المبحث الرابع: وكالات الأنباء و طبيعة عملها
لقد أدرك الصحفيون قيمة الأخبار التي كانت تنقل عن طريق التلغراف و التلفون لسد احتياجات الطبقة القارئة الجديدة التي اتسعت اتساعا ضخما بانتشار الصحافة زهيدة الثمن، و هكذا أصبحت الأخبار هي السلعة الرئيسية التي تبيعها الصحف للقراء، و لكنها سلعة غالية الثمن، باهظة التكاليف، و من هنا نشأت ضرورة التعاون بين الصحف لمواجهة هذه النفقات بطريقة تعاونية، و هو الأساس الذي يثبت عليه فكرة وكالة الأنباء الحديثة، و أصبحت مهمة وكالات الأنباء هي تمثيل الصحف أو العمل بالنيابة عنها في أكبر عدد ممكن من المدن و العواصم لمراقبة الأحداث و جمع الأخبار من معظم أنحاء العالم و نقلها إلى الصحف المشتركة في نشراتها فجمع الأخبار و نقلها تكلف الملايين. و لا يمكن تغطية هذه النفقات إلا بتعدد المشتركين من الصحف و المجلات و إذاعات و هيئات مختلفة.و تقوم الوكالة بتغطية الأخبار الأساسية و الحقائق الرئيسية و تبيعها للصحف و الهيئات الإعلامية التي تقوم بتحريرها و إخراجها على النحو الذي يتفق مع سياستها، فما أشبه وكالة الأنباء بالمطاحن التي تنتج الدقيق و تبيعه لتاجر التجزئة و هي الصحيفة و الإذاعة. و هذه الأخيرة تقوم بتحويل هذا الدقيق إلى فطائر و حلوة وفقا لاحتياجات مستهلكيها القراء. و فضلا عن الأخبار تقوم الوكالات بإعداد الصور و التحقيقات و المقالات، كما توجد وكالات الأنباء متخصصة في موضوعات معينة كالعلوم أو الذين مثلا. فوكالة الأنباء اتخذت اسمها من طبيعة عملها كوكيل أو ممثل للصحف، و هو بمثابة جمعية تعاونية تشترك فيها الصحف لجمع الأخبار، لأن كل صحيفة بمفردها لا تستطيع أن تقوم بهذا العمل، و لابد من المشاركة في النفقات كما أنه لا يمكننا أن ننكر أن نقل الأحداث في المجتمع المتحضر وظيفة رئيسة مستقلة، فالمجتمع بحاجة دائمة إلى نقل الرسائل الإعلامية، و معرفتها لكي يكيف نفسه مع الظروف المحيطة به، و لضمان الوصول إلى حلول للمشكلات التي يتعرض لها و إشباع الاحتياجات التي يواجهها، فالصحفي يعمل كوكيل أو نقل للجمهور لاختيار المعلومات التي تهم هذا الجمهور و ينقلها إليه، و كلما اتسع نطاق الأحداث تعذر على الصحفي المحلي أن يعطيها، و هكذا كانت ضرورة الالتجاء إلى وكيل آخر يعمل في محيط أكثر اتساعا، و من هنا جاءت نشأة وكالة الأنباء.
• المكاتب و السلاسل و الاتحادات: و قد مرت وكالات الأنباء بعدة مراحل حتى أصبحت في صورتها الحديثة المعروفة، ففي الماضي كان يمكن أن يقوم شخص واحد أو اثنان بادرة صحيفة و كتابة مقالاتها و جمع أخبارها، و تزويدها بالإعلانات القصيرة، أما الآن و بعد أن امتدت أسلاك الاتصال عبر العالم بالطريقة التي سبق ذكرها و بدأت الصحف تتخذ لها مراسلين في أماكن متعددة يسرقون لها الأخبار، و عندما تبين أنه لا معنى لصرف نفقات باهظة على هؤلاء المراسلين الذي كانوا يحاكون بعضهم بعضا، أصبح من الواضح أن توفير الجهد و المال مرتبط بتنمية الكفاية الإنتاجية عن طريق الاتحادات التجارية أو الجمعيات التعاونية التي تكرس أعمالها في جمع الأخبار و المعلومات. و نقلها إلى الصحف وكالة عنها. و قد اتخذت هذه الفكرة أشكالا متعددة. كان أحدها السلسلة التي تربط بين الصحف بالشراء أو الضم، و لعل أشهر تلك السلاسل سلسلة الصحف " سكريبس " التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر في أمريكا، و تم بالفعل توفير مبالغ ضخمة، و قد كان من الممكن لمكتب واحد متخصص في جمع الأخبار أن يزود جميع السلسلة بالأنباء و لا شك أن هذه المكاتب الإخبارية كانت تستطيع إلى جانب جمع الأخبار أن تعرض أجورا عالية على كبار الكتاب فتستكتبهم مقالات للشرح أو للتفسير أو حتى الترفيه. و في البداية بدت مزايا السلاسل فائقة. و توقع البعض قيام سلاسل من مئات الصحف، بينما عارض البعض هذا الاتجاه، و لكنهم أدركوا انه لا سبيل إلى تجنبه، و في الوقت نفسه كانت تظهر عمليات صحفية تقوم على أساس المشاركة في النفقات. و قد كانت اتحادات الصحف مشكلا آخر من أشكال التعاون و التجمع، و مثال ذلك أنه في سنة 1848 قامت ست صحف أمريكية في مدينة نيويورك بإنشاء الاتحاد الصحفي المعروف " الأسوشيتد برس " كوسيلة للاشتراك في تحمل نفقات الأنباء التلغرافية، وظلت كل صحيفة منها مستقلة، و لكنها كانت تحصل على الخامات المنظمة التي شكلها هذا الاتحاد ثم نأت اتحادات مماثلة في مدن أخرى، و في عام 1893انظمت عدة اتحادات و كونت " الأسوشيتد برس " الحديثة و هي اليوم تمد آلاف الصحف بالأخبار في جميع أنحاء العالم. و قد ترتب على قيام المكاتب و الاتحادات و الوكالات ارتفاع كبير في نسبة التشابه و النمطية، فالصور و الأخبار تظهر بنفس الشكل بالضبط في عدد لا يحصى من الصحف، و غالبا ما نجد هذا موضوعا للنقد ضد الوكالات. غير أنه منا ناحية أخرى نجد هذه الهيئات و الاتحادات هي التي منحت الصحف المستقلة فرصة الحياة والبقاء، فلولاها لما أمكن للصحف أن تواصل نشاطاها الإخباري. كما نظم الاتحادات لا تقتصر على العمل الإخباري وحده، فهناك مكاتب تزود الصحف بالموضوعات على أساس النفقات الموزعة، و من هذه المكاتب تستطيع الصحف أن تشتري المقالات و التحليلات و التعليقات و الروايات المسلسلة و الأعمدة و النكات و الفكاهات و المقالات الافتتاحية. و تسعى الاتحادات الصحفية و المكاتب على تنوعها و تخصصها إلى الوقوف في وجه الدافع الأصلي القائم وراء السلسلة الصحفية، فهي تقدم نفس المزايا الاقتصادية دون مسامن بالاستقلال المحلي. و في الأخير يبدو واضحا دور الاتحادات و المكاتب الصحفية على طبيعة الصحيفة العادية، بحيث أصبح في إمكان كل صحيفة محلية أن ملأ صفحاتها يفيض من المادة الصحفية الموحدة التي يتم إنتاجها على نطاق واسع و لكن الصحيفة تستطيع أن تستغل إمكانياتها المحلية إلى جانب خدمات الاتحادات و المكاتب. و لقد يتبني أملها الطويل المدى على حسن استغلالها لهذا الوضع و استغلال الفرصة السائحة أملها لتنمية شخصيتها الفردية و مع ذلك تبقى المواد المودة هي العمود الفقري الاقتصادي.
• الإنتاج و التوزيع و الإعلان: ينبغي الإشارة هنا إلى وظائف الإنتاج و التوزيع و الإعلان باعتبار أن كل وظيفة منها متميزة عن الأخرى، فالمكاتب الصحفية هي منظمات للتوزيع، لذا يجب أن نفرق بين وحدات التوزيع ووحدات الإنتاج ووحدات التوزيع. فقد يكون منتج الموضوع الذي توزعه المكاتب ناشر كتب أو ناشر مجلة أو شركة معينة و هناك عدد كبير من هذه الأجهزة العاملة على إنتاج مواد للتوزيع عن طريق المكاتب الصحفية.و هكذا نجد أن عالم الإعلام الطباعي يعمل على ثلاث مستويات هي الإنتاج و التوزيع و الإعلان، و تتعامل الصحف مع وكالات الإعلان عن طريق تعيين ممثلين لها في المراكز الكبيرة حيث يقومون ببيع المساحات الإعلانية و التعامل مع وكالات الإعلان و الحصول منها على الإعلانات. و تستطيع وكالات الإعلان أن تزود مئات الصحف بما تحتاجه في إعلانات.
و من ثم نرى أن المكاتب الإخبارية و السلاسل و اتحادات الصحف و مكاتب الخدمات الصحفية و يرها كانت تقوم بمهمة وكالات الأنباء الحديثة، و لذلك نلاحظ أن أهم هذه الأهداف التي أنشأت هذه المنظمات لتحقيقها هي نفس الأهداف التي تسمى وكالات الأنباء للوصول لأيهاـ و لعل أهم هذه الأهداف تحقيق الموازنة بين دخل الصحيفة و مصروفاتها عن طريق اشتراك دور الصحف ووسائل الإعلام في تحمل نفقات الحصول على الأخبار بما تدفعه من اشتراكات لوكالات الأنباء أو ما يقوم مقامها من اتحادات و مكاتب خدمات و غيرها.
ومن هذه الأهداف كذلك و الاستفادة من الإمكانيات الفنية و التكنولوجية، بل و إمكانيات الأفراد، إذ تستخدم وكالات الأنباء أعدادا كبيرة جدا من العاملين سواء من الصحفيين أو المراسلين أو المترجمين أو المحررين أو الفنيين أو الإداريين و هي إمكانيات يمكن أن تتوفر لدى وكالة الأنباء أو السلسلة الصحفية أو الاتحاد في حين لا يمكن بأي حال توافر ما لدى صحيفة بمفردها مهما بلغ مقدار تقدمها، هذا فضلا عن تحقيق عوامل السبق و السرعة و الحالية و هي جميعا ذات أهمية بالغة الصحافة و الإعلام بوجه عام. ومهما كان الأمر فإن أهمية وكالات الأنباء و الدور الذي تلعبه فيما يتعلق بإنتاج الأخبار تبادلها لا ينكره أحد. حتى ليمكن القول بأن الوسائل الإعلامية الحديثة لا يمكن أن تعيش بدون وكالات الأنباء، و إذا كان لوسيلة من هذه الوسائل مراسلون في بعض المدن فإن شبكة أنبائها الخاصة لا يمكن أن تكفي لتغطية الأخبار المتعددة التي تتدفق دون توقف دقيقة وراء دقيقة طوال الليل و النهار. و هكذا يمكن القول بأن وسائل الإعلام الحديثة لا تستطيع أن تقوم يعملها، و لا يمكنها أن تنهض بأعبائها الاقتصادية اعتمادا على إمكانياتها الخاصة، بل لابد لها من الاعتماد وكالات الأنباء اعتمادا أساسيا.
• الأساس الاقتصادي لوكالات الأنباء: كما هو الأمر بالنسبة لكافة الصناعات الصحفية الأخرى تحتاج وكالات الأبناء لسند اقتصادي في عملها و هو ما يسمى بالسلسلة أو المجموعة. و معنى ذلك أن وكالات الأنباء تحاول أن توازي بين المصروفات التي تتكفلها و بين مبيعات خدماتها.
حيث نجد سعر التكلفة بالنسبة للخبر الواحد يعتبر مرتفعا و لكن إعادة نقل مثل هذا الخبر إلى العملاء قد يساعد على توفير جزء من نفقاته و لا يتطلب ذلك أن يتحمل كل مستهلك مبلغا مرتفعا، بل يكفي لتحقيق ذلك أن يكون عدد المستهلكين كبيرا بقدر الإمكان و لذلك فإن أكثر الأساليب التي تطبقها وكالات الأنباء شيوعا هو أسلوب الجمعية التعاونية أو الشركة التي توزع على أعضائها تكاليف الخدمات التي تؤديها لهم جميعا بدون تعبير. و بعض الوكالات الكبرى تعمل بالفعل وفقا لهذا النظام و يتضح ذلك أن كل صحيفة أو إذاعة أو أية وسيلة من وسائل الإعلام التي ترغب في الحصول على خدمات وكالة من وكالات الأنباء سواء كانت وكالة عالمية أو محلية أو متخصصة، تسدد اشتراكا معينا إما على أساس النسخة الواحدة سنويا أو على أساس مبلغ معين يدفع شهريا، مع ملاحظة أن دور الصحف و الإذاعات تشترك في أكثر من وكالة من وكالات الأنباء، وذلك حرصا على تنوع الخدمات و مراجعة أخبار كل وكالة على الأخرى.
و أخيرا فإن سوق الإعلام بعيدة عن أن تخضع فقط لإلحاح حاجات العملاء من جهة و تحقيق الإيرادات من جهة أخرى. فالواقع أن هذه السوق لها صدى اجتماعي كبير، حتى أن السلطات الشعبية في الوقت الحالي تقبل عادة أن تعطيها حرية مطلقة في التصرف.
إن هيبة الدول و منافسة بعضها لبعض و الأنظمة التي تحكمها و سيطرتها المباشرة أو غير مباشرة على الشعوب. كل هذه العوامل تشابك مع نشر مع نشر الأنباء و عملها و آثار تداولها، حتى أنه من الممكن التعرض لموضوع وكالات الأنباء و عملها دون الرجوع إلى مشاكل السياسة لعامة و المسائل الدبلوماسية و كما أن تجارة الأنباء غالبا ما تحقق عجزا بشكل أو بآخر حتى ليصعب تصديق الميزانيات المعلنة لوكالات الأنباء الحديثة فإن التدخل العام في شؤون الإعلام لا مفر منه سواء قبلنا أو لم نقبله.
المبحث الخامس: الدور السياسي و الاقتصادي لوكالات الأنباء
تتعامل وكالات الأنباء مع الصحف و الإذاعات و الهيئات في تجارة المعلومات، و هي تجارة لها خصائصها المختلفة تماما عن التجارة العادية للسلع و المنتجات و هي سوق فريدة تؤثر في عقول الناس و نفوسهم. و من هنا تتصل عملية الإعلام بالتغيير الذي يصل إلى حد الثورة فلا غرابة أن تهتم الحكومات اهتماما كبيرا بالأخبار و أجهزتها و أهمها وكالات الأنباء. و لكن الأخبار عن السلع القابلة للغش كأي سلعة أخرى، بل هي أكثر قابلية للغش، إذ يمكن عرضها بكثير من التلوين و التمويه و إساءة القصد و المبالغة بالحذف أو الإضافة، و لذلك كانت أهم معايير العمل الصحفي الناجح في سوق الأخبار هي الدقة و الموضوعية و الحياد، و إن كان هذا الأمر عسيرا جدا نظرا لتداخل عمل الوكالات مع شتى الميادين السياسة و الاقتصادية. و قد بلغت وكالات الأنباء دورا وثيقا الصلة بإستراتيجية الدولة بصفة عامة، كي يرتبط نشاطها اليومي بتكتيكاتها و مناوراتها و دعاياتها. و إذا كان معدن الرجال يعرف في المحن فإذا حقيقة الوكالات تعرف في وقت الأزمات، و كانت الحرب العالمية الأولى أزمة دولية كشفت النقاب عن أعمال وكالات الأنباء و سياستها و اتجاهاتها و مواقفها ، فبعد سنة من نشوب الحرب، اتضح أن الوكالات تعمل صراحة لخدمة المصالح القومية. و عندما استقر الرأي في بريطانيا على ضرورة أن تلعب رويترز دورا وطنيا صريحا إلى جانب قضية الحلفاء عهد إلى رودريك جونس تنفيذ هذه السياسة بادية من عام 1915 و لم يكن الأمر خفيا على أحد و خاصة بعد أن عين رودريك جونس نفسه مدير للدعاية في وزارة الاستعلامات البريطانية و قامت الحكومة بتمويل مشروع الوكالة علينا و إعانتها بمبلغ 120000 جنية سنويا. وعبثا حاولت رويترز إقناع العالم بأنها وكالة محايدة، و لا علاقة لها للحكومة و لكن تحليل البرقيات كان ينطق بخلاف ذلك تماما و أصدرت ألمانيا نشرة سنة 1915 بعنوان " الفناطوكاليتي رويترز و هافاس " كما صورت الصحافية كلادر داش الألمانية و كانت رويترز في عدد خاص سمته " أكاذيب رويترز " و فيه تظهر الوكالة بشكل إنسان عجيب يسير على امتلاك لسانه شفوية تخرج منه نباتات و تماسيح و كائنات غريبة و تحلت الصورة كتب الكذب هو قانون العالم ، و هكذا تعلمنا شبكة رويترز الإخبارية . و عندما قاربت الحرب من نهايتها في أواخر الخريف، نشرت صحيفة برلينر تاجيبلات صيحة مريرة : " أقوى من الأسطول و الجيش و أخطر تلك الوكالة – وكالة رويترز".
بينما لا يختلف الدور الاقتصادي كثيرا عن الدور السياسي و تتضح من خلال أهمية و خطورة الأخبار الاقتصادية التي تعد مهام، و من خلال الخدمات الإعلانية التي تتيحها كذلك. يتبع
لقد أدرك الصحفيون قيمة الأخبار التي كانت تنقل عن طريق التلغراف و التلفون لسد احتياجات الطبقة القارئة الجديدة التي اتسعت اتساعا ضخما بانتشار الصحافة زهيدة الثمن، و هكذا أصبحت الأخبار هي السلعة الرئيسية التي تبيعها الصحف للقراء، و لكنها سلعة غالية الثمن، باهظة التكاليف، و من هنا نشأت ضرورة التعاون بين الصحف لمواجهة هذه النفقات بطريقة تعاونية، و هو الأساس الذي يثبت عليه فكرة وكالة الأنباء الحديثة، و أصبحت مهمة وكالات الأنباء هي تمثيل الصحف أو العمل بالنيابة عنها في أكبر عدد ممكن من المدن و العواصم لمراقبة الأحداث و جمع الأخبار من معظم أنحاء العالم و نقلها إلى الصحف المشتركة في نشراتها فجمع الأخبار و نقلها تكلف الملايين. و لا يمكن تغطية هذه النفقات إلا بتعدد المشتركين من الصحف و المجلات و إذاعات و هيئات مختلفة.و تقوم الوكالة بتغطية الأخبار الأساسية و الحقائق الرئيسية و تبيعها للصحف و الهيئات الإعلامية التي تقوم بتحريرها و إخراجها على النحو الذي يتفق مع سياستها، فما أشبه وكالة الأنباء بالمطاحن التي تنتج الدقيق و تبيعه لتاجر التجزئة و هي الصحيفة و الإذاعة. و هذه الأخيرة تقوم بتحويل هذا الدقيق إلى فطائر و حلوة وفقا لاحتياجات مستهلكيها القراء. و فضلا عن الأخبار تقوم الوكالات بإعداد الصور و التحقيقات و المقالات، كما توجد وكالات الأنباء متخصصة في موضوعات معينة كالعلوم أو الذين مثلا. فوكالة الأنباء اتخذت اسمها من طبيعة عملها كوكيل أو ممثل للصحف، و هو بمثابة جمعية تعاونية تشترك فيها الصحف لجمع الأخبار، لأن كل صحيفة بمفردها لا تستطيع أن تقوم بهذا العمل، و لابد من المشاركة في النفقات كما أنه لا يمكننا أن ننكر أن نقل الأحداث في المجتمع المتحضر وظيفة رئيسة مستقلة، فالمجتمع بحاجة دائمة إلى نقل الرسائل الإعلامية، و معرفتها لكي يكيف نفسه مع الظروف المحيطة به، و لضمان الوصول إلى حلول للمشكلات التي يتعرض لها و إشباع الاحتياجات التي يواجهها، فالصحفي يعمل كوكيل أو نقل للجمهور لاختيار المعلومات التي تهم هذا الجمهور و ينقلها إليه، و كلما اتسع نطاق الأحداث تعذر على الصحفي المحلي أن يعطيها، و هكذا كانت ضرورة الالتجاء إلى وكيل آخر يعمل في محيط أكثر اتساعا، و من هنا جاءت نشأة وكالة الأنباء.
• المكاتب و السلاسل و الاتحادات: و قد مرت وكالات الأنباء بعدة مراحل حتى أصبحت في صورتها الحديثة المعروفة، ففي الماضي كان يمكن أن يقوم شخص واحد أو اثنان بادرة صحيفة و كتابة مقالاتها و جمع أخبارها، و تزويدها بالإعلانات القصيرة، أما الآن و بعد أن امتدت أسلاك الاتصال عبر العالم بالطريقة التي سبق ذكرها و بدأت الصحف تتخذ لها مراسلين في أماكن متعددة يسرقون لها الأخبار، و عندما تبين أنه لا معنى لصرف نفقات باهظة على هؤلاء المراسلين الذي كانوا يحاكون بعضهم بعضا، أصبح من الواضح أن توفير الجهد و المال مرتبط بتنمية الكفاية الإنتاجية عن طريق الاتحادات التجارية أو الجمعيات التعاونية التي تكرس أعمالها في جمع الأخبار و المعلومات. و نقلها إلى الصحف وكالة عنها. و قد اتخذت هذه الفكرة أشكالا متعددة. كان أحدها السلسلة التي تربط بين الصحف بالشراء أو الضم، و لعل أشهر تلك السلاسل سلسلة الصحف " سكريبس " التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر في أمريكا، و تم بالفعل توفير مبالغ ضخمة، و قد كان من الممكن لمكتب واحد متخصص في جمع الأخبار أن يزود جميع السلسلة بالأنباء و لا شك أن هذه المكاتب الإخبارية كانت تستطيع إلى جانب جمع الأخبار أن تعرض أجورا عالية على كبار الكتاب فتستكتبهم مقالات للشرح أو للتفسير أو حتى الترفيه. و في البداية بدت مزايا السلاسل فائقة. و توقع البعض قيام سلاسل من مئات الصحف، بينما عارض البعض هذا الاتجاه، و لكنهم أدركوا انه لا سبيل إلى تجنبه، و في الوقت نفسه كانت تظهر عمليات صحفية تقوم على أساس المشاركة في النفقات. و قد كانت اتحادات الصحف مشكلا آخر من أشكال التعاون و التجمع، و مثال ذلك أنه في سنة 1848 قامت ست صحف أمريكية في مدينة نيويورك بإنشاء الاتحاد الصحفي المعروف " الأسوشيتد برس " كوسيلة للاشتراك في تحمل نفقات الأنباء التلغرافية، وظلت كل صحيفة منها مستقلة، و لكنها كانت تحصل على الخامات المنظمة التي شكلها هذا الاتحاد ثم نأت اتحادات مماثلة في مدن أخرى، و في عام 1893انظمت عدة اتحادات و كونت " الأسوشيتد برس " الحديثة و هي اليوم تمد آلاف الصحف بالأخبار في جميع أنحاء العالم. و قد ترتب على قيام المكاتب و الاتحادات و الوكالات ارتفاع كبير في نسبة التشابه و النمطية، فالصور و الأخبار تظهر بنفس الشكل بالضبط في عدد لا يحصى من الصحف، و غالبا ما نجد هذا موضوعا للنقد ضد الوكالات. غير أنه منا ناحية أخرى نجد هذه الهيئات و الاتحادات هي التي منحت الصحف المستقلة فرصة الحياة والبقاء، فلولاها لما أمكن للصحف أن تواصل نشاطاها الإخباري. كما نظم الاتحادات لا تقتصر على العمل الإخباري وحده، فهناك مكاتب تزود الصحف بالموضوعات على أساس النفقات الموزعة، و من هذه المكاتب تستطيع الصحف أن تشتري المقالات و التحليلات و التعليقات و الروايات المسلسلة و الأعمدة و النكات و الفكاهات و المقالات الافتتاحية. و تسعى الاتحادات الصحفية و المكاتب على تنوعها و تخصصها إلى الوقوف في وجه الدافع الأصلي القائم وراء السلسلة الصحفية، فهي تقدم نفس المزايا الاقتصادية دون مسامن بالاستقلال المحلي. و في الأخير يبدو واضحا دور الاتحادات و المكاتب الصحفية على طبيعة الصحيفة العادية، بحيث أصبح في إمكان كل صحيفة محلية أن ملأ صفحاتها يفيض من المادة الصحفية الموحدة التي يتم إنتاجها على نطاق واسع و لكن الصحيفة تستطيع أن تستغل إمكانياتها المحلية إلى جانب خدمات الاتحادات و المكاتب. و لقد يتبني أملها الطويل المدى على حسن استغلالها لهذا الوضع و استغلال الفرصة السائحة أملها لتنمية شخصيتها الفردية و مع ذلك تبقى المواد المودة هي العمود الفقري الاقتصادي.
• الإنتاج و التوزيع و الإعلان: ينبغي الإشارة هنا إلى وظائف الإنتاج و التوزيع و الإعلان باعتبار أن كل وظيفة منها متميزة عن الأخرى، فالمكاتب الصحفية هي منظمات للتوزيع، لذا يجب أن نفرق بين وحدات التوزيع ووحدات الإنتاج ووحدات التوزيع. فقد يكون منتج الموضوع الذي توزعه المكاتب ناشر كتب أو ناشر مجلة أو شركة معينة و هناك عدد كبير من هذه الأجهزة العاملة على إنتاج مواد للتوزيع عن طريق المكاتب الصحفية.و هكذا نجد أن عالم الإعلام الطباعي يعمل على ثلاث مستويات هي الإنتاج و التوزيع و الإعلان، و تتعامل الصحف مع وكالات الإعلان عن طريق تعيين ممثلين لها في المراكز الكبيرة حيث يقومون ببيع المساحات الإعلانية و التعامل مع وكالات الإعلان و الحصول منها على الإعلانات. و تستطيع وكالات الإعلان أن تزود مئات الصحف بما تحتاجه في إعلانات.
و من ثم نرى أن المكاتب الإخبارية و السلاسل و اتحادات الصحف و مكاتب الخدمات الصحفية و يرها كانت تقوم بمهمة وكالات الأنباء الحديثة، و لذلك نلاحظ أن أهم هذه الأهداف التي أنشأت هذه المنظمات لتحقيقها هي نفس الأهداف التي تسمى وكالات الأنباء للوصول لأيهاـ و لعل أهم هذه الأهداف تحقيق الموازنة بين دخل الصحيفة و مصروفاتها عن طريق اشتراك دور الصحف ووسائل الإعلام في تحمل نفقات الحصول على الأخبار بما تدفعه من اشتراكات لوكالات الأنباء أو ما يقوم مقامها من اتحادات و مكاتب خدمات و غيرها.
ومن هذه الأهداف كذلك و الاستفادة من الإمكانيات الفنية و التكنولوجية، بل و إمكانيات الأفراد، إذ تستخدم وكالات الأنباء أعدادا كبيرة جدا من العاملين سواء من الصحفيين أو المراسلين أو المترجمين أو المحررين أو الفنيين أو الإداريين و هي إمكانيات يمكن أن تتوفر لدى وكالة الأنباء أو السلسلة الصحفية أو الاتحاد في حين لا يمكن بأي حال توافر ما لدى صحيفة بمفردها مهما بلغ مقدار تقدمها، هذا فضلا عن تحقيق عوامل السبق و السرعة و الحالية و هي جميعا ذات أهمية بالغة الصحافة و الإعلام بوجه عام. ومهما كان الأمر فإن أهمية وكالات الأنباء و الدور الذي تلعبه فيما يتعلق بإنتاج الأخبار تبادلها لا ينكره أحد. حتى ليمكن القول بأن الوسائل الإعلامية الحديثة لا يمكن أن تعيش بدون وكالات الأنباء، و إذا كان لوسيلة من هذه الوسائل مراسلون في بعض المدن فإن شبكة أنبائها الخاصة لا يمكن أن تكفي لتغطية الأخبار المتعددة التي تتدفق دون توقف دقيقة وراء دقيقة طوال الليل و النهار. و هكذا يمكن القول بأن وسائل الإعلام الحديثة لا تستطيع أن تقوم يعملها، و لا يمكنها أن تنهض بأعبائها الاقتصادية اعتمادا على إمكانياتها الخاصة، بل لابد لها من الاعتماد وكالات الأنباء اعتمادا أساسيا.
• الأساس الاقتصادي لوكالات الأنباء: كما هو الأمر بالنسبة لكافة الصناعات الصحفية الأخرى تحتاج وكالات الأبناء لسند اقتصادي في عملها و هو ما يسمى بالسلسلة أو المجموعة. و معنى ذلك أن وكالات الأنباء تحاول أن توازي بين المصروفات التي تتكفلها و بين مبيعات خدماتها.
حيث نجد سعر التكلفة بالنسبة للخبر الواحد يعتبر مرتفعا و لكن إعادة نقل مثل هذا الخبر إلى العملاء قد يساعد على توفير جزء من نفقاته و لا يتطلب ذلك أن يتحمل كل مستهلك مبلغا مرتفعا، بل يكفي لتحقيق ذلك أن يكون عدد المستهلكين كبيرا بقدر الإمكان و لذلك فإن أكثر الأساليب التي تطبقها وكالات الأنباء شيوعا هو أسلوب الجمعية التعاونية أو الشركة التي توزع على أعضائها تكاليف الخدمات التي تؤديها لهم جميعا بدون تعبير. و بعض الوكالات الكبرى تعمل بالفعل وفقا لهذا النظام و يتضح ذلك أن كل صحيفة أو إذاعة أو أية وسيلة من وسائل الإعلام التي ترغب في الحصول على خدمات وكالة من وكالات الأنباء سواء كانت وكالة عالمية أو محلية أو متخصصة، تسدد اشتراكا معينا إما على أساس النسخة الواحدة سنويا أو على أساس مبلغ معين يدفع شهريا، مع ملاحظة أن دور الصحف و الإذاعات تشترك في أكثر من وكالة من وكالات الأنباء، وذلك حرصا على تنوع الخدمات و مراجعة أخبار كل وكالة على الأخرى.
و أخيرا فإن سوق الإعلام بعيدة عن أن تخضع فقط لإلحاح حاجات العملاء من جهة و تحقيق الإيرادات من جهة أخرى. فالواقع أن هذه السوق لها صدى اجتماعي كبير، حتى أن السلطات الشعبية في الوقت الحالي تقبل عادة أن تعطيها حرية مطلقة في التصرف.
إن هيبة الدول و منافسة بعضها لبعض و الأنظمة التي تحكمها و سيطرتها المباشرة أو غير مباشرة على الشعوب. كل هذه العوامل تشابك مع نشر مع نشر الأنباء و عملها و آثار تداولها، حتى أنه من الممكن التعرض لموضوع وكالات الأنباء و عملها دون الرجوع إلى مشاكل السياسة لعامة و المسائل الدبلوماسية و كما أن تجارة الأنباء غالبا ما تحقق عجزا بشكل أو بآخر حتى ليصعب تصديق الميزانيات المعلنة لوكالات الأنباء الحديثة فإن التدخل العام في شؤون الإعلام لا مفر منه سواء قبلنا أو لم نقبله.
المبحث الخامس: الدور السياسي و الاقتصادي لوكالات الأنباء
تتعامل وكالات الأنباء مع الصحف و الإذاعات و الهيئات في تجارة المعلومات، و هي تجارة لها خصائصها المختلفة تماما عن التجارة العادية للسلع و المنتجات و هي سوق فريدة تؤثر في عقول الناس و نفوسهم. و من هنا تتصل عملية الإعلام بالتغيير الذي يصل إلى حد الثورة فلا غرابة أن تهتم الحكومات اهتماما كبيرا بالأخبار و أجهزتها و أهمها وكالات الأنباء. و لكن الأخبار عن السلع القابلة للغش كأي سلعة أخرى، بل هي أكثر قابلية للغش، إذ يمكن عرضها بكثير من التلوين و التمويه و إساءة القصد و المبالغة بالحذف أو الإضافة، و لذلك كانت أهم معايير العمل الصحفي الناجح في سوق الأخبار هي الدقة و الموضوعية و الحياد، و إن كان هذا الأمر عسيرا جدا نظرا لتداخل عمل الوكالات مع شتى الميادين السياسة و الاقتصادية. و قد بلغت وكالات الأنباء دورا وثيقا الصلة بإستراتيجية الدولة بصفة عامة، كي يرتبط نشاطها اليومي بتكتيكاتها و مناوراتها و دعاياتها. و إذا كان معدن الرجال يعرف في المحن فإذا حقيقة الوكالات تعرف في وقت الأزمات، و كانت الحرب العالمية الأولى أزمة دولية كشفت النقاب عن أعمال وكالات الأنباء و سياستها و اتجاهاتها و مواقفها ، فبعد سنة من نشوب الحرب، اتضح أن الوكالات تعمل صراحة لخدمة المصالح القومية. و عندما استقر الرأي في بريطانيا على ضرورة أن تلعب رويترز دورا وطنيا صريحا إلى جانب قضية الحلفاء عهد إلى رودريك جونس تنفيذ هذه السياسة بادية من عام 1915 و لم يكن الأمر خفيا على أحد و خاصة بعد أن عين رودريك جونس نفسه مدير للدعاية في وزارة الاستعلامات البريطانية و قامت الحكومة بتمويل مشروع الوكالة علينا و إعانتها بمبلغ 120000 جنية سنويا. وعبثا حاولت رويترز إقناع العالم بأنها وكالة محايدة، و لا علاقة لها للحكومة و لكن تحليل البرقيات كان ينطق بخلاف ذلك تماما و أصدرت ألمانيا نشرة سنة 1915 بعنوان " الفناطوكاليتي رويترز و هافاس " كما صورت الصحافية كلادر داش الألمانية و كانت رويترز في عدد خاص سمته " أكاذيب رويترز " و فيه تظهر الوكالة بشكل إنسان عجيب يسير على امتلاك لسانه شفوية تخرج منه نباتات و تماسيح و كائنات غريبة و تحلت الصورة كتب الكذب هو قانون العالم ، و هكذا تعلمنا شبكة رويترز الإخبارية . و عندما قاربت الحرب من نهايتها في أواخر الخريف، نشرت صحيفة برلينر تاجيبلات صيحة مريرة : " أقوى من الأسطول و الجيش و أخطر تلك الوكالة – وكالة رويترز".
بينما لا يختلف الدور الاقتصادي كثيرا عن الدور السياسي و تتضح من خلال أهمية و خطورة الأخبار الاقتصادية التي تعد مهام، و من خلال الخدمات الإعلانية التي تتيحها كذلك. يتبع
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام