الإعلام الإسلامي (دراسة في المفاهيم والأصول ).doc
الإعلام الإسلامي
(دراسة في المفاهيم والأصول والخصائص)
د. محمد موسى البر()
الفصل الأول
مفاهيم إسلامية
أولاً: مفهوم الإعلام في اللُّغة:
الإعلام قديم النشأة، صَاحَبَ الجماعة البشرية منذ تكوينها، وتطوَّر بتطوُّر الفكر البشري، إلى أنْ وصل إلينا في عصرنا الحاضر بسبب التقدُّم العلمي والصناعي، ولكن جوهره الذي يقوم عليه والدعامة التي يرتكز عليها هي "الكلمة" منطوقة أو مكتوبة أو ما ينوب عنها من أصوات ورموز.
ويمكن تعريفه بأنَّه: "تبليغ ما يراد تبليغه بوسيلة الكلام أو ما يقوم مقامه من رموز وإشارات"( ).
والإعلام في اللُّغة مشتق من أَعْلَمَ، يقال: أَعْلَمَهُ إِعْلامَاً، بمعنى أخبره إخباراً( ).
والمعروف أنَّ الإعلام قديم قِدَمَ الإنسان وقِدَم المجتمع البشري، فمنذ أنْ وُجد الإنسان على هذا الكوكب استخدم بعض الحركات، الشكل البدائي للإعلام قبل أنْ يهتدي الإنسان إلى اللُّغة ثم وٌجِد الإعلام بشكله البسيط.
نقل الأخبار والمعلومات بصورة موضوعية، فالإعلام من حيث اللُّغة يعني إخبار أو إطلاع الآخرين، ويحوي معنى التعليم، وهو يعني بالإنجليزية
(Information) أي المعلومات( ).
جاء في "معجم محيط المحيط" لبطرس البستاني: "الإعلام في اللُّغة مصدر أَعْلَمَ وأَعْلَمت كأذْنيْتُ، ويقال: استَعلِمْ لي خَبَر فَلان وأعلِمْنيه حتى أعْلَمَه واستعلمني الخبر، وأعْلَمَ الفارسُ جعل لنفسه علامة الشجعان، وأعلَمَ الفرسَ علَّق عليه صوفاً أحمر أو أبيض في الــحرب، وأعلَـَـم نَفْسَـه وسمها بسيما الحرب"( ).
والإعلام كذلك في اللُّغة: التبليغ، يقال: بلغت القوم بلاغاً، أي أوصلتهم الشيء المطلوب، يقول الله تعالى ( ).
الإعلام غير التعليم، لأنَّ الإعلام اختص بما كان من إخبار سريع، أمَّا التعليم فينطوي على التكرار والتكثير، [القاموس المحيط، فصل العين، باب الميم].
فأعَلَم معناها أخبر أو عرَّف، واستعلَمه الخبر، أي استخبره إياه.
وأصل كلمة "إعلام" إنَّها مصدر من أعلم، ومعناها وضع علامة على كل شيء، قال العرب: أعلم الفارسُ، أي علَّق عليه صوفاً ملوناً في الحرب، وأعلم نفسه، أي وسمها بسيما الحرب.
ومعنى الإعلام هو وضع العلامة على شيء لإظهاره وإبرازه.
ويمكن القول: إنَّ وضع العلامة على الشيء إنَّما هو وسيلة للكشف عن معرفة لدى واضعها يريد أنْ يظهرها للناس ويطلعهم عليها ويعمها بينهم، فالإعلام ينطوي على الكشف عن المعلومات والمعارف والاتجاهات وإبرازها للناس( ).
ثانياً: مفهوم الإعلام في الاصطلاح:
نستعرض بعض التعريفات الاصطلاحية:
[1] الإعلام هو: "إحاطة الرأي العام علماً بما يجري من أمور وحوادث سواء في الشئون الداخلية أو الخارجية"( ).
[2] هو: "نشر الأخبار والآراء على الجماهير"( ).
[3] "تزويد الناس بالأخبار الصادقة والمعلومات الصحيحة والحقائق الثابتة التي تساعد الناس على تكوين رأي صائب في واقعة معينة"( ).
[4] "النقل الحر والموضوعي للأخبار والمعلومات بإحدى الوسائل الإعلامية أو أنَّه نقل الأخبار والوقائع بصورة صحيحة"( ).
إذا كان لفظ الإعلام قد شاع في هذه الأيام كنتاج لحضارة العصر وإمكانية الاتصالية، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّ الإعلام كظاهرة اجتماعية فن مستحدث، وإنما يضرب بجذوره في مراحل التطور الإنساني متطوراً منها مجرداً في وسائله، محققاً لأهدافه النابعة من احتياجات الجماعات البشرية، فما يزال الرجال والنساء ـ كما يقول ولبور شرام ـ يٌحَيّون أصدقاءهم في الشارع، ولكن أصبح من المألوف أيضاً أنْ يحيي المرء صديقه بالبريد أو التلفون، وأنْ يوجِّه زعيم وطني تحياته للسكان جميعاً عن طريق الإذاعة... ما يزال الناس يعقدون الصفقات ويبيعون ويشترون، وقد نشأ حول نظام المقايضة القديم إعلام ضخم معقد للشراء والبيع والإقراض والاقتراض والإعلان ونقل تقارير الأسعار، كذلك تحوَّل الكثيرون من مستوى الترفيه العام الذي كان مجاله الغناء الشعبي ورقص القبيلة إلى الأجهزة الجماهيرية وغيرها من المستحدثات العصرية( ).
ثالثاً: مفهوم الإعلام الإسلامي:
[1] تزويد الجماهير بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله بصورة مباشرة أو من خلال وسيلة إعلامية عامة بوساطة قائم بالاتصال لديه خلفية واسعة متعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها، وذلك بغية تكوين رأى عام صائب يعنى بالحقائق الدينية وترجمتها في سلوكه ومعاملاته( ).
[2] الأصل في الإعلام الإسلامي انَّه إعلام عام غير متخصص لمجتمع مسلم أو دولة إسلامية أو حكومة إسلامية، لكن الواقع لمجتمعاتنا الإسلامية يحتم علينا القول بأنَّ الإعلام الإسلامي في ظروفنا المعاصرة هو صورة من صور الإعلام المتخصص، وهو الإعلام الديني( ).
[3] إنَّ مفهوم الإعلام الإسلامي؛ إعلام عام في محتواه ووسائله يلتزم في كل ما ينشره أو يذيعه أو يعرضه على الناس بالتصوُّر الإسلامي للإنسان والكون والحياة المستمدة أساساً من القرآن الكريم وصحيح السُّـنَّة النبوية وما ارتضته الأُمَّة من مصادر التشريع في إطارها( ).
الدين الإسلامي دين إعلامي بطبيعته، لأنَّه يقوم على الإفصاح والبيان بعكس بعض الأديان الأخرى كاليهودية مثلاً التي لا تختص برسالة وتتذرع بالكتمان والسرية ( ).
كما يُعرَّف الإعلام الإسلامي بأنَّه: "استخدام منهج إسلامي بأسلوب فني إعلامي يقوم به مسلمون عالمون عاملون بدينهم متفقهون لطبيعة الإعلام ووسائله الحديثة وجماهيره المتباينة مستخدمون تلك الوسائل المتطورة لنشر الأفكار المتحضرة والأخبار الحديثة والقيم والمبادئ والمُثُل للمسلمين ولغير المسلمين في كل زمان ومكان في إطار الموضوعية التامة بهدف التوجيه والتوعية والإرشاد لإحداث التأثير المطلوب"( ).
يُعَدُّ هذا التعريف الأخير من أحسن التعاريف لمفهوم الإعلام الإسلامي، ذلك لأنَّه يشمل كافة مواصفات ووظائف الإعلام الإسلامي، غير أنَّه لا يقلل من قيمة التعاريف السابقة.
رابعاً: مفهوم الدّعاية:
يرى صاحب كتاب "لسان العرب" إنَّ الدّعاية والدّعوة مترادفتان، حيث يقول في كتابه إلى هرقل: "أدعوك بدعاية الإسلام"، أي بدعوته، وهي كلمة الشهادة التي يُدْعى لها أهل الملل الأخرى الكافرة.
وفي رواية: "بداعية الإسلام"، وهو مصدر بمعنى الدعوة، كالعاقبة والعقبى، ودعا الرجل دعواً ودعاءً ناداه، والاسم الدعوة، ودعوت فلاناً، أي صحت به واستدعيته.
والدّعاية يُقصد بها: "عملية الإشارة النفسية بقصد الوصول إلى تلاعب معين في النطق، فإذا بنا إزاء استجابة ما يمكن أنْ يحدث لو لم تحدث هذه الإشارة العاطفية". والدعاية بهذا المعنى لا تفترض سوى التلاعب بالمنطق، وكما تتجه إلى الصديق فإنَّها تتجه إلى غير الصديق( ).
وتشترك الدعاية مع التعليم والإعلام والتوعية في هدف التأثير في اتجاهات الرأي العام، بيد أنَّها تختلف عنهم في محاولتها خلق رأي عام مستنير تستطيع أنْ تفعل فيه غايتها التأثيرية في الأفراد والجماعات للوصول إلى نتائج معينة تسعى إليها الجهة القائمة بالدعاية دون الاهتمام بالوسائل التي تؤدي هذه الغاية.
وقد عرَّفها الترليبيان بأنَّها: "محاولة التأثير في عقول الجماهير ونفوسهم والسيطرة على سلوكهم لأغراض مشكوك فيها بتعابير غير علمية أو مشكوك فيها في مجتمع معين وفي زمن معين، وهي قد تلجأ في سبيل تحقيق أغراضها إلى الكذب والتضليل وتكوين الأخبار وإخفاء مصادرها لتحقيق انقياد الجماهير تطبيقياً خلف أهدافها"( ).
ويرى الدكتور/ عبد اللطيف حمزة أنَّ الدعاية هي: "محاولة التأثير في الأفراد والجماهير والسيطرة على سلوكهم لأغراض مشكوك فيها، وذلك في مجتمع معين، وزمان معين، وبهدف معين"( ).
الفصل الثاني
أصول الإعلام الإسلامي
الإعلام موجود منذ أنْ فتح الإنسان عينيه على حقائق الحياة، وهو موجود منذ بدأ البشر يتعرفون على بعضهم البعض ( ).
الإعلام بدأ مع رسول الله ، ونعني به الإعلام الإسلامي، قال تعالى ( ).
وقبل ذلك نماوال الوحي بالبيان الإعلامي: ( ).
ولأنَّ الإسلام دين الإنسانية كافة، فقد كان منذ أمر الله سبحانه وتعالى الرسول أنْ يجهر بالدعوة، دعوة تلتمس سبيلها إلى القلوب (الموعظة الحسنة)، والكلمة الطيبة، والنذير المخلص.
لقد بدأ الرسول باختياره للرسالة عن طريق الرؤى الصحيحة فكانت تأتيه هادفة موجهة مستمرة بالنبأ العظيم.
جاء الوحي لرسول الله في حراء يقول الله تعالى كانت هذه فاتحة الوحي، وهي وسيلة من وسائل الإعلام، ذلك أنَّ جبريل عليه السلام لمَّا قال له: (اقرأ) قال: (ما أنا بقارئ) فكان جواب جبريل عليه السلام: . فعلم رسول الله مهمته السامية بإعلام من المَلَك.
وتوالت الأحداث وتتابعت وتتابع إعلام الملك لرسول الله بقواعد هذا الدين العظيم، هو الدين الإسلامي بقواعده، وأحكامه، وقصصه.
لقد كان الرسول أُمِّيَّاً، ولكنه الأُمَّيِّ الذكي، فقد درس وبحث، فقد بدأ يعلم الناس هذا الدين، فأعلم به ـ أول ما أعلم ـ زوجته السيدة خديجة، ثم علي بن أبي طالب، ثم صعد سطح سلع (جبل بمكة) في مشهد إعلامي أصيل، وهتف رسول الله بأعلى صوته: (يا معشر قريش.. إنِّي رسول الله إليكم فآمنوا بالله ورسوله). على هذه الصورة البسيطة الواضحة، أعلم رسول الله علية أهله وقومه بهذه الرسالة( ).
الطور السري للدعوة الإسلامية في مكة طور قصير استثنائي، ومن ثم بدأت مسيرة الإسلام الإعلامية والإعلانية. فالعلن هو منهج الوحي وأسلوبه في خطاب الناس ونشر الحقائق ، فالوحي هو النبأ العظيم ( ).
والنبأ لا يكون خفية ولا سراً، لأنَّ طبيعته الظهور والعلانية، والإنباء هو الإعلام بكلام الله تعالى، وهو وظيفة الرسل ( )،و ، ( )،و ( )، ( ).
ويتفق خبراء الإعلام على أنَّ الإعلام إنَّما هو رسالة بما ينطوي عليه هذا التعبير من شعب مترابطة:
[1] جهة البث والإرسال.
[2] جهة التلقي والاستقبال.
[3] موضوع البث أو محتوى الرسالة.
[4] حامل الرسالة.
والإسلام بطبيعته وبمقياس هذا المفهوم المتفق عليه رسالة إعلامية بالمعنى العلمي للتعبير، فالله سبحانه وتعالى هو المرسل ( )، والناس هم جهة التلقي والإرسال ( )، والحق هو مضمون الرسالة ( ) وحامل الرسالة هو رسول
الله ( ) ومعروف أنَّ الراغب في الإسلام يبدأ فيه بموقف إعلامي مشهود ويتلفظ بالشهادة: أشهد ألا إله إلاَّ الله، وفي الحج رفع الصوت بالتلبية إعلام فردي وجماعي على طاعة الله والتزام أمره، إذ ليس لله حاجة في أنْ يرفع المؤمنون أصواتهم بالتلبية فهو سميع عليم يعلم العلني ويعلم السر وأخفى، ولكن الإعلام بذلك ينبثق من طبيعة الإسلام الإعلامية وجمعه المعجز بين الإخلاص الخفي والمظهر العلني، لقد كان القرآن آية الإعلام في نشر الدعوة الإسلامية.
الثابت أنَّ القرآن كتاب إعلامي نماوال بالحق لتحقيق غرض معين، هو الدعوة إلى الله تعالى، وتثبيت عقيدة الوحدانية، ووضع التشريعات التي تٌنَظَم بها شئون الدنيا والآخرة، سالكاً في ذلك جملة من الوسائل، منها: الحوار المنطقي، والقصة، والموعظة الحسنة، ومناقشة المواقف والقضايا التي تعرض للناس.
ولمَّا كان الإعلام علماً يحتاج إلى ثقافة عامة ومتنوعة تستوعب كل اهتمامات الإنسان بقدر معلوم؛ فإنَّ في وسعنا القول بأنَّ القرآن قد جمع في دفتيه الأطراف المطلوبة لهذه الثقافة المتنوعة.
الدين الإسلامي دين إعلامي بطبيعته، لأنَّه يقوم على الإفصاح والبيان بعكس بعض الأديان الأخرى ـ كاليهودية مثلاً ـ التي لا تختص برسالة وتتذرع بالكتمان والسرية ( ). ولذلك من طبيعة هذا الدين تنبثق أصول الإعلام الإسلامي( ).
لقد وجَّه الأمر بالإعلام عن هذا الدين وتبليغه البشرية إلى الرسول للدعوة في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أمراً للناس جميعاً بعموم التكليف والاقتداء بالرسول ( ).
والذي يقرأ القرآن بتدبُّر يقف حتماً عند الآيات الكثيرة التي تحدثت عن البلاغ والإنذار والتبشير والإخبار، ويكفي أنْ نعلم أنَّ الآيات التي استعملت كلمة (أعلم، وعلم) وما يشتق منها تجاوزت السبعمائة آية، وقد تكررت بقية الكلمات مرات عديدة، ومن هذه الآيات على سبيل المثال: ( )، و ( )، ( ).
القرآن هو الرسالة الإعلامية المقدسة، وهو معجزة الإسلام الخالدة، وهو الدستور الشامل الجامع المنظم لشئون المسلمين في الأمور كلها، ومن ثم هو المرجع الرئيسي للنشاط الإعلامي، ينظم للدعاة خططهم، ويحدِّد مجالات نشاطهم، ويحقق أهدافهم، ويستطيع القائم بالاتصال أنْ ينهل منه ليدعم الحقيقة ويستعين في معالجة قضايا المجتمع المعاصرة.
والباحث المدقق سيجد أنَّ الله تعالى ما بعث رسولاً إلاَّ لإبلاغ العالم برسالة الإسلام، وقد حمل أمانة الدعوة بكل تجرُّد وإخلاص من خلال منهج إعلامي متميز، أبرزته دوائر المعارف العالمية، واعترف به المستشرقون المنصفون.
منهج يجب أنْ نقف عنده لنستخلص منه النتائج والعبر، ونتعرَّف من خلاله على الأساليب التي حقق بها هذا الإنجاز، وهو المنهج الذي حدَّده الحق في قوله عزَّ وجلَّ ( ).
الحقيقة أنَّ الجهود الإعلامية التي أنجزها رسول الله لتكون أصولاً للإعلام الإسلامي، تؤكَّد هذه الجهود الدور الكبير الذي اضطلع به الإعلام في هذا الصدد، وهي جهود استلفتت انتباه الخبراء والباحثين، وقد حدَّد الله تعالى له ركائز هذا المنهج في كلمات دقيقة واضحة لا تحتمل لبساً ولا غموضاً في العديد من الآيات الكريمة، منها قوله عزَّ وجلَّ ( )، وقوله تعالى ( ).
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تصلح أنْ تكون أصلاً من أصول الإعلام الإسلامي( ).
جاء في كتاب: "تاريخ وسائل الاتصال (الجزء الأول)" للدكتور/ سامي عبد العزيز الكومي، الفصل الخامس بعنوان: "الاتصال في العصر الإسلامي الأول".
استعرض هذا الفصل أصول الإعلام الإسلامي، لذا سوف استعرض ما جاء فيه باختصار، بدأ باستعراض البلاغ والدعوة وذكر أنَّ البلاغ في كتب اللُّغة العربية وفي القرآن الكريم من معنى الإعلام في العصر الحديث.
يقول ابن منظور في "لسان العرب": "والإبلاغ الإيصال، وكذلك التبليغ والاسم منه البلاغ، ونقول في هذا: وبلغه وتبلغ، أي كفاية، وبلغت الرسالة، والبلاغ: الإبلاغ".
وفي "المعجم الوسيط": "أبلغه الشيء أو أبلغه إليه: أوصله إليه، والبلاغ: ما يتوصل به إلى الكفاية، ويقال: في هذا الأمر بلاغ، أي كفاية، والبلاغ: ما يذاع في رسالة ونحوها، والبلاغ: مهمة الرسول وأتباعه من بعده".
والبلاغ يشمل: الإقناع والشرح والبيان والتوضيح، ـ وهي مهام الإعلام ـ ووصف البلاغ في القرآن بأنَّه البلاغ المبين، وقد ورد البلاغ في آيات كثيرة في القرآن الكريم منها قول الله تعالى ( )، وقال تعالى
( ).
جاء في كتاب: "الإعلام: قراءة في الإعلام المعاصر والإعلام الإسلامي" تحت عنوان: "مصادر الإعلام الإسلامي" ما يمكن أنْ يكون أصولاً للإعلام الإسلامي، نثبته هنا باختصار.
المصادر المقصود بها الأصول، وهي تتمثل في القرآن الكريم، والسُّـنَّة التي تشرح القرآن وتبيِّن مقاصده.
أولاً: القرآن الكريم:
يُعَدُّ القرآن الكريم المصدر الأول للإعلام الإسلامي، ذلك بما يتضمنه من أحكام، وتعاليم، وآداب، وأخلاق. فيلتزم الإعلام بكل ذلك، وكذلك كل شخص وكل مؤسسة إعلامية.
بالنسبة لهذا المصدر؛ فإنَّه يجعل الرسالة الإعلامية في الإسلام تتسم بالثبات، حيث إنَّ مصدرها الله رب العالمين، بخلاف رسالة الإعلاميين الأخرى، ولذلك فإنَّ دور القائمين بالاتصال هو مجرد نقل وتبليغ الرسالة دون أية إضافة أو تحريف، ولذلك يجب أنْ يكونوا على أعلى درجات الصدق والحذر واليقظة التامة.
وبالنسبة للإعلام الإسلامي؛ لا يكون الالتزام فقط بالقول، وإنَّما بالعمل أحياناً، ومن الضروري بيان وجوب هذا الالتزام وحكمته وآثاره الطيبة من خلال وسائل الإعلام على اختلافها وتنوُّعها، وهذا هو المجال الأول بالنسبة للإعلام.
أمَّا المجال الثاني؛ فهو ندب الناس إلى المثل الأعلى بعد التزامهم بالحد الأدنى أو ندب الناس إلى الفضل بعد أدائهم الحق أو التزامهم به أو ندب الناس إلى التوجيه بعد أدائهم التشريع والتزامهم به، ومن خلال مختلف الوسائل، وهو أمر لا يقدر عليه غير الإعلام.
أمَّا المجال الثالث؛ فهو عرض القصص القرآني والمثل القرآني في حدود ما يسمح به الشرح، وذلك من خلال الوسائل والأساليب الملائمة، وهذا المجال إنْ أحسن استخدامه بغير خروج على القواعد فإنَّه يشغل الناس بالحق بدلاً من أنْ يشغلهم بالباطل، ويؤدي القصص والمثل القرآني دوراً مهماً في التربية وفي التوجيه، بل وفي التشريع( ).
ثانياً: السُّـنَّة والسيرة النبوية:
المعروف أنَّ القرآن جاء مجملاً في قضاياه، ولكن التفصيل والبيان تولته السُّـنَّة، ونشير هنا إلى آيات كثيرة حيث يأمرنا الله بأنْ نطيع الرسول لأنَّ طاعته من طاعة الله، قال تعالى ( )، وقال تعالى ( ).
وما قيل عن الكتاب كمصدر وأصل للإعلام يقال كذلك عن السيرة النبوية، كما يقال عن السُّـنَّة من التزام الأحكام، وبث الالتزام من خلال وسائل الإعلام ورفع الناس إلى المثل الأعلى والإفادة من القصص والأمثال الواردة بالسُّـنَّة.
فإذا عدنا إلى سيرة رسول الله وسيرة تلك النماذج الإسلامية من الصحابة والتابعين نجد فيها المورد الخصب الثر الذي يمكن أنْ تعرضه وسائل الإعلام في حدود المشروع بعيداً عن طريق الترخُّص، والتبذُّل، والإسفاف، والمخالفة الشرعية.
ثالثاً: التجارب والقصص والإنتاج البشري:
وهي تجارب مَنْ سبقونا بالإيمان، وهي تعرض مثلاً وقدوة وعبرة، وتلتزم فيها القواعد الشرعية. فالقصص اعتمد عليها القرآن كوسيلة في سبيل الدعوة والاتصال الجماهيري، وبعد انقطاع الوحي ووفاة الرسول مضى المسلمون في طريقة القصص.
إنَّ قصص القرآن كله صدق، ولكن القصص غيره ربما كان فيه بعض الكذب، وهذا يحتاج إلى تمحيص واجتهاد في شرعيته وإمكانية عرضه والطريقة التي يمكن أنْ يعرض بها.
وهنالك الإنتاج البشري الذي يحتاج إلى الضبط بالقواعد الشرعية والخُلُقية، بحيث لا يعرض ما يتنافى والشرع أو يخدش الأخلاق( ).
الفصل الثالث
خصائص الإعلام الإسلامي
للإعلام الإسلامي خصائص تجعله يختلف عن غيره من أنواع الإعلام. يثبت هنا الباحث الخصائص التي أوردها الدكتور/ محمد منير سعد الدين في كتابه: "الإعلام قراءة في الإعلام المعاصر والإعلام الإسلامي"، وذلك باختصار:
[1] إعلام قاعدته الحرية وقمته المسئولية:
في النظام الإسلامي تُعَدُّ الحرية أساس النظام السياسي، وهي قاعدة لنظامه الإعلامي. والحرية فطرة لا يصادرها الإسلام.
وفي الإعلام الإسلامي إذا كانت قاعدته الحرية؛ فالمسئولية هي قمته، حتى لا تنطلق الحرية بدون ضوابط. ومن هذه الضوابط: العقيدة، والأخلاق، وعدم المساس بالآخرين. وهي خاصية يمتاز بها الإعلام الإسلامي دون الإعلام الغربي الذي يطلق للحرية العنان، مما ينتج عنه التفريط، وبها أصبح الإعلام الغربي إعلاماً إباحياً وفاسداً. والإعلام الإسلامي يتوسط ويتمثل التوازن.
إنَّ فلسفة الإعلام الإسلامي لا يمكن أنْ تتم إلاَّ ضمن أُطُر سلوكية وأخلاقية معينة محددة، ومن خلال محاسبة النفس وإحياء الضمير والوازع الديني في الإنسان، ومن خلال المحاسبة والمساءلة التي فرضها الإسلام وأصلح بها الحياة في شتى نواحيها، فإنَّ النفس الإنسانية إذا تركت لشهواتها انحرفت وفتنت، وليس شيء أضر لها من أنْ تأمن الحساب وتغدو بعيدة عن يد القانون فيلعب بها الهوى ويوردها موارد الهلاك، ولذلك أقام فيها الإسلام رقيبين يكمل أحدهما الآخر:
أمَّا الأول فواعظ الإيمان في قلب كل مسلم يحاسبه ويسدِّده ويرغِّبه في مرضاة الله ويخوِّفه عذابه.
والثاني القانون والمحاسبة، ويكون كل إنسان مسؤولاً عما أوكل له، والقانون في الإسلام فرض هيبته على العامة والخاصة( ).
والمحاسبة في الإسلام تسير بالإنسان دائماً نحو الأفضل، وتجعله رقيباً على نفسه، وتحفظه من القول، وتسمو به نفسياً، وروحياً، وأخلاقياً، واجتماعياً، وبدنياً، وفكرياً( ).
[2] إعلام حرمات وحقوق:
والحرمات هي: حرمة الدين، وحرمة العِرْض، وحرمة النفس، وحرمة العقل، وحرمة المال.
وقد حافظ الشارع على الضرورات الخمس، وهي: الدين، والعِرْض، والنفس، والعقل، والمال، أوجدها وأصلحها وأكملها، وأبعد عنها الموانع ودرأ عنها المفاسد، فأي عمل يخل بها أو يهدمها محرَّم وعلى المسلم أنْ يجتنبه.
في ظل الإعلام الإسلامي لا يتصور أنْ يتولاها من يرفض الدين أو يسخر منه أو من رجاله أو أحكامه أو يثير حوله الشبهات أو ينتهك الأعراض أو يفسد الأخلاق ويثير الغرائز من خلال إثارة الجنس الجديد( ).
والإسلام يقدر المسئولية ويحافظ على حقوق الفرد في مواجهة الآخرين، وللإسلام ضوابط للإعلام، منها: أنَّ الإعلام يخدم المبدأ ولا يخدم النظام، ويكون الإعلام في خدمة الإسلام وليس الإسلام في خدمة الإعلام.
وعندما يكون الإعلام إسلامياً؛ فإنَّ المشرفين عليه يستندون إلى أحكام الشرع في كل ما يقال ويعلن، ولذلك فإنَّ مَنْ يكون همه حمل الرسالة السامية إلى العالم لن يجد الوقت الكافي لديه لنشر المهاترات وسفاسف الأمور لملء الفراغ أو لإلهاء الرعية، ولا فراغ عند الوسيلة الإعلامية، والإعلام الإسلامي لا يكذب، ولا يتملق، ولا يحرِّف، ولا يتلون، ولا ينافق، ولا يستجدي، ولا يخشى في الحق لومة لائم. وهو بالتالي يعلِّم الناس القيم والفضائل، ولا ينشر الفضائح والرذائل، وإنَّما يعمل على نشر الفضيلة، ويعمل على احترام عقول الناس، ويحترم العادات والمشاعر التي تنسجم مع الشرع الإسلامي، وهو يقف مع المظلومين، ويحاسب المسئولين( ).
[3] إعلام ملتزم بالإسلام وأخلاقه:
الإعلام الوضعي المعاصر انفصل عن الدين لأسباب كثيرة، فالذي يميز الإعلام الإسلامي هو ارتباطه التام بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً ، وهذا الذي يجعل الإعلام الإسلامي إعلام صدق وأمانة وثقة ودقة وشمولية وموضوعية وسائر أخلاق الإسلام، ولذلك لا بُدَّ أنْ يكون إعلاماً أخلاقياً إسلامياً، ولا يكون الإعلام كاملاً إلاَّ بالأخلاق. والشمول الموضوعي.
نقصد به بيان أنَّ الجميع سواء أمام أحكام الإسلام، غنيهم وفقيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولا استثناء لأحد، وشمولاً مكانياً يعني شمول الإسلام كشريعة لكل أرض الإسلام أو شموله كدعوة لكل العالم( ).
والنشاط الإعلامي في الإسلام خلافاً للنشاط الإعلامي في النظم الوضعية له طابعٌ تعبُّدي وهدفٌ سامٍ ، ويجعل الرقابة على ممارسة هذا النشاط رقابة ذاتية.
الإعلام الإسلامي يركز على الأخلاق، لأنَّها ضرورة من ضروريات الحياة والوجود الإنساني.
لقد قدم الإسلام للإنسانية دستوراً أخلاقياً شاملاً، تنتظمه نظرية مفصلة توضح كل العناصر الضرورية اللازمة لتكوين فكرة دقيقة عن الطريقة التي ينبغي أنْ نتصور بها معنى الأخلاق. والنظرية الإسلامية في الأخلاق؛ نظرية فريدة عمدتها الالتزام والمسئولية والجزاء، ولها حد أدنى من الأخلاق الفاضلة تخص الإنسان العادي، وما زاد فهو إكمال يحث عليه القرآن الكريم ويدعو إليه.
وتُعَدُّ الأخلاق الفاضلة أساساً مهماً من أسس العملية الإعلامية، والإعلام في كل أبعاده إعلام أخلاقي.
[4] إعلام مستقل رافض للتبعية:
الإعلام الإسلامي يتميز باستقلاليته ورفضه للهيمنة، وهو ذاتي الانطلاق ويرفض أشكال التبعية، وهو عالمي التوجيه ودعوته عالمية، وهو بهذا يرفض كل ما يتعارض مع المصادر الأساسية للإسلام من قرآن كريم وسُنَّة نبوية.
[5] إعلام القدوة الحسنة والمثل الصالح:
لقد ركَّز الإسلام على القدوة الحسنة، فالرسول هو أسوتنا وقدوتنا ومثلنا الأعلى، وخرَّج لنا نماذج بشرية من أصحابه كانوا أيضاً القدوة والمثل، مما أثبت أهمية الصفوة المختارة المتميزة بالحكمة، والعلم، والبصيرة، والصلاح، والاستقامة التي يمكن أنْ تشكِّل القدوة الحسنة، لأنَّ فقدانها سيؤدي إلى أنْ تقاد البلاد بجهلة متسلطين انتهازيين قليلي الخبرة، لسانهم عربي وعقولهم وقلوبهم غير ذلك، وهذا يؤدي بالمجتمع إلى الضياع.
[6] إعلام موضوعي هادف:
الإعلام الإسلامي يعتمد على الأسلوب الموضوعي، القائم على التحليل والتأمُّل، واتخاذ كافة الوسائل التي تنمي ملكة التفكير لدى الإنسان، الذي يجب أنْ تتوجه إليه بالإقناع، لا أنْ تجره جراً بوساطة الغرائز، والعواطف، والانفعالات( ).
والإعلام الإسلامي الهادف يركَّز على بناء الإنسان الصالح الذي يعرف ربه ونفسه ورسالته، بحيث يصبح الإنسان لبنة صالحة في بناء المجتمع.
[7] إعلام قائم على الإقناع لا الإكراه:
اعتمد الإعلام الإسلامي في مخاطبة جماهير الناس على الإقناع دون الإكراه، وهو مبدأ إسلامي مهم عرضته الآيات والأحاديث وطبَّقه رسول الله ودأب عليه الإسلام إلى يومنا هذا.
الإعلام الإسلامي
(دراسة في المفاهيم والأصول والخصائص)
د. محمد موسى البر()
الفصل الأول
مفاهيم إسلامية
أولاً: مفهوم الإعلام في اللُّغة:
الإعلام قديم النشأة، صَاحَبَ الجماعة البشرية منذ تكوينها، وتطوَّر بتطوُّر الفكر البشري، إلى أنْ وصل إلينا في عصرنا الحاضر بسبب التقدُّم العلمي والصناعي، ولكن جوهره الذي يقوم عليه والدعامة التي يرتكز عليها هي "الكلمة" منطوقة أو مكتوبة أو ما ينوب عنها من أصوات ورموز.
ويمكن تعريفه بأنَّه: "تبليغ ما يراد تبليغه بوسيلة الكلام أو ما يقوم مقامه من رموز وإشارات"( ).
والإعلام في اللُّغة مشتق من أَعْلَمَ، يقال: أَعْلَمَهُ إِعْلامَاً، بمعنى أخبره إخباراً( ).
والمعروف أنَّ الإعلام قديم قِدَمَ الإنسان وقِدَم المجتمع البشري، فمنذ أنْ وُجد الإنسان على هذا الكوكب استخدم بعض الحركات، الشكل البدائي للإعلام قبل أنْ يهتدي الإنسان إلى اللُّغة ثم وٌجِد الإعلام بشكله البسيط.
نقل الأخبار والمعلومات بصورة موضوعية، فالإعلام من حيث اللُّغة يعني إخبار أو إطلاع الآخرين، ويحوي معنى التعليم، وهو يعني بالإنجليزية
(Information) أي المعلومات( ).
جاء في "معجم محيط المحيط" لبطرس البستاني: "الإعلام في اللُّغة مصدر أَعْلَمَ وأَعْلَمت كأذْنيْتُ، ويقال: استَعلِمْ لي خَبَر فَلان وأعلِمْنيه حتى أعْلَمَه واستعلمني الخبر، وأعْلَمَ الفارسُ جعل لنفسه علامة الشجعان، وأعلَمَ الفرسَ علَّق عليه صوفاً أحمر أو أبيض في الــحرب، وأعلَـَـم نَفْسَـه وسمها بسيما الحرب"( ).
والإعلام كذلك في اللُّغة: التبليغ، يقال: بلغت القوم بلاغاً، أي أوصلتهم الشيء المطلوب، يقول الله تعالى ( ).
الإعلام غير التعليم، لأنَّ الإعلام اختص بما كان من إخبار سريع، أمَّا التعليم فينطوي على التكرار والتكثير، [القاموس المحيط، فصل العين، باب الميم].
فأعَلَم معناها أخبر أو عرَّف، واستعلَمه الخبر، أي استخبره إياه.
وأصل كلمة "إعلام" إنَّها مصدر من أعلم، ومعناها وضع علامة على كل شيء، قال العرب: أعلم الفارسُ، أي علَّق عليه صوفاً ملوناً في الحرب، وأعلم نفسه، أي وسمها بسيما الحرب.
ومعنى الإعلام هو وضع العلامة على شيء لإظهاره وإبرازه.
ويمكن القول: إنَّ وضع العلامة على الشيء إنَّما هو وسيلة للكشف عن معرفة لدى واضعها يريد أنْ يظهرها للناس ويطلعهم عليها ويعمها بينهم، فالإعلام ينطوي على الكشف عن المعلومات والمعارف والاتجاهات وإبرازها للناس( ).
ثانياً: مفهوم الإعلام في الاصطلاح:
نستعرض بعض التعريفات الاصطلاحية:
[1] الإعلام هو: "إحاطة الرأي العام علماً بما يجري من أمور وحوادث سواء في الشئون الداخلية أو الخارجية"( ).
[2] هو: "نشر الأخبار والآراء على الجماهير"( ).
[3] "تزويد الناس بالأخبار الصادقة والمعلومات الصحيحة والحقائق الثابتة التي تساعد الناس على تكوين رأي صائب في واقعة معينة"( ).
[4] "النقل الحر والموضوعي للأخبار والمعلومات بإحدى الوسائل الإعلامية أو أنَّه نقل الأخبار والوقائع بصورة صحيحة"( ).
إذا كان لفظ الإعلام قد شاع في هذه الأيام كنتاج لحضارة العصر وإمكانية الاتصالية، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّ الإعلام كظاهرة اجتماعية فن مستحدث، وإنما يضرب بجذوره في مراحل التطور الإنساني متطوراً منها مجرداً في وسائله، محققاً لأهدافه النابعة من احتياجات الجماعات البشرية، فما يزال الرجال والنساء ـ كما يقول ولبور شرام ـ يٌحَيّون أصدقاءهم في الشارع، ولكن أصبح من المألوف أيضاً أنْ يحيي المرء صديقه بالبريد أو التلفون، وأنْ يوجِّه زعيم وطني تحياته للسكان جميعاً عن طريق الإذاعة... ما يزال الناس يعقدون الصفقات ويبيعون ويشترون، وقد نشأ حول نظام المقايضة القديم إعلام ضخم معقد للشراء والبيع والإقراض والاقتراض والإعلان ونقل تقارير الأسعار، كذلك تحوَّل الكثيرون من مستوى الترفيه العام الذي كان مجاله الغناء الشعبي ورقص القبيلة إلى الأجهزة الجماهيرية وغيرها من المستحدثات العصرية( ).
ثالثاً: مفهوم الإعلام الإسلامي:
[1] تزويد الجماهير بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله بصورة مباشرة أو من خلال وسيلة إعلامية عامة بوساطة قائم بالاتصال لديه خلفية واسعة متعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها، وذلك بغية تكوين رأى عام صائب يعنى بالحقائق الدينية وترجمتها في سلوكه ومعاملاته( ).
[2] الأصل في الإعلام الإسلامي انَّه إعلام عام غير متخصص لمجتمع مسلم أو دولة إسلامية أو حكومة إسلامية، لكن الواقع لمجتمعاتنا الإسلامية يحتم علينا القول بأنَّ الإعلام الإسلامي في ظروفنا المعاصرة هو صورة من صور الإعلام المتخصص، وهو الإعلام الديني( ).
[3] إنَّ مفهوم الإعلام الإسلامي؛ إعلام عام في محتواه ووسائله يلتزم في كل ما ينشره أو يذيعه أو يعرضه على الناس بالتصوُّر الإسلامي للإنسان والكون والحياة المستمدة أساساً من القرآن الكريم وصحيح السُّـنَّة النبوية وما ارتضته الأُمَّة من مصادر التشريع في إطارها( ).
الدين الإسلامي دين إعلامي بطبيعته، لأنَّه يقوم على الإفصاح والبيان بعكس بعض الأديان الأخرى كاليهودية مثلاً التي لا تختص برسالة وتتذرع بالكتمان والسرية ( ).
كما يُعرَّف الإعلام الإسلامي بأنَّه: "استخدام منهج إسلامي بأسلوب فني إعلامي يقوم به مسلمون عالمون عاملون بدينهم متفقهون لطبيعة الإعلام ووسائله الحديثة وجماهيره المتباينة مستخدمون تلك الوسائل المتطورة لنشر الأفكار المتحضرة والأخبار الحديثة والقيم والمبادئ والمُثُل للمسلمين ولغير المسلمين في كل زمان ومكان في إطار الموضوعية التامة بهدف التوجيه والتوعية والإرشاد لإحداث التأثير المطلوب"( ).
يُعَدُّ هذا التعريف الأخير من أحسن التعاريف لمفهوم الإعلام الإسلامي، ذلك لأنَّه يشمل كافة مواصفات ووظائف الإعلام الإسلامي، غير أنَّه لا يقلل من قيمة التعاريف السابقة.
رابعاً: مفهوم الدّعاية:
يرى صاحب كتاب "لسان العرب" إنَّ الدّعاية والدّعوة مترادفتان، حيث يقول في كتابه إلى هرقل: "أدعوك بدعاية الإسلام"، أي بدعوته، وهي كلمة الشهادة التي يُدْعى لها أهل الملل الأخرى الكافرة.
وفي رواية: "بداعية الإسلام"، وهو مصدر بمعنى الدعوة، كالعاقبة والعقبى، ودعا الرجل دعواً ودعاءً ناداه، والاسم الدعوة، ودعوت فلاناً، أي صحت به واستدعيته.
والدّعاية يُقصد بها: "عملية الإشارة النفسية بقصد الوصول إلى تلاعب معين في النطق، فإذا بنا إزاء استجابة ما يمكن أنْ يحدث لو لم تحدث هذه الإشارة العاطفية". والدعاية بهذا المعنى لا تفترض سوى التلاعب بالمنطق، وكما تتجه إلى الصديق فإنَّها تتجه إلى غير الصديق( ).
وتشترك الدعاية مع التعليم والإعلام والتوعية في هدف التأثير في اتجاهات الرأي العام، بيد أنَّها تختلف عنهم في محاولتها خلق رأي عام مستنير تستطيع أنْ تفعل فيه غايتها التأثيرية في الأفراد والجماعات للوصول إلى نتائج معينة تسعى إليها الجهة القائمة بالدعاية دون الاهتمام بالوسائل التي تؤدي هذه الغاية.
وقد عرَّفها الترليبيان بأنَّها: "محاولة التأثير في عقول الجماهير ونفوسهم والسيطرة على سلوكهم لأغراض مشكوك فيها بتعابير غير علمية أو مشكوك فيها في مجتمع معين وفي زمن معين، وهي قد تلجأ في سبيل تحقيق أغراضها إلى الكذب والتضليل وتكوين الأخبار وإخفاء مصادرها لتحقيق انقياد الجماهير تطبيقياً خلف أهدافها"( ).
ويرى الدكتور/ عبد اللطيف حمزة أنَّ الدعاية هي: "محاولة التأثير في الأفراد والجماهير والسيطرة على سلوكهم لأغراض مشكوك فيها، وذلك في مجتمع معين، وزمان معين، وبهدف معين"( ).
الفصل الثاني
أصول الإعلام الإسلامي
الإعلام موجود منذ أنْ فتح الإنسان عينيه على حقائق الحياة، وهو موجود منذ بدأ البشر يتعرفون على بعضهم البعض ( ).
الإعلام بدأ مع رسول الله ، ونعني به الإعلام الإسلامي، قال تعالى ( ).
وقبل ذلك نماوال الوحي بالبيان الإعلامي: ( ).
ولأنَّ الإسلام دين الإنسانية كافة، فقد كان منذ أمر الله سبحانه وتعالى الرسول أنْ يجهر بالدعوة، دعوة تلتمس سبيلها إلى القلوب (الموعظة الحسنة)، والكلمة الطيبة، والنذير المخلص.
لقد بدأ الرسول باختياره للرسالة عن طريق الرؤى الصحيحة فكانت تأتيه هادفة موجهة مستمرة بالنبأ العظيم.
جاء الوحي لرسول الله في حراء يقول الله تعالى كانت هذه فاتحة الوحي، وهي وسيلة من وسائل الإعلام، ذلك أنَّ جبريل عليه السلام لمَّا قال له: (اقرأ) قال: (ما أنا بقارئ) فكان جواب جبريل عليه السلام: . فعلم رسول الله مهمته السامية بإعلام من المَلَك.
وتوالت الأحداث وتتابعت وتتابع إعلام الملك لرسول الله بقواعد هذا الدين العظيم، هو الدين الإسلامي بقواعده، وأحكامه، وقصصه.
لقد كان الرسول أُمِّيَّاً، ولكنه الأُمَّيِّ الذكي، فقد درس وبحث، فقد بدأ يعلم الناس هذا الدين، فأعلم به ـ أول ما أعلم ـ زوجته السيدة خديجة، ثم علي بن أبي طالب، ثم صعد سطح سلع (جبل بمكة) في مشهد إعلامي أصيل، وهتف رسول الله بأعلى صوته: (يا معشر قريش.. إنِّي رسول الله إليكم فآمنوا بالله ورسوله). على هذه الصورة البسيطة الواضحة، أعلم رسول الله علية أهله وقومه بهذه الرسالة( ).
الطور السري للدعوة الإسلامية في مكة طور قصير استثنائي، ومن ثم بدأت مسيرة الإسلام الإعلامية والإعلانية. فالعلن هو منهج الوحي وأسلوبه في خطاب الناس ونشر الحقائق ، فالوحي هو النبأ العظيم ( ).
والنبأ لا يكون خفية ولا سراً، لأنَّ طبيعته الظهور والعلانية، والإنباء هو الإعلام بكلام الله تعالى، وهو وظيفة الرسل ( )،و ، ( )،و ( )، ( ).
ويتفق خبراء الإعلام على أنَّ الإعلام إنَّما هو رسالة بما ينطوي عليه هذا التعبير من شعب مترابطة:
[1] جهة البث والإرسال.
[2] جهة التلقي والاستقبال.
[3] موضوع البث أو محتوى الرسالة.
[4] حامل الرسالة.
والإسلام بطبيعته وبمقياس هذا المفهوم المتفق عليه رسالة إعلامية بالمعنى العلمي للتعبير، فالله سبحانه وتعالى هو المرسل ( )، والناس هم جهة التلقي والإرسال ( )، والحق هو مضمون الرسالة ( ) وحامل الرسالة هو رسول
الله ( ) ومعروف أنَّ الراغب في الإسلام يبدأ فيه بموقف إعلامي مشهود ويتلفظ بالشهادة: أشهد ألا إله إلاَّ الله، وفي الحج رفع الصوت بالتلبية إعلام فردي وجماعي على طاعة الله والتزام أمره، إذ ليس لله حاجة في أنْ يرفع المؤمنون أصواتهم بالتلبية فهو سميع عليم يعلم العلني ويعلم السر وأخفى، ولكن الإعلام بذلك ينبثق من طبيعة الإسلام الإعلامية وجمعه المعجز بين الإخلاص الخفي والمظهر العلني، لقد كان القرآن آية الإعلام في نشر الدعوة الإسلامية.
الثابت أنَّ القرآن كتاب إعلامي نماوال بالحق لتحقيق غرض معين، هو الدعوة إلى الله تعالى، وتثبيت عقيدة الوحدانية، ووضع التشريعات التي تٌنَظَم بها شئون الدنيا والآخرة، سالكاً في ذلك جملة من الوسائل، منها: الحوار المنطقي، والقصة، والموعظة الحسنة، ومناقشة المواقف والقضايا التي تعرض للناس.
ولمَّا كان الإعلام علماً يحتاج إلى ثقافة عامة ومتنوعة تستوعب كل اهتمامات الإنسان بقدر معلوم؛ فإنَّ في وسعنا القول بأنَّ القرآن قد جمع في دفتيه الأطراف المطلوبة لهذه الثقافة المتنوعة.
الدين الإسلامي دين إعلامي بطبيعته، لأنَّه يقوم على الإفصاح والبيان بعكس بعض الأديان الأخرى ـ كاليهودية مثلاً ـ التي لا تختص برسالة وتتذرع بالكتمان والسرية ( ). ولذلك من طبيعة هذا الدين تنبثق أصول الإعلام الإسلامي( ).
لقد وجَّه الأمر بالإعلام عن هذا الدين وتبليغه البشرية إلى الرسول للدعوة في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أمراً للناس جميعاً بعموم التكليف والاقتداء بالرسول ( ).
والذي يقرأ القرآن بتدبُّر يقف حتماً عند الآيات الكثيرة التي تحدثت عن البلاغ والإنذار والتبشير والإخبار، ويكفي أنْ نعلم أنَّ الآيات التي استعملت كلمة (أعلم، وعلم) وما يشتق منها تجاوزت السبعمائة آية، وقد تكررت بقية الكلمات مرات عديدة، ومن هذه الآيات على سبيل المثال: ( )، و ( )، ( ).
القرآن هو الرسالة الإعلامية المقدسة، وهو معجزة الإسلام الخالدة، وهو الدستور الشامل الجامع المنظم لشئون المسلمين في الأمور كلها، ومن ثم هو المرجع الرئيسي للنشاط الإعلامي، ينظم للدعاة خططهم، ويحدِّد مجالات نشاطهم، ويحقق أهدافهم، ويستطيع القائم بالاتصال أنْ ينهل منه ليدعم الحقيقة ويستعين في معالجة قضايا المجتمع المعاصرة.
والباحث المدقق سيجد أنَّ الله تعالى ما بعث رسولاً إلاَّ لإبلاغ العالم برسالة الإسلام، وقد حمل أمانة الدعوة بكل تجرُّد وإخلاص من خلال منهج إعلامي متميز، أبرزته دوائر المعارف العالمية، واعترف به المستشرقون المنصفون.
منهج يجب أنْ نقف عنده لنستخلص منه النتائج والعبر، ونتعرَّف من خلاله على الأساليب التي حقق بها هذا الإنجاز، وهو المنهج الذي حدَّده الحق في قوله عزَّ وجلَّ ( ).
الحقيقة أنَّ الجهود الإعلامية التي أنجزها رسول الله لتكون أصولاً للإعلام الإسلامي، تؤكَّد هذه الجهود الدور الكبير الذي اضطلع به الإعلام في هذا الصدد، وهي جهود استلفتت انتباه الخبراء والباحثين، وقد حدَّد الله تعالى له ركائز هذا المنهج في كلمات دقيقة واضحة لا تحتمل لبساً ولا غموضاً في العديد من الآيات الكريمة، منها قوله عزَّ وجلَّ ( )، وقوله تعالى ( ).
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تصلح أنْ تكون أصلاً من أصول الإعلام الإسلامي( ).
جاء في كتاب: "تاريخ وسائل الاتصال (الجزء الأول)" للدكتور/ سامي عبد العزيز الكومي، الفصل الخامس بعنوان: "الاتصال في العصر الإسلامي الأول".
استعرض هذا الفصل أصول الإعلام الإسلامي، لذا سوف استعرض ما جاء فيه باختصار، بدأ باستعراض البلاغ والدعوة وذكر أنَّ البلاغ في كتب اللُّغة العربية وفي القرآن الكريم من معنى الإعلام في العصر الحديث.
يقول ابن منظور في "لسان العرب": "والإبلاغ الإيصال، وكذلك التبليغ والاسم منه البلاغ، ونقول في هذا: وبلغه وتبلغ، أي كفاية، وبلغت الرسالة، والبلاغ: الإبلاغ".
وفي "المعجم الوسيط": "أبلغه الشيء أو أبلغه إليه: أوصله إليه، والبلاغ: ما يتوصل به إلى الكفاية، ويقال: في هذا الأمر بلاغ، أي كفاية، والبلاغ: ما يذاع في رسالة ونحوها، والبلاغ: مهمة الرسول وأتباعه من بعده".
والبلاغ يشمل: الإقناع والشرح والبيان والتوضيح، ـ وهي مهام الإعلام ـ ووصف البلاغ في القرآن بأنَّه البلاغ المبين، وقد ورد البلاغ في آيات كثيرة في القرآن الكريم منها قول الله تعالى ( )، وقال تعالى
( ).
جاء في كتاب: "الإعلام: قراءة في الإعلام المعاصر والإعلام الإسلامي" تحت عنوان: "مصادر الإعلام الإسلامي" ما يمكن أنْ يكون أصولاً للإعلام الإسلامي، نثبته هنا باختصار.
المصادر المقصود بها الأصول، وهي تتمثل في القرآن الكريم، والسُّـنَّة التي تشرح القرآن وتبيِّن مقاصده.
أولاً: القرآن الكريم:
يُعَدُّ القرآن الكريم المصدر الأول للإعلام الإسلامي، ذلك بما يتضمنه من أحكام، وتعاليم، وآداب، وأخلاق. فيلتزم الإعلام بكل ذلك، وكذلك كل شخص وكل مؤسسة إعلامية.
بالنسبة لهذا المصدر؛ فإنَّه يجعل الرسالة الإعلامية في الإسلام تتسم بالثبات، حيث إنَّ مصدرها الله رب العالمين، بخلاف رسالة الإعلاميين الأخرى، ولذلك فإنَّ دور القائمين بالاتصال هو مجرد نقل وتبليغ الرسالة دون أية إضافة أو تحريف، ولذلك يجب أنْ يكونوا على أعلى درجات الصدق والحذر واليقظة التامة.
وبالنسبة للإعلام الإسلامي؛ لا يكون الالتزام فقط بالقول، وإنَّما بالعمل أحياناً، ومن الضروري بيان وجوب هذا الالتزام وحكمته وآثاره الطيبة من خلال وسائل الإعلام على اختلافها وتنوُّعها، وهذا هو المجال الأول بالنسبة للإعلام.
أمَّا المجال الثاني؛ فهو ندب الناس إلى المثل الأعلى بعد التزامهم بالحد الأدنى أو ندب الناس إلى الفضل بعد أدائهم الحق أو التزامهم به أو ندب الناس إلى التوجيه بعد أدائهم التشريع والتزامهم به، ومن خلال مختلف الوسائل، وهو أمر لا يقدر عليه غير الإعلام.
أمَّا المجال الثالث؛ فهو عرض القصص القرآني والمثل القرآني في حدود ما يسمح به الشرح، وذلك من خلال الوسائل والأساليب الملائمة، وهذا المجال إنْ أحسن استخدامه بغير خروج على القواعد فإنَّه يشغل الناس بالحق بدلاً من أنْ يشغلهم بالباطل، ويؤدي القصص والمثل القرآني دوراً مهماً في التربية وفي التوجيه، بل وفي التشريع( ).
ثانياً: السُّـنَّة والسيرة النبوية:
المعروف أنَّ القرآن جاء مجملاً في قضاياه، ولكن التفصيل والبيان تولته السُّـنَّة، ونشير هنا إلى آيات كثيرة حيث يأمرنا الله بأنْ نطيع الرسول لأنَّ طاعته من طاعة الله، قال تعالى ( )، وقال تعالى ( ).
وما قيل عن الكتاب كمصدر وأصل للإعلام يقال كذلك عن السيرة النبوية، كما يقال عن السُّـنَّة من التزام الأحكام، وبث الالتزام من خلال وسائل الإعلام ورفع الناس إلى المثل الأعلى والإفادة من القصص والأمثال الواردة بالسُّـنَّة.
فإذا عدنا إلى سيرة رسول الله وسيرة تلك النماذج الإسلامية من الصحابة والتابعين نجد فيها المورد الخصب الثر الذي يمكن أنْ تعرضه وسائل الإعلام في حدود المشروع بعيداً عن طريق الترخُّص، والتبذُّل، والإسفاف، والمخالفة الشرعية.
ثالثاً: التجارب والقصص والإنتاج البشري:
وهي تجارب مَنْ سبقونا بالإيمان، وهي تعرض مثلاً وقدوة وعبرة، وتلتزم فيها القواعد الشرعية. فالقصص اعتمد عليها القرآن كوسيلة في سبيل الدعوة والاتصال الجماهيري، وبعد انقطاع الوحي ووفاة الرسول مضى المسلمون في طريقة القصص.
إنَّ قصص القرآن كله صدق، ولكن القصص غيره ربما كان فيه بعض الكذب، وهذا يحتاج إلى تمحيص واجتهاد في شرعيته وإمكانية عرضه والطريقة التي يمكن أنْ يعرض بها.
وهنالك الإنتاج البشري الذي يحتاج إلى الضبط بالقواعد الشرعية والخُلُقية، بحيث لا يعرض ما يتنافى والشرع أو يخدش الأخلاق( ).
الفصل الثالث
خصائص الإعلام الإسلامي
للإعلام الإسلامي خصائص تجعله يختلف عن غيره من أنواع الإعلام. يثبت هنا الباحث الخصائص التي أوردها الدكتور/ محمد منير سعد الدين في كتابه: "الإعلام قراءة في الإعلام المعاصر والإعلام الإسلامي"، وذلك باختصار:
[1] إعلام قاعدته الحرية وقمته المسئولية:
في النظام الإسلامي تُعَدُّ الحرية أساس النظام السياسي، وهي قاعدة لنظامه الإعلامي. والحرية فطرة لا يصادرها الإسلام.
وفي الإعلام الإسلامي إذا كانت قاعدته الحرية؛ فالمسئولية هي قمته، حتى لا تنطلق الحرية بدون ضوابط. ومن هذه الضوابط: العقيدة، والأخلاق، وعدم المساس بالآخرين. وهي خاصية يمتاز بها الإعلام الإسلامي دون الإعلام الغربي الذي يطلق للحرية العنان، مما ينتج عنه التفريط، وبها أصبح الإعلام الغربي إعلاماً إباحياً وفاسداً. والإعلام الإسلامي يتوسط ويتمثل التوازن.
إنَّ فلسفة الإعلام الإسلامي لا يمكن أنْ تتم إلاَّ ضمن أُطُر سلوكية وأخلاقية معينة محددة، ومن خلال محاسبة النفس وإحياء الضمير والوازع الديني في الإنسان، ومن خلال المحاسبة والمساءلة التي فرضها الإسلام وأصلح بها الحياة في شتى نواحيها، فإنَّ النفس الإنسانية إذا تركت لشهواتها انحرفت وفتنت، وليس شيء أضر لها من أنْ تأمن الحساب وتغدو بعيدة عن يد القانون فيلعب بها الهوى ويوردها موارد الهلاك، ولذلك أقام فيها الإسلام رقيبين يكمل أحدهما الآخر:
أمَّا الأول فواعظ الإيمان في قلب كل مسلم يحاسبه ويسدِّده ويرغِّبه في مرضاة الله ويخوِّفه عذابه.
والثاني القانون والمحاسبة، ويكون كل إنسان مسؤولاً عما أوكل له، والقانون في الإسلام فرض هيبته على العامة والخاصة( ).
والمحاسبة في الإسلام تسير بالإنسان دائماً نحو الأفضل، وتجعله رقيباً على نفسه، وتحفظه من القول، وتسمو به نفسياً، وروحياً، وأخلاقياً، واجتماعياً، وبدنياً، وفكرياً( ).
[2] إعلام حرمات وحقوق:
والحرمات هي: حرمة الدين، وحرمة العِرْض، وحرمة النفس، وحرمة العقل، وحرمة المال.
وقد حافظ الشارع على الضرورات الخمس، وهي: الدين، والعِرْض، والنفس، والعقل، والمال، أوجدها وأصلحها وأكملها، وأبعد عنها الموانع ودرأ عنها المفاسد، فأي عمل يخل بها أو يهدمها محرَّم وعلى المسلم أنْ يجتنبه.
في ظل الإعلام الإسلامي لا يتصور أنْ يتولاها من يرفض الدين أو يسخر منه أو من رجاله أو أحكامه أو يثير حوله الشبهات أو ينتهك الأعراض أو يفسد الأخلاق ويثير الغرائز من خلال إثارة الجنس الجديد( ).
والإسلام يقدر المسئولية ويحافظ على حقوق الفرد في مواجهة الآخرين، وللإسلام ضوابط للإعلام، منها: أنَّ الإعلام يخدم المبدأ ولا يخدم النظام، ويكون الإعلام في خدمة الإسلام وليس الإسلام في خدمة الإعلام.
وعندما يكون الإعلام إسلامياً؛ فإنَّ المشرفين عليه يستندون إلى أحكام الشرع في كل ما يقال ويعلن، ولذلك فإنَّ مَنْ يكون همه حمل الرسالة السامية إلى العالم لن يجد الوقت الكافي لديه لنشر المهاترات وسفاسف الأمور لملء الفراغ أو لإلهاء الرعية، ولا فراغ عند الوسيلة الإعلامية، والإعلام الإسلامي لا يكذب، ولا يتملق، ولا يحرِّف، ولا يتلون، ولا ينافق، ولا يستجدي، ولا يخشى في الحق لومة لائم. وهو بالتالي يعلِّم الناس القيم والفضائل، ولا ينشر الفضائح والرذائل، وإنَّما يعمل على نشر الفضيلة، ويعمل على احترام عقول الناس، ويحترم العادات والمشاعر التي تنسجم مع الشرع الإسلامي، وهو يقف مع المظلومين، ويحاسب المسئولين( ).
[3] إعلام ملتزم بالإسلام وأخلاقه:
الإعلام الوضعي المعاصر انفصل عن الدين لأسباب كثيرة، فالذي يميز الإعلام الإسلامي هو ارتباطه التام بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً ، وهذا الذي يجعل الإعلام الإسلامي إعلام صدق وأمانة وثقة ودقة وشمولية وموضوعية وسائر أخلاق الإسلام، ولذلك لا بُدَّ أنْ يكون إعلاماً أخلاقياً إسلامياً، ولا يكون الإعلام كاملاً إلاَّ بالأخلاق. والشمول الموضوعي.
نقصد به بيان أنَّ الجميع سواء أمام أحكام الإسلام، غنيهم وفقيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولا استثناء لأحد، وشمولاً مكانياً يعني شمول الإسلام كشريعة لكل أرض الإسلام أو شموله كدعوة لكل العالم( ).
والنشاط الإعلامي في الإسلام خلافاً للنشاط الإعلامي في النظم الوضعية له طابعٌ تعبُّدي وهدفٌ سامٍ ، ويجعل الرقابة على ممارسة هذا النشاط رقابة ذاتية.
الإعلام الإسلامي يركز على الأخلاق، لأنَّها ضرورة من ضروريات الحياة والوجود الإنساني.
لقد قدم الإسلام للإنسانية دستوراً أخلاقياً شاملاً، تنتظمه نظرية مفصلة توضح كل العناصر الضرورية اللازمة لتكوين فكرة دقيقة عن الطريقة التي ينبغي أنْ نتصور بها معنى الأخلاق. والنظرية الإسلامية في الأخلاق؛ نظرية فريدة عمدتها الالتزام والمسئولية والجزاء، ولها حد أدنى من الأخلاق الفاضلة تخص الإنسان العادي، وما زاد فهو إكمال يحث عليه القرآن الكريم ويدعو إليه.
وتُعَدُّ الأخلاق الفاضلة أساساً مهماً من أسس العملية الإعلامية، والإعلام في كل أبعاده إعلام أخلاقي.
[4] إعلام مستقل رافض للتبعية:
الإعلام الإسلامي يتميز باستقلاليته ورفضه للهيمنة، وهو ذاتي الانطلاق ويرفض أشكال التبعية، وهو عالمي التوجيه ودعوته عالمية، وهو بهذا يرفض كل ما يتعارض مع المصادر الأساسية للإسلام من قرآن كريم وسُنَّة نبوية.
[5] إعلام القدوة الحسنة والمثل الصالح:
لقد ركَّز الإسلام على القدوة الحسنة، فالرسول هو أسوتنا وقدوتنا ومثلنا الأعلى، وخرَّج لنا نماذج بشرية من أصحابه كانوا أيضاً القدوة والمثل، مما أثبت أهمية الصفوة المختارة المتميزة بالحكمة، والعلم، والبصيرة، والصلاح، والاستقامة التي يمكن أنْ تشكِّل القدوة الحسنة، لأنَّ فقدانها سيؤدي إلى أنْ تقاد البلاد بجهلة متسلطين انتهازيين قليلي الخبرة، لسانهم عربي وعقولهم وقلوبهم غير ذلك، وهذا يؤدي بالمجتمع إلى الضياع.
[6] إعلام موضوعي هادف:
الإعلام الإسلامي يعتمد على الأسلوب الموضوعي، القائم على التحليل والتأمُّل، واتخاذ كافة الوسائل التي تنمي ملكة التفكير لدى الإنسان، الذي يجب أنْ تتوجه إليه بالإقناع، لا أنْ تجره جراً بوساطة الغرائز، والعواطف، والانفعالات( ).
والإعلام الإسلامي الهادف يركَّز على بناء الإنسان الصالح الذي يعرف ربه ونفسه ورسالته، بحيث يصبح الإنسان لبنة صالحة في بناء المجتمع.
[7] إعلام قائم على الإقناع لا الإكراه:
اعتمد الإعلام الإسلامي في مخاطبة جماهير الناس على الإقناع دون الإكراه، وهو مبدأ إسلامي مهم عرضته الآيات والأحاديث وطبَّقه رسول الله ودأب عليه الإسلام إلى يومنا هذا.
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام