هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مرحبا بكم في هذا المنتدى الخاص بعلوم الإعلام و الإتصال و العلوم السياسية والحقوق و العلوم الإنسانية في الجامعات الجزائرية
. نرحب بمساهماتكم في منتدى الطلبة الجزائريين للعلوم السياسية و الاعلام والحقوق و العلوم الإنسانية montada 30dz

دخول

لقد نسيت كلمة السر

المواضيع الأخيرة

» مشاركة بحث
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالأحد نوفمبر 27, 2022 9:16 pm من طرف Faizafazo

» برنامج احترافي في تنقيط التلاميذ تربية بدنية ورياضية وكل ما يحتاجه استاذ التربية البدنية والرياضية في المتوسط
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالأحد يونيو 27, 2021 7:33 pm من طرف تمرت

» مفاهيم عامة .الاعلام و الاتصال
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 16, 2021 10:51 am من طرف المشرف العام

» نظريات الاعلام وحرية الصحافة و علاقة الصحافة بالسلطة
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 16, 2021 10:50 am من طرف المشرف العام

» نشأة وتطور الصحافة في العالم و الوطن العربي
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالجمعة يناير 15, 2021 11:48 am من طرف المشرف العام

» ترحيب و تعارف
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالسبت يونيو 13, 2020 10:39 pm من طرف صقر السردي

» كتب تاريخ الجزائر في القديم والحديث
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام

» الثورة الجزائرية ،"ثورة المليون و نصف المليون شهيد"
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 3:30 pm من طرف المشرف العام

»  الادارة وتعريفها
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 3:28 pm من طرف المشرف العام

» مقياس :تاريخ وسائل الاعلام
مدخل إلى الفلسفة الحديثة Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2020 2:57 pm من طرف المشرف العام


    مدخل إلى الفلسفة الحديثة

    avatar
    hibatallah


    البلد : alger
    عدد المساهمات : 43
    نقاط : 80
    تاريخ التسجيل : 17/10/2012
    العمر : 44

    مدخل إلى الفلسفة الحديثة Empty مدخل إلى الفلسفة الحديثة

    مُساهمة من طرف hibatallah الجمعة أغسطس 31, 2018 2:06 pm

    السلام عليكم

    مدخل إلى الفلسفة الحديثة...

       سنتحدث عن الفلسفة الأوروبية بشكل عام، كتاريخ عميق لبوابة الفترة الحديثة ؛ تاريخا طويلا يتمثل في مئات النظريات والعقائد وعشرات الأنظمة ميزه المفهوم القديم (الفكر اليوناني) ومفهوم القرون الوسطى(الفترة السكولائية).التي مر بها الفكر الأوروبي الحديث.
    فنظرة مفكري العصر الحديث بداية لم تختلف كثيرا عن نظرة العالم للقرون الوسطى، بل ورجع آخرون إلى طريقة تفكير العصر القديم (مفكري اليونان)، في حين نظّر آخرون موقفا جديدا إتجاه العالم ؛ بمعنى أكثر فإن هذه الآراء المختلفة لم تأتي أو تجد حلولا جديدة للقضايا القديمة أو لما عرفته إشكالات القرون الوسطى، خاصة حين تتضارب الآراء وتتناقض حول قضية واحدة (مشكلة الخلق حدوث العالم أو قدمه وا ماواليته مثلا) المتمحورة حول الإشكالات اللاهوتية، فالميتافيزيقا لم تختف ، في حين ظهر إتجاه فكري قوي ينكر أهميتها وإمكانية حل قضاياها بشكل علمي محض.
    كذلك ظهرت رؤى أخرى في هذه الفترة الحديثة ،وهو السعي نحو إعطاء القضايا والموضوعات الفلسفية طابعا محددا(حصر الموضوع وخصخصته بدل العمومية في الطرح)؛ كأن يتم تقسيم الأعمال الفلسفية إلى مجالين هامين ،بين التجربة والتأمل ...كما تم تصنيف نوعية الأسئلة الفلسفية فيما كانت لها أجوبة محدّدة ، وبين من لاتجد لها أجوبة .
    وهنا برز الخلاف الجوهري بين المفكرين في بلورة الحدود المعرفية للفكر، يعني هل يحق للفيلسوف تخطي هذه الحدود أم لا؟ وهنا تشكلت حقيقة عامة قاعدية في الفكر الحديث ،وهو ترسيخ فيصل مفاهيمي جديد يقتضي بموجبه المفارقة بين حدود المعرفة العلمية والميتافيزيقا.وتم على هذا الأساس التفريق بين المفاهيم العلمية المتخصّصة والمفاهيم الميتافيزيقية بشكل عام.
    ونفهم من ماتقدّم أن الفلسفة الحديثة قد أبرزت أهمية القدرة الخلاقة للذهن البشري، وزكّت مفهوم إعمال العقل وإذكائه، فالمعرفة ليست عملية سلبية دائما وبأن للعقل البشري ليس فقط قادرا على حل القضايا حسب طبيعة الاشياء (كموضوع) ،وانما أيضا حسب طبيعته نفسها(كذات)، وبنفس المستوى انفصلت نظرية الفكر عن نظرية الوجود.
    وأيضا الإختلاف الأساسي بين الفلسفة الحديثة وفلسفة القرون الوسطى في أغلب القضايا ، فبينما كانت الفلسفة السكولائية فلسفة روحية في جوهرها، تؤمن بوجود عالم آخر، إلهي وخالد مفارق لعالمنا المادي ،والذي هو إنعكاس لذلك العالم، كانت الفلسفة الحديثة دنيوية محضة تؤمن بالواقع المحسوس ،ونادت بوجود عالم واحد فقط وهو عالمنا الذي نعيشه والذي إقتصرت على دراسته.
    هذه ابرز الخصائص العامة التي ميزت العصر الحديث عن سابقيه ،من حيث المفاهيم والموضوعات.ومن هنا يبروز سؤالا قد يكون قاعديا ، من الناحية التاريخية ومنطقيا من ناحية المفهوم، التي كانت محور هذه الدراسة كنوع من تعرية الجوانب الخفية ،عن الجذور التاريخية للفلسفة الحديثة، لنطرح سؤالا تأسيسيا عن إشكالية البداية، لتكون منحى آخر وهو السمة العامة التي سبقت المرحلة الحديثة ،والإنطلاقة المكانية والزمانية لهذه الفترة ،ولوجا لأبرز أقطابها ومنظريها في تلك الفترة من باكورة الفكر الحديث.

    أولا: متى بدأت الفلسفة الحديثة ؟


      ننطلق من القرن الخامس عشر في أوروبا،أين بدأت تسود مواقف جديدة في كل مجالات الحياة، حيث ظهرت ثقافة فنية وأخلاقية وإجتماعية ودينية جديدة ، فكانت هذه الحركية فضاءا خصبا لفلاسفة تلك الفترة ،لخلق فلسفة جديدة ومنهج جديد في التفكير ،كثمرة نضج فيما يلي هذه المرحلة التحضيرية ، خاصة وسط الأوكاميين منذ القرن الرابع عشر ،وإكتمل نضوج هذه الأفكار في القرن السابع عشر.
    إذ كانت فلسفات القرنين الخامس عشر والسادس عشر في أوروبا دائما ، جديدة بصورة نسبية بالمقارنة مع فلسفة القرون الوسطى(مقارنة مع الفلسفة القديمة)، حيث يعتبر فلاسفة هذين القرنين أنفسهم مجددين للفلسفة لا مبدعين لفلسفة جديدة(تجديد في الأفكار السائدة فقط)، بمعنى أكثر وضوحا لهذا الكلام ، إنطلاقا من إعتبارين إثنين:
    أولهما :هو تقديسهم للفلسفة القديمة دائما إذ لازالت قائمة في تلك الفترة.
    وثانيهما: هو تغلغلهم الفكري  ونفوذه الواسع لأفكار الفلسفة القديمة، لهذا أدرجت معنى التجديد  لاالخلق والإبداع في المفاهيم، ذلك أن فلاسفة هذين القرنين  يرون في الفلسفة السكولائية  موقف الوقف والمصادرة سلبا (طبعا في إعتقادهم) ،بحيث أنها قد أوقفت عملية التطور الفلسفي ،وذلك في التجميد السكولائي لأفكار الفلسفة القديمة ( خاصة فكر ارسطو،وفلاسفة الطبيعة الأوائل بشكل عام).
    ومن هذا الأساس فقد حاولت الفلسفة الحديثة الرجوع لتقاليد الفلسفة القديمة في التفكير والبحث في الطبيعة ،لكنها واصلت أيضا في تقاليد فلسفة القرون الوسطى المسيحية،  من حيث ماذا؟
    من خلال معارضتهم للنمط السكولائي في بعض المسائل والموضوعات المتصارعة آنذاك ، وإعلانهم الصريح للعودة للفلسفة القديمة وإرتباطهم بها ،لكن بقيت الميتافيزيقا الملمح السائد في التشابه بطرحهم الجديد، لما عرفته موضوعات الميتافيزيقا السكولائية .
    ولكن في النهاية شكّلت الفلسفة الحديثة الأولى ملامحها ،والتي إختلفت عن كل من الفلسفتين السابقتين (السكولائية والقديمة)؛ أي أنها مرّت بمراحل تحضيرية .
    أـ المرحلة الأولى كانت هي مرحلة النهضة (القرنين الخامس والسادس عشر) كما أدرجنا،وهي مرحلة البداية.
    ب ـ أما المرحلة الثانية :هي مرحلة تشكيل الأنظمة الفلسفية الحديثة ( بالتقريب في القرن السابع عشر).
    ج ـ ثم تليها مرحلة ثالثة : مرحلة التنوير والنقد (القرن الثامن عشر تقريبا)
    د ـ كمرحلة أخرى: مرحلة الأنظمة الفلسفية (القرن التاسع عشر إلى منتصف نفس القرن)، بدأت الفلسفة على الدخول في المرحلة المعاصرة ،والتي تميزت بالإتجاهات النقدية المعاصرة.

    ثانيا : سمات مرحلة النهضة

    مواصلة للرصد التاريخي في تطور المرحلة الأولى من تاريخ العصر الحديث بدءا من عصر النهضة دائما ، إذ أرادت الفلسفة في هذا العصر الإنفصال عن ماضيها القريب (العهد الكنسي)، لهذا نجد مهاجمتها لهذا الماضي بقوة ، فقد دخل الكثير من فلاسفة هذه المرحلة في مخاض جدلي كبير ضد السكولائية ،وعداء متواصل لها في ظل التقاليد الفكرية السائدة ،ورفع نداء إلى العودة والرجوع للفلسفة القديمة (فلاسفة الطبيعة)، لهذا نرى غياب إنجازاتهم العلمية التي نادوا بها ودخلت في بوتقة البحث السلبي إلا في بعض الإنجازات العلمية القليلة.
    هذا من جهة ،ومن جهة أخرى نجد سمة المناداة بعنصر الحرية في كل مجالات الحياة ، نتيجة للصيغ الجافة لأشكال الحياة في القرون الوسطى،ففي الدين ظهرت حركة الإصلاح الديني ،وفي السياسة إرتفعت شعارات حرية الفرد والشعوب المعادية للسلطة الملكية في القرون الوسطى، نفس الأمر بالنسبة للعلم والفلسفة.
    ففي هذه المرحلة بالذات (دائما أتحدث عن القرنين الخامس و السادس عشر) إشتد الصراع بين أفكار الفلاسفة المجددة، ومفاهيم الكنيسة والدولة، أدى إلى سقوط ضحايا لمن يحملون الصبغة العلمية في أفكارهم ،ومنهم برونو وإضطر جاليليو على التراجع عن مبادئه جراء محاكم التفتيش التي تطبقها السلطة الكنسية في تلك المرحلة .
    إذ كانت بداية كسر وتبديد التقاليد الراسخة وفقدان قيمتها ، وإنتهى الأمر إلى غير رجعة الإعتقاد بالحقيقة التي تعلو على كل فرد ،وحل محلها الوصول إلى إمكانية الفرد وحقه في البحث عن الحقيقة،  حيث أفل عصر المقدّسات، بتطلّعهم لأفكار العصر القديم كمقياس للفكر المتطوّر ، من منطلق دحض شعارات المدارس الفلسفية الكلاسيكية اللاهوتية، إلى ترسيخ  فكرة أنهم أفرادا باحثين عن الحقيقة ، مما أدى إلى بروز وصياغة ملامح الأسلوب الفردي في التفكير والكتابة، تميز كل مفكر عن الآخر.
    لنخلص أخيرا السمة العامة لهذه المرحلة في نقاط موجزة:
    أ ـ عصر النهضة متعطّش للتعبير عن نفسه بصورة أكثر طبيعية (كرد فعل لغطرسة  الصياغات السكولائية).
    ب ـ سعى نحو ترسيخ واقعية الفكرة (ردا على القضايا السكولائية القبلية والتأملية).
    ج ـ سعى أيضا نحو المعرفة التي تنبع من الحياة وأهدافها (عكس المعرفة السكولائية المستمدّة من الكتب المقدسة).
    د ـ لم تعد المعرفة من أجل المعرفة ،بل معرفة تهدف أن يكون لها طابعا عمليا بدلا عن المعرفة ذات المعنى النظري الخالص.
    ذ ـ المعرفة أصبحت  تعني وسيلة للسيطرة على الطبيعة .

    ثالثا : النهضة في إيطاليا والشمال الأوربي

    كانت فلسفة الطبيعة هي المعبر الرئيسي لفلسفة النهضة ،فهي التي حلّت محل فلسفة القرون الوسطى اللاهوتية ، هذه الفلسفة بشكل عام بداية هي ميتافيزيقا للطبيعة، إذ كانت نتاجا للتأمل الغيبي أكثر مما هو تفكير خالص.وكانت ايطاليا هي موطن هذه الفلسفة التي إستمر تطورها حتى نهاية القرن السادس عشر.
    للإشارة فقط فعصر النهضة بدأ في إيطاليا ، كأول ملامح لهذا العصر الفكري في منتصف القرن الخامس عشر في مدينة فلورنسا، ثم بدأت هذه الفلسفة منذ القرن السادس عشر في الإنتشار في باقي أوروبا  وإستمرت حتى بداية القرن السابع عشر.
    ومن الملاحظ هنا يمكننا أن نميز شكلين في الطابع العام : قومي وجغرافي لفلسفة النهضة (النهضة الإيطالية و نهضة شمال أوروبا) .
    أـ النهضة الإيطالية : فقد تميزت بالقدم والأكثر أصالة ووحدة، وكان موضوعها الأساسي هو فلسفة الطبيعة ، أين كان أبرز ممثلي النهضة الإيطالية من إنسانيي القرن الخامس عشر وفلاسفة الطبيعة من القرن السادس عشر، حيث كان موقفهم أفلاطونيا وقاموا بتجديده، وتميزت ايضا الفلسفة بإيطاليا بطابع الحس الشاعري من خلال أعمال الأدباء والفنانين(دانتي، وليوناردو دافينشي) والميتافزيائية من خلال أبحاث علماء الطبيعة.
    ب ـ ونهضة شمال أوروبا : التي تطورت في فرنسا وإنجلترا وألمانيا وهولندا وبولندا، فقد تميزت بالفلاسفة المنطقيون والمنهجيون ،وكذا فلاسفة القانون والدولة ( ايطاليا ايضا اعطت ميكافيللي  أبرز مفكري الفلسفة السياسية ).
    وكنتيجة عامة نستنتج أن فلسفة النهضة بشكل عام (الإيطالية وشمال أوروبا) قد إزدهرت أولا في الجنوب الإيطالي ثم تحولت إلى الشمال الأوروبي ، تأثرت في أفكارها بالأفلاطونية والرواقية ،وإهتمت أساسا بالطبيعة بالرغم من تعدد فهمها لها بطريقة روحانية( نظرية للتصوف) أو عقلية (نظرية للشك) ، أي بإعتمادها على الحس الشاعري أو العقل المتأمل .
    ملاحظة : يدخل هذا الشق ضمن المرحلة الأولى للفترة الحديثة بدءا من عصر النهضة ( القرن الخامس عشر والسادس عشر).

    رابعا : ميزات فلسفة عصر النهضة وإتجاهاته


    لكل عصر ميزته  الفكرية ،فميزت فلسفة عصر النهضة(القرن الخامس عشر والسادس عشر) بثلاث إتجاهات أساسية :
    أ- الإنسانيون كنظام ثقافي مهّد لفلسفة النهضة والتي طورت فيما بعد في مجال الدين وفي مجال القانون والدولة (ميشال دي مونتييه وهربرت اوف شيربري وهوجودي جروت).
    ب – فلسفة الطبيعة وأبرز ممثل لها هو جيردانو برونو.
    ج – منهج العلوم الطبيعية والذي صاغه فرانسيس بيكون.
    من هذه الإتجاهات الثلاث سنتطرق  لأبرز أفكار أهم مؤسسيها، التي كانت سندا عتيدا ومنطلقا لبزوغ  أفكار الفلسفة الحديثة فيما بعد في أقطابها الثلاث( مونتييه وبرونو وبيكون).
    1: الإنسانيون
    اـ الإنسانيون هم العلماء الذين كانوا يركّزون في دراساتهم على الإنسان ونتاجاته
    إذ يعتبرون قضايا الإنسان بمثابة القضايا الأولى ،والتي يجب من خلالها النظر لكل العالم.
    ب ـ المذهب الإنساني: يعتبر فرانسيسكو بيترارك (1304ـ 1374)من مؤسسي المذهب الإنساني ،إذ أنه إعترض عن نمط التعليم الجامعي الجامد الذي كان يسود في القرون الوسطى بشكل خاص، قاده إلى إكتشاف الفلسفة والأدب القديم.
    يتميز هذا التيار بميزة أدبية طاغية ،من معالمها الإعجاب الشديد بالفصاحة القديمة، أنطلق من ايطاليا أولا ثم إنتقل إلى فرنسا في تلك الفترة.
    أفتح قوسا هنا للإشارة  والتنويه عن الإنسانيون في عصر النهضة دائما كان يقتصر على علماء اللغة ،الذين كانوا يبحثون في الثقافة الكلاسيكية (السكولائية) التي كانت تخلو من الدراسات الإنسانية في القرون الوسطى، فقد كانت تركّز على دراسة اللاهوت بدل البحث عن فهم الإنسان ودراسته ، لهذا نجدهم قد تحولوا إلى دراسة الثقافة القديمة الإغريقية من خلال عملية الترجمة لأعمالهم وتراثهم الثقافي القديم. لقد تحول حقل اللغة (القواعد،والبلاغة والجدل) موضوع الفكر الإنساني المركزي،وإنتعش إثر الإهتمام الزائد بالأعمال الفيلولوجية وإعادة طباعة النصوص القديمة خاصة في ايطاليا كما ذكرت سابقا.
    وقد وضع لورونزو فالا(1407ـ1457) في "المناقشات الجدلية" وهي أبحاث حول مفهوم القضية والإستنتاجات المنطقية، يرى بوضوح كيف يمكننا إستخلاص منطق لغة والسير به. يرتبط ذلك بنقده للفلسفة السكولائية حيث يقول :" إنها تخدعنا من خلال ماتتضمن من تراكيب لغوية عبثية لاتنطوي على أي أمر واقعي،من هنا يتوجّب الإنطلاق مباشرة إلى الأمور بالذات والإلمام بالعلاقة المتبادلة بين الكلمة والشيء" .( بيتر كونزمان :اطلس الفلسفة ص97)
    وبهذا نقسّم إنسانيوا عصر النهضة إلى ثلاث إتجاهات أساسية وهم :
    الإنسانيون اللغويون(مارسيليو فيتشينو ،جيوفاني بيكو دي لا ميراندولا)،
    والإنسانيون السايكولوجيون (مونتييه) ،والإنسانيون اللاهوتيين (سواريز). كتمهيد عام قبل عرض بعض النماذج الفكرية لأبرز المنظرين.
    سأعرج بدءا إلى بعض آراء أفلاطونية النهضة بإيطاليا بإختصار عن بحثهم لمفهوم الإنسان، ومنطلقاته (كان افلاطون مايزال عراب تلك الفترة )، بالعودة إلى ممثلها الرئيسي وهو مرسيليو فيتشينو( 1433ـ 1499) فقد قدّر الإنسان ككائن روحاني ، حيث يرى:" إن النفس الأماوالية في الإنسان هي واسطته وهي رباطه بهذا العالم ،فهي الواسطة التي تربط دائرة ما هو جسماني بدائرة ماهو عقلي إلهي، وإذ قدّر للنفس بقدرة العقل الذي فيها أن تحرّر من الجسد ، فبإمكانها أن تعود مجددا إلى أصلها الإلهي".( بيتر كونزمان :اطلس الفلسفة ص100)
    وهذه ميزة الأفلاطونية التي تدفع الحياة الجسدية عند الإنسان وكذا حياته الإجتماعية إلى الظل وذلك على حساب حياة فكرية تأملية خالصة.
    أما تلميذه أي تلميذ فيتشينو، جيوفاني بيكو دي لاميراندولا(1463ـ1494) فقد أشار في خطابه حول " كرامة الإنسان" إلى أن الحرية عنصر محدّد لعقلية الإنسان،  حيث يعتقد أنه عند نهاية أيام الخلق قام الله بتوزيع كل الصفات بحيث لم يبق للإنسان شيء خاص من هنا كان خطابه للإنسان :" لاشيء يحدّ من نشاطك، بل عليك وبحسب إرادتك الحرة... إنّ طبيعتك هي التي تحدّد وجودك، لقد جعلتك واسطة العالم حتى تستطيع بنفسك أن تنظر من هناك إلى حولك  وترى كل ما في العالم...ولك كامل الحرية أن ترتفع إلى العالم الإلهي ويكون ذلك بمحض الإرادة التي أعطيت بما لك من عقل".(نفس الموسوعة السابقة الذكر،ص101)
    ومن هذه الرؤية يستطيع الإنسان بما وهب من عقل أن يتأمل جميع الأشكال التي خلقها الله ،ولهذا الإنسان مطلق الحرية في أن يخلق ماهيته الخاصة (نظرة الفلسفة الوجودية).إذ أنه في وسط العالم ، والتصور هذا يزداد دلالة من خلال التأكيد على الذاتية الحرة للفرد أو حرية إرادة الإنسان كما أشار إليها جيوفاني بيكو سابقا.

    الإتجاه الإنساني :ميشال دي مونتييه نموذجا

       سننطلق إلى بعض النماذج الفكرية ، التي كانت أرضية خصبه لإنطلاق الفكر الحديث ،ومن أبرز منظري هذه المرحلة من الإتجاه الإنساني مونتييه على غرار الإتجاه الطبيعي الذي صاغه ادورنو، والمنهج التجريبي بزعامة بيكون.
    فبينما إهتم اللغويون في أواخر عصر النهضة أي القرنين الخامس عشر والسادس عشر في أوربا بنتاجات الإنسان وبفلسفته ، كان السيكولوجيون والمهتمين بالأخلاق تنصب أعمالهم في البحث عن الإنسان نفسه، وكانت النتيجة الأولى لإهتماماتهم وملاحظاتهم  أساسها الشك ،لنجد هذا التأثير الأخير واضح جدا عند المفكر الفرنسي مونتييه. لنفتح بابا عن هذا المفكر من خلال حياته وكتاباته ومفاهيمه وآراءه الفلسفية عن الإنسان ومايحيط به .

    1ـ سيرة حياته ومؤلفاته ومصادر فكره


    أ – حياته
    بالفرنسية يدعي " ميشال إكيم دي مونتن (1533-1592)Michel Eyquem de Montaigne
    فرنسي الأصل ينحدر من عائلة مشهورة تعمل في التجارة عاشت في بوردو، درس الحقوق وشغل مناصب سياسية  وإدارية عدة،ففي 1557 عمل مستشاراً في محكمة الإعانات في بيريجو، وعام 1561 عين كعضواً في برلمان بوردو(المحكمة البلدية)،ثم عمدة لمدينته .وهناك لقى وأحب صديقه "إتيين دلابويتي"، فقد شعر مونتييه ببعض الحماسة الجمهورية في شبابه ،حيث جذبه صديقه المتمرد النبيل" دلابويتي" الذي يكبره في الحكمة والنزاهة، وهو يصف عمق هذه الصداقة :"لقد فتّش الواحد منا عن صاحبه قبل أن يراه، ومن الأخبار التي سمعها عنه... أظن أننا بأمر سري من السماوات تعانقنا بإسمينا. وعند أول لقاء لنا، وكان بالصدفة في وليمة كبيرة وإجتماع مهيب لمدينة بأسرها، وجدنا نفسينا مندهشين، متعارفين،... مرتبطين، بحيث أن شيئاً من الأشياء لم يقترب منا ما السر في هذه الصداقة العميقة ؟  ثم يجيب مونتييه:" كل منا من صاحبه، لأنه كان هو، ولأني كنت أنا".(بيتر كونزمان وآخرون :موسوعة الأطلس ) .
    ذلك لأن مونتييه وصديقه كانا مختلفين إختلافا جعل كل واحد منها يكمل الآخر، فدلابويتي كان يمثل المثالية كلها والإخلاص للمبادئ، ومونتييه بثقافته الواسعة وعدم التحيز للآراء ، (ملاحظة: كانت فرنسا في معترك الثورة العقائدية وتفشي الطاعون فيها في تلك الحقبة).
    ويعتبر عام 1563 أعمق تجربة مرّ بها مونتييه عندما تفشى مرض الطاعون  في بوردو، ومرض صديقه دلابويتي ،وهو يشاهد صديقه في لحظات الإحتضار والموت البطيء، ظل ملازما لفراشه في أيامه الأخيرة حتى لفظ أنفاسه، أين ورث مونتييه  من صديقه مخطوطة المقال الخطر وخبأها لثلاثة عشر عاما،ثم نشرت منه نسخة 1576.
    ":..لقد ألفت أن أكون دائما إثنين ، ولم أعتد بعد أن أكون وحدي قط حتى ليخيل إليا أنني لست إلا نصف نفسي "، فحرارة هذه الصداقة التي بينهما رسخت كل علاقة إنسانية في فكر مونتييه، ورفعت قيمتها فوق الحب الذي يجمع بين الناس.
    سافر مونتييه كثيرا وعرف العالم والناس ، عاش حياة حافلة لاتخلو من البذخ واللهو(من أشراف فرنسا).
    عاد لمسقط رأسه ببوردو وتزوج ب "فرنسواز دشاسين 1565وأنجب منها ست أطفال كلهم بنات ، ولم تبقى له إلا واحدة والباقي متن في الصغر.
    تفقّه مونتييه في الأدب القديم واللاتيني فعرف الشيء الكثير عن الإنسان وأحواله ثم نظر إلى الناس في بلده وفي ألمانيا وسويسرا وإيطاليا ،فزاد معرفة بالإنسان وأخيرا آوى إلى أملاكه، بعيدا عن الخصومات السياسية والدينية ،متفرغا للدروس والتأليف .(يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة)
    إنعماوال في قصره بالريف أين توجد مكتبته العتيقة بين نيران الحرب العقائدية  في فرنسا ، التي أتت على كل شيء إلا البرج باق مع جدران مكتبته، فكانت كنفسه الثانية :" يتيح لي بنظرة واحدة أن أشتمل ببصري كل كتبي ...هناك كرسي ، هناك عرشي، وأنا أحاول أن أجعل حكمي فيها مطلقا، وأن أخص بذلك المركز الوحيد دون صحبة زوجتي ، وأطفالي ومعارفي"(موسوعة اطلس)، أين استطاب العماوالة والوحدة مع نفسه ،وقد نخرت حصى المثانة جسده الضعيف :" على المرء أن يفصل ويسترد نفسه من نفسه...علينا أن نحتفظ بمعين لأنفسنا...خاص بنا دون  غيرنا... نختزن فيه حريتنا ونرسيها ، إن أعظم شيء للإنسان في العالم أن يعرف كيف يكون نفسه".(موقع المعرفة الالكتروني).

    ب- تعليمه

    ولد مونتييه في عائلة ثرية إقطاعية ومتنوعة العقائد فكان أبوه  الفرنسي "ألبير" كاثوليكيا تقيا، أما أمه " أنطوانيت" بروتستانتية إبنة تاجر غني من تولوز يهودي المولد مسيحي العماد، إسباني الثقافة .
    إذن إختلط دم مونتييه بالدم الغسقوني واليهودي،وزاد إتساعا بإعتناق أخاه وأخته الكالفينية في تلك الحقبة. ويعلق ميشال عن تعليمه الذي فرضه عليه أباه :" إن هذا الأب الطيب أرسلني حتى وأنا بعد في المهد لأنشأ في قرية  فقيرة يمتلكها ، وأبقاني فيها طوال الرضاع وبعده بقليل، لأتربى أفقر وأبسط تربية شائعة". محتضنا طبيعة الريف الفرنسي، وقد عين له أبوه تابع ألماني لم يكلمه بغير اللاتينية ويعلق على نفسه قائلا :" ناهزت السادسة وأنا لا أفهم من الفرنسية أكثر مما أفهم
    الفلسفة). Dtvمن اللاتينية"(بيتر كونزمان وآخرون: موسوعة اطلس ـ
    دخل كلية "جيين" وبرزت طلاقة مونتييه في اللغة اللاتينية التي لم تجد إستحسانا عند أساتذته لقدرته الفائقة عليهم، إلا أنه لم يحذو حذو أبيه في تفضيله اللاتينية أو الدراسات الكلاسيكية، مع أن ذاكرته الفياضة كانت ثرية بالشواهد والمثل الكلاسيكية، كضرب من المثال  لما كتب عن قيمة  السفر في التعليم فيستشهد بقول للفيلسوف سقراط :" قيل  لسقراط: وقد يكون السفر جزءا هاما من التعليم إذا تركنا أهوائنا وراءنا ،فلانا لم يفده السفر مثقال ذرة، فأجاب: أجل:لأنه حمل نفسه معه في سفره".
    فقد أنكر ميشال مونتييه الإقتصار على التعليم الكلاسيكي والتعليم من الكتب والمنكبين عليها، وآثر على هذا الإهتمام بتدريب الجسد لنيل الحكمة والفضيلة إذ يرى:" لسنا في حاجة إلا لقليل من التعليم لكي تكون لنا عقول سليمة"(الموسوعة السابقة).
    بقي مونتييه سبع سنين في كلية جيين ثم دخل الجامعة كأستاذ للقانون ،رغم عدم تجانسه مع عقله المستطرد وحديثه الواضح في ذم القانون، ولم يرى أي تقدم في نزعة القوانين الإنسانية، كنقد مباشر لقوانين فرنسا،حيث  تساءل :" هل بين الهمج وحشية كتلك التي يمارسها القضاة ذو العباءات ،ورجال الكنيسة الحليقوا الرؤوس في غرف التعذيب بالدول الأوربية"(مرجع السابق) ويضيف مفتخرا:" وأفتخر اليوم 1578 أنا بريء من جميع الدعاوي القانونية"( مرجع السابق).

    ج ـ مؤلفاته

    كان يمارس الكتابة كهواية ومن أجل المتعة  وفيها يسجل ملاحظاته عن الحياة والناس  في شكل مقالات في شتى الموضوعات ،بحيث لم يضع إعتبارا للنظريات أو التركيبات العلمية  في تحليلاته ،نشر ملاحظاته بين سنتي 1580و1588 "Essaisفي كتاب تحت عنوان "المحاولات
    حيث أكثر في هذه المقالات  من الحديث عن نفسه وهذه إحدى خصائص المحدّثين، فيذكر أخباره وعاداته وأذواقه ودراساته ، ويقول :" أدرس نفسي أكثر من أي شيء آخر،وهذا عندي مابعد الطبيعة والطبيعة" .(يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة، ط5،ج1.
    لهذا أعتبر مونتييه عند الأدباء رائد المقالة الحديثة  في عصر النهضة الفرنسية وقد أشتهر بقدرته على المزج بين تقديراته الفكرية الجادة مع الحكايات الأدبية العابرة ،وعلى فن كتابته للسيرة الذاتية التي هو بطلها في أغلب مقالاته .
    إذ يصفه أحد الكتاب النقاد:"...كان أسلوب الرجل طبيعيا ،حميميا ،وثيقا ، وإنها لراحة أن يتحدّث أحد أئمة الفكر بهذه الألفة ،إفتح أي صفحة في مقالاته،تجده يمسك بذراعك ويسوقك معه دون أن تعرفه ،وقلّما يهمك إلى أين يمضي بك..." ويضيف الناقد:" ...كان يكتب جزءا فجزء ،في أي موضوع يخطر بباله أو يوافق مزاجه؛ ويستطرد في فوضى بعيدة عن الموضوع الأصلي أثناء تجواله، فترى مقالة عن مثلا" ينطلق مخترقا روما وأمريكا الجديدة"...وقد إعترف بأنه"متموج متنوع"،ولم يقدّس الثبات على الآراء،فكان يغير آراءه كلما تقدّم به العمر...".
    نقل مونتييه من اللاتينية إلي الفرنسية كتابا في " اللاهوت الطبيعي" لأحد أساتذة جامعة تولوز في الثلث الأول من القرن الخامس عشر ، يدعى "ريمون دي سبوند" توخى فيه التدليل على العقائد بقوة العقل فحسب، بما لايخرج عن مذهب القديس توما الإكويني ،فأثار نقدا من جانب الملحدين ،فأخذ القلم وكتب مقالا في الدفاع عن ريموند سبوند " عرض فيه مذهب الشك ،يقول لهم : تزعمون أن سبوند لم يثبت ما قصد إلى إثباته ، أجل ليست أدلته حاسمة ولكن هاتوا أنتم دليلا حاسما له أو عليه ،برهنوا أنتم على آرائكم ،لاتتهموه بالعجز بل اتهموا بالعجز العقل الإنساني نفسه..." ( يوسف كرم:تاريخ الفلسفة الحديثة)
    كان لمونتييه تأثيرا مباشرا على الكتاب في عصره ومابعده ومنهم : رينيه ديكارت وبليز باسكال ، جون جاك روسو، فريدريك نيتشة...

    د ـ مصادر فكره

    مصادر فكر مونتييه متعدّدة المشارب ، فنجد المسيحية أولى منابع فكره منذ صباه،
    ثم الكتابات اللاتينية والكلاسيكية اليونانية خاصة (شيشرون ، الرواقية ، سقراط ارسطو ، ..) ومآثر الرومان، ولهذا تجده متقلب المزاج ومستطردا في افكاره ، من هذه المصادر التي يأثرها تارة ويستهجنها تارة أخرى، ويقول أحد نقاده :"...هو لايستشهد بالكتاب المقدّس أبدا،وإن اقتبس مرارا من القديس أوغسطين ،وهو في الأغلب يؤثر القدامى على المحدثين ،والفلاسفة على الآباء المسيحيين، كان "إنساني" الفلسفة بقدر ما أحب آداب اليونان والرومان وتاريخهم،ولكنه لم يكن عابدا أعمى للكلاسيكيات والمخطوطات والمحفوظات، إنه ثرثار دعي..." (موقع المعرفة الالكتروني).
    في شأن نقده المتقلب لفلاسفة اليونان فيرى:" ...ورأيه في أرسطو أنه سطحي، وفي شيشرون لم يكن مطلع كل الإطلاع على آثار اليونان،ولكنه إستشهد بالشعراء اللاتين...وقد أعجب بفيرجل  ولكنه فضل عليه لوكريتيوس .."
    أما ألمع الملهمين لكتاباته الأدبية في المقال والتاريخ هو المؤرخ اليوناني وكاتب السير والمقالات"لوقيوس بلوتاخ " ومؤلفه "موراليا" كانا أحب المؤلفين إلى مونتييه ويصفهم:" منهما استقي مائي ...وأملأ دون توقف حالما يفرغ الماء...والألفة التي تمت بيني وبينهما ،والعون الذي يمداني به في شيخوختي،وكتابي الذي لم أصغه إلا مما غنمت منهما..." (موقع المعرفة)
    2ـ مفاهيمه

    أـ الشك

    كملمح عام كانت بواكير تفكير مونتييه جريئة إعتنق الرواقية، بعدما تفرّقت  المسيحية شيعا متناحرة يقتل فيها الناس إخوتهم، ولطخ إسمها بدم الحرب والمذابح، فقد أخفقت في أن تعطي الإنسان قانونا خلقيا قادرا على ضبط غرائزه
    لذلك عاد مونتييه إلى الفلسفة ملتمسا قانونا خلقيا طبيعيا،وفضيلة لاترتبط بقيام العقائد الدينية وسقوطها، لهذا يرى في الرواقية المثل الأعلى ،فهو مدرب إرادته على التحكم في نفسه،متقبلا فكرة الموت ذاته على أنه نهاية طبيعية مغتفرة.
    ومن هذا المنطلق تأثر مونتييه بالكتب الكلاسيكية، وخاصة المذاهب القديمة من كتب شيشرون وسكستوسن امبير يقوس، التي تنطلق من الشك ،فقد وجدت لها أنصارا طوال القرن السادس عشر، إصطنعه بعضهم للإلحاد ،وبعض آخر لكي يخلصوا إلى أن الدين وحده يوفر لنا اليقين ويرشدنا إلى طريق السعادة ومنهم مونتييه(يوسف كرم : تاريخ الفلسفة الحديثة).
    كانت فلسفة مونتييه تحتوي على الشك الضروري للإبتعاد عن المسائل المثيرة للتعصب كموقف محايد في أكثر القضايا إثارة للجدل وسط الفلاسفة (هل يوجد الله؟ وهل الروح منفصلة عن الجسد...الخ).
    ويعتبر الشك بالنسبة له أسلوبا لتسهيل للحياة وجعلها ممتعة ،لكن شكه كان شبيها  بالشك الذي نادى به ديكارت فيما بعد ،لكن كان يختلف عنه في المنهج ، إذ أن منهج مونتييه هو تنظيم الحياة الخاصة، في حين كان منهج ديكارت هو البحث عن الحقيقة.
    لهذا كانت مفاهيم مونتييه جديدة بالمقارنة مع مفاهيم القرون الوسطى ،فهو يرفع من قيمة الإنسان والطبيعة والعقل ،ولم يعترف بقواعد التضحية المسيحية المترسخة في تلك الفترة.(المرجع السابق)
    ــــــــــــــــــــ
    يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة، ط5،ج1.
    زكي نجيب: قصة الفلسفة الحديثة
    لويس عوض: ثورة الفكر في عصر النهضة الأوروبية .
    جورج طرابيشي: معجم الفلاسفة،ط3.
    الفلسفة، تر، جورج كتورة .dtv بيتر كونزمان وآخرون: موسوعة اطلس ـ  
    موقع المعرفة الإلكتروني

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 12:33 am