قراءة في كتاب: نورالدين تواتي،الصحافة المكتوبة السمعية البصرية في الجزائر،دار الخلدونية،الجزائر2008
يحاول نورالدين تواتي عبر إصداره الجديد التوقف عند أهم المحطات التاريخية التي مر بها الإعلام الجزائري بمختلف أشكاله الثلاث مبرزا أهم العوامل التي ساهمت في ميلاد الصحافة المستقلة. ينطلق كتاب ''الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر'' لنور الدين تواتي، من بدايات تأسيس العمل الصحفي في بلادنا، غداة الاستقلال، عارضا أهم الأطر القانونية المنظمة لنشاط الصحفي في بداياته والمتوارثة عن النظام الاستعماري.
ويشير المؤلف إلى أن تأسيس وزارة الإعلام ساهمت في تقديم الدفعة النوعية لعمل الصحفي، حيث يكتب ''انطلاقا من تأسيس وزارة الإعلام دخلنا في عهد جديد. وهو عهد البناء والتشييد وكذا بناء هياكل الدولة'' (ص10). قبل أن تتبلور رؤية نشرية صحافية مع تأميم شركة ''هاشيت'' وإنشاء الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. قبل أن يلج إحدى أهم مشاكل انتشار الصحافة المكتوبة والمتمثلة في ضعف التوزيع واستمرار احتكارية المطابع قبل أن يُقدم إحصائيات حول تطور العناوين الصحفية.
ولا يتوقف المؤلف عند التطرق إلى نشأة وتطور الصحافة المكتوبة، بل يتنقل أيضا بالدراسة والتحليل إلى نشأة وتطور مؤسسة التلفزيون الوطنية ثم مؤسسة الإذاعة قبل أن يختتم كتابه، الممتد على طول 255 صفحة، الصادر عن دار الخلدونية، إلى إشكالية احتكار الإشهار في الوسط الإعلامي. مشيرا إلى أن الحديث عن الإعلام انحصر، بعد أكتوبر 1988، على الصحافة المكتوبة فقط.
وهذا أيضا:
انتقلت – الصحافة الجزائرية- وبطريقة غير متوقعة من صحافة ثورية أو شبه رسمية إلىصحافة متعددة من حيث الملكية ومن حيث التوجهات السياسية والأيديولوجية.
حدث هذافي مطلع التسعينات من القرن الماضي حيث كفل دستور 1989 و بعده قانون الإعلام لعام 1990 هذا التعـدد والتنوع.
لقد شاءت الصدف أن تولد التجربة في خضم حالة منالإحتقان والانسداد السياسي الذي تبعه انفجار أمني لا سابق له في تاريخ الجزائرالمستقلة. وهكذا دفعت الصحافة الجزائرية ثمنا غاليا قصد استمرار التجربة وتطورها.
ومن خلال معايشتنا للتجربة، يمكننا القول أن الصحافة الجزائرية منذ التسعينات واكبت مرحلتين أساسيتين هما مرحلة الأزمة الأمنية ومرحلة المصالحة الوطنية، وهنانسعى للإجابة عن كيفية معايشتها للمرحلتين و عن كيفية معالجتها وتناولها لأهمالأحداث خلال الحقبتين، وذلك انطلاقا من كون الصحافة مثلت مفصلا هاما في الموضوعكآداه هامة في معالجة الأزمة والإنتقال بالجزائر من حالة التطاحن والتناحر إلى حالةالتحاور والتصالح.
أولا – الصحافة الجزائرية: من صحافة الدولة إلى التعدديةالإعلامية
ورثت الجزائر غداة الاستقلال إعلاما تابعا للبلد المستعمر على أكثرمن صعيد، سواء فيما يتعلق بالعناوين أو فيما يتعلق بتشريعات أو القوانين التي تحكممختلف جوانب العملية الإعلامية.
فالعنوانين الموجودة كانت تابعة بهذا الشكل أوذاك إلى البلد المستعمر، وهو ما يعني مواصلة سياسة المسخ الثقافي التي امتدت إلىقرن وربع قرن وما يترتب عن ذلك من خيبة أمل لدى الشعب الجزائري في استرجاع حقوقهالثقافية واستكمال مظاهر السيادة.
وعليه فإن من أولويات نظام الحكم في هذهالفترة كان استكمال مظاهر السيادة الوطنية والإسراع برسم معالم سياسة إعلامية تحددمهام الإعلام الجزائري في المرحلة الراهنة، و قد عملت السلطة السياسية على تحقيقيذلك وجسدته في الجانبين:
1-إنشاء يوميات وطنية وتأميم الصحافة الاستعمارية.
2-إلغاء العمل بالتشريعات الإعلامية الموروثة عن العهد الاستعماري.
فبخوصالجانب الأول تم الإعلان عام 1963 عن تأميم الصحف الموجودة بالجزائر وتوقيف الصحفالاستعمارية(1) والعمل بالموازاة على تأسيس صحافة وطنية، فتأسست جريدة "الجمهورية" بمدينة وهران في مارس وحلت محل جريدة Oran Républicain، وجريدة النصر بقسنطينة مكانجريدة La dépêche de Constantine
وفيما يتعلق بالجانب الثاني عملت الدولة علىإصدار مراسيم وقوانين جديدة في مجال الإعلام وألغي العمل بالقوانين الفرنسية التيكانت تنظم النشاط الإعلامي والتي تم تمديد العمل بها بعد الاستقلال لأسباب ظرفية، وقد شهدت سنة 1967 إلغاء سريان النصوص الفرنسية "الاستعمارية"، و قد عبر رئيس مجلسالثورة الرئيس – هواري بومدين- عن أسباب الإلغاء في 27 ديسمبر 1963
ومما جاء فيخطابه على الخصوص :" إنه لمن غير المعقول أن تواصل الثورة مسيرتها بقوانين غيرثورية، وأن يتم تشييد الاشتراكية على أساس قوانين معدة أساسا لحماية الاقتصادالرأسمالي كما أنه من غير المعقول أيضا أن نبقى مسيرين بقوانين أعدها أولئك الذينكانوا يمارسون القمع ضدنا، وأن نرجع إلى هذه القوانين لاتخاذ قرارات وطنية" " (2).
وباستثناء هذه القوانين التنظيمية الجزئية فإن السياسة الإعلامية التي اتبعتخلال الفترة تميزت بالكثير من الغموض، سواء على الصعيد النظري أو على الصعيدالميداني، إذ أنه إلى غاية 1982 لم يكن هناك قانونا للإعلام، و كانت لهذا الفراغالقانوني انعكاسات سلبية من غير شك على نشاط وسائل الإعلام، و بخاصة الصحافةالمكتوبة .
كما تميزت هذه المرحلة بكون النظام السياسي وجه مختلف جهودهللاستثمار في الوسائل السمعية البصرية. وقد ساعدت الظروف العامة للبلاد على حدوثمثل هذا التوجه ، إذ شجعت معدلات الأمية المرتفعة ونقص مستويات التعليم وضعف شبكةالمواصلات وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن على استخدام الوسائل السمعية البصريةبشكل مكثف، و وجد في هذه الوسائل الأداة المواتية لتحقيق التعبئة السياسية للجماهيروحشدها حول الأهداف العامة للثورة.
وعلى النقيض من ذلك كان الاهتمام بالصحافةالمكتوبة ضئيلا، و لم تشهد خلال هذه الفترة أي تطوير على مستوى الوسائل والتقنياتوظلت تواصل نشاطها من خلال المكاتب والمطابع التي أممت من الصحف الاستعمارية.
1- قانون الإعلام 1982 : إعلام السلطة السياسية
عرفتبداية الثمانينات مناقشة أول مشروع لملف السياسة الإعلامية في الجزائر منذالاستقلال، و تم تحديد على ضوء تلك المناقشات مفهوم الجزائر للإعلام كبلد اشتراكيينتمي إلى العالم الثالث، فهو إعلام يقوم على أساس الملكية الاجتماعية لوسائلالإعلام و جزءا لا يتجزأ من السلطة السياسية المتمثلة في حرب جبهة التحرير الوطني،وآداه من أدواتها في أداء مهمات التوجيه والرقابة والتنشيط (3) وتم تحديد ضمن هذاالملف وظائف الإعلام في المجتمع الجزائري على النحو الآتي : (4)
1-التربيةوالتكوين.
2-التوعية والتجنيد.
3-التعبئة.
4-الرقابة الشعبية.
5-التصدي للغزو الثقافي.
كما عرفت هذه المرحلة واستجابة للمتطلبات الجديدةإصدار أول قانون للإعلام في الجزائر.
تناول لأول مرة مختلف جوانب النشاطالإعلامي و حدد الإطار العام لموضوع الإعلام في الجزائر إذ جاء في مادته الأولى : " الإعلام قطاع من قطاعات السيادة الوطنية، يعبر الإعلام بقيادة حرب جبهة التحريرالوطني و في إطار الامتيازات الاشتراكية المحددة في الميثاق الوطني عن إرادةالثورة، و ترجمة لمطامح الجماهير الشعبية، يعمل الإعلام على تعبئة كل القطاعاتوتنظيمها لتحقيق الأهداف الوطنية".
كما تناول القانون الجديد جملة من القضاياالمتعلقة بالنشاط الإعلامي وأهدافه. وأشار إلى حق المواطن في الإعلام، حيث جاء بهذاالخصوص في المادة الثانية : " الحق في الإعلام حق أساسي لجميع المواطنين، تعملالدولة على توفير إعلام كامل وموضوعي"
(6)، وحدد الخطوط العامة لممارسة النشاطالإعلامي ضمن السياسة العامة للدولة المنصوص عليها في الدستور والميثاق الوطني، حيثجاء في المادة الثالثة من القانون " يمارس حق الإعلام بكل حرية ضمن نطاق الاختياراتالإيديولوجية للبلاد والقيم الأخلاقية للأمة، وتوجيهات القيادة السياسية المنبثقةعن الميثاق الوطني مع مراعاة الأحكام التي يتضمنها الدستور خاصة في مادتيــه 55 و73 " .
(7) كما أكدت الوثيقة على أن لغة الإعلام مستقبلا هي اللغة العربية فيمحاولة لحسم موضوع اللغة المستخدمة في وسائل الإعلام الوطنية، و قد نصت المادة 4 منالقانون على ذلك بما يلي :"مع العمل دوما على استعمال اللغة الوطنية وتعميمها، يتمالإعلام من خلال نشريات إخبارية عامة، و نشريات متخصصة ووسائل سمعية بصرية "
(. وعموما يمكن اعتبار هذا القانون رغم الانتقادات الموجهة له خاصة فيما يتلقبالباب الخامس والمتعلق بالمخالفات والجزاءات. بأنه وثيقة إعلامية هامة وضحت لأولمرة حدود العمل الصحفي وغاياته في مجتمع نامي. كما استطاعت إخراج الإعلام الجزائريمن الفوضى وعدم الوضوح الذي ميزه من قبل، والتأرجح الذي كان يتخبط فيه بين النصوصالفرنسية من جهة والنصوص التنظيمية الجزئية المستعجلة الصادرة عن السلطة والنظامالسياسي لتلك الحقبة.
وعلى ضوء هذا القانون انتعشت الساحة إعلامية في مجالالصحافة المكتوبة وصدرت عناوين جديدة هي :
-المساء : يومية وطنية باللغةالعربية.
-آفاق : Horizons يومية وطنية باللغتين الفرنسية و الانجليزية، ليتمصدورها لاحقا باللغة الفرنسية فقط.
-أضواء : أسبوعية باللغة العربية.
-المنتخب : أسبوعية رياضية باللغة العربية.
-أحداث اقتصاد: شهرية باللغتينالعربية والفرنسية.
-المسار المغاربي : أسبوعية ثقافية باللغتين العربيةوالفرنسية.
2- قانون الإعلام 1990 : بداية التعددية الإعلامية :
صدر هذا القانون في 03 أفريل 1990 تماشيا مع الدستور الجديد للبلاد 1989 الذي فتح مجال التعددية السياسية طبقا للمادة 40 التي نصت على: "حق إنشاءالجمعيات ذات الطابع السياسي". والتي تضمنت منطقيا التعددية الإعلامية، لكن سبقالقانون منشورا حكوميا بتاريخ 19/03/1990 (9) جسد بداية التعددية والاستقلاليةللصحافة.
وترك الخيار للصحفيين بين البقاء في المؤسسات الإعلامية القائمة- وهيمؤسسات الدولة- أو تأسيس مؤسسات صحفية مستقلة في شركات مساهمة، أو الالتحاق بصحفالجمعيات ذات الطابع السياسي- الأحزاب- وحدد أنواع الدوريات الممكن إصدارها علىالنحو الآتي :
-جرائد مستقلة ذات صدور دوري.
-مجلات ذات طابع علمي أوثقافي.
-مجلات متخصصة مرتبطة بالنشاطاتالقطاعية للدولة.
أهم ما جاء فيقانون الإعلام لعام 1990 ما نصت عليه المادة 02 " الحق في الإعلام يجسده حق المواطنفي الاطلاع بكيفية كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع علىالصعيدين الوطني والدولي، وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الاسايسة فيالتفكير والرأي والتعبير طبقا للمواد 35- 39- 40 من الدستور" (10).
وفي المادة 3 تتحدث الوثيقة عن حرية ممارسة الحق في الإعلام " يمارس الحق في الإعلام بحرية معاحترام كرامة الشخصية الإنسانية. ومقتضيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني" (11).
ووضحت المادة 04 وسائل ممارسة هذا الحق :
يمارس الحق في الإعلام خصوصا منخلال ما يأتي :
-عناوين الإعلام وأجهزة في القطاع العام.
-العناوينوالأجهزة التي تمتلكها أو تنشئها الجمعيات ذات الطابع السياسي.
-العناوينوالأجهزة التي ينشئها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الخاضعون للقانون الجزائري.
ويمارس من خلال أي سند كتابي أو إذاعي صوتي أو تلفزي. (12).
وأكدت المادة 14 على حرية إصدار المطبوعات : " إصدار النشريات حر..." (13)
وهكذا شهدت فترةبداية التسعينات انفجار غير مسبوق فيما يتعلق بالعناوين وطبيعتها وكذلك ملكيتها منيوميات وأسبوعيات وصحف مستقلة وصحف حربية بلغت العشرات. كما شهدت هذه المرحلةانفجار الوضع السياسي والأمني في الجزائر، فكيف تعاملت الصحف مع هذا الواقع ؟
ثانيا- الصحافة الجزائرية والأزمة الأمنية :
تنفرد تجربةالصحافة الجزائرية مع التعددية السياسية مقارنة مع العديد من بلدان العالم وخاصةنظيراتها في المنطقة العربية، إذ لم يكن الإعلاميون الجزائريون يتوقعون هذه الولادةالصعبة، إذ شهدت بداية التعددية في الجزائر انسداد سياسيا أدى إلى تفجر الوضعالأمني لاحقا، الأمر الذي جعل العمل الصحفي مجالا محفوفا بالمخاطر رغم ذلك فقد شهدتالصحافة تعددية يمكن رصدها فيما يلي :
1-الصحافة العمومية :
وهي الصحف الموروثة عن عهد الحرب الواحد ويمكن تصنفها الى ثلاث أنواع :
1-صحافة الدولة : وهي الصحف العمومية ممثلة في صحف : "الشعب والمجاهدوالجمهورية والنصر".
2-صحافة حرب جبهة التحرير الوطني : تمثلها جريدة المجاهدالناطق بالعربية وهي اللسان المركزي للحرب، وأسبوعية الثورة الإفريقية Révolution Africaine الناطقة باللغة الفرنسية.
3-صحافة المنظمات الجماهيرية التابعة لحربجبهة التحرير الوطني : مثل : مجلة الوحدة، الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، مجلةالجزائرية، مجلة الاتحاد العام للنساء الجزائريات، مجلة الثورة والعمل مجلة الاتحادالعام للعمال الجزائريين.
هذه الصحف والمجلات مجتمعة تأثرت بشكل كبير في عهدالتعددية، حيث هجرها الصحافيون إلى الصحف الحربية الجديدة والصحف المستقلة، كماتدنت مقروئيتها بشكل ملحوظ بعد توجه القراء إلى الصحف الجديدة بسبب جرأتها فيمعالجة موضوعات كانت بمثابة المحرمات في عهد الحرب الواحد. وأدى ذلك إلى اختفاء بعضالعناوين وخاصة صحف المنظمات الجماهيرية التي تخلى عنها الحرب لاحقا وهجرها صحفيوهاإلى عناوين أخرى.
2-الصحافة المستقلة :
اتجه العديد منالصحافيين بعد فتح مجال الصحافة المكتوبة إلى إنشاء العديد من العناوين تعبيرا عنرغبتهم في العمل إعلامي الحر، وهكذا شهدت الجزائر في بداية التسعينات عشراتالعناوين تميزت بتنوعها من حيث الصدور- يوميات، أسبوعيات...الخ. ومن حيث المضمونسياسية، اقتصادية، فنية، رياضة، ومن حيث اللهجة مهادنة و انتقاديه الخ، ومن حيثأسماء العناوين التي جسدت في معظمها طموحات الصحفي الجزائري في إعلام حر يخدمالوحدة الوطنية وتطلعات الجماهير إلى إعلام موضوعي. وهكذا نجد عناوين مثل : الوطن،السلام، الحرية...الخ. رغم ذلك فإننا سنستخدم صفة الاستقلالية أو المستقلة بشيء منالتحفظ إذ نؤيد ما جاء في إعلان " ويند هوك" بخصوص مفهوم الصحافة المستقلة: (نقصدبعبارة صحافة مستقلة قيام صحافة مستقلة عن السيطرة الحكومية أو السياسية أوالاقتصادية، أو عن سيطرة المواد و البنية الأساسية اللازمة لإنتاج و نشر الصحف والمجلات و الدوريات).(14)
3-الصحافة الحربية :
أنشأت معظمالأحزاب السياسة الجديدة صحفا خاصة بها قصد شرح برامجها وحشد الرأي العام تجاهمشاريعها وبرامجها السياسية، وتجب الإشارة إلى أن إعلان دستور 1989 على حرية إنشاءالجمعيات ذات الطابع السياسي قد فتح شهية الكثير لتأسيس أحزاب بلغت حوالي 60 حزبافي مطلع التسعينات مستفيدة من الدعم الذي قدمته الدولة و الإعانات التي قدمتهاللصحف بما فيها الصحف الحربية، وإذا كانت الصحف المستقلة قد اختارت عناوين تعبر عنالحرية والإعلام الحر فإن الأحزاب اختارت أسماء تكشف في مجملها عن الإرادة فيالتغيير، وعن معارضتها لبرامج الحرب الواحد سابقا ممثلا في حرب جبها التحرير الوطنيونورد أمثلة عن بعض الصحف :
-البديل : جريدة حرب- الحركةالديمقراطية في الجزائر.
-التقدم : جريدة الحرب الاشتراكي الديمقراطي.
-صوتالشعب : جريدة حرب الطليعة الاشتراكية.
-المستقبل : جريدة التجمع من أجلالثقافة والديمقراطية.
-الخطوة : جريدة حرب العمل الاشتراكي.
-المنقد : جريدة الجبهة الإسلامية للانقاد المحلة.
-النهضة : جريدة حركة النهضة.
-السبيل الديمقراطي : جريدة جبهة القوى الاشتراكية.
هذه عينة من الصحفالحربية في بداية التسعينات لتختفي بعد فترة، والملاحظ للنشاط إعلامي للأحزاب اليومفي الجزائر يجد غياب تام للصحف الحربية يرجعه بعض المختصين إلى عدم توفر الأحزابعلى رؤوس الأموال الكافية لتمويل الصحف، ضعف مقروئية هذه الصحف من قبل القارئالجزائري وقلة وعي القائمين على الأحزاب بأهمية الصحف في توعية الجماهير لبرامجهاومشاريعها السياسية.
4-الصحافة الجزائرية وتعاملها مع الأزمة الأمنية :
إن التطرق إلى كيفية تعامل الصحافة الجزائرية مع الأزمة الأمنية لا بدأن نراعي فيه الملاحظات الآتية :
- ضرورة العودة إلى أرشيف الصحافة الجزائريةوإجراء تحليل مضمون كمي وكيفي لتحديد طبيعة التعامل واتجاهات المعالجة وهذا غيرممكن في هذه الدراسة باعتبارها رؤية وملاحظات لوضع لا يسمح بالخوض في تفاصيلالقضية.
- تعدد اتجاهات توصيف الظاهرة وتعدد المفاهيم والمصطلحات التي أطلقتعلى الأزمة.
من خلال مراجعتنا لصحف هذه الحقبة، وكذلك الدراسات التي أجريتعليها لاحظنا تعدد المفاهيم من الحرب والحرب الأهلية (15) إلى العشرية السوداء، إلىالأزمة السياسية، إلى الجنون السياسي إلى الأزمة الأمنية إلى المأساة الوطنية. (16) وهذا الاختلاف مرتبط باختلاف التفسيرات للوضعية ولاختلاف المواقف منها، و قد فضلنااستخدام مفهوم الأزمة الأمنية في هذا المقال وتفسيرنا لذلك يبرره :
5-ما حدث فيالجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق عليه مصطلح الحرب والحرب الأهلية، لأنمجال الصدام ظل محسورا في مناطق معينة ولم يعش الشعب الجزائري حالة الحرب مثلماعاشها خلال حرب التحرير أو قياسا بما شهدته بلدانا أخرى.
6-عايش الشعب الجزائريخلال هذه العشرية حالة من تردي الأوضاع الأمنية خاصة من خلال التفجيرات التي شهدتهاالأماكن العمومية وعمليات الاغتيال التي استهدفت شرائح واسعة من المجتمع من بينهاشريحة الصحفيين.
وعموما فإن الصحافة الجزائرية وخاصة المستقلة والحربية تعاملتمع الظاهرة من منطلقين وكشف ذلك على نوعين من المعالجة الإعلامية، يمكن تحديدها في :
أ- صحافة محايدة أو معارضة للحل الأمني :
قبل الخوض فيهذا المحور يجب أن نقول أن الصحافة الجزائرية في عهد التعددية كانت مسئولة بهذاالشكل أو ذلك عن الانماوالاق السياسي الذي شهدته الجزائر عشية توقيف المسار الانتخابي،إذ ساندت بعض الصحف طروحات زعماء بعض الأحزاب وخاصة التي دعت إلى الإطاحة بنظامالحكم والقيام بالعصيان، بل ذهب بعضها إلى تأييد فكرة الجهاد أو على الأقل التلميحلها من خلال فتح منابرها لهذه الأصوات.
وتذهب إحدى الدراسات إلى أن المعلوماتالأمنية هي المشكل الأساسي لاختلاف الرؤى بين السلطة والصحافة، و بخاصة الصحافةالمستقلة، نحو المفهوم الذي تحمله، هذه الأخيرة التي ترى في ذلك تحريض على العنف،أو تعطيل عمل قوات الأمن. (17) ورأت السلطة السياسية آنذاك أن الصحافة الأجنبيةتتغذ فيما يخص المعلومات الأمنية من الصحافة الجزائرية التي ليس لبعضها نوايا حسنة. (18)
أيضا ظلت هذه الصحف تتعامل مع العمليات المسلحة والتفجيرات على أنهامن فعل " جماعات مسلحة"، كل هذه الأسباب جعلت السلطة لا تتوانى في توقيف بعضالعناوين خاصة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ في فيفري 1992.
ب- صحافةاستئصالية مؤيدة للحل الأمني :
أدى تردي الأوضاع الأمنية إلى بروز صحفسواء حربية أم مستقلة تدعوا إلى التعامل بالمثل مع الأعمال المسلحة، و لم تتوان فيوصف هذه الجماعات بالإرهابية، و هيمنت مصطلحات في معالجتها للأحداث مثل "القوىالظلامية"، "الإرهاب"، ودعت إلى تشجيع الحل الأمني بدل الحوار بل تجاوزت ذلك في بعضالحالات وخاصة من خلال اتهامها للمدرسة الجزائرية المعربة بأنها سبب الظاهرة، وأنتجفيف الإرهاب لا بد أن يبدأ من خلال مراجعة المناهج التربوية وأن البعثاتالتعليمية القادمة من المشرق العربي كان له دور في انتقال أفكار الجهاد إلىالجزائر.
وفي اعتقادنا أن كلا النموذجين قد ساهم بهذا القدر أو ذاك في تعميقالهوة وتأجيج أشكال الصراع.
وعموما فإن هذه المرحلة يمكن اعتبارهاولحداثةالتجربة وللانفجار المفاجئ للوضع الأمني، و لسوء فهم حرية العمل الصحفي بمرحلة " الجنون الإعلامي" ويمكن أيضا القول أن الصحفي الجزائري قد مارس حرية التفكير وليسحرية التعبير والفارق شاسع بين المفهومين
لم تقف السلطة أمام هذه " التجاوزات" موقف المتفرج، بل أصدرت عدة مراسيم قصد كبح جموع هذا " الانفلات الإعلامي" فصدرمرسوم وزاري بتاريخ 07 جوان 1997 تناول " الحدود الخاصة بقضايا الامن والصالح العامو ضرورة احترامها من طرف الصحافة
و بعد التوقيع على المرسوم شكلت لجان علىمستوى المطابع مهمتها الاطلاع على مضامين ومحتويات الصحف، والنظر فيما إذا كانتقابلة لنشر أم لا. و شهدت عدة صحف عمليات التعليق مثل جريدة الوطن "EL WATAN" والحوار"، و ذلك بتاريخ 16/11/1994، حيث علقت الأولى لمدة ستة أشهر وخمسة عشرة يومابسبب إفشائها لمعلومات تمس النظام العام وأخلاقيات المهنة (19)
لقد امتدت هذهالحرية في الصحافة الجزائرية لتطال تاريخ الأمة ورموزها من تشكيك في الهوية إلىالمس برموز الدولة ومختلف مظاهر السيادة.
هذا الأمر دفع السلطة إلى اتخاذإجراءات من أجل الحد من الظاهرة، حيث صادق البرلمان بغرفتيه على قانون العقوباتالتكميلي سنة 2001 المعدل في مادتيه الخاصتين بالقذف في مجال الصحافة. المادة 144مكرر والمادة 144 مكرر 1 اللتان نصتا على ما يلي :
المادة 144 مكرر : القانونرقم 01 . 09 المؤرخ في 26 يونيو 2001 : " يعاقب بالحبس من ثلاثة (03) إلى اثني عشرةشهر (12) وبغرامة من 50000 إلى 250000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أساءإلى رئيس الجمهورية بعبارات تتضمن إهانة أو سبا أو قذف سواء كان ذلك عن طريقالكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلةالكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى. تباشر النيابة العامة إجراءات المتابعةالجزائية تلقائيا. في حالة العود، تضاعف عقوبات الحبس والغرامة المنصوص عليها فيهذه المــادة. (20).
المادة 144 مكرر 1 : عندما ترتكب الجريمة المنصوص عليها فيالمادة 144 مكرر بواسطة نشرية يومية أو أسبوعية أو شهرية أو غيرها، فإن المتابعةالجزائية تتخذ ضد المرتكب الإساءة وضد المسؤولين على النشرية وعن تحريرها، وكذلك ضدالنشرية نفسها، في هذه الحالة يعاقب مرتكبو الجريمة بالحبس ثلاثة (3) أشهر إلى 12اثني عشر شهرا وبغرامة من 500.000 دج إلى 2500.000 دج تباشر النيابة العامة إجراءاتالمتابعة الجزائية تلقائيا، في حالة العود تضاعف عقوبات الحبس والغرامة المنصوصعليها في هذه المادة " (21)
وحتى وإن كانت المادتين تتحدثان عن رئيس الجمهورية،فإن ذلك قد يطال الصحف في مجال مواقفها من الأزمة الأمنية باعتبار أن هذا الملف ظلطوال التسعينات ملفا ملحقا مباشرة بالرئاسة.
وكل أشكال الحل كانت بيد الرئيسسواء تعلق بالحوار والتفاوض مع الجماعات المسلحة، أو الحل عن طريق الأسلوب الأمنيضمن مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله.
ثالثا- الصحافة الجزائرية والمصالحةالوطنية :
لا يمكن تناول موقف الصحافة الجزائرية من موضوع المصالحةالوطنية دون الإشارة إلى أن تجربة الصحافة في الجزائر عشية الاستفتاء على مشروعالمصالحة الوطنية قد بلغت درجة من النضج الإعلامي والمؤسساتي يجعلها في مستوىالأحداث. ويمكن تحديد ملامح استقرار التجربة ونضجها في الجوانب الآتية :
1-تراجع عدد العناوين حيث بلغت على سبيل المثال عام 1997 إلى 86 عنوانا.
2-عدد الصحف اليومية بالجزائر حاليا 43 عنوانا 20 ناطقة بالعربية و 23 ناطقةبالفرنسية، لكن 5 يوميات فقط يمثل سحبها 65.05 % من مجموع ما تسحبه هذه العناوينمجتمعة ممثلة في صحف الخبر، الشروق اليومي الوطن، لوكوتيديان دورون وليبرتي. (22)
3-بعض اليوميات تحولت إلى مؤسسات إعلامية عملاقة وهذا حال جريدة " الخبر" المستقلة التي تسحب حوالي نصف مليون نسخة يوميا.
4-تراجع مقروئية الصحفالعمومية (صحافة الدولة) واختفاء يكاد يكون كلي بالنسبة للصحف الحربية.
وعليهيمكن القول أن الاستفتاء على مشروع المصالحة الوطنية في 29/09/2005 جاء في وقتتحددت فيه ملامح الخريطة السياسية والإعلامية في الجزائرية واتجهت نحو الاستقرار. وبالتالي بات من السهل تحديد معالم الرأي العام في الجزائر واتجاهاته من خلال تعرضهإلى وسائل الإعلام المتاحة وخاصة الصحافة المكتوبة.
موقف الصحافةالجزائرية من المشروع:
تباين موقف الصحافة الجزائرية من المشروع بينصحافة مساندة له وخاصة الصحافة العمومية، فقد كتبت صحيفة المجاهد الناطقة بالفرنسيةوهي صحيفة عمومية غداة التصويت على المشروع : "من14 مليون ناخب فإن 97 % أسقطوا فيصناديق الاقتراع الورقة الزرقاء التي تعني نعم، والتي في الوقت ذاته تعني انخراطاجماعيا للجزائريين في مشروع المصالحة الوطنيـة". (25).
أما جريدة "La tribune" المستقلة فرأت أن استفتاء 29/09/:" كشف عن الأمل وعن طي صفحة الماضي عن طريق " نعم" دون مسحها من الذاكرة الجماعية".
في حين كتبت صحيفة "Liberté" وهي صحيفة ناطقةبالفرنسية يمكن إدراج خطابها الإعلامي ضمن فئة الصحافة التي جندت الحل الأمني علىالحل السياسي، " في الحقيقة لا يوجد جزائريون بطبيعة الحال ما عدا الإرهابيون الذينحملوا السلاح ضد مواطنيهم ضد السلم. وإذا كان الشعب الجزائري قد منح تبرئة وصكا علىبياض للرئيس، فعليه إذا أن يميز ما بين الذين أحرقوا الوطن وأبنائه وبين الذيندفعوا حياتهم وأملاكهم لكي تظل الجزائر واقفة " (26).
وعموما يمكن القول أنالصحافة الجزائرية على عكس الأزمة الأمنية فقد انخرطت بهذا الشكل أو ذاك في تزكيةالمشروع من خلال الشرح والتفسير لمختلف مراحل إعداده والتغطية المكثفة لعمليةالاستفتاء والمتابعة اليومية لأطوار تنفيذ المشروع في الميدان رغم بعض الأصواتالمعارضة والخافتة، كون المجتمع الجزائري والرأي العام الوطني قد جعل المأساة ذكرىمن الماضي عشية التصويت الجماعي والتزكية الجماعية لمشروع المصالحة الوطنية بنسبةفاقت 97 %.
والخلاصة أن الصحافة الجزائرية مدعوة اليوم إلى المشاركة بشكل فعالضمن حدود أخلاقيات المهنة وضمن أطر المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، قصد إنجاحمشروع إقامة مجتمع جزائري يتطلع إلى مستقبل أفضل ضمن مبادئ الديمقراطية ودولةالقانون واحترام الرأي والرأي الآخر
وبالتوفيق.
قراءة في كتاب: نورالدين تواتي،الصحافة المكتوبة السمعية البصرية في الجزائر،دار الخلدونية،الجزائر2008
* منقول عن ع.جمال ،موقع الطلبة الجزائريين www.djelfa/info.com
يحاول نورالدين تواتي عبر إصداره الجديد التوقف عند أهم المحطات التاريخية التي مر بها الإعلام الجزائري بمختلف أشكاله الثلاث مبرزا أهم العوامل التي ساهمت في ميلاد الصحافة المستقلة. ينطلق كتاب ''الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر'' لنور الدين تواتي، من بدايات تأسيس العمل الصحفي في بلادنا، غداة الاستقلال، عارضا أهم الأطر القانونية المنظمة لنشاط الصحفي في بداياته والمتوارثة عن النظام الاستعماري.
ويشير المؤلف إلى أن تأسيس وزارة الإعلام ساهمت في تقديم الدفعة النوعية لعمل الصحفي، حيث يكتب ''انطلاقا من تأسيس وزارة الإعلام دخلنا في عهد جديد. وهو عهد البناء والتشييد وكذا بناء هياكل الدولة'' (ص10). قبل أن تتبلور رؤية نشرية صحافية مع تأميم شركة ''هاشيت'' وإنشاء الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. قبل أن يلج إحدى أهم مشاكل انتشار الصحافة المكتوبة والمتمثلة في ضعف التوزيع واستمرار احتكارية المطابع قبل أن يُقدم إحصائيات حول تطور العناوين الصحفية.
ولا يتوقف المؤلف عند التطرق إلى نشأة وتطور الصحافة المكتوبة، بل يتنقل أيضا بالدراسة والتحليل إلى نشأة وتطور مؤسسة التلفزيون الوطنية ثم مؤسسة الإذاعة قبل أن يختتم كتابه، الممتد على طول 255 صفحة، الصادر عن دار الخلدونية، إلى إشكالية احتكار الإشهار في الوسط الإعلامي. مشيرا إلى أن الحديث عن الإعلام انحصر، بعد أكتوبر 1988، على الصحافة المكتوبة فقط.
وهذا أيضا:
انتقلت – الصحافة الجزائرية- وبطريقة غير متوقعة من صحافة ثورية أو شبه رسمية إلىصحافة متعددة من حيث الملكية ومن حيث التوجهات السياسية والأيديولوجية.
حدث هذافي مطلع التسعينات من القرن الماضي حيث كفل دستور 1989 و بعده قانون الإعلام لعام 1990 هذا التعـدد والتنوع.
لقد شاءت الصدف أن تولد التجربة في خضم حالة منالإحتقان والانسداد السياسي الذي تبعه انفجار أمني لا سابق له في تاريخ الجزائرالمستقلة. وهكذا دفعت الصحافة الجزائرية ثمنا غاليا قصد استمرار التجربة وتطورها.
ومن خلال معايشتنا للتجربة، يمكننا القول أن الصحافة الجزائرية منذ التسعينات واكبت مرحلتين أساسيتين هما مرحلة الأزمة الأمنية ومرحلة المصالحة الوطنية، وهنانسعى للإجابة عن كيفية معايشتها للمرحلتين و عن كيفية معالجتها وتناولها لأهمالأحداث خلال الحقبتين، وذلك انطلاقا من كون الصحافة مثلت مفصلا هاما في الموضوعكآداه هامة في معالجة الأزمة والإنتقال بالجزائر من حالة التطاحن والتناحر إلى حالةالتحاور والتصالح.
أولا – الصحافة الجزائرية: من صحافة الدولة إلى التعدديةالإعلامية
ورثت الجزائر غداة الاستقلال إعلاما تابعا للبلد المستعمر على أكثرمن صعيد، سواء فيما يتعلق بالعناوين أو فيما يتعلق بتشريعات أو القوانين التي تحكممختلف جوانب العملية الإعلامية.
فالعنوانين الموجودة كانت تابعة بهذا الشكل أوذاك إلى البلد المستعمر، وهو ما يعني مواصلة سياسة المسخ الثقافي التي امتدت إلىقرن وربع قرن وما يترتب عن ذلك من خيبة أمل لدى الشعب الجزائري في استرجاع حقوقهالثقافية واستكمال مظاهر السيادة.
وعليه فإن من أولويات نظام الحكم في هذهالفترة كان استكمال مظاهر السيادة الوطنية والإسراع برسم معالم سياسة إعلامية تحددمهام الإعلام الجزائري في المرحلة الراهنة، و قد عملت السلطة السياسية على تحقيقيذلك وجسدته في الجانبين:
1-إنشاء يوميات وطنية وتأميم الصحافة الاستعمارية.
2-إلغاء العمل بالتشريعات الإعلامية الموروثة عن العهد الاستعماري.
فبخوصالجانب الأول تم الإعلان عام 1963 عن تأميم الصحف الموجودة بالجزائر وتوقيف الصحفالاستعمارية(1) والعمل بالموازاة على تأسيس صحافة وطنية، فتأسست جريدة "الجمهورية" بمدينة وهران في مارس وحلت محل جريدة Oran Républicain، وجريدة النصر بقسنطينة مكانجريدة La dépêche de Constantine
وفيما يتعلق بالجانب الثاني عملت الدولة علىإصدار مراسيم وقوانين جديدة في مجال الإعلام وألغي العمل بالقوانين الفرنسية التيكانت تنظم النشاط الإعلامي والتي تم تمديد العمل بها بعد الاستقلال لأسباب ظرفية، وقد شهدت سنة 1967 إلغاء سريان النصوص الفرنسية "الاستعمارية"، و قد عبر رئيس مجلسالثورة الرئيس – هواري بومدين- عن أسباب الإلغاء في 27 ديسمبر 1963
ومما جاء فيخطابه على الخصوص :" إنه لمن غير المعقول أن تواصل الثورة مسيرتها بقوانين غيرثورية، وأن يتم تشييد الاشتراكية على أساس قوانين معدة أساسا لحماية الاقتصادالرأسمالي كما أنه من غير المعقول أيضا أن نبقى مسيرين بقوانين أعدها أولئك الذينكانوا يمارسون القمع ضدنا، وأن نرجع إلى هذه القوانين لاتخاذ قرارات وطنية" " (2).
وباستثناء هذه القوانين التنظيمية الجزئية فإن السياسة الإعلامية التي اتبعتخلال الفترة تميزت بالكثير من الغموض، سواء على الصعيد النظري أو على الصعيدالميداني، إذ أنه إلى غاية 1982 لم يكن هناك قانونا للإعلام، و كانت لهذا الفراغالقانوني انعكاسات سلبية من غير شك على نشاط وسائل الإعلام، و بخاصة الصحافةالمكتوبة .
كما تميزت هذه المرحلة بكون النظام السياسي وجه مختلف جهودهللاستثمار في الوسائل السمعية البصرية. وقد ساعدت الظروف العامة للبلاد على حدوثمثل هذا التوجه ، إذ شجعت معدلات الأمية المرتفعة ونقص مستويات التعليم وضعف شبكةالمواصلات وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن على استخدام الوسائل السمعية البصريةبشكل مكثف، و وجد في هذه الوسائل الأداة المواتية لتحقيق التعبئة السياسية للجماهيروحشدها حول الأهداف العامة للثورة.
وعلى النقيض من ذلك كان الاهتمام بالصحافةالمكتوبة ضئيلا، و لم تشهد خلال هذه الفترة أي تطوير على مستوى الوسائل والتقنياتوظلت تواصل نشاطها من خلال المكاتب والمطابع التي أممت من الصحف الاستعمارية.
1- قانون الإعلام 1982 : إعلام السلطة السياسية
عرفتبداية الثمانينات مناقشة أول مشروع لملف السياسة الإعلامية في الجزائر منذالاستقلال، و تم تحديد على ضوء تلك المناقشات مفهوم الجزائر للإعلام كبلد اشتراكيينتمي إلى العالم الثالث، فهو إعلام يقوم على أساس الملكية الاجتماعية لوسائلالإعلام و جزءا لا يتجزأ من السلطة السياسية المتمثلة في حرب جبهة التحرير الوطني،وآداه من أدواتها في أداء مهمات التوجيه والرقابة والتنشيط (3) وتم تحديد ضمن هذاالملف وظائف الإعلام في المجتمع الجزائري على النحو الآتي : (4)
1-التربيةوالتكوين.
2-التوعية والتجنيد.
3-التعبئة.
4-الرقابة الشعبية.
5-التصدي للغزو الثقافي.
كما عرفت هذه المرحلة واستجابة للمتطلبات الجديدةإصدار أول قانون للإعلام في الجزائر.
تناول لأول مرة مختلف جوانب النشاطالإعلامي و حدد الإطار العام لموضوع الإعلام في الجزائر إذ جاء في مادته الأولى : " الإعلام قطاع من قطاعات السيادة الوطنية، يعبر الإعلام بقيادة حرب جبهة التحريرالوطني و في إطار الامتيازات الاشتراكية المحددة في الميثاق الوطني عن إرادةالثورة، و ترجمة لمطامح الجماهير الشعبية، يعمل الإعلام على تعبئة كل القطاعاتوتنظيمها لتحقيق الأهداف الوطنية".
كما تناول القانون الجديد جملة من القضاياالمتعلقة بالنشاط الإعلامي وأهدافه. وأشار إلى حق المواطن في الإعلام، حيث جاء بهذاالخصوص في المادة الثانية : " الحق في الإعلام حق أساسي لجميع المواطنين، تعملالدولة على توفير إعلام كامل وموضوعي"
(6)، وحدد الخطوط العامة لممارسة النشاطالإعلامي ضمن السياسة العامة للدولة المنصوص عليها في الدستور والميثاق الوطني، حيثجاء في المادة الثالثة من القانون " يمارس حق الإعلام بكل حرية ضمن نطاق الاختياراتالإيديولوجية للبلاد والقيم الأخلاقية للأمة، وتوجيهات القيادة السياسية المنبثقةعن الميثاق الوطني مع مراعاة الأحكام التي يتضمنها الدستور خاصة في مادتيــه 55 و73 " .
(7) كما أكدت الوثيقة على أن لغة الإعلام مستقبلا هي اللغة العربية فيمحاولة لحسم موضوع اللغة المستخدمة في وسائل الإعلام الوطنية، و قد نصت المادة 4 منالقانون على ذلك بما يلي :"مع العمل دوما على استعمال اللغة الوطنية وتعميمها، يتمالإعلام من خلال نشريات إخبارية عامة، و نشريات متخصصة ووسائل سمعية بصرية "
(. وعموما يمكن اعتبار هذا القانون رغم الانتقادات الموجهة له خاصة فيما يتلقبالباب الخامس والمتعلق بالمخالفات والجزاءات. بأنه وثيقة إعلامية هامة وضحت لأولمرة حدود العمل الصحفي وغاياته في مجتمع نامي. كما استطاعت إخراج الإعلام الجزائريمن الفوضى وعدم الوضوح الذي ميزه من قبل، والتأرجح الذي كان يتخبط فيه بين النصوصالفرنسية من جهة والنصوص التنظيمية الجزئية المستعجلة الصادرة عن السلطة والنظامالسياسي لتلك الحقبة.
وعلى ضوء هذا القانون انتعشت الساحة إعلامية في مجالالصحافة المكتوبة وصدرت عناوين جديدة هي :
-المساء : يومية وطنية باللغةالعربية.
-آفاق : Horizons يومية وطنية باللغتين الفرنسية و الانجليزية، ليتمصدورها لاحقا باللغة الفرنسية فقط.
-أضواء : أسبوعية باللغة العربية.
-المنتخب : أسبوعية رياضية باللغة العربية.
-أحداث اقتصاد: شهرية باللغتينالعربية والفرنسية.
-المسار المغاربي : أسبوعية ثقافية باللغتين العربيةوالفرنسية.
2- قانون الإعلام 1990 : بداية التعددية الإعلامية :
صدر هذا القانون في 03 أفريل 1990 تماشيا مع الدستور الجديد للبلاد 1989 الذي فتح مجال التعددية السياسية طبقا للمادة 40 التي نصت على: "حق إنشاءالجمعيات ذات الطابع السياسي". والتي تضمنت منطقيا التعددية الإعلامية، لكن سبقالقانون منشورا حكوميا بتاريخ 19/03/1990 (9) جسد بداية التعددية والاستقلاليةللصحافة.
وترك الخيار للصحفيين بين البقاء في المؤسسات الإعلامية القائمة- وهيمؤسسات الدولة- أو تأسيس مؤسسات صحفية مستقلة في شركات مساهمة، أو الالتحاق بصحفالجمعيات ذات الطابع السياسي- الأحزاب- وحدد أنواع الدوريات الممكن إصدارها علىالنحو الآتي :
-جرائد مستقلة ذات صدور دوري.
-مجلات ذات طابع علمي أوثقافي.
-مجلات متخصصة مرتبطة بالنشاطاتالقطاعية للدولة.
أهم ما جاء فيقانون الإعلام لعام 1990 ما نصت عليه المادة 02 " الحق في الإعلام يجسده حق المواطنفي الاطلاع بكيفية كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع علىالصعيدين الوطني والدولي، وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الاسايسة فيالتفكير والرأي والتعبير طبقا للمواد 35- 39- 40 من الدستور" (10).
وفي المادة 3 تتحدث الوثيقة عن حرية ممارسة الحق في الإعلام " يمارس الحق في الإعلام بحرية معاحترام كرامة الشخصية الإنسانية. ومقتضيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني" (11).
ووضحت المادة 04 وسائل ممارسة هذا الحق :
يمارس الحق في الإعلام خصوصا منخلال ما يأتي :
-عناوين الإعلام وأجهزة في القطاع العام.
-العناوينوالأجهزة التي تمتلكها أو تنشئها الجمعيات ذات الطابع السياسي.
-العناوينوالأجهزة التي ينشئها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الخاضعون للقانون الجزائري.
ويمارس من خلال أي سند كتابي أو إذاعي صوتي أو تلفزي. (12).
وأكدت المادة 14 على حرية إصدار المطبوعات : " إصدار النشريات حر..." (13)
وهكذا شهدت فترةبداية التسعينات انفجار غير مسبوق فيما يتعلق بالعناوين وطبيعتها وكذلك ملكيتها منيوميات وأسبوعيات وصحف مستقلة وصحف حربية بلغت العشرات. كما شهدت هذه المرحلةانفجار الوضع السياسي والأمني في الجزائر، فكيف تعاملت الصحف مع هذا الواقع ؟
ثانيا- الصحافة الجزائرية والأزمة الأمنية :
تنفرد تجربةالصحافة الجزائرية مع التعددية السياسية مقارنة مع العديد من بلدان العالم وخاصةنظيراتها في المنطقة العربية، إذ لم يكن الإعلاميون الجزائريون يتوقعون هذه الولادةالصعبة، إذ شهدت بداية التعددية في الجزائر انسداد سياسيا أدى إلى تفجر الوضعالأمني لاحقا، الأمر الذي جعل العمل الصحفي مجالا محفوفا بالمخاطر رغم ذلك فقد شهدتالصحافة تعددية يمكن رصدها فيما يلي :
1-الصحافة العمومية :
وهي الصحف الموروثة عن عهد الحرب الواحد ويمكن تصنفها الى ثلاث أنواع :
1-صحافة الدولة : وهي الصحف العمومية ممثلة في صحف : "الشعب والمجاهدوالجمهورية والنصر".
2-صحافة حرب جبهة التحرير الوطني : تمثلها جريدة المجاهدالناطق بالعربية وهي اللسان المركزي للحرب، وأسبوعية الثورة الإفريقية Révolution Africaine الناطقة باللغة الفرنسية.
3-صحافة المنظمات الجماهيرية التابعة لحربجبهة التحرير الوطني : مثل : مجلة الوحدة، الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، مجلةالجزائرية، مجلة الاتحاد العام للنساء الجزائريات، مجلة الثورة والعمل مجلة الاتحادالعام للعمال الجزائريين.
هذه الصحف والمجلات مجتمعة تأثرت بشكل كبير في عهدالتعددية، حيث هجرها الصحافيون إلى الصحف الحربية الجديدة والصحف المستقلة، كماتدنت مقروئيتها بشكل ملحوظ بعد توجه القراء إلى الصحف الجديدة بسبب جرأتها فيمعالجة موضوعات كانت بمثابة المحرمات في عهد الحرب الواحد. وأدى ذلك إلى اختفاء بعضالعناوين وخاصة صحف المنظمات الجماهيرية التي تخلى عنها الحرب لاحقا وهجرها صحفيوهاإلى عناوين أخرى.
2-الصحافة المستقلة :
اتجه العديد منالصحافيين بعد فتح مجال الصحافة المكتوبة إلى إنشاء العديد من العناوين تعبيرا عنرغبتهم في العمل إعلامي الحر، وهكذا شهدت الجزائر في بداية التسعينات عشراتالعناوين تميزت بتنوعها من حيث الصدور- يوميات، أسبوعيات...الخ. ومن حيث المضمونسياسية، اقتصادية، فنية، رياضة، ومن حيث اللهجة مهادنة و انتقاديه الخ، ومن حيثأسماء العناوين التي جسدت في معظمها طموحات الصحفي الجزائري في إعلام حر يخدمالوحدة الوطنية وتطلعات الجماهير إلى إعلام موضوعي. وهكذا نجد عناوين مثل : الوطن،السلام، الحرية...الخ. رغم ذلك فإننا سنستخدم صفة الاستقلالية أو المستقلة بشيء منالتحفظ إذ نؤيد ما جاء في إعلان " ويند هوك" بخصوص مفهوم الصحافة المستقلة: (نقصدبعبارة صحافة مستقلة قيام صحافة مستقلة عن السيطرة الحكومية أو السياسية أوالاقتصادية، أو عن سيطرة المواد و البنية الأساسية اللازمة لإنتاج و نشر الصحف والمجلات و الدوريات).(14)
3-الصحافة الحربية :
أنشأت معظمالأحزاب السياسة الجديدة صحفا خاصة بها قصد شرح برامجها وحشد الرأي العام تجاهمشاريعها وبرامجها السياسية، وتجب الإشارة إلى أن إعلان دستور 1989 على حرية إنشاءالجمعيات ذات الطابع السياسي قد فتح شهية الكثير لتأسيس أحزاب بلغت حوالي 60 حزبافي مطلع التسعينات مستفيدة من الدعم الذي قدمته الدولة و الإعانات التي قدمتهاللصحف بما فيها الصحف الحربية، وإذا كانت الصحف المستقلة قد اختارت عناوين تعبر عنالحرية والإعلام الحر فإن الأحزاب اختارت أسماء تكشف في مجملها عن الإرادة فيالتغيير، وعن معارضتها لبرامج الحرب الواحد سابقا ممثلا في حرب جبها التحرير الوطنيونورد أمثلة عن بعض الصحف :
-البديل : جريدة حرب- الحركةالديمقراطية في الجزائر.
-التقدم : جريدة الحرب الاشتراكي الديمقراطي.
-صوتالشعب : جريدة حرب الطليعة الاشتراكية.
-المستقبل : جريدة التجمع من أجلالثقافة والديمقراطية.
-الخطوة : جريدة حرب العمل الاشتراكي.
-المنقد : جريدة الجبهة الإسلامية للانقاد المحلة.
-النهضة : جريدة حركة النهضة.
-السبيل الديمقراطي : جريدة جبهة القوى الاشتراكية.
هذه عينة من الصحفالحربية في بداية التسعينات لتختفي بعد فترة، والملاحظ للنشاط إعلامي للأحزاب اليومفي الجزائر يجد غياب تام للصحف الحربية يرجعه بعض المختصين إلى عدم توفر الأحزابعلى رؤوس الأموال الكافية لتمويل الصحف، ضعف مقروئية هذه الصحف من قبل القارئالجزائري وقلة وعي القائمين على الأحزاب بأهمية الصحف في توعية الجماهير لبرامجهاومشاريعها السياسية.
4-الصحافة الجزائرية وتعاملها مع الأزمة الأمنية :
إن التطرق إلى كيفية تعامل الصحافة الجزائرية مع الأزمة الأمنية لا بدأن نراعي فيه الملاحظات الآتية :
- ضرورة العودة إلى أرشيف الصحافة الجزائريةوإجراء تحليل مضمون كمي وكيفي لتحديد طبيعة التعامل واتجاهات المعالجة وهذا غيرممكن في هذه الدراسة باعتبارها رؤية وملاحظات لوضع لا يسمح بالخوض في تفاصيلالقضية.
- تعدد اتجاهات توصيف الظاهرة وتعدد المفاهيم والمصطلحات التي أطلقتعلى الأزمة.
من خلال مراجعتنا لصحف هذه الحقبة، وكذلك الدراسات التي أجريتعليها لاحظنا تعدد المفاهيم من الحرب والحرب الأهلية (15) إلى العشرية السوداء، إلىالأزمة السياسية، إلى الجنون السياسي إلى الأزمة الأمنية إلى المأساة الوطنية. (16) وهذا الاختلاف مرتبط باختلاف التفسيرات للوضعية ولاختلاف المواقف منها، و قد فضلنااستخدام مفهوم الأزمة الأمنية في هذا المقال وتفسيرنا لذلك يبرره :
5-ما حدث فيالجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق عليه مصطلح الحرب والحرب الأهلية، لأنمجال الصدام ظل محسورا في مناطق معينة ولم يعش الشعب الجزائري حالة الحرب مثلماعاشها خلال حرب التحرير أو قياسا بما شهدته بلدانا أخرى.
6-عايش الشعب الجزائريخلال هذه العشرية حالة من تردي الأوضاع الأمنية خاصة من خلال التفجيرات التي شهدتهاالأماكن العمومية وعمليات الاغتيال التي استهدفت شرائح واسعة من المجتمع من بينهاشريحة الصحفيين.
وعموما فإن الصحافة الجزائرية وخاصة المستقلة والحربية تعاملتمع الظاهرة من منطلقين وكشف ذلك على نوعين من المعالجة الإعلامية، يمكن تحديدها في :
أ- صحافة محايدة أو معارضة للحل الأمني :
قبل الخوض فيهذا المحور يجب أن نقول أن الصحافة الجزائرية في عهد التعددية كانت مسئولة بهذاالشكل أو ذلك عن الانماوالاق السياسي الذي شهدته الجزائر عشية توقيف المسار الانتخابي،إذ ساندت بعض الصحف طروحات زعماء بعض الأحزاب وخاصة التي دعت إلى الإطاحة بنظامالحكم والقيام بالعصيان، بل ذهب بعضها إلى تأييد فكرة الجهاد أو على الأقل التلميحلها من خلال فتح منابرها لهذه الأصوات.
وتذهب إحدى الدراسات إلى أن المعلوماتالأمنية هي المشكل الأساسي لاختلاف الرؤى بين السلطة والصحافة، و بخاصة الصحافةالمستقلة، نحو المفهوم الذي تحمله، هذه الأخيرة التي ترى في ذلك تحريض على العنف،أو تعطيل عمل قوات الأمن. (17) ورأت السلطة السياسية آنذاك أن الصحافة الأجنبيةتتغذ فيما يخص المعلومات الأمنية من الصحافة الجزائرية التي ليس لبعضها نوايا حسنة. (18)
أيضا ظلت هذه الصحف تتعامل مع العمليات المسلحة والتفجيرات على أنهامن فعل " جماعات مسلحة"، كل هذه الأسباب جعلت السلطة لا تتوانى في توقيف بعضالعناوين خاصة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ في فيفري 1992.
ب- صحافةاستئصالية مؤيدة للحل الأمني :
أدى تردي الأوضاع الأمنية إلى بروز صحفسواء حربية أم مستقلة تدعوا إلى التعامل بالمثل مع الأعمال المسلحة، و لم تتوان فيوصف هذه الجماعات بالإرهابية، و هيمنت مصطلحات في معالجتها للأحداث مثل "القوىالظلامية"، "الإرهاب"، ودعت إلى تشجيع الحل الأمني بدل الحوار بل تجاوزت ذلك في بعضالحالات وخاصة من خلال اتهامها للمدرسة الجزائرية المعربة بأنها سبب الظاهرة، وأنتجفيف الإرهاب لا بد أن يبدأ من خلال مراجعة المناهج التربوية وأن البعثاتالتعليمية القادمة من المشرق العربي كان له دور في انتقال أفكار الجهاد إلىالجزائر.
وفي اعتقادنا أن كلا النموذجين قد ساهم بهذا القدر أو ذاك في تعميقالهوة وتأجيج أشكال الصراع.
وعموما فإن هذه المرحلة يمكن اعتبارهاولحداثةالتجربة وللانفجار المفاجئ للوضع الأمني، و لسوء فهم حرية العمل الصحفي بمرحلة " الجنون الإعلامي" ويمكن أيضا القول أن الصحفي الجزائري قد مارس حرية التفكير وليسحرية التعبير والفارق شاسع بين المفهومين
لم تقف السلطة أمام هذه " التجاوزات" موقف المتفرج، بل أصدرت عدة مراسيم قصد كبح جموع هذا " الانفلات الإعلامي" فصدرمرسوم وزاري بتاريخ 07 جوان 1997 تناول " الحدود الخاصة بقضايا الامن والصالح العامو ضرورة احترامها من طرف الصحافة
و بعد التوقيع على المرسوم شكلت لجان علىمستوى المطابع مهمتها الاطلاع على مضامين ومحتويات الصحف، والنظر فيما إذا كانتقابلة لنشر أم لا. و شهدت عدة صحف عمليات التعليق مثل جريدة الوطن "EL WATAN" والحوار"، و ذلك بتاريخ 16/11/1994، حيث علقت الأولى لمدة ستة أشهر وخمسة عشرة يومابسبب إفشائها لمعلومات تمس النظام العام وأخلاقيات المهنة (19)
لقد امتدت هذهالحرية في الصحافة الجزائرية لتطال تاريخ الأمة ورموزها من تشكيك في الهوية إلىالمس برموز الدولة ومختلف مظاهر السيادة.
هذا الأمر دفع السلطة إلى اتخاذإجراءات من أجل الحد من الظاهرة، حيث صادق البرلمان بغرفتيه على قانون العقوباتالتكميلي سنة 2001 المعدل في مادتيه الخاصتين بالقذف في مجال الصحافة. المادة 144مكرر والمادة 144 مكرر 1 اللتان نصتا على ما يلي :
المادة 144 مكرر : القانونرقم 01 . 09 المؤرخ في 26 يونيو 2001 : " يعاقب بالحبس من ثلاثة (03) إلى اثني عشرةشهر (12) وبغرامة من 50000 إلى 250000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أساءإلى رئيس الجمهورية بعبارات تتضمن إهانة أو سبا أو قذف سواء كان ذلك عن طريقالكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلةالكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى. تباشر النيابة العامة إجراءات المتابعةالجزائية تلقائيا. في حالة العود، تضاعف عقوبات الحبس والغرامة المنصوص عليها فيهذه المــادة. (20).
المادة 144 مكرر 1 : عندما ترتكب الجريمة المنصوص عليها فيالمادة 144 مكرر بواسطة نشرية يومية أو أسبوعية أو شهرية أو غيرها، فإن المتابعةالجزائية تتخذ ضد المرتكب الإساءة وضد المسؤولين على النشرية وعن تحريرها، وكذلك ضدالنشرية نفسها، في هذه الحالة يعاقب مرتكبو الجريمة بالحبس ثلاثة (3) أشهر إلى 12اثني عشر شهرا وبغرامة من 500.000 دج إلى 2500.000 دج تباشر النيابة العامة إجراءاتالمتابعة الجزائية تلقائيا، في حالة العود تضاعف عقوبات الحبس والغرامة المنصوصعليها في هذه المادة " (21)
وحتى وإن كانت المادتين تتحدثان عن رئيس الجمهورية،فإن ذلك قد يطال الصحف في مجال مواقفها من الأزمة الأمنية باعتبار أن هذا الملف ظلطوال التسعينات ملفا ملحقا مباشرة بالرئاسة.
وكل أشكال الحل كانت بيد الرئيسسواء تعلق بالحوار والتفاوض مع الجماعات المسلحة، أو الحل عن طريق الأسلوب الأمنيضمن مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله.
ثالثا- الصحافة الجزائرية والمصالحةالوطنية :
لا يمكن تناول موقف الصحافة الجزائرية من موضوع المصالحةالوطنية دون الإشارة إلى أن تجربة الصحافة في الجزائر عشية الاستفتاء على مشروعالمصالحة الوطنية قد بلغت درجة من النضج الإعلامي والمؤسساتي يجعلها في مستوىالأحداث. ويمكن تحديد ملامح استقرار التجربة ونضجها في الجوانب الآتية :
1-تراجع عدد العناوين حيث بلغت على سبيل المثال عام 1997 إلى 86 عنوانا.
2-عدد الصحف اليومية بالجزائر حاليا 43 عنوانا 20 ناطقة بالعربية و 23 ناطقةبالفرنسية، لكن 5 يوميات فقط يمثل سحبها 65.05 % من مجموع ما تسحبه هذه العناوينمجتمعة ممثلة في صحف الخبر، الشروق اليومي الوطن، لوكوتيديان دورون وليبرتي. (22)
3-بعض اليوميات تحولت إلى مؤسسات إعلامية عملاقة وهذا حال جريدة " الخبر" المستقلة التي تسحب حوالي نصف مليون نسخة يوميا.
4-تراجع مقروئية الصحفالعمومية (صحافة الدولة) واختفاء يكاد يكون كلي بالنسبة للصحف الحربية.
وعليهيمكن القول أن الاستفتاء على مشروع المصالحة الوطنية في 29/09/2005 جاء في وقتتحددت فيه ملامح الخريطة السياسية والإعلامية في الجزائرية واتجهت نحو الاستقرار. وبالتالي بات من السهل تحديد معالم الرأي العام في الجزائر واتجاهاته من خلال تعرضهإلى وسائل الإعلام المتاحة وخاصة الصحافة المكتوبة.
موقف الصحافةالجزائرية من المشروع:
تباين موقف الصحافة الجزائرية من المشروع بينصحافة مساندة له وخاصة الصحافة العمومية، فقد كتبت صحيفة المجاهد الناطقة بالفرنسيةوهي صحيفة عمومية غداة التصويت على المشروع : "من14 مليون ناخب فإن 97 % أسقطوا فيصناديق الاقتراع الورقة الزرقاء التي تعني نعم، والتي في الوقت ذاته تعني انخراطاجماعيا للجزائريين في مشروع المصالحة الوطنيـة". (25).
أما جريدة "La tribune" المستقلة فرأت أن استفتاء 29/09/:" كشف عن الأمل وعن طي صفحة الماضي عن طريق " نعم" دون مسحها من الذاكرة الجماعية".
في حين كتبت صحيفة "Liberté" وهي صحيفة ناطقةبالفرنسية يمكن إدراج خطابها الإعلامي ضمن فئة الصحافة التي جندت الحل الأمني علىالحل السياسي، " في الحقيقة لا يوجد جزائريون بطبيعة الحال ما عدا الإرهابيون الذينحملوا السلاح ضد مواطنيهم ضد السلم. وإذا كان الشعب الجزائري قد منح تبرئة وصكا علىبياض للرئيس، فعليه إذا أن يميز ما بين الذين أحرقوا الوطن وأبنائه وبين الذيندفعوا حياتهم وأملاكهم لكي تظل الجزائر واقفة " (26).
وعموما يمكن القول أنالصحافة الجزائرية على عكس الأزمة الأمنية فقد انخرطت بهذا الشكل أو ذاك في تزكيةالمشروع من خلال الشرح والتفسير لمختلف مراحل إعداده والتغطية المكثفة لعمليةالاستفتاء والمتابعة اليومية لأطوار تنفيذ المشروع في الميدان رغم بعض الأصواتالمعارضة والخافتة، كون المجتمع الجزائري والرأي العام الوطني قد جعل المأساة ذكرىمن الماضي عشية التصويت الجماعي والتزكية الجماعية لمشروع المصالحة الوطنية بنسبةفاقت 97 %.
والخلاصة أن الصحافة الجزائرية مدعوة اليوم إلى المشاركة بشكل فعالضمن حدود أخلاقيات المهنة وضمن أطر المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، قصد إنجاحمشروع إقامة مجتمع جزائري يتطلع إلى مستقبل أفضل ضمن مبادئ الديمقراطية ودولةالقانون واحترام الرأي والرأي الآخر
وبالتوفيق.
قراءة في كتاب: نورالدين تواتي،الصحافة المكتوبة السمعية البصرية في الجزائر،دار الخلدونية،الجزائر2008
* منقول عن ع.جمال ،موقع الطلبة الجزائريين www.djelfa/info.com
الأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo
» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
الأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت
» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام
» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام
» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
الجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام
» ترحيب و تعارف
السبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي
» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
السبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام
» الادارة وتعريفها
السبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام
» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
السبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام