية السياسية بانتشار واسع في تراث العلوم السياسية ، و بخاصة فيما يتعلق بدراسة العلاقة بين السياسة و المجتمع ، و عمليات البناء المجتمعي و رسم السياسات التنموية ، و نظرا للصعوبات الكثيرة التي ينطوي عليها فيما يتصل بتحديد المفاهيم و الأطر الفكرية التي تناولته و المداخل النظرية المفسرة له ، إلا أنه اكتسب أهميته العلمية و العملية ليرتبط بغايات و أهداف سياسية متنوعة تعكس عند حدوثها دينامية المجتمع في إتجاهه نحو تحقيق و تجسيد مبدأ " التحول " أو " التغير " الذي يسمح بتكوين إطار نظامي للوصول إلى حلول ملائمة للمشكلات الاجتماعية و السياسية ، و التي تتضمن أداء الوظائف السياسية و فقا للمعايير و المستويات و الصيغ المعاصرة ؛ و بتفصيل أكثر باعتبارها – أي التنمية السياسية – من التنمية الشاملة تتجسد في تلك العملية التي بمقتضاها يحدث تغيير في القيم و الاتجاهات السياسية و النظم و البني و تدعيم ثقافة سياسية جديدة بحيث يؤدي ذلك كله إلى مزيد من التكامل للنسق السياسي ، و زيادة كفاءة النظام و فاعليته حتى يمكنه ذلك من مباشرة وظائفه و أدواره بدرجة عالية من الكفاءة ، و إنجاز و تنفيذ السياسات العــامة و التأثير في جوانب و مجالات الحياة الاجتماعية و السياسية .
وبناء على هذا ستحاول هذه المداخلة إبراز العلاقة بين المنطلقات و المحددات النظرية المتحكمة في تفسير المفهوم و تحليله و بين المشكلات السياسية التي ترتبط بواقع الحياة السياسية في الجزائر كنموذج دراسي ستركز عليه هذه المداخلة .
فهناك ارتباط وثيق بين هذه المشكلات السياسية و الوسط الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي الذي تظهر فيه ومنه ، و التي يتعذر تحليلها بمعماوال عن هذا الوسط ، بالإضافة إلى المتغيرات السلوكية و البنائية التي تُظهِر مستوى استجابة النظام السياسي لعمليات التحديث الحاصلة وما يجب أن يرافقها من تغيرات بنيوية ووظيفية.
وعلى هذا الأساس فإن هذه المداخلة سوف تركز على المحاور التالية :
1 – طبيعة البناء السياسي و المجتمعي: وكيف تؤثر البناءات التقليدية على عملية التحديث لسياسي .
2- مؤشر التجانس و التكامل السياسي و الاجتماعي .
3- التعقيد المؤسساتي ( المؤسساتية ) .
4- دور المجتمع المدني: و كيف يساهم في الإنتاج و إعادة التوزيع للقيم و الأدوار.
إن فهم ما تعانيه الجزائر من قصور و عدم قدرة على تحقيق بعض مظاهر التحديث و تجاوز صفات التخلف اللصيقة بها في معظم المجالات السياسية ، مرتبط بتحليل و تشريح قضية " التنمية السياسية " مع محاولة تفسير المشاكل التي تعاني منها هذه الأخيرة : كتراجع مستويات الممارسة السياسية و الأداء و الفعالية في الواقع التطبيقي ، و عدم القدرة على بلوغ مستويات من التنمية و التحديث السياسيين و تفعيل قدرات النظام السياسي و زيادة الانسجام و التكامل بينه و بين المجتمع .
و من هذا المنطلق ستعالج هذه المداخلة قضية التنمية السياسية في الجزائر - كواحدة من المجتمعات النامية - من خلال محاولة الإجابة على التساؤلات التالية :
- مـا هـي المنطلقات و المرتكزات التي يقوم عليها مفهوم التنمية السياسية ( الغايات النظرية و العملية ) التي يمكن اعتبارها مؤشرات إسقاط منطقية للتحليل في إمكانية ا لحكم على الواقع السياسي التنموي بالجزائر، و التي تسمح بتبيان أهم المشاكل التي تعاني منها في إطار هذا التحليل ؟ .
- مـا هـي طبيعة هذه المشكلات التي تعاني منها الجزائر و التي تحول دون ممارسة فعلـية للمرتكزات التي يقوم عليها مفهوم التنمية السياسية ، و المرتبطة ارتباطا وثيقا بفهم و تحليل الواقع السياسي و الاجنماعي و الثقافي و حتى الاقتصادي للـجزائر و خصوصياته .
تكمن أهمية مناقشة قضية التنمية السياسية في الجزائر ، بضرورة الحديث عن غايات التنمية السياسية كما حددتها الصياغات النظرية لما تصوره مفكروا قضية التنمية السياسية لكونها المؤشرات النظرية التي بواسطتها يتسنى فهم هذه القضية في الجزائر طبقا لتناسقها المنطقي مع هذه الغايات ، و لمدى صلاحية هذه الغايات لتحـقيق التنمية السياسية في هذا البلد و خصوصياته .
إن مشكلات التنمية السياسية التي تواجهها الجزائر ترتبط ارتباطا وثيقا بالوسط الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي الذي تظهر فيه . بحيث يتعذر تحليلها بمعماوال عن هذا الوسط ، فهي مشكلات سلوكية و بنائية في آن واحد ، فالتغيرات التي تطرأ على الأنظمة و الأساليب لن تحل مشكلات التنمية إلا إذا صاحبتها تغيرات جذرية في المعتقدات و أنماط السلوك.
أولا : المحددات النظرية لمفهوم التنمية السياسية :
تلتقي نظريات التنمية السياسية المعاصرة –رغم تعددها- عند مجموعة معينة من الغايات مثلما انطلقت من مجموعة من المسلمات . و في سياق تناولنا لهذه الغايات سوف نحاول حصرها في مستويين أساسيين يمثلان محور الحركة الاجتماعية و وجهتها ، و تصب فيهما أو تبرز من خلالهما الأبعاد المجتمعية الأخرى.(1 )
هــذان المستويان همــا :
1. المستوى السياسي :
بالنظر على الغايات التي تسعى إلى تحقيقها نظريات التنمية السياسية رغم الاختلاف الظاهري بينها في الصياغة اللفظية و الوسائل ، نجد أنها تلتقي عند نقطة واحدة أو هدف محوري واحد يمثل جوهر الغاية لكل منها . ذلك أن تحقيق الحرية بمفهومها الأشمل و تضاؤل دور الدولة و سلطتها في مواجهة المجتمع ، و زيادة مشاركة المواطن في السلطة السياسية ، و تحقيق المساواة ، و الوصول إلى صيغة سياسية تحقق التوازن بين فئات المجتمع ، يمثل الغاية الأساسية لكل منها . فما تعبر عنه هذه النظريات هو تحقيق أقصى قدر ممكن من حرية المواطن تجاه الدولة ، بحيث تحقق الدولة أكبر قدر من الديمقراطية و المشاركة السياسية ( 2)، و تهيئة الظروف السياسية الملائمة للتنمية ، و تغيير القيم و المعتقدات بما يكفل التحول السياسي نحو المجتمعات الحديثة ، و المساهمة في تحقيق الاندماج الوطني National Integration و الوحدة الوطنية National Unity و نبذ قيم القبلية و العشائرية و العصبية( 3) إلى تحقيق معايير المساواة و المواطنة و إعطاء اعتبار أكثر للإنجاز و الكفاءة و العمل( 4) . و تعمل التنمية السياسية على تعبئة الجماهير و تفاعلها مع النظام القائم ، أي زيادة المشاركة الشعبية ، و قيام المؤسسات التي تلائم الظروف الاقتصادية و الاجتماعية . و إذا كان التغير الاجتماعي يقتضي إزالة و تفتيت البنية الاجتماعية التقليدية تمهيدا للدخول في العملية التنموية التحديثية مع مراعاة التخلص من التبعية سواء فيما يتعلق بالسلطة السياسية أو الطبيعية السلطوية للنظم السياسية (5 ) فمن المهم أن تعمق التنمية السياسية هوية المواطنين بحيث يتعمق الولاء للدولة ، و أن تحقق الاستقرار السياسي ، و من الأهمية أن تستمد السلطات القائمة شرعيتها من إرضاء المواطنين ، و أن تكون هذه السلطات متفاعلة معهم و أداة خدمة في المقام الأول تحقيقا للاندماج و التكامل . و من الأهمية كذلك أن يعكس القانون الاحتياجات الوطنية و أن يتمشى معها و أن يتطور بتطورها . ( 6)
و تكتسب التنمية السياسية مفهومها و مضمونها الحقيقي في مجتمع يتضمن دستوره تحديدا واضحا للواجبات و الحقوق و لكل من السلطة و الشعب ( 7). كما تبدو أهمية تطوير شكل الحكم فيما يحقق درجة من الديمقراطية استجابة للظروف القائمة من غايات التنمية السياسية أيضا .
2. المستوى الاقتصادي :
تعتبر جميع نظريات التنمية السياسية هذا البعد محور العملية الإنمائية و جوهرها ، بل و مؤشرها الذي من خلاله يمكن قياس مدى تقدم مجتمع ما أو تأخره . و بالنظر إلى المؤشرات التي تستخدمها نظريات التنمية نجد أنها تنصب على توفير الإشباع الكامل لكل حاجات الإنسان( .
ثانيا : واقع التنمية السياسية بالجزائر :
إن دراسة التنمية السياسية في الجزائر يضعنا أمام ضرورة التأكيد على وجود مجموعة من الخصائص المميزة لها ،والتي وجدت نفسها بعد الاستقلال في مواجهة مشكلات عديدة للتنمية السياسية ، منها :
1 – طبيعة البناء السياسي و المجتمعي :
حيث سنبدأ بطرح هذا التساؤل : كيف تؤثر البناءات التقليدية على عملية التحديث السياسي بالجزائر ؟
ففي الواقع تصطدم عمليات التحديث بوجود بنى ( بناءات ) تقليدية راسخة تشكل عقبة أمام تبني أية أساليب جديدة ، فالمجتمع التقليدي يستند إلى الأسرة و يستمد مقوماته من قيم تقليدية كالقرابة و الانتماءات الخاصة ، بينما تدور الشرعية في الدول المتقدمة حول الدولة(9 ). فضلا عن أن مظاهر التحضر و التعليم و التصنيع و اتساع وسائل الاتصال الجماهيري و غيرها من المظاهر المرتبطة بالتحديث السياسي قد أدت إلى اللااستقرار و اللاتجانس الشديد بدلا من تحقيق الاستقرار و التجانس(10 ).
و إذا نظرنا إلى واقع طبيعة هذه البنى في الجزائر سنلاحظ أنها ليست تقليدية تماما ، كما أنها بالقطع ليست حديثة تماما ، و إنما هي تنتمي إلى ذلك النموذج الذي يمكن وصفه بأنه يمثل المجتمعات الانتقالية (Transitional – Societies ) و هي مجتمعات تسود فيها درجة معينة من اللاتكامل.(11 )
2- مؤشر التجانس و التكامل السياسي و الاجتماعي .
حيث نجد وجود تكوينات اجتماعية متجاورة تفتقد إلى التجانس الاجتماعي ، إن المطلوب بناء منظومة سياسية تستند إلى وحدة اجتماعية موضوعية تعكس بدورها حالة من الاعتماد المتبادل اجتماعيا و اقتصاديا و توفر الشروط الموضوعية للتنمية السياسية و الاقتصادية و الثقافية . و هذا يرتبط بدوره بالتجانس الثقافي و بمجموعة من الشروط الموضوعية على رأس عملية التنمية الاقتصادية الشاملة وأيضا بمجموعة من الشروط الذاتية في مقدمتها وجود قيادات طليعية ذات مثل سياسية تتجاوز الانتماءات المحلية(12 ).
وإذ كانت هناك صعوبات عديدة مرتبطة بغياب الدولة ، فإنه يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تكون بديلا فعالا و خاصة فيما يتعلق بتنظيم المشاركة الشعبية ، و مراقبة برنامج التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، و لكن تبقى مسألة عدم فاعلية المجتمع المدني من الصعوبات التي تميزها أيضا .
3- التعقيد المؤسساتي ( المؤسساتية ) .
تعاني الجزائر بوجه عام من غياب المؤسسات السياسية الحديثة المؤهلة لاستيعاب القوى الاجتماعية الحديثة و تلبية متطلباتها ، فالسمة التقليدية تظهر على مستوى المؤسسات السياسية مثلما تتجلى في المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، و هذا ما دفع النظام السياسي إلى تبني النماذج المؤسسية الغربية . و كان من نتيجة ذلك تأسيس نماذج سياسية بعيدة عن أي بيئة اجتماعية و ثقافية مكافئة ، مما أدى إلى تشويه النماذج المؤسسية الغربية التي لم يتم تكييفها مع البنى الاجتماعية و الاقتصادية لتلك المجتمعات ( 13)، مما تسبب في فقدانها لمدلولها السياسي ، و عدم قدرتها على تحقيق الحد الأدنى من الفاعلية و الاستقرار.
ولعـل غياب المؤسسات السياسية القادرة على أداء الوظائف السياسية طبقا لقواعد متوقعة في الدول الحديثة ، يجعل المجتمع غير قادر على تنظيم نفسه ، إذ دون مؤسسات سياسية قوية يفتقد المجتمع الوسائل الملائمة لتحديد مصالحه المشتركة و تحقيقها ،كما يفقد القدرة على خلق مصالح عامة لأبنائه (14 ). و هذا ما يجعل من التنمية السياسية أمرا في غاية الصعوبة ، لهذا جاء تأكيد هنتنجتون Huntington على ضرورة إيجاد المؤسسات السياسية التي تعمل على إرساء الاستقرار و النظام العام و بناء المؤسسات السياسية الكفيلة بتحقيق الاستقرار السياسي في البلدان الجديدة . وبناءا على تصوره هذا عرف هنتنجتون Huntington التنمية السياسية بوصفها " تعني تطور الأنظمة القادرة على التعامل مع ضغوط التعبئة الاجتماعية و المشاركة السياسية "( 15). ذلك أن التنمية السياسية في جوهرها تتضمن إقامة مجموعة من المؤسسات العامة التي تشكل البنية التحتية الضرورية للدولة و التعبير المنضبط عن الحياة السياسية في إطارها (16 ).
تفترض التنمية السياسية بالنسبة للجزائر إذا ، إضفاء الطابع المؤسسي على السلطة و تأسيس السلطة ( Institutionnalisation Du pouvoir ) أي أن يصبح لها شخصية اعتبارية و حركة ذاتية تنظمها القواعد و القوانين و الضوابط التي يحددها المجتمع بغض النظر على الأشخاص الذين يمرون بها أو يمارسون مهامها ( 17) . و مستوى تأسيس السلطة ليس واحدا ، كما أنه ليس أمرا ناجزا بل هو يتحدد كما يرى هنتجتون Huntington " بقابلية التكيف و التعقيد و الاستقلالية و التماسك في منظماته و إجراءاته ، و كلما ازدادت قابلية التكيف في منظمة ما ازداد طابعها المؤسسي".
مداخلة للأستاذ هشام عبد الكريم بجامعة حسيبة بن بوعلي الشلف-الجزء03-
دور المجتمع المدني : و كيف يساهم في الإنتاج و إعادة التوزيع للقيم و الأدوار .
فالتنمية السياسية غير ممكنة دون ثقافة مدنية تكون بمنماوالة الخلفية التي يصدر عنها أي موقف سياسي . و يتسع الطابع المدني للثقافة كلما أصبح الأفراد أكثر عقلانية في رؤيتهم ، و أكثر قدرة على تصور مصالح المجتمع في عموميتها ، و أكثر تمتعا بحس المشاركة السياسية( 18) .
فما يمكن ملاحظته في الجزائر انها تتحدد فيها صفة الثقافة التقليدية( 19) ، التي تصطبغ فيها مواقف الأفراد غالبا بالمكونات الشعورية و القيمية بدرجة أكبر من المكونات الإدراكية و المعرفية .
أخيرا و عند النظر إلى الجزائر نجد أن جل العناصر السابقة المؤسسة لمفهوم التنمية السياسية لا تتلاءم مع الواقع ، و التي تعرف "بمشكلات التحديث السياسي / الإصلاح السياسي " (20 ) ، مثل:التفرد و الاستبداد بالسلطة ، و عدم وجود قنوات للتغيير السياسي السلمي ، و تدخل الجيش في الحياة السياسية ، وغياب أو ضعف المشاركة السياسية نظرا لعدم وجود قنوات و مؤسسات للمشاركة ، أو نظرا لعدم فاعليتها في حالة وجودها ، و غياب أو ضعف الرقابة السياسية ، و عدم استقلال القضاء ، و تصاعد أعمال العنف السياسي كأحداث الشغب ، و الاغتيالات و الانقلابات و الاعتقالات و المحاكمات لأسباب سياسية . وقبل كل هذا ضعف الإطار القانوني الذي ينظم العلاقة بين الحاكم و المحكوم حيث تنتشر ظاهرة العمل بقوانين الطوارئ و في عديد من الحالات نجد أن الحكام يتمتعون بسلطات أوسع من تلك التي تتيحها لهم القوانين( 21).
و ثمة تفسيرات لغياب أو تدهور عمليات التنمية و الإصلاح في الجزائر منها : ضعف تبلور القوى الاقتصادية و الاجتماعية ، و ضعف الأسس الثقافية و القيمية للديمقراطية مثل العقلانية و الرشادة و الإيمان بدور الفرد ، وعدم قيام مجتمع مدني حقيقي . هذا الأخير الذي يعتبر عنصرا مهما في تحديد مستوى التنمية السياسية لا يزال يوصف بعدم الفاعلية لعدة أسباب من أهمها وجود " التسلطية في الممارسة السياسية " ، حيث يحرص النظام السياسي على تفكيك المجتمع و الحيلولة دون تـبلور قواه و مؤســساته ، و كذا بساطة بنيــته التركـــيبية ( النظام السياسي ) .
بالإضافة إلى كل هذه العوامل هناك البعد الخارجي ، الذي يلعب دورا مهما في تشكيل مجمل الأوضاع الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية في الدول النامية و الجزائر بالتخصيص ، و هو ما يطلق عليه اسم ( الاختراق الخارجي المنظم ) ، حيث يؤكد الكثير من الباحثين على أن هذه الدول سوف تواجه مزيدا من التهميش في المستقبل في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد( 22) .
خاتمــة :
كما لاحظنا تتضمن التنمية السياسية مجموعة من الشروط العامة المرتبطة بمستوى التطور الاجتماعي و الاقتصادي و بالنسيج الثقافي للشعب ، كما تتضمن كفاءات متنامية للمنظومة السياسية تهيؤها لقيادة الشؤون العامة ، و تسوية الخلافات ، و تحقيق الانسجام الاجتماعي ، و تلبية المتطلبات الجماهيرية .
و المشكلة الحقيقية بالنسبة للجـزائر تكمن في ضرورة توافر مجموعة من الشروط المتوازنة ، لتحقيق تنمية سياسية متكاملة. الأمر الذي يتطلب جهدا متميزا و قيادة استثنائية قادرة على سد الثغرات البنائية في مختلف المؤسسات و أجهزتها
مداخلة للأستاذ هشام عبد الكريم بجامعة حسيبة بن بوعلي الشلف-الجزء04
هوامش المداخلة
( 1)-محمد علي محمد ، أصول الاجتماع السياسي : السياسة و المجتمع في العالم الثالث – التغير و التنمية السياسية – ، الجزء الثالث ، الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1986 ، ص 75 .
( 2)- نصر محمد عارف ، ، نظريات التنمية السياسية المعاصرة ، القاهرة : دار القارئ العربي ، 1993 ، ص 263 .
( 3)-نصر محمد عارف ، المرجع نفسه ، ص ص 263 ، 264 .
( 4)- محمد علي العويني ، العلوم السياسية دراسة في الأصول و النظريات و التطبيق ، القاهرة : عالم الكتب ، 1988، ، ص 264 .
(5 )- نصر محمد عارف ، المرجع نفسه ، ص 264 .
( 6)- المرجع نفسه ، ص 266 .
(7 )- محمد علي العويني ، المرجع نفسه ، ص ص 15 ، 16 .
(- محمد خاتمي ، الديمقراطية و حاكمية الأمة ، (ترجمة: سرمد الطائي)، الطبعة الأولى ، دمشق : مارس 2003 ، ص 102.
( 9)- نصر محمد عارف ، المرجع نفسه ، ص 267.
( 10)- المرجع نفسه ، ص 82 .
( 11)- المرجع نفسه ، ص 84 .
( 12)- المرجع نفسه ، ص 83 .
(13 )- هيثم سطايحي ، " التنمية السياسية في المجتمعات النامية –مشكلاتها و آفاقها –" ، مجلة جامعة دمشق ، المجلد الثالث عشر ، العدد الثاني ( 1997 ) ، ص 10.
( 14)- المرجع نفسه ، ص ص 101، 102 .
( 15)- المرجع نفسه .
( 16)- نور الدين زمام ، القوى السياسية و التنمية – دراسة في سوسيولوجيا العالم الثالث - ، الطبعة الأولى ، الجزائر : دار الكتاب العربي ، 2003 ، ص 239
( 17)- هيثم سطايحي ، المرجع نفسه ، ص 102 .
(18 )- المرجع نفسه.
( 19)-المرجع نفسه ، ص 103 .
(20)- رعد عبد الجليل علي ، التنمية السياسية مدخل للتغيير ، الطبعة الأولى ،ليبيا : دار الكتب الوطنية ، 2002،، ص 165 .
(21 )- كاظم حبيب ، " حول الواقع الراهن في بلدان العالم الثالث و إتجاهات التغير المنشود فيها " ، المستقبل العربي ، عدد146 (أفريل 1991) ، ص ص 18-39 .
(22 )- حسنين توفيق إبراهيم ، "تكنولوجيا المعلومات و إشكالية الديمقراطية " ، مجلة منبر الحوار ، السنة التاسعة ، العدد 34 (خريف 1994) ، ص 121.
*مداخلة:الأستاذ هشام عبد الكريم-جامعة محمد خيضر بسكرةأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بسكرة
من خلال الملتقى الوطني الأول المقام بجامعة حسيبة بن بوعلي ولاية الشلف
"التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات "
قراءة سوسيوسياسية
مــقـدمة :
لقد حظي مفهوم التنمية السياسية بانتشار واسع في تراث العلوم السياسية ، و بخاصة فيما يتعلق بدراسة العلاقة بين السياسة و المجتمع ، و عمليات البناء المجتمعي و رسم السياسات التنموية ، و نظرا للصعوبات الكثيرة التي ينطوي عليها فيما يتصل بتحديد المفاهيم و الأطر الفكرية التي تناولته و المداخل النظرية المفسرة له ، إلا أنه اكتسب أهميته العلمية و العملية ليرتبط بغايات و أهداف سياسية متنوعة تعكس عند حدوثها دينامية المجتمع في إتجاهه نحو تحقيق و تجسيد مبدأ " التحول " أو " التغير " الذي يسمح بتكوين إطار نظامي للوصول إلى حلول ملائمة للمشكلات الاجتماعية و السياسية ، و التي تتضمن أداء الوظائف السياسية و فقا للمعايير و المستويات و الصيغ المعاصرة ؛ و بتفصيل أكثر باعتبارها – أي التنمية السياسية – من التنمية الشاملة تتجسد في تلك العملية التي بمقتضاها يحدث تغيير في القيم و الاتجاهات السياسية و النظم و البني و تدعيم ثقافة سياسية جديدة بحيث يؤدي ذلك كله إلى مزيد من التكامل للنسق السياسي ، و زيادة كفاءة النظام و فاعليته حتى يمكنه ذلك من مباشرة وظائفه و أدواره بدرجة عالية من الكفاءة ، و إنجاز و تنفيذ السياسات العــامة و التأثير في جوانب و مجالات الحياة الاجتماعية و السياسية .
وبناء على هذا ستحاول هذه المداخلة إبراز العلاقة بين المنطلقات و المحددات النظرية المتحكمة في تفسير المفهوم و تحليله و بين المشكلات السياسية التي ترتبط بواقع الحياة السياسية في الجزائر كنموذج دراسي ستركز عليه هذه المداخلة .
فهناك ارتباط وثيق بين هذه المشكلات السياسية و الوسط الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي الذي تظهر فيه ومنه ، و التي يتعذر تحليلها بمعماوال عن هذا الوسط ، بالإضافة إلى المتغيرات السلوكية و البنائية التي تُظهِر مستوى استجابة النظام السياسي لعمليات التحديث الحاصلة وما يجب أن يرافقها من تغيرات بنيوية ووظيفية.
وعلى هذا الأساس فإن هذه المداخلة سوف تركز على المحاور التالية :
1 – طبيعة البناء السياسي و المجتمعي: وكيف تؤثر البناءات التقليدية على عملية التحديث لسياسي .
2- مؤشر التجانس و التكامل السياسي و الاجتماعي .
3- التعقيد المؤسساتي ( المؤسساتية ) .
4- دور المجتمع المدني: و كيف يساهم في الإنتاج و إعادة التوزيع للقيم و الأدوار.
إن فهم ما تعانيه الجزائر من قصور و عدم قدرة على تحقيق بعض مظاهر التحديث و تجاوز صفات التخلف اللصيقة بها في معظم المجالات السياسية ، مرتبط بتحليل و تشريح قضية " التنمية السياسية " مع محاولة تفسير المشاكل التي تعاني منها هذه الأخيرة : كتراجع مستويات الممارسة السياسية و الأداء و الفعالية في الواقع التطبيقي ، و عدم القدرة على بلوغ مستويات من التنمية و التحديث السياسيين و تفعيل قدرات النظام السياسي و زيادة الانسجام و التكامل بينه و بين المجتمع .
و من هذا المنطلق ستعالج هذه المداخلة قضية التنمية السياسية في الجزائر - كواحدة من المجتمعات النامية - من خلال محاولة الإجابة على التساؤلات التالية :
- مـا هـي المنطلقات و المرتكزات التي يقوم عليها مفهوم التنمية السياسية ( الغايات النظرية و العملية ) التي يمكن اعتبارها مؤشرات إسقاط منطقية للتحليل في إمكانية ا لحكم على الواقع السياسي التنموي بالجزائر، و التي تسمح بتبيان أهم المشاكل التي تعاني منها في إطار هذا التحليل ؟ .
- مـا هـي طبيعة هذه المشكلات التي تعاني منها الجزائر و التي تحول دون ممارسة فعلـية للمرتكزات التي يقوم عليها مفهوم التنمية السياسية ، و المرتبطة ارتباطا وثيقا بفهم و تحليل الواقع السياسي و الاجنماعي و الثقافي و حتى الاقتصادي للـجزائر و خصوصياته .
تكمن أهمية مناقشة قضية التنمية السياسية في الجزائر ، بضرورة الحديث عن غايات التنمية السياسية كما حددتها الصياغات النظرية لما تصوره مفكروا قضية التنمية السياسية لكونها المؤشرات النظرية التي بواسطتها يتسنى فهم هذه القضية في الجزائر طبقا لتناسقها المنطقي مع هذه الغايات ، و لمدى صلاحية هذه الغايات لتحـقيق التنمية السياسية في هذا البلد و خصوصياته .
إن مشكلات التنمية السياسية التي تواجهها الجزائر ترتبط ارتباطا وثيقا بالوسط الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي الذي تظهر فيه . بحيث يتعذر تحليلها بمعماوال عن هذا الوسط ، فهي مشكلات سلوكية و بنائية في آن واحد ، فالتغيرات التي تطرأ على الأنظمة و الأساليب لن تحل مشكلات التنمية إلا إذا صاحبتها تغيرات جذرية في المعتقدات و أنماط السلوك.
أولا : المحددات النظرية لمفهوم التنمية السياسية :
تلتقي نظريات التنمية السياسية المعاصرة –رغم تعددها- عند مجموعة معينة من الغايات مثلما انطلقت من مجموعة من المسلمات . و في سياق تناولنا لهذه الغايات سوف نحاول حصرها في مستويين أساسيين يمثلان محور الحركة الاجتماعية و وجهتها ، و تصب فيهما أو تبرز من خلالهما الأبعاد المجتمعية الأخرى.(1 )
هــذان المستويان همــا :
1. المستوى السياسي :
بالنظر على الغايات التي تسعى إلى تحقيقها نظريات التنمية السياسية رغم الاختلاف الظاهري بينها في الصياغة اللفظية و الوسائل ، نجد أنها تلتقي عند نقطة واحدة أو هدف محوري واحد يمثل جوهر الغاية لكل منها . ذلك أن تحقيق الحرية بمفهومها الأشمل و تضاؤل دور الدولة و سلطتها في مواجهة المجتمع ، و زيادة مشاركة المواطن في السلطة السياسية ، و تحقيق المساواة ، و الوصول إلى صيغة سياسية تحقق التوازن بين فئات المجتمع ، يمثل الغاية الأساسية لكل منها . فما تعبر عنه هذه النظريات هو تحقيق أقصى قدر ممكن من حرية المواطن تجاه الدولة ، بحيث تحقق الدولة أكبر قدر من الديمقراطية و المشاركة السياسية ( 2)، و تهيئة الظروف السياسية الملائمة للتنمية ، و تغيير القيم و المعتقدات بما يكفل التحول السياسي نحو المجتمعات الحديثة ، و المساهمة في تحقيق الاندماج الوطني National Integration و الوحدة الوطنية National Unity و نبذ قيم القبلية و العشائرية و العصبية( 3) إلى تحقيق معايير المساواة و المواطنة و إعطاء اعتبار أكثر للإنجاز و الكفاءة و العمل( 4) . و تعمل التنمية السياسية على تعبئة الجماهير و تفاعلها مع النظام القائم ، أي زيادة المشاركة الشعبية ، و قيام المؤسسات التي تلائم الظروف الاقتصادية و الاجتماعية . و إذا كان التغير الاجتماعي يقتضي إزالة و تفتيت البنية الاجتماعية التقليدية تمهيدا للدخول في العملية التنموية التحديثية مع مراعاة التخلص من التبعية سواء فيما يتعلق بالسلطة السياسية أو الطبيعية السلطوية للنظم السياسية (5 ) فمن المهم أن تعمق التنمية السياسية هوية المواطنين بحيث يتعمق الولاء للدولة ، و أن تحقق الاستقرار السياسي ، و من الأهمية أن تستمد السلطات القائمة شرعيتها من إرضاء المواطنين ، و أن تكون هذه السلطات متفاعلة معهم و أداة خدمة في المقام الأول تحقيقا للاندماج و التكامل . و من الأهمية كذلك أن يعكس القانون الاحتياجات الوطنية و أن يتمشى معها و أن يتطور بتطورها . ( 6)
و تكتسب التنمية السياسية مفهومها و مضمونها الحقيقي في مجتمع يتضمن دستوره تحديدا واضحا للواجبات و الحقوق و لكل من السلطة و الشعب ( 7). كما تبدو أهمية تطوير شكل الحكم فيما يحقق درجة من الديمقراطية استجابة للظروف القائمة من غايات التنمية السياسية أيضا .
2. المستوى الاقتصادي :
تعتبر جميع نظريات التنمية السياسية هذا البعد محور العملية الإنمائية و جوهرها ، بل و مؤشرها الذي من خلاله يمكن قياس مدى تقدم مجتمع ما أو تأخره . و بالنظر إلى المؤشرات التي تستخدمها نظريات التنمية نجد أنها تنصب على توفير الإشباع الكامل لكل حاجات الإنسان( .
ثانيا : واقع التنمية السياسية بالجزائر :
إن دراسة التنمية السياسية في الجزائر يضعنا أمام ضرورة التأكيد على وجود مجموعة من الخصائص المميزة لها ،والتي وجدت نفسها بعد الاستقلال في مواجهة مشكلات عديدة للتنمية السياسية ، منها :
1 – طبيعة البناء السياسي و المجتمعي :
حيث سنبدأ بطرح هذا التساؤل : كيف تؤثر البناءات التقليدية على عملية التحديث السياسي بالجزائر ؟
ففي الواقع تصطدم عمليات التحديث بوجود بنى ( بناءات ) تقليدية راسخة تشكل عقبة أمام تبني أية أساليب جديدة ، فالمجتمع التقليدي يستند إلى الأسرة و يستمد مقوماته من قيم تقليدية كالقرابة و الانتماءات الخاصة ، بينما تدور الشرعية في الدول المتقدمة حول الدولة(9 ). فضلا عن أن مظاهر التحضر و التعليم و التصنيع و اتساع وسائل الاتصال الجماهيري و غيرها من المظاهر المرتبطة بالتحديث السياسي قد أدت إلى اللااستقرار و اللاتجانس الشديد بدلا من تحقيق الاستقرار و التجانس(10 ).
و إذا نظرنا إلى واقع طبيعة هذه البنى في الجزائر سنلاحظ أنها ليست تقليدية تماما ، كما أنها بالقطع ليست حديثة تماما ، و إنما هي تنتمي إلى ذلك النموذج الذي يمكن وصفه بأنه يمثل المجتمعات الانتقالية (Transitional – Societies ) و هي مجتمعات تسود فيها درجة معينة من اللاتكامل.(11 )
2- مؤشر التجانس و التكامل السياسي و الاجتماعي .
حيث نجد وجود تكوينات اجتماعية متجاورة تفتقد إلى التجانس الاجتماعي ، إن المطلوب بناء منظومة سياسية تستند إلى وحدة اجتماعية موضوعية تعكس بدورها حالة من الاعتماد المتبادل اجتماعيا و اقتصاديا و توفر الشروط الموضوعية للتنمية السياسية و الاقتصادية و الثقافية . و هذا يرتبط بدوره بالتجانس الثقافي و بمجموعة من الشروط الموضوعية على رأس عملية التنمية الاقتصادية الشاملة وأيضا بمجموعة من الشروط الذاتية في مقدمتها وجود قيادات طليعية ذات مثل سياسية تتجاوز الانتماءات المحلية(12 ).
وإذ كانت هناك صعوبات عديدة مرتبطة بغياب الدولة ، فإنه يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تكون بديلا فعالا و خاصة فيما يتعلق بتنظيم المشاركة الشعبية ، و مراقبة برنامج التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، و لكن تبقى مسألة عدم فاعلية المجتمع المدني من الصعوبات التي تميزها أيضا .
3- التعقيد المؤسساتي ( المؤسساتية ) .
تعاني الجزائر بوجه عام من غياب المؤسسات السياسية الحديثة المؤهلة لاستيعاب القوى الاجتماعية الحديثة و تلبية متطلباتها ، فالسمة التقليدية تظهر على مستوى المؤسسات السياسية مثلما تتجلى في المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، و هذا ما دفع النظام السياسي إلى تبني النماذج المؤسسية الغربية . و كان من نتيجة ذلك تأسيس نماذج سياسية بعيدة عن أي بيئة اجتماعية و ثقافية مكافئة ، مما أدى إلى تشويه النماذج المؤسسية الغربية التي لم يتم تكييفها مع البنى الاجتماعية و الاقتصادية لتلك المجتمعات ( 13)، مما تسبب في فقدانها لمدلولها السياسي ، و عدم قدرتها على تحقيق الحد الأدنى من الفاعلية و الاستقرار.
ولعـل غياب المؤسسات السياسية القادرة على أداء الوظائف السياسية طبقا لقواعد متوقعة في الدول الحديثة ، يجعل المجتمع غير قادر على تنظيم نفسه ، إذ دون مؤسسات سياسية قوية يفتقد المجتمع الوسائل الملائمة لتحديد مصالحه المشتركة و تحقيقها ،كما يفقد القدرة على خلق مصالح عامة لأبنائه (14 ). و هذا ما يجعل من التنمية السياسية أمرا في غاية الصعوبة ، لهذا جاء تأكيد هنتنجتون Huntington على ضرورة إيجاد المؤسسات السياسية التي تعمل على إرساء الاستقرار و النظام العام و بناء المؤسسات السياسية الكفيلة بتحقيق الاستقرار السياسي في البلدان الجديدة . وبناءا على تصوره هذا عرف هنتنجتون Huntington التنمية السياسية بوصفها " تعني تطور الأنظمة القادرة على التعامل مع ضغوط التعبئة الاجتماعية و المشاركة السياسية "( 15). ذلك أن التنمية السياسية في جوهرها تتضمن إقامة مجموعة من المؤسسات العامة التي تشكل البنية التحتية الضرورية للدولة و التعبير المنضبط عن الحياة السياسية في إطارها (16 ).
تفترض التنمية السياسية بالنسبة للجزائر إذا ، إضفاء الطابع المؤسسي على السلطة و تأسيس السلطة ( Institutionnalisation Du pouvoir ) أي أن يصبح لها شخصية اعتبارية و حركة ذاتية تنظمها القواعد و القوانين و الضوابط التي يحددها المجتمع بغض النظر على الأشخاص الذين يمرون بها أو يمارسون مهامها ( 17) . و مستوى تأسيس السلطة ليس واحدا ، كما أنه ليس أمرا ناجزا بل هو يتحدد كما يرى هنتجتون Huntington " بقابلية التكيف و التعقيد و الاستقلالية و التماسك في منظماته و إجراءاته ، و كلما ازدادت قابلية التكيف في منظمة ما ازداد طابعها المؤسسي".
مداخلة للأستاذ هشام عبد الكريم بجامعة حسيبة بن بوعلي الشلف-الجزء03-
دور المجتمع المدني : و كيف يساهم في الإنتاج و إعادة التوزيع للقيم و الأدوار .
فالتنمية السياسية غير ممكنة دون ثقافة مدنية تكون بمنماوالة الخلفية التي يصدر عنها أي موقف سياسي . و يتسع الطابع المدني للثقافة كلما أصبح الأفراد أكثر عقلانية في رؤيتهم ، و أكثر قدرة على تصور مصالح المجتمع في عموميتها ، و أكثر تمتعا بحس المشاركة السياسية( 18) .
فما يمكن ملاحظته في الجزائر انها تتحدد فيها صفة الثقافة التقليدية( 19) ، التي تصطبغ فيها مواقف الأفراد غالبا بالمكونات الشعورية و القيمية بدرجة أكبر من المكونات الإدراكية و المعرفية .
أخيرا و عند النظر إلى الجزائر نجد أن جل العناصر السابقة المؤسسة لمفهوم التنمية السياسية لا تتلاءم مع الواقع ، و التي تعرف "بمشكلات التحديث السياسي / الإصلاح السياسي " (20 ) ، مثل:التفرد و الاستبداد بالسلطة ، و عدم وجود قنوات للتغيير السياسي السلمي ، و تدخل الجيش في الحياة السياسية ، وغياب أو ضعف المشاركة السياسية نظرا لعدم وجود قنوات و مؤسسات للمشاركة ، أو نظرا لعدم فاعليتها في حالة وجودها ، و غياب أو ضعف الرقابة السياسية ، و عدم استقلال القضاء ، و تصاعد أعمال العنف السياسي كأحداث الشغب ، و الاغتيالات و الانقلابات و الاعتقالات و المحاكمات لأسباب سياسية . وقبل كل هذا ضعف الإطار القانوني الذي ينظم العلاقة بين الحاكم و المحكوم حيث تنتشر ظاهرة العمل بقوانين الطوارئ و في عديد من الحالات نجد أن الحكام يتمتعون بسلطات أوسع من تلك التي تتيحها لهم القوانين( 21).
و ثمة تفسيرات لغياب أو تدهور عمليات التنمية و الإصلاح في الجزائر منها : ضعف تبلور القوى الاقتصادية و الاجتماعية ، و ضعف الأسس الثقافية و القيمية للديمقراطية مثل العقلانية و الرشادة و الإيمان بدور الفرد ، وعدم قيام مجتمع مدني حقيقي . هذا الأخير الذي يعتبر عنصرا مهما في تحديد مستوى التنمية السياسية لا يزال يوصف بعدم الفاعلية لعدة أسباب من أهمها وجود " التسلطية في الممارسة السياسية " ، حيث يحرص النظام السياسي على تفكيك المجتمع و الحيلولة دون تـبلور قواه و مؤســساته ، و كذا بساطة بنيــته التركـــيبية ( النظام السياسي ) .
بالإضافة إلى كل هذه العوامل هناك البعد الخارجي ، الذي يلعب دورا مهما في تشكيل مجمل الأوضاع الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية في الدول النامية و الجزائر بالتخصيص ، و هو ما يطلق عليه اسم ( الاختراق الخارجي المنظم ) ، حيث يؤكد الكثير من الباحثين على أن هذه الدول سوف تواجه مزيدا من التهميش في المستقبل في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد( 22) .
خاتمــة :
كما لاحظنا تتضمن التنمية السياسية مجموعة من الشروط العامة المرتبطة بمستوى التطور الاجتماعي و الاقتصادي و بالنسيج الثقافي للشعب ، كما تتضمن كفاءات متنامية للمنظومة السياسية تهيؤها لقيادة الشؤون العامة ، و تسوية الخلافات ، و تحقيق الانسجام الاجتماعي ، و تلبية المتطلبات الجماهيرية .
و المشكلة الحقيقية بالنسبة للجـزائر تكمن في ضرورة توافر مجموعة من الشروط المتوازنة ، لتحقيق تنمية سياسية متكاملة. الأمر الذي يتطلب جهدا متميزا و قيادة استثنائية قادرة على سد الثغرات البنائية في مختلف المؤسسات و أجهزتها
مداخلة للأستاذ هشام عبد الكريم بجامعة حسيبة بن بوعلي الشلف-الجزء04
هوامش المداخلة
( 1)-محمد علي محمد ، أصول الاجتماع السياسي : السياسة و المجتمع في العالم الثالث – التغير و التنمية السياسية – ، الجزء الثالث ، الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1986 ، ص 75 .
( 2)- نصر محمد عارف ، ، نظريات التنمية السياسية المعاصرة ، القاهرة : دار القارئ العربي ، 1993 ، ص 263 .
( 3)-نصر محمد عارف ، المرجع نفسه ، ص ص 263 ، 264 .
( 4)- محمد علي العويني ، العلوم السياسية دراسة في الأصول و النظريات و التطبيق ، القاهرة : عالم الكتب ، 1988، ، ص 264 .
(5 )- نصر محمد عارف ، المرجع نفسه ، ص 264 .
( 6)- المرجع نفسه ، ص 266 .
(7 )- محمد علي العويني ، المرجع نفسه ، ص ص 15 ، 16 .
(- محمد خاتمي ، الديمقراطية و حاكمية الأمة ، (ترجمة: سرمد الطائي)، الطبعة الأولى ، دمشق : مارس 2003 ، ص 102.
( 9)- نصر محمد عارف ، المرجع نفسه ، ص 267.
( 10)- المرجع نفسه ، ص 82 .
( 11)- المرجع نفسه ، ص 84 .
( 12)- المرجع نفسه ، ص 83 .
(13 )- هيثم سطايحي ، " التنمية السياسية في المجتمعات النامية –مشكلاتها و آفاقها –" ، مجلة جامعة دمشق ، المجلد الثالث عشر ، العدد الثاني ( 1997 ) ، ص 10.
( 14)- المرجع نفسه ، ص ص 101، 102 .
( 15)- المرجع نفسه .
( 16)- نور الدين زمام ، القوى السياسية و التنمية – دراسة في سوسيولوجيا العالم الثالث - ، الطبعة الأولى ، الجزائر : دار الكتاب العربي ، 2003 ، ص 239
( 17)- هيثم سطايحي ، المرجع نفسه ، ص 102 .
(18 )- المرجع نفسه.
( 19)-المرجع نفسه ، ص 103 .
(20)- رعد عبد الجليل علي ، التنمية السياسية مدخل للتغيير ، الطبعة الأولى ،ليبيا : دار الكتب الوطنية ، 2002،، ص 165 .
(21 )- كاظم حبيب ، " حول الواقع الراهن في بلدان العالم الثالث و إتجاهات التغير المنشود فيها " ، المستقبل العربي ، عدد146 (أفريل 1991) ، ص ص 18-39 .
(22 )- حسنين توفيق إبراهيم ، "تكنولوجيا المعلومات و إشكالية الديمقراطية " ، مجلة منبر الحوار ، السنة التاسعة ، العدد 34 (خريف 1994) ، ص 121.
*مداخلة:الأستاذ هشام عبد الكريم-جامعة محمد خيضر بسكرةأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بسكرة
من خلال الملتقى الوطني الأول المقام بجامعة حسيبة بن بوعلي ولاية الشلف
"التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات "
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام